الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أحكام خاصة بنون التوكيد الخفيفة]
قال ابن مالك: (فصل: تختصّ الخفيفة بحذفها وصلا لملاقاة ساكن مطلقا، وبالوقف عليها مبدلة ألفا بعد فتحة أو ألف، ومحذوفة بعد كسرة أو ضمّة، وأجاز يونس للواقف إبدالها واوا أو ياء في نحو: اخشونّ واخشينّ، ويعاد إلى الفعل الموقوف عليه بحذفها ما أزيل في الوصل بسببها، وربّما نويت في أمر الواحد فيفتح وصلا).
ــ
والذي يظهر أن مراد من منع المسألة بقوله: الوصل عارض، وصل الكلمة المختومة بالنون الخفيفة بالكلمة التي بعدها المفتتحة بنون أخرى، لأنها قد كان يمكن أن توصل بكلمة أخرى غيرها، فليس وصلها بها لازما، وإذا لم يكن لازما كان عارضا ولم يرد الوصل الذي يقابل الوقف.
قال ناظر الجيش: قد تقدمت الإشارة إلى أن النون الخفيفة تختص بأمرين:
وهما: الحذف في مكانين، وإبدالها ألفا في مكان (4)، فهو يشير إلى ذلك في هذا الفصل وقد قال في شرح الكافية (5): «وإذا كانت النون خفيفة ولقيها ساكن حذفت سواء أكان ما قبلها مفتوحا أم مضموما أم مكسورا، ومنه قول الشاعر:
3687 -
لا تهين الفقير علّك أن
…
تركع يوما والدّهر قد رفعه (6)
-
(1) انظر التذييل (6/ 267).
(2)
أي هذا الذي ينقل عنه الشيخ.
(3)
أي الشيخ أبو حيان.
(4)
انظر ذلك في شرح المتن السابق (المقصد الثالث).
(5)
انظر شرح الكافية الشافية (2/ 569) وقد تصرف المؤلف قليلا فيما نقله عنه.
(6)
هذا البيت من المنسرح لكن دخل في «مستفعلن» أوله الخرم - بالراء - بعد خبنه، فصار: فاعلن، ويدل له بقية القصيدة التي مطلعها. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإذا وقفت على المؤكد بالخفيفة أبدلتها ألفا إن وليت فتحة كقولك في قوله تعالى: (لنسفعن)(1) لنسفعا، وقال النابغة الجعدي:
3688 -
فمن يك لم يثأر بأغراض قومه
…
فإنّي وربّ الرّاقصات لأثأرا (2)
فإن لم تل فتحة حذفتها ورددت إلى الفعل ما حذف من أجلها (3) فتقول في اخرجن واخرجن: اخرجوا واخرجي، وفي هل تخرجن؟ وهل تخرجن: وهل تخرجون، وهل تخرجين؟ انتهى. فأشار إلى الحكمين. -
-
لكلّ همّ من الهموم سعه
…
والمسي والصّبح لا فلاح معه
فقول العيني ومن تبعه أنه من الخفيف خطأ. وانظر حاشية الصبان على الأشموني (3/ 255)، وهذه القصيدة ثمانية أبيات قيل: إنها قيلت قبل الإسلام بدهر طويل وقبل البيت الشاهد:
قد يجمع المال غير آكله
…
ويأكل المال غير من جمعه
الشرح: قوله: لا تهين من أهان يهين أهانة، وقوله: علك أي لعلك، وقوله: تركع من الركوع وهو الانحناء والميل وأراد به الانحطاط من المرتبة والسقوط من المنزلة، والمعنى: لا تؤذي الفقير ولا تحتقره؛ فإني أشفق عليك أن يزول عنك ما تترفع به عليه ويصير إليه مثل ما كان لك فتحتاج إليه ولم تكن أسلفته ما تستمطر به ديم رحمته وحنانه. والشاهد فيه: قوله: لا تهين بكسر الهاء وسكون الياء، وأصله:
لا تهينن بنونين أولاهما مفتوحة والثانية ساكنة فحذفت النون الخفيفة لما استقبلها ساكن.
