الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما يمتنع صرفه للوصفية والعدل]
قال ابن مالك: (فصل العدل المانع مع الوصفيّة مقصور على «أخر» مقابل «آخرين» وعلى موازن «فعال» و «مفعل» من عشرة وخمسة فدونها سماعا وما بينهما قياسا، وفاقا للكوفيين والزّجّاج، ولا يجوز صرفها مذهوبا
بها مذهب الأسماء، خلافا للفرّاء ولا منكّرة بعد التّسمية خلافا لبعضهم).
ــ
مع التعريف سبب يؤثر منع الصرف منع الصرف كـ «هرمز» من «رامهرمز» (1) فإن فيه مع التعريف عجمة مؤثرة، فيجر بالفتحة ويعرب الأول بما تقتضيه العوامل نحو: جاء رامهرمز، ورأيت رامهرمز، ومررت برامهرمز، ويقال في حضر موت:
هذا حضر موت، ورأيت حضر موت، ومررت بحضر موت؛ لأن «موتا» ليس فيه مع التعريف سبب ثان، وكذلك «كرب» في اللغة المشهورة (2)، وبعض العرب لا يصرفه فيقول في الإضافة إليه: هذا معدي كرب فجعله مؤنثا. انتهى.
وقد عرف من هذا شرح ما تضمنه هذا الفصل والذي ذكره هنا من بناء الجزأين زائد على ما ذكره ثمّ (3).
قال ناظر الجيش: قد علم مما تقدم أن العدل من العلل المانعة الصرف، ولكن لم يتعرض إلى ذكر الصيغ التي حصل فيها العدل، فأشير في هذا الفصل إلى ذلك، ولما كان العدل منه ما يمنع مع الوصفية، ومنه ما يمنع مع العلمية ميز المصنف أحدهما عن الآخر، وبدأ بذكر ما يمنع مع الوصفية، ثم ذكر ما يمنع مع العلمية لأن الذي يمنع مع الوصف مقدم الذكر في أول الباب على الذي يمنع مع العلمية، لكن قد ذكر المصنف في هذا الباب أن العدل يمنع مع أمر ثالث أيضا وهو: شبه العلمية أو الوصفية كما سيجيء تقريره.
أما العدل المانع مع الوصفية فهو مقصور - كما ذكرنا - على «أخر» وعلى موازن «فعال» و «مفعل» من أسماء العدد، قال في شرح الكافية (4):
«أما أخر فهو المقابل لآخرين، وهو جمع أخرى أنثى آخر، لا جمع أخرى، -
(1) رامهرمز: موضع انظر اللسان (هرمز).
(2)
انظر الأشموني (3/ 250).
(3)
أي في التسهيل (ص 219).
(4)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1448).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بمعنى آخرة، فإن أخرى قد تكون بمعنى آخرة قال الله تعالى: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ (1) وهذه تجمع على «أخر» مصروفا، لأنه غير معدول، ذكر ذلك الفراء (2) رحمه الله تعالى، والفرق بين أخرى وأخرى (3) أن التي هي أنثى
آخر لا تدل على الانتهاء كما لا يدل عليه مذكرها؛ فلذلك يعطف عليها أمثالها في صنف واحد [كقولك: عندي بعير وآخر وآخر وآخر، وعندي ناقة وأخرى وأخرى وأخرى، وأما أخرى بمعنى آخرة فتدل على الانتهاء ولا يعطف عليها مثلها في صنف واحد]، وإذا علم الفرق بين أخرى وأخرى، وآخر وآخر، فليعلم أن مانع «أخر» من الصرف الوصفية والعدل، فالوصفية ظاهرة، والعدل أيضا بيّن، وذلك أنه من باب «أفعل التفضيل» وأصله أن لا يجمع إلّا مقرونا بالألف واللام كـ «الكبر» و «الصّغر» فعدل عن أصله وأعطي من الجمعية مجردا ما لا يعطى غيره إلا مقرونا، فهذا عدل من الألف واللام لفظا، ثم عدل عن معناهما لأن الموصوف به لا يكون إلا نكرة، وكان حقه إذا عدل عن لفظهما أن ينوى معناهما مع زيادة كما نوي معنى اثنين بـ «مثنى» مع زيادة التضعيف، وكما نوي بـ «يا فسق» معنى: يا فاسق مع زيادة المبالغة، وكما نوي معنى: عامر بـ «عمر» مع زيادة الوضوح، فلما عدل «أخر» ولم يكن في عدله زيادة كغيره من المعدولات كان بذلك معدولا عدلا ثانيا كـ «مثنى» وأخواتها فهذا اعتبار صحيح وأجود منه أن يقال: كان أصل «أخر» لتجرده عن الألف واللام (4) أن يستغنى فيه بـ «أفعل» عن «فعل» كما يستغنى بـ «أكبر» عن «كبر» في نحو: رأيتها مع نسوة أكبر منها لكنهم أوقعوا «فعلا» موقع «أفعل» فكان ذلك عدلا من مثال إلى مثال وهو أولى من العدل عن مصاحبة الألف واللام لكثرة نظائره وقلة نظائر الآخر، ولأن المعدول إليه حقه أن يزيد معنى، وذلك في هذا الوجه محقق لأن تبين الجمعية بـ «أخر» أكمل من تبيينها بـ «آخر» ولأن الوجه الأول يلزم منه مساواة «أخر» لـ «سحر» في زوال العدل بالتسمية، وقد نص سيبويه (5) على أن «أخر» إذا -
(1) سورة الأعراف: 38.
