الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أوزان مصادر أخرى مختلفة]
قال ابن مالك: (وربّما ورد كذلك مصدر «فوعل» وقد يقال: «فعّل فعّالا» و «فاعل فيعالا» و «تفعّل تفعّالا» و «افعللّ فعلّيلة» و «فعلل فعللى وفعللاء» وندر «فعّال» غير مصدر ما لم تبدل أوّل عينيه ياء، وأندر منه «فيعال» غير مصدر، وقد يغني في التّكثير عن «التّفعيل» «التّفعال» أو «الفعّيلى»، ويغني «الفعّيلى» أيضا عن التّفاعل).
قال ناظر الجيش: قال الشيخ (1): «كذلك» إشارة فيها إبهام؛ لأنه تقدمت له ثلاثة أحكام، منها قوله: إنّ مصدر الملحق بـ «فعلل» يأتي على مماثلة «فعللة» أو «فعلال» ، ومنها أن فتح «فعلال» إن كان مضعّفا جائز، ومنها أن الغالب أن يراد به حينئذ اسم الفاعل، قال: وإنما يريد من هذه المحتملات بقوله «وربّما ورد كذلك» أي: بكسر أوله وزيادة ألف قبل آخره مصدر «فوعل» ومثّل لذلك بـ «الحيقال» فإنه يقال: حوقل حوقلة وحيقالا، فـ «حوقلة» هو المصدر المنقاس، وقالوا: الحيقال كما قالوا: سرهاف، وأصله حوقال فانقلبت [5/ 20] الواو ياء لانكسار ما قبلها» انتهى.
ولا يظهر لي أن مراد المصنف ما قاله الشيخ، وذلك أن «حوقل» ملحق بـ «دحرج» ، ولا شك أن مجيء مصدر الملحق إنما يكون على قياس مجيء مصدر الملحق به حتى كأن المصدر ملحق بالمصدر أيضا، وقد قال ابن يعيش (2) في شرح المفصل لما أنشد هذا البيت وهو:
3578 -
يا قوم قد حوقلت أو دنوت
…
وشرّ حيقال الرّجال الموت (3)
-
(1) انظر التذييل والتكميل (6/ 130)(رسالة) وقد تصرف المؤلف فيما نقله.
(2)
هو موفق الدين يعيش بن علي الشهير بابن يعيش صاحب شرح المفصل (عشرة أجزاء) توفي سنة 643 هـ.
(3)
هذا بيت من الرجز المسدس قيل إنه لرؤبة. انظر ملحقات ديوانه (ص 170، 171).
الشرح: حوقلت من حوقل الشيخ حوقلة وحيقالا، إذا كبر وفتر عن الجماع، وبعض حيقال الرجال:
ويروى: وبعض حوقال - بفتح الحاء - وأراد المصدر فلما استوحش من أن تصير الواو ياء فتحه.
وأما حيقال: فأصله: حوقال - بكسر الحاء وسكون الواو - وقلبت الواو ياء لسكونها وكسر ما قبلها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: «ففيعال هنا ملحق بفعلال نحو: سرهاف» (1) انتهى.
وعلم من هذا أن مصدر «حوقل» يتعيّن كونه على مثال «فيعال» ، وإذا كان كذلك فالمصنف قد عرّفنا أن مصدر «فعلل» والملحق به كما يأتي على «الفعللة» يأتي على «الفعلال» بكسر أوله وزيادة ألف قبل آخره، فما كان بعد ذكره ذلك ليذكره ثانيا إذ لا فائدة في ذلك.
والظاهر أن المراد من قوله: وربّما ورد كذلك مصدر فوعل - الإشارة إلى الفتح في قوله: وفتح أوّل هذا إن كان كالزّلزال جائز. لكن إذا فتح الأول وجبت سلامة الواو فيقال: حوقال إذ لا موجب حينئذ لقلب الواو ياء (2).
