الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني والستون [باب منع الصّرف]
[تعريف الصرف وشرح التعريف]
قال ابن مالك: (باب منع الصّرف).
ــ
قال ناظر الجيش: الصرف: هو التنوين اللاحق اسما معربا للدلالة على بقاء أصالته (1).
فقيد «المعرب» مخرج تنويني التنكير والعوض من الإضافة فإنهما لا يلحقان معربا.
وقيد «دلالة الأصالة» مخرج تنويني المقابلة والعوض من غير إضافة، وتنوين الترنم اللاحق معربا.
واختلف في اشتقاقه (2)، فقيل: من صرف الشيء عن الشيء لأنه صرف الخفيف عن حكم الثقيل، ويظهر أنه اختيار المصنف فإنه قال (3)«وسمي منصرفا لانقياده إلى ما يصرفه من عدم تنوين إلى تنوين، ومن وجه من وجوه الإعراب إلى غيره» .
وقيل: من صرف القعو (4)، أي صوته، وقيل: من صريف الباب، وهو صوت رفع أنياب البعير المسن بعضها على بعض (5)، وقيل: من الصّرف وهو الخالص، فكأن الاسم خلص وامتاز عن غيره (6)، وذهب بعضهم إلى أن الصرف: -
(1) هذا التعريف مستخلص من قول ابن مالك في الألفية:
الصرف تنوين أتى مبينا
…
معنى به يكون الاسم أمكنا
قال الأشموني (3/ 228): «والمراد بالمعنى الذي يكون به الاسم أمكن، أي: زائدا في التمكن: بقاؤه على أصله. أي أنه لم يشبه الصرف فيبنى ولا الفعل فيمنع من الصرف» .
(2)
المراد بالاشتقاق هنا: الأخذ من المناسب في المعنى. انظر. الصبان (3/ 228).
(3)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1434).
(4)
في (جـ)، (أ)«العقود» والصواب ما أثبتناه، وهو القعو بدليل قوله:«أي صوته» ولو كان مراده العقود لقال: صوتها، انظر حاشية يس (2/ 209)، واللسان (صرف)، والقعو: البكرة. انظر اللسان (قعا).
(5)
انظر شرح ابن الناظم للألفية (ص 633)، واللسان (صرف).
(6)
أي بأن خلص من شبه الفعل والحرف. انظر التصريح (2/ 209).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التنوين مع الجر (1)، قال: لأنه زيادة تصريف، وردّ بأنه لو كان كذلك لكان تصريفا لا صرفا.
ولما كان المقصود في هذا الباب إنما هو ذكر الأسباب المانعة من الصرف - لأن الصرف الأصل - فلا يحتاج إلى التنبيه عليه ترجمة بذلك.
وههنا أمور ينبغي الإشارة إليها قبل الشروع في الكلام على ألفاظ الكتاب:
منها: أن الاسم المتمكن نوعان: نوع لم يشبه الفعل وهو ما ليس فيه علتان أو واحدة تقوم مقامها من العلل التسع الآتي ذكرها، وهو المنصرف ويسمى أمكن، وهو «أفعل» من قولهم: مكن مكانة كأنه أرسخ قدما من غيره أي أثبت في مكانه من الاسمية (2).
ونوع أشبه الفعل، وهو ما فيه علتان من التسع أو واحدة تقوم مقامهما وهو غير المنصرف (3).
فالاسم المنصرف هو: المعرب السالم من العلل الجاعلية كالفعل في الفرعية والثقل، وغير المنصرف بخلافه، ومنهم من يقول: المنصرف ما دخله التنوين واستوفى حركات الإعراب لعدم شبه الفعل، وغير المنصرف هو الذي اختزل منه التنوين، وجرّ بالفتحة بدل الكسرة لشبه الفعل، قال بعض العلماء: والقسمة بالعبارة الأولى تقتضي الحصر، بخلاف العبارة الثانية؛ فإنها لا تقتضي حصر المتمكن في القسمين أي المنصرف وغير المنصرف [5/ 53] لأن من الأسماء المتمكنة ما لا يدخل تحت واحد منهما كجمع المذكر السالم على رأي من يعربه بالحروف فإنه لا تدخله الحركات الثلاث والتنوين، فلا يكون منصرفا ولم يكن فيه تنوين، وجر بكسرة فيختزل فلا يكون غير منصرف، قال: فعلى مقتضى العبارة الثانية تقول: من الاسم ما هو منصرف وما هو غير منصرف (4)، وقد قال الجزولي (5): «الأسماء ثلاثة أضرب: منصرف، وغير منصرف، وما لا يقال فيه منصرف ولا غير منصرف، وهو أربعة: المضاف، وما عرّف باللام، والتثنية، والجمع، لا يقال فيها منصرفة إذ ليس -
(1) انظر الأشموني (3/ 228).
