الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أنواع أسماء الأفعال: أمر - ماض - حاضر]
قال ابن مالك: (وأكثرها أوامر، وقد تدلّ على حدث ماض أو حاضر، وقد تضمّن معنى نفي أو نهي أو استفهام أو تعجّب استحسان أو تندّم أو استعظام، [وقد يصحب بعضها «لا» النّافية]).
ــ
للمضمر المرتفع بها دفع هذا التّوهم الذي ذكرناه، ولم يرد بها تمييزها عن الأفعال كما فهمه الشيخ رحمه الله تعالى؛ لأنها مميزة عنها بأمور أخرى منها: بروز الضمير المرفوع إذ هو من خصائص الأفعال ومن ثمّ أردف المصنف كلامه هذا بقوله:
وبروزه مع شبهها دليل فعليّته أي: وبروز [5/ 28] الضمير مع ما يشبه أسماء الأفعال دليل على فعليته، وذلك نحو:«هلمّ» فإن بني تميم يبرزون الضمير المرفوع بها فيقولون: هلمّا، وهلمّوا، وهلمّي وهلممن (1)، فلإبراز الضمير في لغتهم وجب الحكم على هذه الكلمة بالفعلية في لغتهم.
وفي قول المصنف: مع شبهها فيه لطف لأن «هلم» في اللغة الحجازية اسم فعل (2)، وهي في لغة التميميين فعل لاتصال ضمائر الرفع البارزة بها (3)، ولا شك أن «هلم» في لغة تميم قبل اتصال الضمائر بها شبيهة بـ «هلم» في لغة الحجازيين، وهي محكوم بفعليتها من أجل بروز الضمير المرفوع بها عندهم.
قال ناظر الجيش: اسم الفعل الدال على أمر كثير، واسم الفعل الدال على ما سوى الأمر قليل، وقد ذكر المصنف ما هو للأمر وما هو لغيره في متن الكتاب وعلل النحاة (4) كون الدّال منها على الأمر أكثر من الدال على غيره بكثرة حذفهم فعل الأمر لدلالة الحال عليه، قالوا: ولم يكثر ذلك منهم في الأخبار وإنما يجيء في -
(1) انظر الكتاب (3/ 529)(هارون) والتبيان للعكبري (ص 547) واللسان (هلم) والتذييل (6/ 165).
(2)
لأنه يكون للواحد والاثنين والجمع والذكر والأنثى بلفظ واحد. انظر الكتاب (3/ 529) هارون.
والتبيان (ص 546) واللسان (هلم)، وهذه اللغة الفصيحة وبها نزل القرآن الكريم قال تعالى: هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ [الأنعام: 150] وهَلُمَّ إِلَيْنا [الأحزاب: 18].
(3)
انظر الكتاب (3/ 529)(هارون) والتبيان (ص 547) واللسان (هلم) والتذييل (6/ 165).
(4)
انظر المرتجل لابن الخشاب (ص 253، 254) وابن يعيش (4/ 29) وشرح الكافية للرضي (2/ 68).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مواضع قليلة تحفظ ولا يقاس عليها، فكما استغنوا في اللفظ عن ذكر أفعال الأمر في اللفظ لدلالة الأحوال عليها فكذلك استغنوا عن ذكر أفعال الأمر في اللفظ.
والتقدير بأسماء الأفعال، وكما قلّ استغناؤهم عن ذكر الأفعال في الخبر في اللفظ فكذلك قلّ استغناؤهم عن ذكر الأفعال في الخبر في اللفظ والتقدير بأسماء الأفعال.
قال الشيخ (1): «وفي كلام المصنف تسامح لأن الأوامر حقيقة إنما هي الأفعال لا أسماء الأفعال، قال: وكذا الدّالّ على الحدث الماضي والحدث الحاضر إنما هو الفعل» .
