الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم جوار ونحوه في أحواله الثلاثة]
قال ابن مالك: (فصل: ينوّن [5/ 76] في غير النّصب ما آخره ياء تلي كسرة من الممنوع من الصّرف، ويحكم للعلم منه عند يونس بحكم الصّحيح إلا في ظهور الرّفع، فإن قلبت الياء ألفا منع التّنوين باتّفاق).
ــ
وأما قول المصنف: وله في أحد قوليه وللمبرّد في نحو: هوازن وشراحيل وأحمر فيشير به إلى المسألتين المتقدمتي الذكر وهما: الجمع المتناهى إذا سمي به ثم نكر بعد التسمية، و «أفعل» الممنوع الصرف وهو وصف إذا سمي به ثم نكر بعد التسمية، وقد تقدم الكلام على المسألتين بما فيه غنية، والإشارة إلى ذكر خلاف الأخفش فيهما وأنه وافق سيبويه في مسألة «أحمر» .
والذي استفدناه زائدا هنا أن المبرد خالف (1) فيكون مذهبه في المسألتين خلاف ما عليه سيبويه والجماعة فيهما.
وأما قوله: وما لم يمنع إلّا مع العلميّة منكّرا بإجماع فقد قامت الإشارة إلى ذلك، والذي لا يمنع إلّا مع العملية هو زيادة الألف والنون في غير «فعلان فعلى» ووزن الفعل في غير «أفعل فعلاء» وما حمل عليه، والعدل في غير العدد، و «أخر» والتأنيث بغير الألف، والتركيب، والعجمة، وألف الإلحاق، وحكم ألف التكثير حكم ألف الإلحاق فتقول: مررت بعثمان وعثمان آخر، وبأحمد وأحمد آخر، وبعمر وعمر آخر، وبطلحة وطلحة آخر، وبمعدي كرب ومعدي كرب آخر، وبإبراهيم وبإبراهيم آخر، وبأرطى (2) وأرطى آخر، وبقبعثرى وقبعثرى آخر، وقد تقدم ذكر الموجب للصرف (3).
وليعلم أن التنوين اللاحق لهذه الأسماء التي ذكرها هو تنوين الصرف، ولا يتوهم الصرف، ولا يتوهم أنه تنوين التنكير؛ لأن تنوين التنكير إنما يلحق الأسماء المبينة فرقا بين معرفتها، ونكرتها، وهذه الأسماء معربة.
قال ناظر الجيش: المراد في هذا الفصل الإشارة إلى كل اسم في آخره «ياء» تلي -
(1) انظر المقتضب (3/ 312، 345).
(2)
الأرطى: شجر ينبت بالرمل واحدته أرطاة، انظر اللسان (أرط).
(3)
الموجب للصرف هو زوال التعريف فلم يبق إلا علة واحدة. انظر التذييل (6/ 396).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كسرة مما هو ممنوع الصرف نحو: جوار وأعيم، ونحو: يغزو ويرمي مسمّى بهما، وأنا أورد أولا كلامه في شرح الكافية ثم أعود لما في الكتاب، قال (1) - رحمه الله تعالى -: «المنقوص الذي نظيره من الصحيح غير منصرف إن كان غير علم كجوار وأعيم تصغير أعمى، فلا خلاف أنه في الرفع والجر جار مجرى قاض في اللفظ، وفي النصب جار مجرى نظيره من الصحيح، فيقال: هؤلاء جوار وأعيم، ومررت بجوار وأعيم، ورأيت جواري وأعيمي كما يقال: هذا قاض ومررت بقاض ورأيت صواحب وأسيد، وكذا إن كان علما في مذهب الخليل وسيبويه (2) وأبي عمرو وابن أبي إسحاق (3) وأما يونس (4) وأبو زيد وعيسى والكسائي (5) فيقولون في قاض اسم امرأة: هذه قاضي، ورأيت قاضي، ومررت بقاضي، فلا ينون في رفع ولا جر، بل يثبتون الياء ساكنة في الرفع، ويفتحونها في الجر، كما تفعل بالصحيح، ومذهب الخليل هو الصحيح، لأن نظائر جوار من الصحيح لا ينوّن في تعريف ولا تنكير وقد نوّن، ونظائر قاض اسم امرأة لا ينون في تعريف وينون في تنكير، فتنوينه أولى من تنوين جوار، وقول الراجز:
3737 -
قد عجبت منّي ومن يعيليا
…
لمّا رأتني خلقا مقلوليا (6)
من الضرورات على مذهب الخليل، وليس من الضرورات على مذهب يونس (7)، وشبه (8) ثمانيا بجوار من قال: -
(1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1506).
