المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حكم الفعل المعطوف بالواو أو الفاء على الشرط أو الجواب] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٨

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الخامس والخمسون باب أبنية الأفعال ومعانيها

- ‌[أبنية الثلاثي ومعانيها]

- ‌[اسم الفاعل من فعل بالضم]

- ‌[مضارع فعل بالكسر يفعل بالفتح إلا بعض الأفعال]

- ‌[معاني فعل بالكسر وتسكين عينه تخفيفا]

- ‌[أوزان اسم الفاعل من الأفعال المختلفة]

- ‌[معاني فعل بالفتح]

- ‌[معان أخرى كثيرة لفعل المفتوح العين]

- ‌[مضارع فعل المفتوح العين يفعل بكسرها]

- ‌[حكم الفعل المضارع من غير الثلاثي]

- ‌[معاني فعلل]

- ‌[معاني أفعل المزيد بالهمز]

- ‌[معاني فعّل بالتشديد]

- ‌[معاني تفعّل المزيد بالتاء والتشديد]

- ‌[معاني فاعل وتفاعل]

- ‌[معاني افتعل المزيد بالهمز والتاء]

- ‌[معاني انفعل المزيد بالهمز والنون]

- ‌[معاني استفعل]

- ‌[معاني افعلّ بتشديد اللام وافعوعل]

- ‌[معاني افعوّل وما ندر من الأوزان الأخرى]

- ‌[حكم فعل الأمر من أنواع الأفعال السابقة]

- ‌الباب السادس والخمسون باب همزة الوصل

- ‌[مواضع همزة الوصل]

- ‌[أحكام خاصة بهمزة الوصل]

- ‌الباب السابع والخمسون باب مصادر الفعل الثّلاثي

- ‌[أوزان بعض هذه المصادر]

- ‌[من أوزان مصادر الثلاثي]

- ‌[مصادر الحرف والأدواء والأصوات والألوان]

- ‌[مصادر الفعل المتعدي - اسم المرة والهيئة]

- ‌الباب الثامن والخمسون باب مصادر غير الثّلاثي

- ‌[مصادر المبدوء بهمزة وصل، مصادر أفعل وفعّل وفاعل]

- ‌[أوزان مصادر أخرى مختلفة]

- ‌[لزوم تاء التأنيث في بعض المصادر]

- ‌[مجيء المصدر على وزن اسمي الفاعل والمفعول]

- ‌الباب التاسع والخمسون باب ما زيدت الميم في أوّله لغير ما تقدّم وليس بصفة

- ‌[أسماء الزمان والمكان]

- ‌[الزمان والمكان على وزن مفعل بالكسر أو الفتح]

- ‌[مجيء مفعلة للسبب - اسم الآلة]

- ‌الباب الستون باب أسماء الأفعال والأصوات

- ‌[بعض أحكام أسماء الأفعال]

- ‌[أنواع أسماء الأفعال: أمر - ماض - حاضر]

- ‌[أسماء فعل الأمر ومعانيها]

- ‌[أسماء الفعل الماضي والمضارع ومعانيها]

- ‌[أسماء الفعل المنقولة من ظرف وجار ومجرور]

- ‌[القياس على بعض هذه الأسماء]

- ‌[خلاف العلماء في موضع الضمير المتصل بها]

- ‌[أحكام أخرى لهذه الأسماء]

- ‌[أسماء الأصوات: أنواعها - أمثلة لها - أحكامها]

- ‌الباب الحادي والستون باب نوني التّوكيد

- ‌[نوعاهما - لحوقهما المضارع وجوبا، والأمر والمضارع جوازا]

- ‌[حكم المضارع المؤكد بالنون: معرب أم مبني]

- ‌[أحكام خاصة بنون التوكيد الخفيفة]

- ‌[تعريف التنوين - فائدته - بعض أحكامه]

- ‌الباب الثاني والستون [باب منع الصّرف]

- ‌[تعريف الصرف وشرح التعريف]

- ‌[ما يمتنع صرفه لعلة واحدة]

- ‌[ما يمتنع صرفه لعلتين: الوصفية، وعلة أخرى]

- ‌[خلاف فيما كان علما على وزن الفعل]

- ‌[ما يمتنع صرفه للعلمية وعلة أخرى]

- ‌[ما يمتنع صرفه للعلمية والتأنيث]

- ‌[مسألتان في العلم المختوم بالزيادتين والمجهول الأصل]

- ‌[حكم أسماء القبائل والأماكن]

- ‌[تعريفات ومسائل في أسماء القبائل]

- ‌[ما يمتنع صرفه معرفة ونكرة وما يمتنع صرفه معرفة فقط]

- ‌[حكم جوار ونحوه في أحواله الثلاثة]

- ‌[الآراء في إعراب المركب المزجي]

- ‌[ما يمتنع صرفه للوصفية والعدل]

- ‌[حكم وزن فعل توكيدا]

- ‌[حكم سحر ووزن فعل ووزن فعال علما وغيره]

- ‌[حكم الصرف وعدمه بالنسبة إلى الاسم مكبرا ومصغرا]

- ‌[أسباب صرف ما لا ينصرف وحكم منع المصروف]

- ‌الباب الثالث والستون [باب التسمية بلفظ كائن ما كان]

- ‌[شرح العنوان وبيان معناه]

- ‌[للاسم المسمى به ما كان له قبل التسمية]

- ‌[يعرب الاسم المسمى به بما كان له قبل التسمية]

- ‌[إجراء حاميم وياسين مجرى قابيل]

- ‌[المسمى به إذا كان ناقصا كمن وعن]

- ‌[أحكام مختلفة في المسمى به]

- ‌[جواز الإعراب والحكاية في الجار والمجرور]

- ‌[حكم الفعل والعلامة في لغة يتعاقبون]

- ‌[تسمية المذكر ببنت وأخت]

- ‌[حكم التسمية بالأسماء الموصولة]

- ‌[أسماء الحروف الهجائية وحكمها]

- ‌[أحكام أخرى لأسماء الحروف]

- ‌الباب الرابع والستون [باب إعراب الفعل وعوامله]

- ‌[اختلاف النحويين ومذاهبهم في رافع المضارع]

- ‌[أحكام «أن» المخففة و «أن» المصدرية]

- ‌[خلاف العلماء في «أن» بأنواعها]

- ‌[«لن» الناصبة للمضارع وأحكامها]

- ‌[كي الناصبة للمضارع وأحكامها]

- ‌[إذن الناصبة للمضارع وأحكامها]

- ‌[إضمار «أن» وجوبا بعد «لام» الجحود وبعد «حتى»]

- ‌[إضمار «أن» وجوبا بعد «أو»]

- ‌[عدم جواز الفصل بين «حتى» و «أو» وبين الفعل]

- ‌[إضمار «أن» وجوبا بعد فاء السببية المسبوقة بالأجوبة الثمانية]

- ‌[حكم تقديم الجواب المقترن بالفاء على سببه]

- ‌[إضمار «أن» وجوبا بعد واو المعية في الأجوبة المذكورة]

- ‌[سقوط الفاء من الأجوبة وجزم الفعل]

- ‌[حكم الجواب المدلول عليه باسم الفعل جزما ونصبا]

- ‌[حكم الفعل المعطوف بالواو أو الفاء على الشرط أو الجواب]

- ‌[جواز إظهار «أن» وإضمارها بعد عاطف على اسم صريح وبعد لام التعليل]

- ‌[«أن» الزائدة ومواضع ذلك و «أن» المفسرة وأحكام لها]

- ‌[حكم المضارع بعد «حتى» نصبا ورفعا]

الفصل: ‌[حكم الفعل المعطوف بالواو أو الفاء على الشرط أو الجواب]

[حكم الفعل المعطوف بالواو أو الفاء على الشرط أو الجواب]

قال ابن مالك: (وقد تضمر «أن» النّاصبة بعد «الواو» و «الفاء» الواقعتين بين مجزومي أداة شرط، أو بعدهما، أو بعد حصر بـ «إنّما» اختيارا، أو بعد الحصر بـ «إلّا» والخبر المثبت الخالي من الشّرط اضطرارا، وقد يجزم المعطوف على ما قرن بـ «الفاء» اللّازم لسقوطها الجزم، والمنفيّ بـ «لا» الصّالح قبلها «كي» جائز الرّفع والجزم سماعا عن العرب).