وأقول: ما قاله الشيخ بناء منه على أن مسمّى أسماء الأفعال ألفاظ الأفعال، وقد عرفت مما تقدم أن الأمر ليس كذلك (2)، والعجب إلزام الشيخ المصنف شيئا ليس من القول به في شيء.
ثم قد ذكر المصنف أن أسماء الأفعال قد تضمّن أحد معاني ستة أشياء وهي:
النفي، والنهي، والاستفهام، وتعجب الاستحسان، وتعجب التندم، والاستعظام.
أما النّفي فقد مثل له بقول بعض العرب وقد قيل له: أبقي شيء؟ همهام أي:
لم يبق شيء (3) وأما النهي فقد قال (4) ابن عصفور في قول الفارسي «إن أسماء الأفعال تستعمل في الأمر والنهي» (5): لم يرد بالنهي النهي الصناعي وإنما أراد به الأمر الذي يراد به التحذير نحو: حذار من كذا، وأراد بالأمر الأمر الذي لا يراد به التحذير نحو: نزال، قال: لأنه لا يوجد اسم فعل بمعنى «لا يفعل» فلا يقال:
حذار بمعنى لا يحذر.
وجاء الشيخ فحمل كلام المصنف على هذا أعني على ما حمل عليه ابن عصفور كلام الفارسي، ويبعد أن يكون ما قاله ابن عصفور مراد المصنف.
والعجب أنهم لم ينازعوا في أن اسم الفعل يضمّن معنى النفي ونازعوا في تضمنه -
(1) انظر التذييل والتكميل (6/ 165) وقد تصرف المؤلف فيما نقله.
(2)
لأن المؤلف ذهب إلى أن أسماء الأفعال تدل بنفسها على ما تدل عليه الأفعال.
(3)
في اللسان (همم) قال: «قال اللّحيانيّ: وسمع الكسائيّ رجلا من بني عامر يقول: إذا قيل لنا:
أبقي عندكم شيء؟ قلنا: همهام وهمهام يا هذا أي: لم يبق شيء».
(4)
يبدو أن هذا في شرح الإيضاح ولم أعثر عليه.
(5)
انظر الإيضاح العضدي هامش (ص 164).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
معنى النهي وكلاهما سواء، فكان الواجب إما أن يمنع فيهما وإما أن يجاز فيهما.
وأما الاستفهام فقد مثّل له (1) بما جاء في الحديث: أن عبد الرحمن بن عوف (2) رأى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر صفرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مهيم» (3) قال:
تزوّجت يا رسول الله: كأن المعنى - والله تعالى أعلم - أحدث لك شيء؟
قالوا (4): فـ «مهيم» على هذا اسم فعل معناه الاستفهام.
ومثال تعجب الاستحسان (5): «وا» في قول الراجز (6):
3597 -
وا بأبي أنت وفوك الأشنب
…
كأنّما ذرّ عليه الزّرنب (7)
ومثال تعجب التّندّم (8) قول الشاعر (9):
3598 -
سالتاني الطّلاق أن رأتاني
…
قلّ مالي قد جئتماني بنكر
-
(1) انظر التذييل والتكميل (6/ 166) وشرح التسهيل للمرادي (خ)(2/ 539، 540).
(2)
هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة وهو من السابقين الأولين في الإسلام، شهد بدرا وروى عنه
الصحابة. انظر ترجمته في طبقات ابن سعد (3/ 1)، وسير أعلام النبلاء (1/ 46).
(3)
رواه البخاري في كتاب النكاح انظر صحيح البخاري بشرح السندي (3/ 239) ورواه أيضا في كتاب البيوع (2/ 3) والمعنى: أنه رأى به لطخا من خلوق أو طيب له لون فسأل عنه فأخبره أنه تزوج وذلك من فعل العروس إذا دخل على زوجته. انظر اللسان (وضر).
(4)
انظر التذييل (6/ 166) وشرح التسهيل للمرادي (خ)(2/ 539، 540).