ثم إن المصنف أشار بعد ذلك إلى مصادر خمسة أفعال جاءت على غير القياس الذي تقدمت الإشارة إليه (3): وهي: «فعّل» و «فاعل» و «تفعّل» و «افعللّ» و «فعلل» . فأما «فعّل» فإن مصدره جاء على «فعّال» قالوا: كلّمته كلّاما (4)، وقد عرف أن قياسه «التّكليم» ، وقال الله تعالى: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (5).
وأما «فاعل» فإن مصدره جاء على «الفيعال» قالوا: ضاربته ضيرابا (6)، وقد عرف أن قياسه الضّراب والمضاربة. -
- والاستشهاد بالبيت على أن «حيقال» على وزن «فيعال» وهو مصدر فوعل والقياس في مصدره حوقلة كدحرج دحرجة ولكنه جاء على «فيعال» كحيقال. والبيت في المنصف (1/ 39) برواية «وبعض حيقال» ، و (3/ 7) برواية «وشر حيقال» ، والمقتضب (2/ 94)، والبيت في شرح المفصل لابن يعيش (7/ 155)، وانظر العيني (3/ 573).
(1)
انظر ابن يعيش (7/ 155).
(2)
ما ذهب إليه المؤلف - فيما أرى - هو الأقرب إلى الصواب خاصة أنه قد وردت رواية للبيت السابق:
…
وبعض حيقال
…
قيل: روي: وبعض حوقال كما ذكر العيني (3/ 573)، وروي:
وبعد حوقال، كما ذكر صاحب اللسان (حقل) بعد إنشاده البيت السابق.
(3)
أي فيما سبق من أول باب مصادر غير الثلاثي إلى أن انتهى منها جميعا.
(4)
الكتاب (4/ 79)، وقال:«أرادوا أن يجيئوا به على الإفعال فكسروا أوله وألحقوا الألف قبل آخر حرف فيه ولم يريدوا أن يبدلوا حرفا مكان حرف ولم يحذفوا» وانظر شرح لامية الأفعال (ص 130).
(5)
سورة النبأ: 28.
(6)
قال في الكتاب (4/ 80)«وأما الذين قالوا: تحمّلت تحمّالا فإنهم يقولون قاتلت قيتالا فيوفّرون الحروف ويجيئون به على مثال قولهم: كلّمته كلّاما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما «تفعّل» فإن مصدره جاء على «تفعّال» قالوا: تحمّلته تحمّالا (1)، وقد عرف أن قياسه «التّحمّل» .
وأما «افعللّ» فإن مصدره جاء على «فعلّيلة» كقشعريرة، وطمأنينة (2)، وقد عرف أن قياسه: الاقشعرار والاطمئنان.
واعلم أن الشيخ ناقش المصنف في جعله «القشعريرة» و «الطّمأنينة» من المصادر مستندا إلى قول سيبويه رحمه الله تعالى: «فمنزلة اقشعررت من القشعريرة واطمأننت من الطّمأنينة بمنزلة «أنبت من النّبات» (3). قال الشيخ (4): يريد - يعني سيبويه - أن القشعريرة والطّمأنينة اسمان وليسا بمصدرين لهذين الفعلين، وإن كانا قد يوضعان في موضع المصدر كما أن «النبات» ليس بمصدر لـ «أنبت» ولكن يوضع موضعه. انتهى.
وإذا حقّق الأمر لا يتوجّه على المصنف مناقشة لأنه لم يصرح بالمصدرية وإنما ذكر أنه يقال: افعللّ فعلّيلة فإن ثبت أن «فعلّيلة» مصدر فيها، وإلّا فهي اسم موضوع موضع المصدر كما أن «النّبات» ليس بمصدر ولكنه وضع موضعه كما في قوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (5).