(2)
انظر الكتاب (3/ 310: 311).
(3)
انظر شرح التصريح (2/ 228).
(4)
انظر الكتاب (3/ 312).
(5)
انظر الأشموني (3/ 273) وشرح التصريح (2/ 228).
(6)
هذان بيتان من الرجز المشطور وهما للفرزدق وليسا في ديوانه وهما من أبيات سيبويه.
الشرح: يعيليا: مصغر يعلى اسم رجل، وخلقا بفتح الخاء واللام: وهو العتيق جدّا وأراد به رثّ الهيئة ودمامة الخلقة، والمقلولي: المتجافي المنكمش، وأصله ومقلوليا فحذف العاطف للضروة.
والشاهد في قوله: «يعيليا» حيث حرك الياء للضرورة ولم ينونه؛ لأنه لا ينصرف.
وانظر الرجز في الكتاب، (3/ 315)(هارون) والمقتضب (1/ 142)، والعيني (4/ 359) وشرح التصريح (2/ 228).
(7)
انظر الكتاب (3/ 312) والعيني (4/ 359).
(8)
شبهها بها في اللفظ انظر سر الصناعة (2/ 183) وما ينصرف وما لا ينصرف (ص 47).
وقال في الكتاب (3/ 231): «وقد جعل بعض الشعراء ثماني بمنزلة حذار» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3738 -
يحدو ثماني مولعا بلقاحها
…
حتّى هممن بزيغة الإرتاج (1)
انتهى.
وما ذكره عن يونس ومن وافقه أنهم يقولون في قاض اسم امرأة: هذه قاضي، ورأيت قاضي، ومررت بقاضي، فهو جار عندهم في نحو جوار وأعيم إذا سمي بهما فيقولون: هؤلاء جواري، ورأيت جواري، ومررت بجواري، وكذا يقولون:
هذا أعيمي، ورأيت أعيمي، ومررت بأعيمي.
وإذا تقرر هذا فقوله في التسهيل ينوّن في غير النّصب ما آخره ياء تلي كسرة من الممنوع الصّرف يشمل ما كان غير علم، وما كان علما، وكما شمل قوله: من الممنوع الصّرف نحو: جوار وأعيم ويغزو ويرمي مسمى بهما شمل نحو: قاض مسمّى به امرأة، ولما كان يونس يخالف في العلم فيثبت الياء ساكنة في الرفع ويفتحها في حالتي النصب والجر قال:«ويحكم للعلم منه بحكم الصّحيح إلّا في ظهور الرّفع» .
اعلم أن «صحار» و «عذار» جمعي: صحراء وعذراء حكمهما في منع الصرف حكم «جوار» (2) لا شك أن نحو: صحراء وعذراء كما يجمع على «فعال» يجمع على «فعالى» بقلب الياء من «صحار» ألفا، لكن لما كان «فعال» ينوّن دون «فعالى» أشار المصنف إلى ذلك بقوله: فإن قلبت الياء ألفا منع التّنوين باتّفاق.
كان الواجب لذلك أن التنوين إنما هو تنوين عوض، وقد تقدم في فصل «التنوين» عنه عند سيبويه عوض من الياء لا من حركتها، والياء إنما حذفت لموجب، فلما حذفت أتى بالتنوين وصاغها، وأما الألف المنقلبة عن الياء فلا موجب -
(1) هذا البيت من الكامل، وهو لابن ميادة.