ــ

منصوب بعد «الفاء» ؛ لأن «الفاء» عنده ليست عاطفة؛ لأن النصب عنده بالخلاف لا بإضمار «أن» كما تقدم، ولكن قد علم فساد هذا القول - أعني أن النصب بالخلاف - وإذا كان فاسدا فالمرتب عليه فاسد.

ومنها: أن قول الإمام بدر الدين رادّا على من أجاز النصب في نحو: نزال فأنزل:

وليس في كون «نزال» وشبهه مشتقّا من لفظ المصدر ما يسوغ تأويله بالمصدر إلى آخر كلامه - يقتضي أن النصب بعد «الفاء» أو «الواو» في الأجوبة المعروفة من شرطه أن الجملة المتقدمة على أحد الحرفين المذكورين لا بد أن تشتمل على فعل أو ما فيه معنى الفعل من مشتق أو ظرف أو جار ومجرور، وكلام ابن عصفور يقتضي ذلك، وقد تقدم لنا ذكر ذلك عنه عند الكلام على جواب الاستفهام، على أنه قد صرح بذلك في غير الاستفهام.

وحاصل ما يطابق عليه كلام ابن عصفور وابن المصنف والشيخ أن الجملة الاسمية المتقدمة إذا لم يكن فيها مشتق ولا ظرف ولا جار ومجرور لا يجوز نصب الجواب المقرون بـ «الفاء» بعدها، وقد تقدم البحث في ذلك، ولا يظهر لي وجه امتناع النصب في: هل أخوك زيد فنكرمه؟ لأن المصدر يمكن تقديره، ولكن الأئمة قد منعوا ذلك

فوجب الاستمساك بقولهم.

ومنها: أن قول الإمام بدر الدين: واعلم أن الأمر إنما يجزم بعد المضارع إذا كان جوابا لما يدل عليه دلالة ظاهرة إلى آخر الفصل - كلام منقّح، والظاهر أنه من نتيجة فكره وقوة نظره ولا شك أنه أهل لذلك رحمه الله تعالى.

قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (1) رحمه الله تعالى: قد تضمر «أن» -

(1) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 44).

ص: 4239

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الناصبة بعد «واو» الجمع و «فاء» الجواب في غير المواضع المذكورة وذلك على ضربين: أحدهما جائز في الاختيار وسعة الكلام، والآخر مخصوص بالضرورة، فيجوز في الاختيار إضمار «أن» الناصبة بعد «الواو» و «الفاء» الواقعتين بين مجزومي أداة شرط أو بعدهما، أو بعد حصر بـ «إنّما» .

مثال الأول: إن تأتني فتحدثني أكرمك، فتنصب ما بعد «الفاء» ؛ لأن الشرط غير واجب فيجوز أن يلحق بالنفي، قال سيبويه (1): وسألت الخليل عن قوله: إن تأتني فتحدثني وإن تأتني وتحدثني أحدثك فقال: هذا يجوز والجزم الوجه، ووجه نصبه أنه حمل على الاسم كأنه أراد أن يقول: إن يكن منك إتيان فحديث أحدثك، فلما قبح أن يرد الفعل على الاسم نوى «أن» ؛ لأن الفعل معها اسم، وإنما كان الوجه [5/ 129] الجزم؛ لأنه إذا نصب كان المعنى معنى الجزم فيما أراد من الحديث، وأنشد الشيخ (2) رحمة الله تعالى عليه:

3885 -

ومن يقترب منّا ويخضع نؤوه

ولم يخش ظلما ما أقام ولا هضما (3)

وأما قول زهير:

3886 -

ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة

فيثبتها في مستوى الأرض يزلق (4)

فنصب «يثبت» فيه؛ لأن الفعل المتقدم على «الفاء» منفي ولجواب النفي النصب -

(1) انظر: الكتاب (3/ 88) وقد نقله عنه بتصرف يسير.

(2)

أي العلامة ابن مالك، أنشده في شرح العمدة (ص 251).

(3)

هذا البيت من الطويل ولم أهتد إلى قائله.

الشرح: قوله: نؤوه: من آواه يؤويه إيواء: إذا أنزله به، والهضم: الظلم من قولهم: رجل هضم ومهتضم، ويروى:«ولا ضيما» وهو بمعناه. والشاهد: في «ويخضع» حيث جاء بالنصب بتقدير «أن» ، والعطف على الشرط قبل الجواب بالفاء أو الواو، ويجوز فيه الوجهان: الجزم عطفا على الشرط، والنصب بإضمار «أن» وههنا تعين النصب للوزن. والبيت في المغني (ص 566)، وشرح شذور الذهب (351)، والعيني (4/ 334)، وشرح التصريح (2/ 251).

(4)

هذا البيت من الطويل نسب لكعب بن زهير في الكتاب وليس في ديوانه، قال ابن السيرافي: يريد من لا يضع رجله إذا مشى في موضع يتأمله قبل أن يضعها يزلق، وهذا على طريق المثل، يريد: من لم يتأمل ما يريد أن يفعله قبل أن يفعله لم يأمن أن يقع في أمر يكون فيه عطبه.

والشاهد فيه: نصب «يثبتها» بإضمار «أن» بعد «الفاء» على جواب النفي. والبيت في الكتاب (3/ 89)، والمقتضب (2/ 22، 65)، وشرح العمدة (ص 251)، والتذييل (6/ 663)، وابن السيرافي (2/ 119).

ص: 4240

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في مجازاة أو غيرها. وأجاز الكوفيون (1) نصب المعطوف على الشرط بـ «ثم» كما في «الواو» و «الفاء» ، ومنه قراءة الحسن (2):(ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثمّ يدركه الموت).

ومثال الثاني: إن تأتني آتك وأحسن إليك، والوجه فيه الجزم على الاشتراك في معنى الجزاء، والرفع على الاستئناف، ويجوز نصبه بإضمار «أن» على تقدير: إن تأتني يكن إتيان وإحسان، وحكى سيبويه (3) أن بعضهم قرأ (4):(يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشآء ويعذّب من يشآء)، ثم قال (5): واعلم أن النصب بـ «الفاء» و «الواو» في قولك: إن تأتني آتك وأعطيك - ضعيف وهو نحو من قوله:

3887 -

وألحق بالحجاز فأستريحا (6)

فهذا يجوز وليس بحدّ الكلام ولا وجهه إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا؛ لأنه ليس بواجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل، فلما ضارع الذي لا يوجب كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه وإن كان معناه كمعنى ما قبله، وأنشد للأعشى:

3888 -

ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى

مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا

وتدفن منه الصّالحات، وإن يسئ

يكن ما أساء النّار في رأس كبكبا (7)

-

(1) انظر: التذييل (6/ 663).