والحاصل: أن المصنف قال: وقد يقال: فعّل فعّالا وكذا وكذا إلى آخرها، فما كان منها مصدرا حكم بمصدريته، وما لم يكن مصدرا حكم بأنه اسم للمصدر (6)، والعجيب أن الشيخ ناقش المصنف - كما عرفت - في كونه يطلق المصدر على ما هو اسم مصدر، ثم إنه أورد بعد ذلك - كما سأذكره عنه - جملة ألفاظ ذكر أنها -
(1) الكتاب (4/ 79، 80)، وقال: «أرادوا أن يدخلوا الألف كما أدخلوها في أفعلت واستفعلت، وأرادوا الكسر في الحرف الأول كما كسروا أول
إفعال واستفعال ووفّروا الحروف فيه كما وفّروهما فيهما».
(2)
انظر الكتاب (4/ 85)، وشرح لامية الأفعال (ص 124).
(3)
الكتاب (4/ 86).
(4)
انظر التذييل والتكميل (6/ 131)، وهذا الكلام الذي ذكره أبو حيان موضحا به كلام سيبويه هو كلام أبي سعيد السيرافي بنصه وفصه. انظر هامش الكتاب (4/ 86).
(5)
سورة نوح: 17.
(6)
وهذا هو الصواب لأن عبارة المصنف لا تحتمل ما ذهب إليه الشيخ أبو حيان إلا من باب «التحامل» عليه كما هي عادته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مصادر، وإنما هي أسماء للمصادر.
وأما «فعلل» فإن مصدره جاء على «فعللى» كـ «قهقرى» (1) و «قرطبى» يقال: قرطبى: القرطبى إذا زلق فوقع على فقار ظهره (2)، وجاء أيضا على «فعللاء» مثاله: قرفص القرفصاء، قال الشاعر:
3579 -
جلوس القرفصاء كذا مكبّا
…
فما تنساح نفسي لانبساط (3)
قال الشيخ (4): «وقد تعرض المصنف في هذا الباب لبعض المصادر الخارجة عن القياس في ما زاد فعلها على ثلاثة أحرف، ونحن نذكر من ذلك جملة» .
- ثم ذكر من مصادر «أفعل» فعالا نحو: «أنبت نباتا» (5)، و «أعطى عطاء» وفعلا كـ «أقرض قرضا» و «أغلق غلقا» وفعلى وفعلى نحو:«أفتى فتيا وفتوى» و «أبقى عليه بقيا وبقوى» و «أرعى عليه - بمعنى أبقى عليه - رعيا ورعوى» و «أعدى عدوى» (6).
و «فعيلة» نحو: «آلى أليّة» (7)، و «فعلة» نحو:«أطاق طاقة» و «أجاب -
(1) القهقرى: مشية إلى خلف. انظر المنقوص والممدود للفراء (ص 15، 16)، والممدود والمقصور للوشاء (ص 39) واللسان (قهقرى).
(2)
انظر اللسان (قرطب).
(3)
هذا البيت من الوافر وهو لقائل مجهول. الشرح: «القرفصاء» ضرب من القعود يمد ويقصر، فإذا قلت: قعد فلان القرفصاء، فكأنك قلت: قعد قعودا مخصوصا وهو أن يجلس على أليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه يضعهما على ساقيه كما يحتبي بالثوب تكون يداه مكان
الثوب، وقال أبو المهدي: هو أن يجلس على ركبتيه منكبّا ويلصق بطنه بفخديه ويتأبط كفيه وهي جلسة الأعراب. انظر اللسان (قرفص) وتنساح: أي تميل. والشاهد: في «قرفصاء» حيث إنه جاء مصدرا على فعللاء لفعلل.
والبيت في تاج العروس للزبيدي (قرفص)(4/ 431)، والتذييل والتكميل (6/ 132).
(4)
انظر التذييل والتكميل (6/ 132).
(5)
قيل إن نبات في الحقيقة مصدر نبت وقد جرى على أنبت وهو ظاهر مذهب سيبويه. انظر الكتاب (4/ 82)، وابن يعيش (1/ 111).