(2)
لم أجده في معاني القرآن، وانظر الأشموني (3/ 239).
(3)
انظر الأشموني (3/ 240).
(4)
انظر الكتاب (3/ 224).
(5)
انظر الكتاب (3/ 224).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سمّي به لا ينصرف لبقاء العدل، ولا يكون ذلك إلّا بالعدل عن مثال إلى مثال بخلاف العدل عن الألف واللام.
وأما المعدول في العدد فهو من «واحد» إلى «أربعة» بلا خلاف وهي على «فعال» أو «مفعل» نحو: رأيت القوم أحاد أو موحد، ومررت بهم ثناء أو مثنى، ونظرت إليهم ثلاث أو مثلث، وأعطيتهم دراهم رباع [5/ 78] أو مربع، وقد
يقال:
ربع، وبه قرأ (1) ابن وثّاب.
ولم تستعمل هذه الأمثلة إلّا نكرات، إما أخبار كقوله صلى الله عليه وسلم:«صلاة اللّيل مثنى مثنى» (2)، وإما أحوال كقوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (3)، وإمّا نعوت لمنكرات، كقوله تعالى: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (4)، وامتناعها من الصرف عند سيبويه وأكثر النحويين (5) للعدل والوصفية، ومنهم (6) من جعل امتناعها للعدل في اللفظ وفي المعنى، أما في اللفظ فظاهر، وأما في المعنى فلأن مفهوماتها تضعيف أصولها، فأدنى المفهوم من «أحاد» أو «موحد» اثنان، ومن «ثناء» أو «مثنى» أربعة، وكذلك سائرها، فصار فيها عدلان، وروي فيها عن بعض العرب: مخمس، وعشار، ومعشر، ولم يرد غير ذلك، وأجاز الكوفيون والزجاج (7) أن يقال قياسا: خماس، وسداس، ومسدس، وسباع ومسبع، وثمان ومثمن، وتساع ومتسع» انتهى كلامه ولا يحتاج الطالب معه في -
(1) قرأ به ابن وثاب في قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع انظر المحتسب (1/ 181).
(2)
رواه البخاري في باب التهجد بالليل (1/ 198)(سندي)، ومسلم في كتاب المسافرين (1/ 516) وأخرجه أبو داود في سننه (1/ 297) (تطوع) برواية:«صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» وأخرجه الترمذي في سننه (2/ 300).
(3)
سورة النساء: 3.
(4)
سورة فاطر: 1.
(5)
انظر الكتاب (3/ 225) والهمع والأشموني (3/ 240).
(6)
هو الزجاج انظر الهمع (1/ 26: 27)، وفيه:«وذهب الفراء إلى أن منعها للعدل والتعريف بنية الألف واللام» وفيه: «وذهب الأعلم إلى أنها لم تنصرف للعدل، ولأنها لا تدخلها التاء» .
(7)
انظر ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج (ص 44)، وشرح الألفية للأبناسي (2/ 225: 226)، والهمع (1/ 26)، والأشموني (3/ 240).