الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[اختلاف النحويين ومذاهبهم في رافع المضارع]
قال ابن مالك: (يرفع المضارع لتعرّيه من النّاصب والجازم، لا لوقوعه موقع الاسم خلافا للبصريّين).
قال ناظر الجيش: اختلف في عامل الرفع في الفعل: والأصح أنه معنوي، فقال البصريون (1): وقوعه موقع الاسم، أي وقوعه حيث يصح وقوع الاسم، لا أن الموضع كان فيه الاسم فأزيل ووقع الفعل مكانه، وقال الفراء ومن وافقه من الكوفيين (2) تجرده من الناصب والجازم.
والمراد بتجرده منهما: أنهما لم يباشراه لا أنهما كانا فأزيلا ورفع الفعل بعد إزالتهما.
قال المصنف في شرح الكافية (3) مشيرا إلى هذا المذهب: «وهو قول حذاق الكوفيين وبه أقول؛ لسلامته من النقض، بخلاف القول الآخر - يعني قول البصريين - فإنه ينتقض بنحو: هلا تفعل وجعلت أفعل، وما لك لا تفعل؟، ورأيت الذي يفعل، فإن الفعل في هذه المواضع مرفوع مع أن الاسم لا يقع فيها، ولو لم يكن للفعل رافع غير وقوعه موقع الاسم لكان في هذه المواضع مرفوعا بلا رافع فبطل القول بأن رافعه وقوعه موقع الاسم، وصح القول بأن
رافعه التجرد من الناصب والجازم». انتهى.
ولا تخفى قوة هذا الاستدلال، وقد أجيب عن ذلك بما هو مقبول، قال الإمام بدر الدين (4) بعد تمثيله بـ «لو يقوم زيد» و «هلا يفعل» مقيما بذلك صحة الدليل على قول الكوفيين فإن قيل: لا نسلم أن الرافع للمضارع لو كان وقوعه موقع -
(1) انظر: الكتاب (3/ 8 - 12) والإنصاف (ص 550) مسألة رقم (74)، وشرح الكافية الشافية (3/ 1519)، وفي شرح التصريح (2/ 229):«خلافا للبصريين غير الأخفش والزجاج» .
(2)
انظر: الإنصاف (ص 550) وما بعدها، وشرح الألفية للأبناسي (2/ 261)، وشرح التصريح (2/ 229) والأشموني (3/ 277).
(3)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1519) تحقيق د/ عبد المنعم أحمد هريدي.
(4)
انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (تكملة شرح والده)(4/ 6) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ بدوي المختون، وانظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 665).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الاسم لما ارتفع بعد هذه الحروف؛ لأن المراد بموقع الاسم: الموضع الذي هو للاسم في الجملة، وما بعد هذه الحروف هو للاسم بدليل قولهم: لو ذات سوار لطمتني (1)، وهلا زيد قام، فإذا وقع فيه المضارع ارتفع للعلة المذكورة، فالجواب أن يقال: لا يخلو مرادكم بموقع الاسم إما أن يكون الموضع الذي هو للاسم في الأصل، أو الموضع الذي هو للاسم في الاستعمال، أو الموضع الذي هو للاسم في بعضهما، وأيّاما كان يلزم بطلان قولكم: رافع المضارع وقوعه موقع الاسم؛ لأنه ينتقص على الأول بالرفع بعد حروف التحضيض قطعا؛ لأنه موضع ليس للاسم في الأصل، وعلى الثاني بالرفع بعد «كاد» ونحوها؛ لأنه موضع ليس للاسم في الاستعمال وعلى الثالث بالجزم بعد «إن» الشرطية فإنه موضع هو للاسم في الاستعمال كما في قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ (2) فلو كان رافع المضارع وقوعه موقع الاسم في الجملة لما كان بعد «إن» الشرطية إلا مرفوعا، فلما لم يرفع علم أن رافع المضارع ليس وقوعه موقع الاسم، فتعين أن يكون خلوّه من الناصب والجازم كما قال الكوفيون.
وذهب الكسائي (3) ومن تبعه من الكوفيين إلى أن عامل الرفع في الفعل لفظي وهو حروف المضارع فردّ عليه بأن حروف المضارع موجودة مع الناصب والجازم، فلو كانت هي العاملة للرفع لما أبطل الناصب والجازم عملها، وأجيب عن ذلك بأن عامل الرفع هنا ضعيف فأبطل من الناصب والجازم عمله، وردّ هذا الجواب بأن
العامل القوي لا يبطل عمل الضعيف، بل يكون الضعيف عاملا في اللفظ، وهو ومعموله معمولان للعامل القوي كما في دخول «إن» الشرطية على «لم» . ذكر ذلك الشيخ بهاء الدين بن النحاس في تعليقه على المقرّب (4). -
(1) هذا مثل وتقدير الكلام: لو لطمتني ذات سوار؛ لأن «لو» طالبة للفعل داخلة عليه، ومعنى المثل: لو كانت اللاطمة حرة لكان أخف علي. وانظر المثل في مجمع الأمثال (3/ 81)، والمستقصى (2/ 297) المثل رقم (1050) والرواية فيه: لو ذات قلب.
(2)
سورة التوبة: 6.
(3)
انظر: شرح الكافية للرضي (2/ 231)، وشرح الألفية للأبناسي (2/ 261)، وشرح التصريح (2/ 229)، والأشموني (3/ 277)، والأشباه والنظائر (1/ 238).
(4)
كتاب مخطوط في مكتبة الأزهر حقق رسالة ماجستير بكلية اللغة بأسيوط. وانظر النص المذكور ورقة (89) من المخطوط رقم (4947) رواق المغاربة.