(2)
انظر التصريح (2/ 210).
(3)
انظر شرح كافية ابن الحاجب للرضي (1/ 35).
(4)
راجع ما نقله السيوطي في الأشباه والنظائر (1/ 293: 294) عن صاحب البسيط.
(5)
انظر الأشباه والنظائر (1/ 294).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيها تنوين ولا غير منصرفة إذ ليس فيها علة تمنع الصرف» انتهى.
ولك أن تلتزم اقتضاء العبارة الثانية الحصر أيضا فتقول: الإضافة واللام والتثنية والجمع أمور طارئة على الاسم مانعة من تنوينه لفظا، وإنما يعتبر حال الاسم قبل ما يطرأ عليه، وإذا فرض تعرّيه عن هذه الأمور قبل التنوين إن لم يمنع منه مانع، وإذا كان كذلك فينبغي أن ينظر في الأسماء المذكورة إلى حالها عريّة عما طرأ عليها، إن كان شيء منها منونا حكم بصرفه وإلا حكم بعدم انصرافه، وعلى هذا: رجلان مثنى رجل منصرف، ورجلان اسم امرأة غير منصرف نظرا إلى حاله مزالا عنه لفظ التثنية (1)، وكذا مسلمات الجمع منصرف بخلاف مسلمات العلم، وكذا الأحمر يحكم عليه بأنه غير منصرف لأنه بتقدير عدم اللام لا ينون، وأما قول أبي علي (2): لا أقول منصرف لوجود العلتين. ولا غير منصرف لأن التنوين لم يذهب بهما فغير مرضي عنه، بل يقطع بعدم صرفه، وإن كانت الألف واللام لم يذهبا التنوين لأنهما دخلا على اسم مزال تنوينه فهو قبل دخولهما غير منصرف، ولم يؤثر دخولهما في صرفه شيئا.
ومنها: أن الاسم إنما يمتنع صرفه إذا خرج عن أصله وصار فرعا على غيره من الأسماء، وإنما تعلم جهات الفرعية إذا حصل التنبيه على الأصالة، فأصل الاسم:
أن يكون مفردا مذكرا نكرة عربي الوضع، غير وصف ولا مزيد فيه ولا معدول، ولا خارجا عن أوزان الآحاد في العربية، ولا موافقا الفعل في الزنة الخاصة به ولا الغالبة عليه، فالتركيب والتأنيث والتعريف والعجمة والوصف والزيادة والعدل وصيغة الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ووزن الفعل فروع وهي تسع ويجمعها البيتان المشهوران [وهما]:
عدل ووصف وتأنيث ومعرفة
…
وعجمة ثمّ جمع ثمّ تركيب
والنّون زائدة من قبلها ألف
…
ووزن فعل وهذا القول تقريب (3)
وإنما يمتنع عند اجتماع سببين منها، أو لسبب يقوم مقامهما ليصير فرعا على غيره من الأسماء من جهتين فيشبه بذلك الفعل؛ لأن الفعل فرع على الاسم من جهتين: -
(1) انظر الأشباه والنظائر (1/ 294).
(2)
المرجع السابق.
(3)
جمعهما ابن الحاجب. انظر. شرح الكافية للرضي (1/ 35)، وانظر. الأشموني (3/ 23).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إحداهما: أن الاسم يخبر به ويخبر عنه، والفعل يخبر به لا عنه، وما أخبر به وعنه كان أصلا، لأنه يستقل كلاما، فلو لم تكن أفعالا لاستقلت الأسماء بالدلالة فهو مستغن والفعل غير مستغن فهو فرع.
الثانية: أن الفعل مشتق من الاسم، والمشتق فرع المشتق منه، وإنما بنيت هذه الجهة على رأي البصريين (1)، وههنا إيراد وهو أن يقال: شبه الاسم الحرف مخرج له عن أصله وهو الإعراب إلى البناء ولم تعتبر فيه إلا جهة واحدة، وشبهة الفعل لا يخرجه عن أصله واعتبر فيه جهتان!!
ويجاب عنه بأن الاسم بعيد من الحرف فشبهه به يكاد يخرجه عن حقيقته فلا جرم اكتفى به بوجه واحد، والأولى أن يقال في الجواب: شبه الاسم الحرف إنما هو في شيء هو للحرف، يعني أن المعنى الذي في الحرف هو بعينه موجود في ذلك الاسم فجهة الشبه قوية، فاكتفى فيها بوجه واحد، وأما شبه الاسم الفعل فإنما هو في مطلق الفرعية وليست الفرعية في الفعل هي بعينها الموجودة في الاسم فجهة الشبه بينهما ضعيفة فلا يقتصر فيها على جهة واحدة.