(6)
أعداه من علّته وخلقه وأعداه به جوّزه إليه، والاسم من كل ذلك العدوى، والعدوى: طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك أي ينتقم منه، والعدوى: النّصرة والمعونة، وأعداه عليه: نصره وأعانه.
انظر اللسان (عدا).
(7)
أليّة: بزنة «فعيلة» من آلى على الشّيء: إذا أقسم. انظر اللسان (ألا).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جابة» و «أطاع طاعة» و «أغار غارة» (1) هذا في المعتل.
وجاء في الصحيح «أرزمت السّماء رزمة» (2) و «أجلب القوم جلبة» (3).
و «فعلا» كـ «الحصر» (4) و «اليسر» و «العسر» و «النّذر» و «القبل» و «الدّبر» و «الفحش» و «الهجر» .
قال (5): كلها (6) بمعنى: الإفعال من «أفعل» ، تقول:«أيسر إيسارا» وكذا باقيها فهذه سبعة أبنية جاءت مصادر لـ «أفعل» وهي مخالفة للقياس.
وذكر من مصادر «تفعّل» «فعلياء» نحو: «تكبّر كبرياء» ، و «فعلوت» كـ «تجبّر جبروتا» و «فعولا» كـ «توضّأ وضوءا» و «تطهّر طهورا» ومنهم من لم يثبت «فعولا» في المصادر إلا قليلا (7)، وخرّج هذا على أن «وضوءا» و «طهورا» صفتان لمصدرين محذوفين، الأصل توضّأ توضّؤا وضوءا، وتطهّر تطهّرا طهورا.
وأقول: إن بعد هذا التّخريج لا يخفى، وقد قال ابن خروف: هذه دعوى لا دليل عليها وليس كونه مصدرا بأبعد من هذا (8)، قال الشيخ (9): ولم يحك أحد يوثق به «الوضوء» - بضم الواو - لشيء من الأشياء، وقد يكون الطهور (10).
و «تفعلة» مثاله: «تقدّم تقدمة» . -
(1) قيل إن الأصل فيه وفي بقية الأمثلة المذكورة: إطاقة، وإجابة، وإطاعة، وإغارة، فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال ووزنه عند الخليل «فعلة» بسكون العين. لأن المحذوف عنده الزائد، ووزنه على رأي الأخفش:«فالة» لأن المحذوف عنده الأصلي. انظر التذييل والتكميل (6/ 133)، وابن يعيش (6/ 85)، وشرح التصريح (2/ 75).
(2)
الرّزمة: الصّوت الشّديد، وأرزمت السّماء: اشتدّ صوت رعدها. انظر اللسان (رزم).
(3)
أجلب القوم: أي صاحوا. انظر اللسان (جلب).
(4)
الحصر: احتباس البطن. اللسان (حصر).
(5)
أي الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 133)(رسالة).
(6)
إشارة إلى الحصر واليسر
…
إلخ.
(7)
هو أبو الحسن الأخفش كما ذكر أبو حيان في التذييل (6/ 133)، وانظر معاني القرآن للأخفش (1/ 135)(رسالة).
(8)
انظر التذييل (6/ 133).
(9)
الذي في التذييل (6/ 134)، أن هذا ليس كلام الشيخ وإنما هو من كلام ابن خروف.
(10)
في التذييل (6/ 133)(رسالة)«وقد يكون الطهور من صفة الماء، كما قال عليه السلام «هو الطهور ماؤه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذكر من مصادر «افتعل» «فعلة» نحو: «اتّأد تؤدة» و «اتّأب تؤبة» (1)، و «فعلة» نحو:«احتاط حوطة وحيطة» (2)، و «فعلة» نحو:«اختلف خلفة» (3) و «اغتاب غيبة» و «فعلة» نحو: «اختار خيرة» .