(2)

في المحتسب (1/ 195): «وقراءة الحسن والجراح: ثم يدركه: بنصب الكاف» ، وانظر التبيان للعكبري (ص 385)، والحسن: هو الحسن بن يسار البصري أبو سعيد، تابعي، كان إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمنه، ولد بالمدينة وشب في كنف علي بن أبي طالب. توفي سنة (110 هـ)، انظر ترجمته في طبقات القراء (1/ 235)، وحلية الأولياء (2/ 131)، وأمالي المرتضى (1/ 152)، والأعلام (2/ 226).

(3)

انظر: الكتاب (3/ 90) وعبارته: «وبلغنا أن بعضهم قرأ» .

(4)

هي قراءة ابن عباس والأعرج وأبي حيوة. وانظر: الإتحاف (ص 167)، والبحر المحيط (2/ 360).

(5)

أي: سيبويه، انظر: الكتاب (3/ 92) وقد نقله عنه بتصرف يسير.

(6)

تقدم.

(7)

هذان البيتان من الطويل وهما للأعشى، ديوانه (ص 88).

الشرح: مجرّا ومسحبا: مصدران ميميان أو اسما مكان و «كبكب» جبل، قيل: هو خلف جبل عرفات مشرف عليها.

والمعنى: يقول: من يغترب عن قومه يجري عليه الظلم لعدم ناصره، فتختفي حسناته وتظهر سيئاته، -

ص: 4241

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومثال الثالث: قراءة عبد الله بن عامر رضي الله تعالى عنه: وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (1) بالنصب (2) على تقدير: فإنما يكون منه كن فيكون من ذلك الأمر وهو نادر لا يكاد يعثر على مثله إلا في ضرورة من الشعر.

فأما قولهم: فإنما هي ضربة من الأسد فيحطم ظهره (3)، فمن النصب بإضمار «أن» جوازا لعطف مصدر مؤول على مصدر صريح، والمعنى: هي ضربة فحطمة، لا من باب قراءة ابن عامر.

ويختص بالضرورة إضمار «أن» الناصبة بعد الحصر بـ «إلا» كما في قولك:

ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وبعد الخبر المثبت الخالي من الشرط كقول الشاعر:

3889 -

سأترك منزلي لبني تميم

وألحق بالحجاز فأستريحا (4)

أصل الكلام: وألحق بالحجاز فأستريح، ولكن لما كان الروي مفتوحا اضطر فنصب على تقدير: يكون لحاق فاستراحة، ومثله قول طرفة:

3890 -

لنا هضبة لا ينزل الذّلّ وسطها

ويأوي إليها المستجير فيعصما (5)

وقول الأعشى:

3891 -

ثمّت لا تجزونني عند ذاكم

ولكن سيجزيني الإله فيعقبا (6)

-

- فتكون مشهورة كنار في رأس جبل، والبيتان من قصيدة طويلة للأعشى هجا فيها عمرو بن المنذر.

والشاهد: في «وتدفن» حيث نصب بإضمار «أن» وعلل ذلك الأعلم بقوله: لأن جواب الشرط قبله وإن كان خبرا فإنه لا يقع إلا بوقوع الفعل الأول فضارع غير الواجب. وانظر البيتين في المقتضب (2/ 21)، والأعلم بهامش الكتاب (1/ 449)(بولاق) والتذييل (6/ 666)، اللسان «كبب» .

(1)

سورة البقرة: 117.

(2)

انظر: الحجة لابن خالويه (ص 88، 300)، والكشف (1/ 260).

(3)

حكاه الكسائي عن العرب برفع «يحطم» ونصبه. انظر: معاني الفراء (2/ 423).

(4)

تقدم.

(5)

هذا البيت من الطويل وهو لطرفة بن العبد، ديوانه (ص 4).

الشرح: قوله: هضبة: كناية عن عزة قومه ومنعتهم، ويأوي: يلجأ، ويعصم: يمنع.

والشاهد فيه: نصب «يعصم» بـ «أن» مضمرة بعد الفاء بعد الخبر المثبت وهو ضرورة. والبيت في الكتاب (3/ 40) والمقتضب (2/ 23)، والمحتسب (1/ 197)، والتذييل (6/ 671).

(6)

هذا البيت من الطويل وهو للأعشى في ديوانه (ص 90) ورواية الديوان: هنالك لا تجزونني.

والمعنى: يقول: لا أبتغي بما أصنع منكم جزاء ولكنما أجري على الله، ويقال: أعقبه الله بطاعته: أي جازاه. -

ص: 4242

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد يجزم المعطوف على ما قرن بالفاء اللازم لسقوطها الجزم (1)، وهي الفاء الواقعة في جواب شرط أو طلب، أما الشرط: فلأنه إذا عطف على جوابه المقرون بالفاء مضارع فالوجه رفعه كقوله تعالى: وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ (2)؛ لأن الكلام الذي بعد «الفاء» أجري مجراه في غير الجزاء، فحق ما عطف عليه أن يكون كذلك، ويجوز فيه النصب بإضمار «أن» ، والجزم أيضا بالعطف على موضع «الفاء» كقراءة بعضهم (3) من يضلل الله فلا هادى له ويذرهم في طغيانهم يعمهون (4)، ونظّر سيبويه (5) الجزم فيه بالنصب في قوله:

3892 -

فلسنا بالجبال ولا الحديدا (6)

وأما الطلب: فإذا عطف على جواب المقرون بـ «الفاء» مضارع كما في قوله: زرني فأزورك وأحسن عشرتك، فلك في المعطوف النصب على التشريك في عمل «أن» المضمرة، والرفع على الاستئناف، والجزم على توهم حذف الفاء، ومنه قراءة بعضهم (7): -

- والشاهد فيه: نصب «يعقب» بـ «أن» مضمرة بعد «الفاء» الواقعة بعد الخبر المثبت وهو ضرورة، ويجوز أن يريد النون الخفيفة وهو أسهل في الضرورة، والبيت في الكتاب (3/ 39)، والتذييل (6/ 671).

(1)

في (جـ): «للجزم» .

(2)

سورة البقرة: 271.

(3)

هي قراءة حمزة والكسائي. انظر: الكشف (1/ 485)، والحجة لابن خالويه (ص 167).

(4)

سورة الأعراف: 186.

(5)

انظر: الكتاب (3/ 91).

(6)

هذا عجز بيت من الوافر قيل لعقيبة الأسدي، الكتاب:(1/ 67) وقيل لعبد الله بن الزبير الأسدي وصدره:

معاوي إننا بشر فأسجح

الشرح: معاوي مرخم معاوية، وأسجح: ارفق وسهل، يشكو إلى معاوية جور عماله.