منها: أنه ليس كل شبه بين شيئين يوجب حكما لأحدهما هو في الأصل للآخر بل الشبه إذا قوي أوجب الحكم وإذا ضعف لم يوجبه، وكلما كان الشبه أحصر فهو أقوى وإذا كان أعم فهو أضعف، فالشبه الذي من الاسم والفعل من جهة الدلالة على معنى لا يوجب حكما؛ لأنه عام في كل اسم وفعل، وليس كذلك الشبه من جهة أنه ثان باجتماع سببين؛ لأن هذا يخص نوعا من الأسماء فهو خاص مقرب للاسم من الفعل.
ومنها أن يقال: لم اختصت هذه العلل بأنها توجب الفرعية دون غيرها مما هو موجود في الأسماء ليس بأصل كالعمل مثلا، فإن كون الاسم عاملا فرع على العمل، فكان ينبغي على هذا إذا انضم إلى الاسم العامل سبب آخر أن يمتنع من الصرف.
والجواب عنه أن يقال: لم تعتبر إلا معان يصير الاسم بها فرعا عن غيره لا معان اشترك فيها الأصل والفرع، ألا ترى أن العجمة إنما اعتبرت لأن الاسم إذا قامت به العجمة صار أعجميّا فيكون فرعا على العربية، فالذي اعتبر إنما هي معاني فروع -
(1) انظر. تفصيل هذه المسألة في الإنصاف (ص 235)(مسألة رقم 28).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقوم بالاسم فيصير فرعا على أمر ذلك المعنى غير موجود فيه، وما ذكر إنما هو معنى اشترك فيه الاسم والفعل جميعا فلا يتحقق فيه كون الاسم فرعا عما ليس ذلك فيه بل فرع عما ثبت ذلك فيه فاقترن البابان، ونقض هذا الجواب بوجهين:
الأول: أن بعض العلل المذكورة قد وجد مشتركا فيه كالوصف والتأنيث ووزن الفعل، وأجيب عنه بأن الوصف بالاسم على [غير] جهة الوصف بالفعل، لأن الوصف بالاسم للتقييد، والوصف بالفعل للإخبار فافترقا، وبأن التأنيث اشترطوا فيه اللزوم [5/ 54] ليخالف التأنيث في الفعل، وأما وزن الفعل فقيل: إذا جاء الاسم على وزنه يكون فرعا لأنه جاء على غير أوزان الأسماء أو على وزن يكثر في غير الأسماء، فجعل وزن الفعل ضابطا لذلك.
الثاني: أن ثمّ فروعا غير مشترك فيها ولم تعتبر كالتوكيد وعطف البيان ومطلق الجمع، وأجيب عنه بأن الأولين مشترك فيهما لأن التوكيد اللفظي يدخل الفعل، وعطف البيان يشارك عطف النسق في مسمى العطف، وأيضا فلأن معناه ليس لمعنى يخص الاسم بل لإقامته مقام الصفة وليس بصفة، فكأنه ليس بأصل فلم يعتد به، وأما مطلق الجمع فإن جمع التكسير صيغة مستأنفة فهو كالآحاد ولذا أعرب بالحركات، وباب «مساجد» لما فارق الواحد في الوزن تبين أنه فرع عليه، ولأنه لما لم يكسر مرة ثانية تأكدت فيه الفرعية فأشرت.
ومنها: أن طائفة من النحاة منهم السيرافي (1) زادوا على العلل التسع علة عاشرة وهي: ألف الإلحاق المقصورة، وشبهوها في المنع بألف التأنيث وهي بالحقيقة من فروع ألف التأنيث، لكن المصنف عدها مانعة برأسها (2) فنحن نراعي ما ذكره. ثم التأنيث قسمان: بالألف وبغيرها، صارت العلل إحدى عشرة علة، منها ما يمنع مفردا وهو شيئان: ألف التأنيث والجمع، وأما التسع الباقية فمنها المعرفة والمراد بها العلمية، وهي والوصفية لا يجتمعان، والسبع الباقية منها ما شرطه العلمية أي لا يمنع إلا معها وهو أربع: العجمة، والتركيب، والتأنيث بغير الألف، وألف الالحاق، -
(1) انظر. شرح كتاب سيبويه للسيرافي (1/ 299)(رسالة)، وانظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 634).
(2)
قال في الألفية:
وما يصير علما من ذي ألف
…
زيدت لإلحاق فليس ينصرف