وذكر من مصادر «تفعّل» «فعلة» نحو: «اطّيّر طيرة» (4) و «فعلة» نحو:
«تأنّى أناة» (5) وذكر من مصادر «استفعل» «فعلة» نحو: «استراح راحة» .
وذكر من مصادر «فاعل» «فاعلة» نحو: «عافاه الله عافية» بمعنى: معافاة (6).
ثم قال: وجميع هذا الفصل يسمّيه [5/ 21] بعض النحويين أسماء بمعنى المصدر (7). انتهى.
وإذا كان الأمر عند معظم النحويين كما ذكر فكيف أورد ما ذكره على أنه من المصادر على ما يعطيه كلامه في الشرح؟ ولا شك أن هذه الكلمات التي ذكرها أسماء مصادر، وإذا كانت كذلك فلا استدراك بها على المصنف ولا على غيره، وربما بقيت أسماء أخر للمصادر لم يذكرها الشيخ إذ لا حاجة إلى ذكر ذلك من أصله، لأن المقصود إنما هو معرفة ما هو مصدر إذ التبويب له، فإذا علمنا الصيغة التي يختص بها مصدر كل فعل علمنا أن ما ورد غير
ذلك مما فيه دلالة على ما دل عليه المصدر يعدّ من أسماء المصادر. -
(1) اتّأب: استحيا، والتّؤبة: الخزي والحياء والانقباض. انظر اللسان (وأب).
(2)
في اللسان (حوط): «واحتاط الرجل لنفسه أي أخذ بالثقة والحوطة والحيط: الاحتياط.
(3)
قال في اللسان (خلف): «وقد خلّف فلان فلانا يخلّفه تخليفا، وخلف بعده يخلف خلوفا وقد خالفه إليهم واختلفه وهي الخلفة» .
(4)
الطّيرة: الشّؤم واطّيّر: أصله: تطيّر فأدغمت التّاء في الطّاء واجتلبت الألف ليصحّ الابتداء بها.
انظر اللسان (طير).
(5)
الأناة: التّؤدة وتأنّى في الأمر أي ترفّق وتنظّر. اللسان (أنى).
(6)
في اللسان (عفا): «وقال الليث: العافية دفاع الله تعالى عن العبد يقال: عافاه الله عافية، وهو اسم يوضع موضع المصدر الحقيقي وهو المعافاة» . وقال ابن سيده «وأعفاه الله وعافاه معافاة وعافية مصدر كالعافية والخاتمة: أصحّه وأبرأه» .
(7)
انظر الكتاب (4/ 81 - 84)، وشرح الشافية (1/ 167)، وقال أبو حيان في التذييل:(6/ 134): «ويسمّيه بعض اللغويين مصدرا للفعل» وانظر ما نقلناه عن اللسان (عفا) قريبا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واعلم أن المصنف لما ذكر أن «فعّالا» و «فيعالا» يكونان مصدرين، أشار إلى أن هاتين الصيغتين قد تأتيان غير مصدرين في الندور بقوله: وندر فعّالا غير مصدر ما لم تبدل أوّل عينيه ياء، وأندر منه فيعال غير مصدر.
فأما «فعّال» غير مصدر فنحو «قثّاء» (1) و «حنّاء» (2)، وأما «فيعال» غير مصدر فنحو:«ناقة ميلاع» (3) فإن «ميلاعا» صفة، ونحو:«ديماس» (4) أيضا.
وأما تقييده «فعّالا» بقوله «ما لم تبدل أوّل عينيه ياء» فقال فيه الشيخ (5):
«ذلك نحو: شيراز (6)، وقيراط، وديباج (7)، في قول من قال في تصغيره:
«دبيبيج» وفي جمعه: «دبابيج» لا في قول من قال: «دييبيج» و «ديابيج» - بالياء - فإنه يكون من باب «فيعال» غير المصدر، وغير المبدل من أول عينيه ياء وزنه «فعّال» وأصله: قرّاط، ودبّاج، وشرّاز، بدليل قولهم في الجمع: قراريط، ودبابيج، في أحد القولين فيه، وشراريز». انتهى.