والشاهد فيه قوله: «ولا الحديدا» حيث نصب عطفا عى موضع «بالجبال» لأن موضعه النصب خبر لـ «ليس» والباء حرف جر زائد، وقد ردّ على سيبويه رواية البيت بالنصب هذه؛ لأن البيت من قصيدة مجرورة معروفة، وبعده ما يدل على ذلك وهو قوله:

أكلتم أرضنا فجزرتمونا

فهل من قائم أو من حصيد

قال الأعلم: «وسيبويه غير متهم رحمه الله فيما نقله عن العرب، ويجوز أن يكون البيت من قصيدة منصوبة غير هذه المعروفة، أو يكون الذي أنشده، رده إلى لغته فقبله منه سيبويه منصوبة، فيكون الاحتجاج بلغة المنشد لا بقول الشاعر» . والبيت في الكتاب (1/ 67)، والإنصاف (ص 332) وابن يعيش (2/ 109)، والمغني (ص 477)، والخزانة (1/ 343).

(7)

هي قراءة الجميع غير أبي عمرو فإنه قرأ بإثبات الواو والنصب، انظر: الحجة لابن خالويه (ص 346) والكشف (2/ 322).

ص: 4243

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (1)، فالجزم في ذا نظير الجر في قوله:

3893 -

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (2)

وحكى الفراء (3) عن العرب: الرفع والجزم في المضارع المنفي بـ «لا» الصالح قبلها «كي» وأنهم يقولون: ربطت الفرس لا ينفلت ولا ينفلت، وأوثقت العبد لا يفرّ ولا يفرر، قال: وإنما جزم لأن تأويله: إن لم أربطه فرّ فجزم على التأويل، وأنشد لرجل من عقيل:

3894 -

وحتّى رأينا أحسن الفعل بيننا

مجاملة لا يقرف الشّرّ قارف (4)

ولآخر:

3895 -

لو كنت إذ جئتنا حاولت رؤيتنا

أتيتنا ماشيا لا يعرف الفرس (5)

بجزم «يقرف» و «يعرف» ورفعهما.

هذا آخر كلام بدر الدين (6)، وقال والده رحمه الله تعالى في شرح الكافية (7):

إذا أخذت أداة الشرط جوابها وذكر بعده مضارع بعد «فاء» أو «واو» جاز جزمه عطفا على الجواب، ورفعه على الاستئناف، ونصبه على إضمار «أن» ، قال -

(1) سورة المنافقون: 10.

(2)

هذا عجز بيت من الطويل نسب لزهير، ديوانه (ص 107) وصدره:

بدا لي أني لست مدرك ما مضى

ومعناه: إن المرء لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا.

والشاهد فيه: قوله: «ولا سابق» حيث جره عطفا على «مدرك» لتوهم وجود «الباء» في خبر «ليس» ، والبيت في الكتاب (1/ 165)، (2/ 155)، (هارون)، والمغني (ص 96)، والخزانة (3/ 665).

(3)

انظر: معاني القرآن (2/ 283، 383).

(4)

هذا البيت من الطويل، وقوله: يقرف: يقال: قرف الذنب واقترفه: اكتسبه.

والشاهد فيه: قوله: «لا يقرف» حيث يروى بالرفع والجزم؛ لأنه مضارع منفي بـ «لا» الصالح قبلها «كي» ، وانظر البيت في شرح الكافية الشافية (3/ 1558)، والتذييل (6/ 673) ومعاني القرآن للفراء (2/ 283).

(5)

هذا البيت من البسيط.

والشاهد فيه: قوله: «لا يعرف» حيث يروى بالرفع والجزم؛ لأنه مضارع منفي بـ «لا» الصالح قبلها «كي» ، والبيت في شرح الكافية الشافية (3/ 1558)، والتذييل (6/ 674) ومعاني القرآن للفراء (2/ 284).

(6)

انظر: شرح التسهيل (4/ 48).

(7)

انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1603) وما بعدها.

ص: 4244

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سيبويه: فإذا انقضى الكلام ثم جئت بـ «ثمّ» فإن شئت جزمت وإن شئت رفعت، وكذلك «الواو» و «الفاء» ، إلا أنه يجوز النصب بالفاء والواو، وبلغنا أن بعضهم قرأ (1):(يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشآء ويعذّب من يشآء).

وروي بالأوجه الثلاثة «ونأخذ» من قول الشاعر:

3896 -

فإن يهلك أبو قابوس يهلك

ربيع النّاس والبلد الحرام

ونأخذ بعده بذناب عيش

أجبّ الظّهر ليس له سنام (2)

وجاز النصب بعد «الفاء» و «الواو» إثر الجزاء؛ لأن مضمونه لم يتحقق وقوعه فأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام.

قال: وأنشد الفراء في كتاب «المعاني» (3):

3897 -

فإن يهلك النّعمان تعر مطيّه

وتخبأ في جوف العياب قطوعها

وتنحط حصان آخر اللّيل نحطة

تقضّب منها أو تكاد ضلوعها (4)

فنصب «تخبأ» وجزم «تنحط» . -

(1) هي قراءة ابن عباس والأعرج وأبي حيوة. انظر: الإتحاف (ص 167)، والبحر المحيط (2/ 360).

(2)

هذان البيتان من الوافر وهما للنابغة الذبياني، ديوانه (ص 105).

الشرح: قوله: أبو قابوس: هو كنية النعمان، وقابوس معرب كاووس كطاووس: اسم أحد ملوك الفرس، وقوله: ربيع الناس والبلد الحرام: يريد أنه كان كالربيع في الخصب لمجتديه، وكالشهر الحرام لجاره أي لا يوصل إلى من أجاره كما لا يوصل في الشهر الحرام إلى أحد، وقوله بذناب عيش: ذناب كل شيء - بكسر الذال - عقبه وما يأتي في أواخره، وأجب الظهر: مقطوع الظهر كأنه جمل قطع سنامه، ويقال: بعير أجب وناقة جباء: إذا كان قد قطع سنامها، والسنام: حدبة البعير.

والشاهد: في «ونأخذ» فإنه يجوز فيه الرفع على الاستئناف، والنصب بتقدير «أن» والجزم بالعطف على «يهلك» ، ويروى «ونمسك بعده» وهي رواية الديوان، والبيتان في معاني الفراء (3/ 24)، والأشموني (4/ 24)، والكتاب (1/ 196)(هارون)، والمقتضب (2/ 179)، والإنصاف (ص 134)، وابن يعيش (3/ 579)، والخزانة (4/ 95).

(3)

انظر: معاني القرآن (1/ 87).

(4)

هذان البيتان من الطويل قالهما النابغة الذبياني، ديوانه (ص 107) من قصيدة يمدح بها النعمان بن الحارث الأصغر الغساني، وكان قد خرج إلى بعض متنزهاته.

الشرح: العياب: جمع عيبة وهو ما يوضع فيه الثياب، والقطوع: أداة الرحل وهو جمع قطع كالطنفسة ونحوها، يقول: إن هلك النعمان ترك كل وافد الرحلة ولم يستعمل مطيته وخبأ في جوف العياب الطنفسة -

ص: 4245

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثم قال (1): وإن خلا الفعل المتوسط بين الشرط والجزاء من الفاء والواو جزم، وجعل بدلا من الشرط، أو رفع وكان في موضع نصب على الحال، فمثال المجزوم المجعول بدلا (2) قول الشاعر:

3898 -

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (3)

ومثال المرفوع [5/ 130] المقدر في موضع الحال قول الآخر:

3899 -

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد (4)

-

- التي توضع على الرحل استعدادا للرحيل، وقوله:«وتنحط حصان» أي تزفر حزنا لفقده، وتذكرا لمعروفه وفضله، وقوله:«تقضب» أي تزفر حتى تكاد ضلوعها تكسر من شدة الزفير، والتقضب التكسّر، و «الحصان»: المرأة العفيفة، وهي ذات الزوج أيضا، وإنما خص آخر الليل؛ لأنه وقت هبوبها من نومها، فعند ذلك تتذكره، وتزفر من أجله، وأيضا فإنه وقت يرغب فيه العدو الغارة، فتذكر النعمان لذبه عنها ونصره لها.