(5)
انظر التذييل (6/ 166) وشرح التسهيل للمرادي (خ)(2/ 540).
(6)
قال العيني (4/ 310): «قائله راجز من رجّاز تميم» .
(7)
هذا رجز وبعده:
أو أقحوان عابق مطيّب
…
أو زنجبيل وهو عندي أطيب
الشرح: فوك: أي: فمك، الأشنب: أفعل من الشنب بفتح الشين والنون وهو حدّة الأسنان ويقال: برد عذوبة، يقال: امرأة شنباء سنة الشّنب، ذر: من ذررت الحب ونحوه و «الزرنب» ضرب من النبت طيب الرائحة، والاستشهاد فيه: في قوله «وا بأبي» حيث جاءت فيه «وا» بمعنى التعجب، ويروى «يا بأبي» وعلى هذا لا استشهاد فيه. وانظر المغني (3/ 369)، والعيني (4/ 310)، وشرح التصريح (2/ 197)، والهمع (2/ 106)، والدرر (2/ 139)، والأشموني (3/ 198).
(8)
انظر التذييل (6/ 166) وشرح التسهيل للمرادي (خ)(2/ 540).
(9)
هو زيد بن عمرو بن نفيل القرشي كما في الكتاب (2/ 155)(هارون) ونسبه السيوطي في شرح شواهد المغني (ص 787) لسعيد بن زيد، وفي الأغاني (17/ 205) أنهما من أبيات لنبيه بن الحجاج ابن عامر السّهمي من شعراء قريش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وي كأن من يكن له نشب يح
…
بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (1)
وقد ذكر المصنف في شرح الكافية (2) أن كلمة «وا» بمعنى «أعجب» وأنشد:
3599 -
وا بأبي أنت
…
...
…
وأن كلمة «وي» بمعنى «أتعجب» وأنشد:
وي كأن من يكن له نشب
…
...
…
واستدل بقوله تعالى: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ (3)، ولكنه لم يذكر الاستحسان ولا التندّم مع «أعجب» ولا
«أتعجب» .
ثم إن في بعض نسخ التسهيل زيادة في هذا الموضع وهي «وقد يصحب بعضها لا النّافية» قال الشيخ (4): وهي في نسخة رأيت عليها خطه رحمه الله تعالى، قال: ومثال ذلك قولهم: لا لعا قال: ومنه قول ابن دريد:
3600 -
فإن عثرت بعدها إن وألت
…
نفسي من هاتا فقولا: لا لعا (5)
-
(1) هذان البيتان من الخفيف، الشرح: سالتاني الطّلاق قال البغدادي في شرح شواهد الشافية (ص 339): قال الأعلم: هذه لغة معروفة، وعليه قراءة من قرأ (سال سائل بعذاب واقع). والنكر: الأمر القبيح، والنشب: المال والورق وما أشبههما، ذكر أن امرأتيه سألتاه أن يطلقهما لأنه لم يكن عنده مال ينفقه عليهما. وقبل البيتين:
تلك عرساي تنطقان على عمد
…
إلى اليوم قول زور وهتر
ومما تجب ملاحظته: أن البيتين المذكورين ليسا بمتعاقبين وإنما بينهما أبيات، والبيتان في الكتاب (2/ 155)(هارون). وابن يعيش (4/ 76) والمغني (ص 369) والخزانة (3/ 95)، والهمع (2/ 106) والأشموني (3/ 199).
(2)
شرح الكافية الشافية (3/ 1386).
(3)
سورة القصص: 82.
(4)
التذييل (6/ 167).