ولم يظهر لي انطباق ما قاله على عبارة المصنف.
ثم أشار - أعني المصنف - إلى أن «التّفعال» يغني في التكثير عن «التّفعيل» ، وأن «الفعّيلى» يغني فيه عنه أيضا.
فأما «التّفعال» فمثاله: «التّضراب» و «التّرداد» و «التّجوال» و «التّقتال» و «التّطواف» ومنه قول طرفة:
3580 -
وما زال تشرابي الخمور ولذّتي
…
وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي (8)
-
(1) القثّاء: الخيار. اللسان (قثا).
(2)
هو ما يخضّب به.
(3)
ناقة ميلاع: أي سريعة. اللسان (ملع) وقال: «وميلاع نادر فيمن جعله فيعالا وذلك لاختصاص المصدر بهذا البناء» .
(4)
الدّيماس: الحمّام، وقيل: الكنّ وقيل: الشّرب وقيل: هو سجن الحجّاج بن يوسف الثقفي سمّي به على التشبيه. انظر اللسان (دمس).
(5)
انظر التذييل (6/ 135).
(6)
كلمة فارسية.
(7)
الدّيباج: ضرب من الثّياب مشتق من ذلك بالكسر والفتح، مولّد والجمع ديابيج ودبابيج. قال ابن جني: قولهم: دبابيج يدل على أن أصله دبّاج وأنهم إنما أبدلوا الباء ياء استثقالا لتضعيف الباء وكذلك الدّينار والقيراط وكذلك في التصغير». اللسان (دبج).
(8)
البيت من الطويل وهو من معلقة طرفة بن العبد المشهورة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال الشيخ (1): «وليس بمصدر جار إلا أن ظاهر كلام النحويين فيه أنه مقيس» (2) ثم قال: «وقوله - يعني المصنف - وقد يغني عن التّفعيل، مشعر بأن «التّفعال» يغني عن التّفعيل، وأنه يكون مصدرا للفعل الذي يراد به التكثير الذي هو على وزن «فعّل» إذ مصدره «تفعيل» ، وليس الأمر كذلك على مذهب البصريين، لأن «التّفعال» عندهم يدل على المصدر الكثير، لا أنه مبني على فعل الذي يراد به الكثرة، قال سيبويه (3) - رحمه الله تعالى - «هذا باب ما يكثر فيه المصدر من فعلت فتلحق الزوائد، وتبنيه بناء آخر كما أنك إذا قلت في فعلت: فعّلت، حين كثّرت الفعل وذلك قولك في الهذر: التّهذار (4)، وفي اللّعب: التّلعاب، وفي الرّد: التّرداد، وفي الصّفق: التّصفاق (5)، وفي الجولان: التّجوال، والتّقتال، والتّسيار (6)، وليس شيء من هذا مصدر فعّلت، ولكن لما أردت التكثير بنيت المصدر على هذا كما بنيت فعّلت» (7) انتهى كلام سيبويه.
قال الشيخ (8): «فجعل سيبويه التفعال تكثيرا للمصدر الذي هو للفعل الثلاثي، فالتهذار بمنزلة الهذر الكثير،
والتلعاب بمنزلة اللعب الكثير. -
- الشرح: تشرابي: أي شربي، متلدي من قولهم: مال متلد وخلق متلد: قديم.
ومعنى البيت: أي لم أزل أشرب الخمر وأشتغل باللذات وبيع الأعلاق السمينة وإتلافها كأن هذه الأشياء بمنزلة المال المستحدث. طريفي أي: المستحدث الجديد والمتلد: الموروث.
الشاهد في البيت: قوله «تشرابي» حيث جاء على التّفعال لإفادة التكثير فهو بمعنى: الشّرب الكثير.