الشرح: قوله: يحدو من الحدو، وهو سوق الإبل والغناء لها، ومولعا: حال من الضمير الذي في يحدو، من أولع بالشيء إذا أغرم به، واللقاح: بفتح اللام ماء الفحل وهو المراد هنا، والزيغة: الميلة، عني به أسقاطها ما أرتجت عليه أرحامها أي: أغلقتها، يقول: إن ناقته تشبه في سرعتها حمارا وحشيّا يحدو ثماني أتن أي يسوقها عنيفا حتى هممن بإسقاط الأجنة. والشاهد فيه: منع صرف «ثماني» للضرورة تشبيها له - بمساجد - والبيت في الكتاب (3/ 231) والعيني (4/ 352)، والخزانة (1/ 76).
والأشموني (3/ 248)، واللسان (ثمن) و (رتج).
(2)
انظر التذييل (6/ 402).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لحذفها وإذا لم تحذف كان الذي يؤتى به عوضا مستغنى عنه حينئذ.
فإن قيل: ما الموجب لتفرقة يونس ومن وافقه بين الاسم الذي هو علم والاسم الذي هو غير علم حتى إنهم نوّنوا نحو: جوار وأعيم ولم ينونوا نحو: قاض مسمّى به امرأة؟
فالجواب: أنهم ذكروا أن المقتضي لإثبات الياء وعدم التنوين على رأي هؤلاء الجماعة أنهم يزعمون أن التنوين في «جوار» ونحوه تنوين صرف لشبه «جوار» بعد حذف الياء بنحو: جناح وسلام، ولا يمكنهم أن يدّعوا في قاض اسم امرأة إذا قلنا: هذه قاض أن التنوين تنوين صرف؛ لأن علة منع صرفه قائمة، ولا يسعهم أن يقدروه عريّا عنها، ولا يمكن أن يكون التنوين للعوض؛ فلذلك حذفوه في «قاض» اسم امرأة، وأثبتوا الياء.
وأقول: مقتضى هذا الجواب أننا إذا سمينا مذكرا بنحو «جوار» أن ينصرف؛ إذا ليس فيه حينئذ إلّا علة واحدة وهي العلمية؛ لأنهم قد حكموا بصرفه قبل التسمية لصيرورته كجناح وسلام، ورأيت في شرح الشيخ (1) أنهم يمنعونه للعلمية وشبه العجمة، ولم يظهر لي وجه شبه العجمة، لأن مثال: جناح وسلام من الأوزان العربية.
وأما قولهم: إن التنوين في «قاض» اسم امرأة لا يمكن أن يكون للعوض فممنوع، فقد ذكروا (2) أن تنوين الصرف حذف منه للعلمية والتأنيث وعادت الياء التي كانت حذفت بسببه ثم حذفت الياء منه رفعا وجرّا كما حذفت من «جوار» قبل التسمية به؛ لأن الياء من «قاض» قد انضاف إلى ثقلها ثقل الاسم الذي أوجب له منع الصرف، كما أنها من «جوار» كذلك ثم عوض منها التنوين بعد الحذف كما فعلوا ذلك بجوار؛ لأن الياء المحذوفة لثقلها وثقل الاسم الذي هي فيه إنما تحذف بشرط أن يعوض منها التنوين، بدليل أنهم لا يحذفونها من «الجواري» ولا من «جواريك» لتعذر تعويض التنوين منها.
وأما إظهارهم الفتحة في الياء حالة الجر لخفتها، فقد قيل: إنها خطأ، لأن العرب أجرتها مجرى ما يستثقل في الياء وهو الكسرة، ولما كانت مثلها علامة خفض فحذفوها لذلك، والدليل على هذا أنهم لم يقولوا قبل التسمية: مررت -
(1) انظر التذييل (6/ 398).
(2)
انظر التذييل (6/ 399).