والشاهد فيهما: نصب «تخبأ» بإضمار «أن» ، وجزم «تنحط» عطفا على محل «تخبأ» ؛ لأن «تخبأ» يصح جزمه عطفا على ما قبله وهو «تعر» الواقع جوابا للشرط، فكان المجزوم بعده معطوفا على محله.

والبيتان في معاني القرآن (1/ 87)، والتذييل (6/ 668)، واللسان «نحط» .

(1)

أي: ابن مالك.

(2)

قال سيبويه في الكتاب (3/ 86): «وسألت الخليل عن قوله:

متى تأتنا تلمم بنا

البيت

قال: «تلمم» بدل من الفعل الأول».

(3)

هذا البيت من الطويل نسب للحطيئة وليس في ديوانه، الشرح: تلمم: مضارع مجزوم من الإلمام وهو الزيارة، والجزل: غلاظ الحطب، يريد أنهم يوقدون الجزل من الحطب لتقوى نارهم فينظر إليها الضيفان على بعد فيقصدونها، وقوله: نارا تأججا: مأخوذ من التأجج وهو التوقد والالتهاب، وفي «تأجج» ضمير يعود إلى النار فكان ينبغي أن يقول: تأججت، وإنما ذكر لأنه في تأويل الشهاب كأنه قال: وشهابا تأجج.

والشاهد فيه: جزم «تلمم» لأنه بدل من قوله: «تأتنا» وتفسير له: لأن الإلمام إتيان، ولو أمكنه رفعه على تقدير الحال لجاز والبيت في الكتاب (3/ 86)، والمقتضب (2/ 61)، والإنصاف (ص 583)، وابن يعيش (7/ 53)، والخزانة (3/ 660).

(4)

هذا البيت من الطويل من قصيدة طويلة للحطيئة مدح بها بغيض بن عامر، وقوله: تعشو: أي: تنظر ببصر ضعيف، يريد أنه ابتدأ بالنظر إلى النار على بعد شديد فقصدها بذلك النظر حتى قرب منها فأضاءت له.

والشاهد فيه: رفع «تعشو» وتقديره في موضع الحال أي: متى تأته عاشيا، والبيت في الكتاب (3/ 86)، والمقتضب (2/ 63)، وابن يعيش (2/ 66)، والعيني (4/ 439)، والخزانة (3/ 660)، وديوان الحطيئة (ص 25).

ص: 4246

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

انتهى.

وإنما ذكرت حكم الفعل الخالي من «الفاء» و «الواو» هنا قبل الدخول في فصل «الجوازم» لتعلقه بما ذكر قبله، ولا يخفى أننا استفدنا من جزم «تنحط» بعد نصب «تخبأ» أن الفعل المعطوف على فعل منصوب واقع بعد فعل الجزاء يجوز فيه ثلاثة الأوجه: النصب والرفع والجزم؛ لأن الجزم إذا جاز كان النصب والرفع أجوز؛ لأن النصب بالعطف على لفظ ما قبله، والرفع على الاستئناف، وأما الجزم فإنما هو على الموضع؛ لأن «تخبأ» مثلا في البيت يجوز فيه الجزم عطفا على ما قبله، فكان المجزوم بعده معطوفا على محله.

وإذا عرف ذلك فلنرجع إلى ألفاظ الكتاب ونقول:

قوله: بين مجزومي أداة شرط أراد به الجزم لفظا أو محلّا، فلو كان الفعلان ماضيين كان حكم الفعل الواقع بينهما كذلك ثم إنه لا يلزم ذكرهما معا، فقد يكون الجزاء محذوفا لدليل، ويكون حكم النصب باقيا، قال الشاعر:

3900 -

فلا يدعني قومي صريحا لحرّة

لئن كنت مقتولا ويسلم عامر (1)

فقوله «ويسلم» واقع بين مذكور ومحذوف، التقدير: لئن كنت مقتولا ويسلم عامر فلا يدعني قومي، وإنما حذف لدلالة ما قبل عليه كقولهم: أنت ظالم إن فعلت.

وقوله: أو بعدهما أي: بعد فعلي الشرط، ولا يريد خصوصية الفعل، بل لو كان الجزاء جملة اسمية كان الحكم كذلك، قال الله تعالى: وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ (2) قرئ (3) -

(1) هذا البيت من الطويل نسب لقيس بن زهير بن جذيمة، ويعني بقوله: ويسلم عامر أي: عامر بن الطفيل والمراد به القبيلة كما ذكر ابن السيرافي، والشاعر يقول: لئن قتلت وعامر سالم من القتل فلست بصريح النسب حر الأم، ويعني بذلك أنه إن لم يثأر من العامري الذي قتل أباه فلا يدعه قومه صريحا لحرة.

والشاهد في البيت: نصب «يسلم» لوقوعه بين الشرط والجزاء مع كون الجزاء محذوفا لدلالة ما قبله عليه، ويجوز الرفع على الاستئناف، قال سيبويه:«والرفع أيضا جائز حسن» . انظر: الكتاب (3/ 46)، والمقتضب (4/ 93)، والهمع (2/ 16)، وانظر: الدرر اللوامع (2/ 10).

(2)

سورة البقرة: 271.

(3)

في (جـ): «قرأ» . وقد قرأ نافع وحمزة والكسائي بالجزم، وقرأ الباقون بالرفع، ولم يقرأ بالنصب في السبعة. انظر الكشف (1/ 317)

والحجة لابن خالويه (ص 102).

ص: 4247

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(ويكفّر) بالرفع والنصب والجزم على موضع فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (1)، على أن الجزم في هذه الآية الشريفة وفي مثلها كقوله تعالى: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (2) قد أشار إليه المصنف بقوله: وقد يجزم المعطوف على ما قرن بالفاء اللازم لسقوطها الجزم، وأما النصب في نحو هاتين الآيتين الشريفتين فقد يقال: ليس في كلام المصنف ما يدل على جوازه، لأنه قيّد الكلام أولا بقوله:

بين مجزومي أداة شرط وأشار آخرا إلى الجزم بقوله: وقد يجزم المعطوف على ما قرن بالفاء ولم يتعرض إلى ذكر النصب.

وفي شرح الشيخ بعد أن مثّل بالآيتين الشريفتين (3): ولم يذكر سيبويه (4) النصب هنا فلعله منعه لضعفه في الأصل وهو أن يكون فعل الجزاء مجزوما فأجري هنا، قال: والرفع وجه الكلام؛ لأن المعطوف عليه ليس مجزوما. ولا يقبل لفظه الجزم. انتهى.

وبعد: فإذا كان النصب ثابتا في إحدى القراءات السبع تعيّن الاعتراف بصحته، وارتفع الإشكال (5).