والبيت في جمهرة أشعار العرب (ص 324)، وشرح القصائد للتبريزي (ص 170)، وشرح القصائد السبع للزوزني (ص 110)، وديوان طرفة (ص 31).
(1)
انظر التذييل والتكميل (6/ 136) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عن الشيخ.
(2)
قال ابن يعيش (6/ 56)«وهي مصادر جرت على غير أفعالها» وقال الرضي «وهو مع كثرته ليس بقياس مطرد» شرح الشافية (1/ 167)، وفي الهمع (2/ 168)«وزعم بعضهم قياس التّفعال» .
(3)
الكتاب (4/ 83، 84).
(4)
الهذر والتّهذار: الهذيان. انظر اللسان (هذر).
(5)
الصّفق والتّصفاق: الضرب الذي يسمع له صوت، والصّفق: ضرب اليد على اليد. اللسان (صفق).
(6)
التّسيار: السّير وهو بناء أريد به الكثرة. انظر اللسان (سير).
(7)
في نص سيبويه (4/ 84) قوله «على فعّلت» وهذه العبارة موجودة في نص التذييل والتكميل. (6/ 136).
(8)
التذييل والتكميل (6/ 136).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذهب الفراء وغيره من أهل الكوفة (1) إلى أن «التّفعال» بمنزلة «التّفعيل» والألف عوض من الياء فيجعلون ألف التّكرار ونحوه بمنزلة ياء التّكرير ونحوه، وهو ظاهر قول المصنف إذ قال: ويغني عن التّفعيل التّفعال.
فيرى الفراء ومن قال بقوله أن «التّرداد» من «ردّد» و «التّطواف» من «طوّف» - بتشديد العين - والصحيح ما ذهب إليه سيبويه لأنه يقال: التّلعاب ولا يقال:
التّلعيب (2)، فلو كان «التّفعال» مصدرا لـ «فعّل» - المشدد العين - لسمع فيه «التّلعيب» كما سمع في كل مصدر لفعّل»
انتهى.
وأقول: إن مما يدل على صحة ما قاله عن سيبويه بيت طرفة المتقدم الإنشاد وهو:
3581 -
وما زال تشرابي الخمور
…
...
…
لأنه يريد: وما زال شربي الخمور (3).
ثم قال الشيخ (4): «وهذه المصادر التي جاءت على تفعال هي بفتح التاء، فأما قولهم: التّبيان والتّلقاء، فإنهما اسمان وضعا موضع المصدر قال الراعي (5):
3582 -
أمّلت خيرك هل تدنو مواعده
…
فاليوم قصّر عن تلقائك الأمل (6)
-
(1) انظر السيرافي بهامش كتاب سيبويه (4/ 84)، وابن يعيش (6/ 56) وقال:«ولا بأس به لأن التّفعيل مصدر فعّل وهو بناء كثرة فلم يأتوا بلفظه لئلا يتوهم أنه منه فغيروا الياء بالألف وبقوا التاء مفتوحة» وانظر شرح الشافية (1/ 167).
(2)
انظر السيرافي بهامش الكتاب (4/ 84)، وشرح الشافية (1/ 167)، وقال الرضي:«ولهم - يعني الكوفيين - أن يقولوا: إن ذلك مما رفض أصله» .
(3)
يريد أنه مصدر «شرب» ولكن لما قصد المبالغة والتكثير بناه على التّفعال فقال: تشراب.
(4)
التذييل (6/ 137).
(5)
في ديوانه (ص 112)، والراعي هو «عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل النميري أبو جندل» شاعر من فحول المحدثين، كان من جلّة قومه، ولقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل. توفي سنة 90 هـ.
انظر ترجمته في الأعلام (4/ 188)، والشعر والشعراء (ص 422 - 425)، والخزانة (1/ 504)، وشرح شواهد المغني (ص 336، 337).