(5)
هذا البيت من الرجز وهو في مقصورة ابن دريد (ص 14)، الشرح: عثرت: زلت وألت: نجت، هاتا: هذه، لا لعا: لا أقامه الله، واستشهد به على دخول «لا» النافية على اسم الفعل «لعا» والبيت في شرح الكافية للرضي (2/ 395)، والتذييل والتكميل (6/ 167)، ومغني اللبيب (ص 614) ولا أدري كيف يستشهد الشيخ أبو حيان بشعر ابن دريد (321 هـ) مع أنه لا يصح الاستشهاد بشعره عند النحاة. ويؤخذ على المؤلف متابعته للشيخ دون مناقشة ذلك. ويمكن أن توجه هذه المؤاخذة لابن هشام أيضا لأنه استشهد بالبيت نفسه لابن دريد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومعنى «لعا» : أقاله. فإذا أدخل عليها لا فكأنه قيل: لا أقاله، انتهى (1).
ولم ينتظم لي تفسير «لعا» بـ «أقاله» مع كونها اسم فعل (2)، وقال في الصحاح (3): ويقال للعاثر: لعا لك عاليا، دعاء له بأن ينتعش قال الأعشى:
3601 -
بذات لوث عفرناة إذا عثرت
…
فالتّعس أدنى لها من أن أقول لعا (4)
وذكر أبو البقاء أن معنى «لعا» أسلم (5)، وهذا هو الأقرب بل الحق، وعلى هذا يكون معنى «لا لعا»: لا أقول له لعا، لا أقول له أسلم (6). وإذا كان التقدير كذلك لم يكن حرف النّفي قد صحب اسم الفعل فلا يصح تمثيل الشيخ به لما قاله المصنف، وإن تمّ ما قلناه فليكن قول ابن دريد «فقولا: لا لعا» فقولا: لا أقول لك أسلم.
(1) أي: ما قاله الشيخ.
(2)
في شرح ألفية ابن معط لعبد العزيز الموصلي (ص 683)(رسالة) قال: «وأما لعا فمسماه انتعش، ومعنى انتعش: ارتفع ومنه سمي سرير الميت نعشا لأنه يرفع على رؤوس الناس يقال ذلك للعاثر» ، وقال:«والتنوين في لعا للتنكير» وفي اللسان (لعا): «ولعا كلمة يدعى بها للعاثر، معناها الارتفاع» وفيه «قال أبو عبيدة: من دعائهم لا لعا فلان أي: لا أقامه الله» .
(3)
انظر الصحاح (6/ 2483)(لعا).
(4)
هذا البيت من البسيط وقائله الأعشى في ديوانه (ص 83)، الشرح: قوله: بذات لوث: اللوث:
- بالفتح -: القوة، وعفرناة: قوية يقال: ناقة عفرناة: أي قوية ومعنى ذلك أنها لا تعثر لقوتها، وقوله: بذات لوث: يتعلق بـ «كلفت» في بيت قبله وهو:
كلّفت مجهولها نفسي وشايعن
…
همّي عليها إذا ما آلها لمعا
والتّعس: الدعاء على العاثر بألا ينتعش من صرعته، والعرب تقول في الدعاء على العاثر: تعسا له وفي الدعاء له: لعا. والمعنى: حملت نفسي قطع بادية مجهولة الأعلام وتابعني مؤيدا لي عزمي وهمتي بناقة قوية لا تعثر ولو عثرت كان الدعاء عليها أولى من الدعاء لها. والشاهد: في قوله (لعا) وهو دعاء له بأن ينتعش. انظر البيت في درة الغوص (ص 110)، والبحر المحيط (8/ 70)، اللسان (لعا) و (لوث) وروايته (من أن يقال) وصححه ابن بري.
(5)
لم أعثر على هذا المعنى في كتب أبي البقاء العكبري التي اطلعت عليها.
(6)
لا أدري كيف يجعل المؤلف كلام أبي البقاء هو الأقرب بل الحق كما ذكر مع أنني لم أر أحدا ذكر هذا المعنى، والأعجب أنه رد كلام الشيخ أبي حيان مع أنه أقرب إلى ما ذكر في معنى «لعا» .