ومما نبّه عليه الشيخ (6): أن فعل الجزاء لو كان معمولا لغير الشرط فالرفع يحسن نحو: إن تأتني فلن آتيك وأجفوك، وإن أتيتني لم آتك وأجفوك، ويجوز الجزم والنصب، والذي نبه عليه واضح.

وأما نصب الفعل بعد الحصر بـ «إنما» فقد عرفت قول المصنف: أو بعد حصر بـ «إنّما» اختيارا.

وقال في شرح الكافية بعد أن ذكر إجراء التقليل مجرى النفي في إيلائه جوابا منصوبا (7): وكذلك أجروا الحصر بـ «إنما» كقولهم: إنما هي ضربة من الأسد -

(1) سورة البقرة: 271.

(2)

سورة الأعراف: 186.

(3)

انظر: التذييل (6/ 667).

(4)

استشهد سيبويه بالآيتين الشريفتين ولم يذكر النصب كما أشار إلى ذلك الشيخ أبو حيان. وانظر:

الكتاب (3/ 90، 91).

(5)

لم يثبت أن أحدا من القراء السبعة قرأ بالنصب حتى يقول المؤلف ذلك، اللهم إلا أن يريد نفي ثبوت النصب في إحدى القراءات السبع، كأنه يريد أن يقول: فإذا كان النصب ثابتا في إحدى القراءات السبع تعين الاعتراف بصحته وارتفع الإشكال ولكنه لم يثبت. والله أعلم.

(6)

انظر: التذييل (6/ 667).

(7)

انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1555).

ص: 4248

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فتحطم ظهره، وعليه قراءة ابن عامر: فإنما يقول له كن فيكون (1).

وقد عرفت أن بدر الدين خرّج قولهم: إنما هي ضربة من الأسد فيحطم ظهره، على أنه من النصب بإضمار «أن» جوازا لعطف مصدر مؤول على مصدر صريح، والذي قاله حق، وأنه قال بعد أن ذكر قراءة ابن عامر: وهو نادر لا يكاد يعثر على مثله إلا في ضرورة من الشعر. وهذا من بدر الدين رحمه الله تعالى ليس إنكارا لقراءة ابن عامر إذ لا يمكن إنكارها، وإنما هو إنكار أن يكون مقتضى النصب هو الحصر بـ «إنما» فإن ذلك لم يكن مجمعا عليه، إذ ذكر النحاة للنصب مسوغا غير ذلك، فمنهم من قال: إنه جاء على النصب في الواجب، ونسب ذلك إلى الشلوبين (2)، وردّ هذا القول بأن النصب في الواجب إنما بابه الشعر (3). وقراءة ابن عامر ثابتة بالتواتر، ومنهم من قال (4): إن مسوغ النصب وقوع الفعل جوابا للأمر، وردّ (5) ذلك أيضا بأن كُنْ هنا ليس أمرا على الحقيقة؛ لأن المعدوم لا يصح خطابه، إنما جرى ذلك على معنى سرعة التكوين كأنه قال تعالى: إنما شأننا مع المقدورات أن تتعلق قدرتنا بها فتكون بغير تأخير، ولا لفظ هناك ولا نطق، فعبّر بالقول عن التعلق.

والحاصل: أن القول في الآية الشريفة كناية عن سرعة الخلق والتمكن من إيجاد ما يريد الله تعالى إيجاده، إذ المعدوم لا يؤمر، وخرّج الشيخ (6) ذلك على أن يكون من المنصوب بعد الفاء بعد جواب الشرط؛ لأنه تقدّمه: إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فـ «إذا قضى» شرط، و «فإنما» جوابه وصار نظير قوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ في قراءة من نصب (7).

وقد يقال للشيخ: المسوغ للنصب بعد «الفاء» إثر الجزاء كون مضمونه لم يتحقق وقوعه كما تقدم، حتى يشبه الواقع بعد الجزاء الواقع بعد الاستفهام، -

(1) سورة البقرة: 117، وسورة آل عمران: 47، وسورة مريم: 35، وسورة غافر:68.

(2)

انظر: التذييل (6/ 609).

(3)

الراد هو الشيخ أبو حيان. انظر: المرجع السابق.

(4)

انظر: التذييل (6/ 608).

(5)

هذا كلام الشيخ أبي حيان. انظر: التذييل (6/ 609).

(6)

انظر: التذييل (6/ 609).

(7)

هي قراءة ابن عباس والأعرج وأبي حيوة. انظر الإتحاف (ص 167)، والبحر المحيط (2/ 360).

ص: 4249

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا شك أن الشرط والجزاء في قوله تعالى: إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ محققا الوقوع، وإذا كانا بهذه الحيثية انتفت مشابهة الاستفهام، وإذا انتفت مشابهة الاستفهام انتفى المسوغ للنصب، والأولى أن يقال: اكتفى في النصب بصورة الأمر، والأمر ينصب جوابه، فلما اشتمل هذا التركيب على صورة أمر وجواب في اللفظ عومل بما يعامل به الأمر والجواب الحقيقيان.

وعلى هذا يقال: مجموع الكلام من الأمر والجواب هو الكناية عن سرعة الخلق والإيجاد، لا القول وحده (1)، وهذا النوع هو الذي يقال فيه عند أصحاب [5/ 131] علم «البيان»: إنه التمثيل على سبيل الاستعارة. وهو «المجاز المركب» عندهم.

وقال الشيخ (2): قول المصنف: (اللّازم لسقوطها الجزم)، يشمل صورتين، ويحترز به من صورتين: أما المشمولتان: فأن تكون «الفاء» دخلت على ما لا يقبل الجزم، لكن لو حلّ مكانه ما يقبل الجزم لجزم نحو ما تقدم من قوله تعالى: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ (3) وأن تكون «الفاء» قد دخلت على نفس المضارع فارتفع، فلو حذفت الفاء لا يجزم الفعل على الجواب.

وأما الصورتان المحترز عنهما: فإحداهما: لا يلزم لسقوطها الجزم بل يجوز، والثانية: لا يلزم بل يمتنع.

فالصورة الأولى: إذا نصبت ما قرن بالفاء بعد فعل الشرط قبل فعل الجزاء، وكان الفعل المنصوب بعد «الفاء» قريبا من معنى الشرط، فإنك إذا حذفت «الفاء» جاز الجزم على البدل من فعل الشرط، وجاز الرفع على أن يكون الفعل في موضع الحال، مثال ذلك: إن تأتني فتمشي إليّ وتحسن إلى خالد أحسن إليك، فلا يجوز في «وتحسن إلى خالد» الجزم لأنه لو سقطت «الفاء» من:«فتمشي إليّ» لما تعين الجزم في: تحسن؛ إذ يجوز فيه الجزم على البدل كما قلنا، ويجوز الرفع على الحال.

والصورة الثانية: إذا كان ذلك الفعل ليس قريبا من معنى فعل الشرط، فإنه إذا -

(1) في هذا الكلام رد من المؤلف على الشيخ أبي حيان الذي ذهب إلى أن القول في الآية كناية عن سرعة الخلق والتمكن من إيجاد ما يريد الله تعالى إيجاده معللا ذلك بأن المعدوم لا يؤمر.

(2)

انظر: التذييل (6/ 672، 673) وقد تصرف فيما نقله عنه.

(3)

سورة البقرة: 271، وانظر: التذييل (6/ 666).