(6)
هذا البيت من البسيط، الشرح: يقول مخاطبا امرأة: أمّلت أن أصل إلى ما كنت تعدينني به فلما أكثر إخلافك لي أقصر أملي أي كفّ عن أن يتعلق بشيء من جهتك وتلقائك: بمعنى: لقائك. ويروى «هل تأتي مواعده» وهي رواية الكتاب (4/ 84)، والعيني (2/ 337)، والتذييل (6/ 137)، والاستشهاد بالبيت: على أن «تلقاء» مصدر بمعنى اللقاء وكل مصدر هكذا فهو مفتوح التاء كالتجوال والتطواف إلا -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يريد بالتّلقاء: اللّقاء، وزعم الأعلم أن هذه المكسورة الأول جاءت نادرة على الشذوذ بالكسر ومعناها التكثير (1) وهو فاسد مخالف لنص سيبويه، ومعنى البيت:
أنه أعطاه عند لقائه أكثر مما أمّل» انتهى.
ولم يبين الشيخ فساد القول بأن «التّبيان» و «التّلقاء» مصدران، وأما نص سيبويه فلم يذكره (2). وقد حكم أبو البقاء العكبري بمصدريتهما فإنه قال (3): وليس في المصادر المبنية على هذا البناء مكسور التّاء، إلا التّبيان والتّلقاء، ثم قال أبو البقاء: فأما الأسماء التي جاءت على هذا البناء فمكسورة التاء نحو: التّمثال والتّمساح (4) والتّجفاف (5).
وأما «الفعّيلى» فمثاله (6)«الدّلّيلى» و «الهزّيمى» و «المكّيثى» و «الحضّيضى» و «الخصّيصى» و «الحجّيزى» و «الخلّيفى» (7) و «الهجّيرى» (8) و «الرّبّيثى» (9) و «الفخّيرى» و «المنّينى» قال الشيخ بعد ذكر هذه الأمثلة (10):
وهو بناء يدل على التكثير في المصدر، وقول المصنف: إنه يغني عن التّفعيل، ليس بجيد، لأن هذه المصادر لم تجر على «فعّل» - بتشديد العين - وإنما هي من «فعل» الثلاثي نحو: دلّ، وهزم، ومكث، [وحضّ]، وخصّ، [وحجز، وخلف، -
- التلقاء والتبيان. وانظر البيت في شرح السيرافي (6/ 155)(رسالة)، وابن السيرافي (1/ 295، 296)، وديوان الراعي (ص 113).
(1)
انظر شواهد الأعلم بهامش كتاب سيبويه (2/ 245)(بولاق).
(2)
انظر نص سيبويه في الكتاب (4/ 84)، وانظر شرح الشافية (1/ 167)، وقال ابن يعيش (6/ 56)«وليس في المصادر تفعال - بكسر التاء - إلا هذين المصدرين وما عداهما تفعال بالفتح» .
(3)
انظر التبيان (ص 571، 572) وقد تصرف المؤلف في نقله.
(4)
التّمساح: خلق على شكل السّلحفاة إلا أنه ضخم قويّ طويل. والتّمساح من الرّجال: المارد الخبيث وقيل: الكذّاب. انظر اللسان (مسح).
(5)
التّجفاف: الذي يوضع على الخيل من حديد أو غيره في الحرب. اللسان (جفف).
(6)
انظر الكتاب (4/ 41)، وابن يعيش (6/ 56)، وشرح الشافية (1/ 168).
(7)
الخلّيفى: كثرة تشاغله بالخلافة وامتداد أيّامه فيها. انظر الكتاب (4/ 41)، واللسان (خلف).
(8)
الهجّيرى: كثرة الكلام والقول بالشّيء. الكتاب (4/ 41)، وانظر اللسان (هجر).
(9)
الرّبّيثي: من التّربّث تقول: وفعل ذلك له ربّيثى وربيثه أي خديعة وحبسا. انظر اللسان (ربث)، والممدود والمقصور (ص 38).
(10)
التذييل (6/ 138)(رسالة).