والبيت في الشعر والشعراء (ص 390)، وأمالي الشجري (1/ 385)، والإنصاف (ص 221)، وانظر ابن يعيش (9/ 43، 44) والمفصل (232)، والمقرب (2/ 18).
(1)
سورة العلق: 15.
(2)
هذا البيت من الطويل قاله النابغة الجعدي من قصيدة طويلة له أنشدها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأعجب بها ودعا له بخير وبشره بالجنة، ومطلعها:
خليلي غضا ساعة وتهجرا
…
ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا
الشرح: قوله لم يثأر هو من ثأر - مهموز العين - يثأر إذا أخذ بثأر له، وقوله أعراض جمع عرض وهو ما يحميه الرجل من أن يثلب فيه، وقوله الراقصات أراد به إبل الحجيج التي تهتز أطرافها في مشيها كأنها كأنها ترفض. والمعنى: فمن لم ينتصر لأغراض قومه بالهجو والذب عنهم فأني قد هجوت من هجاهم وانتصرت لهم حفظا لأغراضهم. والشاهد في قوله: «لأثأرا» أصله: لأثأرا - بالنون الخفيفة - فلما وقف عليها أبدلها ألفا كما في: «لنسفعا» . وانظر البيت في الكتاب (3/ 512)، وابن يعيش (9/ 39) وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (2/ 277) والأشموني (3/ 215: 226) والتذييل (6/ 269)، وديوان النابغة (ص 76).
(3)
انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 230، 631) تحقيق د/ عبد الحميد السيد، والأشموني (3/ 226).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقوله: «سواء أكان ما قبلها مفتوحا أم مضموما أم مكسورا» مفسر لقوله في التسهيل: «مطلقا» وأشار هنا إلى رد المحذوف بقوله «ويعاد إلى الفعل الموقوف عليه بحذفها ما أزيل في الوصل بسببها، وإنما رد المحذوف لأنه إنما كان حذف لاجتماعه مع النون الخفيفة، فلما حذفت النون زال موجب حذف ما كان حذف لأجلها، فمن ثمّ أعيدت الواو والياء في: اخرجوا واخرجي، والواو والنون، والياء والنون في: هل تخرجون؟ وهل تخرجين؟ والعلة (1)
في حذفها عند ملاقاة ساكن لما لم تكن صالحة للحركة عوملت معاملة حرف اللين فحذفت لالتقاء الساكنين، كما حذف اللين في: يرمي الرجل ويغزو الغلام.
وأما حذفها عند الوقف على الكلمة التي هي فيها إذا كانت بعد ضمة أو كسرة، وإبدالها ألفا بعد فتحة فلشبهها بالتنوين (2)، وفي شرح الشيخ (3): «فإن لقيت الخفيفة بعد ألف الاثنين، أو نون الجمع - على مذهب يونس - ساكنا نحو:
اضربان واضربنان، أبدل يونس النون همزة وفتحها، فيقول: اضرباء الرجل يا رجلان، واضربناء الرجل يا نساء، قال سيبويه (4): هذا لم تقله العرب، والقياس اضرب الرجل [واضربن الرجل] فحذفت النون لالتقاء الساكنين، وتحذف الألف لالتقائها مع الساكن الذي حذف النون فيصير في اللفظ بغير ألف» انتهى.
وأما قول المصنف: «أو ألف» بعد قوله: مبدلة ألفا بعد فتحة - فإنما يتصور ذلك على مذهب من يجيز وقوع الخفيفة بعد الألف وهو يونس والكوفيون، وقد تقدم أن المصنف ربما يوافقهم في هذه المسألة، فبمقتضى هذا ذكر الفتحة، وعلى هذ إذا قيل: اضربان واضربنان ووقفت أبدلت النون ألفا ويلتقي حينئذ ساكنان.