ص: 4250

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حذفت «الفاء» لا يجوز الجزم فيه، مثال ذلك: إن تركب إليّ فتضحك وتقرأ أحسن إليك، فلا يجوز الجزم في:«وتقرأ» ؛ لأنك لو حذفت الفاء من: فتضحك لم يجز الجزم، بل يرتفع الفعل على أنه في موضع الحال. كأنك قلت: إن تركب إليّ ضاحكا وقارئا أحسن إليك. انتهى.

وأما قول المصنف: والمنفيّ بـ «لا» الصّالح قبلها كي جائز الرّفع والجزم سماعا عن العرب فقد عرفت معناه ومثاله من كلام بدر الدين.

قال المصنف في شرح الكافية (1): وحكى الفراء عن العرب في المضارع المنفي بـ «لا» الجزم والرفع إذا حسن تقدير «كي» قبله، وأنهم يقولون: ربطت الفرس لا ينفلت ولا ينفلت وأوثقت العبد لا يفرّ ولا يفرر، قال: وإنما جزم؛ لأن تأويله:

إن لم أربطه فرّ، فجزم على التأويل، قال: وأنشدني بعض بني عقيل:

3901 -

وحتّى رأينا أحسن الفعل بيننا

مساكتة لا يقرف الشّرّ قارف (2)

وقال:

3902 -

لو كنت إذ جئتنا حاولت رؤيتنا

أتيتنا ماشيا لا يعرف الفرس (3)

بجزم: يقرف، ويعرف، ورفعهما. انتهى.

قال الشيخ (4): لم يذكر المصنف ولا ابنه خلافا في هذه المسألة وادّعيا أن العرب تجيز الجزم والرفع في مثل هذا، وقد خالفا في ذلك الخليل وسيبويه (5) وسائر البصريين، فكان ينبغي أن ينبه على خلاف هؤلاء، وإذا كان خلاف هؤلاء لا ينقل، ويزعم أن العرب تقول مثل هذا اغترّ بذلك من ليس له اطلاع على مذاهب العرب، ولا على خلاف أئمة

العرب، ولكن الظن يسعهما، أما ابن المصنف فلقلة محفوظه، وأما أبوه المصنف فلقلة اعتنائه بكتاب سيبويه، قال سيبويه (6) رحمه الله تعالى: وسألته - يعني الخليل - عن: آتي الأمير لا يقطع اللّصّ، فقال (7): الجزاء ها هنا خطأ، لا يكون الجزاء أبدا حتى يكون الكلام الأول غير واجب، إلا أن -

(1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1556) وقد سبق أن أورد المؤلف هذا الكلام عن شرح التسهيل لبدر الدين.

(2)

،

(3)

تقدم.

(4)

انظر: التذييل (6/ 674 - 677).

(5)

ليست في التذييل.

(6)

انظر: الكتاب (3/ 101).

(7)

في النسختين: قال.

ص: 4251

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يضطر الشاعر، ولا نعلم هذا جاء في الشعر ألبتة.

يعني لا يكون الجزاء أي: لا يكون الجزم، وذكر أن الجزاء خطأ فصرح بأنه خطأ ثم قال: إلا أن يضطر الشاعر ثم قال: ولا نعلم هذا جاء في الشعر، ونفى عن نفسه أن يحفظ مثل هذا في الشعر، هذا على سعة علم الخليل وحفظه ومعرفته، فكيف يدّعي مدّع أن العرب تجزم مثل هذا؟

ثم نقل عن ابن عصفور: أنه تعرض إلى ذكر المسألة في كتبه، وأنه ذكر عن الكوفيين أنهم أجازوا ذلك، وأنه قال بجوازه في الضرورة، وذكر أنه استدل بالبيتين اللذين ذكرهما المصنف، ثم قال: - أعني الشيخ - ويمكن تخريج هذين البيتين على أن تكون «لا» في كل منهما ناهية، ويكون ذلك من باب قولهم: لا أرينّك هاهنا، وقول النابغة:

3903 -

لا أعرفن ربربا حورا مدامعه (1)

فكأنه قال: لا تتعرض فأراك هاهنا، وكذلك لا تتعرضوا للقتال فأعرف ربربا فكذلك يقدر هاهنا: لا تتعرض لغير المجاملة فيقرف الشرّ قارف، أي: فيكتسب الشر مكتسب، ولا تتعرض للركوب فيعرف الفرس فتفتضح، وإذا احتمل أن يكون من باب ما صورته النهي، ويراد به النهي عن غيره وانتفاؤه هو لم يكن في ذلك دليل على جواز الجزم على المعنى الذي ذهب إليه الفراء والكوفيون، ووافقهم المصنف وابنه عليه، وحمله ابن عصفور عليه،

ويؤيد هذا التأويل قول الخليل: ولا نعلم هذا جاء في الشعر ألبتة.

فانظر تفاوت ما بين كلام المصنف وكلام الناس، هو يقول: العرب تقول كذا، والخليل يقول: هو خطأ، والأستاذ أبو الحسن يقول: هو ضرورة لا يقاس عليها في -

(1) هذا صدر بيت من البسيط وهو للنابغة، ديوانه (ص 75) وعجزه كما في التذييل (6/ 677).

مردّفات على أعقاب أكوار

الشرح: الربرب: القطيع من البقر، شبه النساء به في حسن العيون وسكون المشي، وقوله: مدامعه: رواية الديوان والتذييل: مدامعها، وهي مواضع الدمع، وقوله: حورا: جمع حوراء من الحور وهو: شدة بياض العين مع شدة سوادها ومردفات: متتابعات بعضها وراء بعض، وأعقاب: جمع عقب. وعقب كل شيء آخره، وأكوار: جمع كور وهو الرحل بأداته، ويروى: على «أحناء» جمع حنو وهو السرج.

والشاهد: في «لا أعرفن» فإن «لا» ناهية، وهي نهي للمتكلم، وهو قليل جدّا.

والبيت في المغني (ص 246)، وشرح شواهده (ص 625)، والعيني (4/ 441)، وشرح التصريح (2/ 245)، والأشموني (4/ 3).

ص: 4252

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الشعر. انتهى.

ولقد تحامل الشيخ على المصنف في قوله: إنه ادّعى أن العرب تجيز الجزم والرفع في مثل هذا، فإن المصنف لم يدّع ذلك، بل قال كما علمت: وحكى الفراء عن العرب في المضارع المنفي بـ «لا» الجزم والرفع إذا حسن تقدير «كي» قبله إلى آخر كلامه، ولم يسند إلى نفسه شيئا، ولم يثبت ولم ينف، وأما كونه ينسب المصنف إلى قلة اعتنائه بكتاب سيبويه ظنّا منه أنه لم يطلع على ما قاله الخليل وسيبويه في المسألة، فلا يرتضي من الشيخ أن يقول في حق المصنف ذلك مع شهادة المعتبرين له بالتبريز ومن يدرك غوامض الكتاب كيف تخفى عليه ظواهره؟ بل يقال: إن المصنف تأدب مع الخليل وسيبويه غاية التأدب، وذلك أنه لما رأى كلامهما يقتضي عدم جواز الجزم في هذه المسألة، ورأى الفراء - مع جلالة قدره في العلم - وحفظه - حكى الجزم عن العرب ذكر ما حكاه الفراء مقتصرا على ذلك، ولم يحكم من قبل نفسه بشيء، ولا شك أن العرب نطقت بذلك في البيتين اللذين تقدم إنشادهما، ويؤيد ذلك ذكر ابن عصفور [5/ 132] أيضا المسألة المذكورة وإنشاده البيتين المذكورين، فلم يكن المصنف هو المنفرد بهذا الأمر، فقد ذكره غيره كما ذكره هو، والخليل رحمه الله تعالى لم ينف مجيئه إنما نفى

العلم بمجيئه. ثم إن الخليل لما قال: إن الجزاء خطأ لا يكون الجزم أبدا، لم يقل المصنف هو مجزوم على الجواب كي لا يناقض كلامه كلام الخليل، بل قال: إن فيه الجزم سماعا عن العرب، ولا شك أنه مسموع نثرا ونظما.

وأما كونه جائزا اختيارا أو ضرورة فلم يتعرض إليه المصنف، وأما كونه ضرورة أو غير ضرورة فلم يتعرض المصنف إلى ذكر ذلك، بل قال: حكي عن العرب، ولم يسند الحكاية إليه بل أسند ذلك إلى الإمام الكبير الذي عرفت، وبعد أن ذكر الشيخ ما ذكر قال (1): ويمكن تخريج البيتين اللذين استدل بهما المصنف وابنه على جواز الجزم في السعة، وابن عصفور على مجيئه في الضرورة على وجه غير ما ذكروه وهو أن تكون «لا» فيه ناهية، ويكون ذلك من باب قولهم: لا أرينّك ها هنا، وقول النابغة:

3904 -

لا أعرفن ربربا حورا مدامعه (2)

-

(1) انظر: التذييل (6/ 676، 677)، وقد سبق أن نقل المؤلف هذا الكلام عن شرح الشيخ.

(2)

تقدم.

ص: 4253

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كأنه قيل: لا تتعرض فأراك هاهنا، ولا تتعرضوا للقتال فأعرف ربربا، وهكذا يقدر هنا: لا تتعرض لغير المجاملة فيقرف الشر قارف أي: فيكتسب الشر مكتسب، ولا تتعرض للركوب فيعرف الفرس فتفتضح، قال: وإذا احتمل أن يكون من باب ما صورته النهي ويراد به النهي عن غيره وانتفاؤه هو لم يكن في ذلك دليل على جواز الجزم على المعنى الذي ذهب إليه الفراء والكوفيون، ووافقهم المصنف وابنه عليه، وحمله ابن عصفور عليه، ثم قال (1):

وقوله:

3905 -

لا يعرف الفرس (2)

من باب:

3906 -

على لاحب لا يهتدى بمناره (3)

أي: لو جئت ماشيا لم يكن معك فرس فيعرف، فنفى عرفان الفرس، والمقصود نفي الفرس، قال: وقول المصنف: (والمنفيّ بـ «لا» الصّالح قبلها «كي») لا يختص ذلك بأن يكون منفيّا بـ «لا» عند الكوفيين بل متى كان الفعل الموجب سببا للمجزوم، والمجزوم أعم من أن يكون منفيّا بـ «لا» أو مثبتا نحو: يأتي زيد الأمير يفلت اللّصّ، أي: إن يأته يفلت اللص، قال (4): لكن المصنف لما رأى تمثيل الفعل منفيّا بـ «لا» والشاهد الذي أنشده منفيّا بـ «لا» أيضا اعتقد أن شرط جواز الجزم أن يكون منفيّا بـ «لا» وليس ذلك بشرط عندهم (5)، قال (6): فقوله: (الصّالح قبلها «كي»)، ينبغي أن يقول فيه:

الصالح قبل الفعل «كي» ، وهو معنى قول الكوفيين: أن يكون الفعل الموجب سببا للمجزوم، إلا أن يكون المصنف أحدث قولا ثالثا خالف فيه البصريين والكوفيين؛ لأن البصريين قالوا: ذلك خطأ (7)، والكوفيون أجازوه (8)، ولم يشترطوا فيه أن يكون -

(1) أي: الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 677).

(2)

تقدم.

(3)

سبق شرحه والتعليق عليه في باب نوني التوكيد.

(4)

أي: الشيخ أبو حيان.

(5)

أي: عند الكوفيين وهو ما حكاه الفراء.

(6)

أي: الشيخ أبو حيان.

(7)

يشير بذلك إلى مذهب الخليل.

(8)

يشير بذلك إلى ما حكاه الفراء عن العرب.

ص: 4254

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

منفيّا بـ «لا» والمصنف شرط ذلك، فهو قول ثالث لم يتقدمه إليه أحد. انتهى.

ويا للعجب!! قد عرفت أن المصنف لم يحكم في المسألة المذكورة بشيء من قبل نفسه حتى يقال إنه أحدث قولا ثالثا، ولم ينسب إجازة ذلك إلى بصري ولا كوفي حتى يحتاج أن يشترط في المسألة شيئا أو لا يشترط، وإنما نقل عن الفراء أن العرب تقول: كيت وكيت، والفراء إمام كبير، رأس الكوفيين بعد الكسائي، فمن أجل ذلك قال في التسهيل: والمنفيّ بـ «لا» الصّالح قبلها «كي» جائز الرّفع والجزم سماعا عن العرب مقتديا في ذلك بنقل الفراء.

ثم قال الشيخ (1): ولم يبين المصنف وجه جواز الرفع ولا وجه جواز الجزم في هذه المسألة، وقد ذكرنا وجه جواز الجزم على مذهب من أجازه، وأنه لوحظ فيه على قولهم معنى الشرط والجزاء وإن لم يكن بأداة ذلك، ولا من الأشياء التي تقدم ذكرها، وأما وجه الرفع فلم أر أحدا تعرض له، ومعنى الكلام يقتضي أنه متعلق بما قبله تعلقا لا يمكن انفصاله منه؛ لأن الكلام في قوة الجملة الواحدة، وليس جملتين مستقلتين؛ لأن المعنى ليس على الإخبار بأنه يأتي الأمير زيد، ثم أخبر بعد ذلك أن الأمير لا يقطع اللص، وإذا لم يكن الكلام جملتين مستقلتين فالجملة الثانية هي في قوة المفرد، وإذا كانت كذلك فلا يمكن أن تكون في موضع الحال لفساد المعنى؛ لأنه لا يريد: ربطت الفرس غير منفلت، ولا: زيد يأتي الأمير غير قاطع اللص، وإنما المعنى: أني ربطت الفرس لئلا ينفلت، وإنّ زيدا يأتي الأمير لئلا يقطع اللص، فهو مفعول من أجله حذفت منه اللام فبقي: ربطت الفرس أن لا ينفلت، وزيد يأتي الأمير أن لا يقطع اللص (2)، ثم اتسعت العرب في ذلك فحذفت «أن» فارتفع الفعل على حد ارتفاعه بعد حذف «أن» في قول الشاعر:

3907 -

ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى (3)

-

(1) انظر: التذييل (6/ 678).

(2)

بعده في النسختين: وزيد يأتي الأمير أن يفلت اللص. وهذه الزيادة لم أر لها معنى هنا.

(3)

هذا صدر بيت من الطويل وهو لطرفة بن العبد البكري، ديوانه (ص 32) وعجزه:

وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

وهو من معلقة طرفة بن العبد البكري التي أولها:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد

وقفت بها أبكي وأبكي إلى الغد

-

ص: 4255