وأما قوله: «وأجاز يونس للواقف إبدالها واوا أو ياء في نحو: اخشون واخشين» فأشار به إلى أن يونس لا يحذف الساكنة بعد ضمة أو كسرة بل يبدلها حرفا مجانسا للحركة التي قبلها، كما أنها تبدل ألفا بعد الفتحة فتقول: اخشووا -
(1) و (2) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 230، 631) تحقيق د/ عبد الحميد السيد، والأشموني (3/ 225).
(3)
انظر التذييل (6/ 268).
(4)
انظر الكتاب (3/ 527: 528)، والأشموني (3/ 225).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واخشيي (1)، وقالوا (2): إن يونس يقول: كما أبدلوا التنوين بعد الضمة والكسرة في الوقف فقالوا: قام زيدو، ومررت بزيدي فكذلك هذا تشبيها للنون الخفيفة بالتنوين (3)، وضعّف مذهبه لكونه حمل الأمر فيه على اللغة الضعيفة في الوقف على المرفوع والمجرور المنونين، قال الشيخ (4): «فظاهر كلام المصنف أن ذلك يختص بالمثالين المذكورين أو بما أشبههما من الفعل المعتل بالألف مطلقا، وليس كذلك بل المنقول عن يونس أنه يبدل النون الخفيفة مطلقا؛ سواء أكان ما قبلها مفتوحا أم مضموما أم مكسورا، فيبدلها حرفا من جنس الحركة التي
قبلها فيقول في الوقف على هل تخرجن؟ وهل تخرجي، وعلى هل تدعن؟ هل تدعو، ولا يرد النون التي هي علامة الرفع كما يقول غيره، لأن موجب البناء عنده لم يزل لكونه عوّض منه، والعرب تحكم للعوض [بحكم المعوض] منه» انتهى.
وأما قول المصنف: «وربّما نويت في أمر الواحد فيفتح وصلا» فمثاله قول الشاعر:
3689 -
اضرب عنك الهموم طارقها
…
ضربك بالسّوط قونس الفرس (5)
لكن لك أن تقول إن الموجب لفتح آخر الفعل إنما هو النون الملفوظ بها لا نيتها [5/ 51] الذي ذكره الإمام بدر الدين ولده أحسن من هذا، وهو أنه لما ذكر أن نون التوكيد الخفيفة تحذف لملاقاة ساكن وللوقف في بعض الصور قال (6): «وقد -
(1) انظر الكتاب (3/ 522).
(2)
انظر التذييل (6/ 271).
(3)
في الكتاب (3/ 522): «قال الخليل: لا أرى ذاك إلا على قول من قال: هذا عمرو ومررت بعمري وقال سيبويه: وقول العرب على قول الخليل» .
(4)
انظر التذييل (6/ 271).
(5)
البيت لطرفة بن العبد البكري انظر ملحقات ديوانه (ص 195)، وقيل هو مصنوع عليه وهو من المنسرح وما ذكره العيني (4/ 337) من انه من الوافر فهو خطأ، الشرح: قوله: «اضرب» يروى في مكانه «اصرف» والأول أدق وأوفق ببقية البيت، و «طارقها» اسم الفاعل من طرق يطرق إذا طرق يطرق إذا أتى ليلا، وهو بدل من الهموم وقوله «قونس الفرس» القونس: هو العظم الناتئ بين أذني الفرس وأعلى البيضة أيضا. والشاهد في قوله: «اضرب» بفتح الباء لأن أصله اضربن بالنون الخفيفة فحذفت النون وبقيت الفتحة قبلها للضرورة وهذا من الشاذ لأن نون التأكيد لا تحذف إلا إذا لقيتها ساكن.
والبيت في النوادر (165). والخصائص (! / 126) والمحتسب (2/ 94)، والإنصاف (ص 568)، وابن يعيش (9/ 44)، والمغني (ص 642)، واللسان (قنى).
(6)
انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 631) طبعة دار الجيل، بتحقيق د/ عبد الحميد السيد.