الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أسماء فعل الأمر ومعانيها]
قال ابن مالك: (فمنها لخذ «ها وهاء» مجرّدين ومتلوّي كاف الخطاب بحسب المعنى، وتخلفه همزة هاء مصرّفة
تصريفه. ومنها لأحضر أو أقبل:
هلمّ الحجازيّة، ولقدّم أو عجّل أو أقبل: حيّهل وحيّهل وحيّهلا وحيّهل وبتنوين، ولأمهل: تيد ورويد ما لم ينصب حالا أو مصدرا نائبا عن أرود مفردا أو مضافا إلى المفعول أو نعتا لمصدر مذكور أو مقدّر، ولأسرع: هيت وهيّا وهيك، ولدع: بله وكذاك، ولا سكت: صه، ولا نكفف: إيها ومه، ولحدّث [5/ 29]: إيه، ولاغر: ويها، ولاستجب: آمين وأمين، ولا رفق:
بسّ، ولقرقر: قرقار).
ــ
قال ناظر الجيش: ذكر من أسماء الفعل التي هي موضوعة للأمر ثماني عشرة كلمة وهي: «ها» ، «هلمّ» ، «حيّهل» ، «تيد» ، «رويد» ، «هيت» ، «هيّا» ، «هيك» ، «بله» «كذاك» «صه» ، «إيها» «مه» ، «إيه» «ويها» «آمين» «بسّ» «قرقار» ، وقد قرن بكل منها معنى تلك الكلمة.
فأما «ها» : فمعناها: خذ، وتقصر وتمد، ولها ثلاثة استعمالات أشار إليها المصنف وهي التجرد من كاف الخطاب فيقال: ها وهاء للمفرد والمثنى والمجموع، والمذكر والمؤنث: ها وهاء. والإرداف بكاف الخطاب، وتكون على حسب من تخاطبه فيقال: هاك وهاءك، وهاك وهاءك، وهاكما وهاءكما، وهاكم هاءكم، وهاكنّ هاءكنّ، والاستعمال الثالث: أن تخلف الكاف همزة «هاء» مصرفة تصريف الكاف فيقال: هاء هاء، وهاؤما، وهاؤموا، وهاؤنّ، وهذا الاستعمال هو الأفصح (1) وبه جاء الكتاب العزيز قال الله تعالى: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (2)، وقد نقل الأئمة (3) أن «ها» تكون فعلا وأنها تكون في فعليتها لها تصاريف ثلاثة وهي:
تصريفها تصريف «عاط» فيقال: هاء يا رجل، وهائي يا امرأة، وهائيا يا رجلان -
(1) انظر التذييل (6/ 168) واصلاح المنطق (ص 290، 291) واللسان (ها).
(2)
سورة الحاقة: 19.
(3)
انظر التذييل (6/ 168، 169)، وإصلاح المنطق (ص 290، 291) واللسان (ها).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو يا امرأتان، وهاؤوا يا رجال، وهاءين يا نساء.
وتصريفها تصريف «هب» - من الهبة - فيقال: هأ، هئي، هأا، هأوا، هأن.
وتصريفها تصريف «خف» فيقال: هأ، هائي، هاءا، هاؤوا، هأن.
وعلى هذا ورد عنهم: ما أهاء أي ما آخذ (1)، فقد ثبتت الفعلية لهذه الكلمة على لغة من يتكلم بذلك لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة بها.
وفي شرح الشيخ (2): وأما هات بكسر التاء فمعناه: أعط، والألف منقلبة إما عن ياء أو واو، والتاء غير زائدة. وقال الخليل (3): إنها مبدلة من الهمزة من: آتى أي: أعطى، وتقول للمرأة: هاتي، وللاثنين: هاتيا، وللجمع المذكر: هاتوا، وللمؤنثات: هاتين (4)، ويقوي هذا ما ذكره الخليل من أنه من آتى. انتهى.
وعرف منه أن التاء عند من خالف الخليل أصلية، وأن الكلمة في الأصل: إما هيت، وإما هوت، ولا يخفى أن قول الخليل في هذه الكلمة هو الأظهر بل المتعين.
وأما هلمّ: فلها معنيان وهما (5): أحضر، وأقبل، فإذا كانت بمعنى: أحضر كانت متعدية كما أن أحضر متعدية، قال الله تعالى: قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ (6) أي: أحضروا شهداءكم، وإذا كانت بمعنى: أقبل تعدّت بإلى كما يتعدى أقبل، قال الله تعالى: هَلُمَّ إِلَيْنا (7)، أي: أقبلوا إلينا، وتقول العرب: هلمّ إلى الثّريد أي: حيّ إلى الثّريد، ومنهم من يعديها باللام فيقول: هلم للثّريد، ومنهم من يحذف الحرف فيقول: هلمّ الثّريد أي ائت الثريد (8)، هذا حكم هلمّ في اللغة الحجازية.
وأما في اللغة التميمية فإنها عندهم فعل لأنهم يبرزون معها الضمير فيقولون: هلمّ -
(1) انظر اللسان (ها) وإصلاح المنطق (ص 291).
(2)
التذييل (6/ 169).
(3)
انظر شرح الكافية للرضي (2/ 70) واللسان (هيت).
(4)
انظر إصلاح المنطق (ص 291) وشرح الكافية للرضي (2/ 70) واللسان (هيت) والتذييل (6/ 169).
(5)
انظر شرح الكافية للرضي (2/ 72) والتذييل (6/ 170) واللسان (هلم).
(6)
سورة الأنعام: 150.
(7)
سورة الأحزاب: 18.
(8)
والثريد: خبز مغمور بمرق اللحم: انظر شرح التصريح (2/ 199).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يا رجل، وهلمّي يا امرأة، وهلمّا للرجلين والمرأتين وهلمّوا يا رجال، وهلممن يا نساء (1).
ومذهب البصريين (2) أن هذه الكلمة مركبة من (ها) التي للتنبيه و «لمّ» التي هي فعل أمر من قولهم: لمّ الله شعثه، حذفت ألف «ها» تخفيفا، قالوا:
والمعنى: أجمع نفسك إلينا، لكن هذا أحد معنييها (3)، وقال الخليل (4): إنها بعد التركيب حدث لها معنى لم يكن، وهذا هو الظاهر.
وقال الفراء: هي مركبة من «هل» التي للزجر و «أمّ» بمعنى اقصد، وقد أطالوا الكلام فيها وهو أمر لا يجدي شيئا فلا حاجة إلى الإطالة بذكره (5).
ويقال: هلم لك ولك ولكما ولكم ولكنّ، والتقدير: إرادتي لك فاللام للتبيين ومدلول الكاف هو مدلول الضمير المستكن في هلم، وقد اشتقوا منها فعلا وإن كانت مركبة لتنزلها عندهم منزلة كلمة واحدة (6)، حكى الأصمعي (7) أنه يقال للرجل: هلمّ إلى كذا فيقول: لا أهلمّ (8) بفتح الهمزة والهاء، وضم اللام وفتح الميم مشددة -، وقالوا أيضا: إلى م أهلم (9)، وذكر أبو علي (10) أنه يقال للرجل:
هلم كذا فيقول: لا أهلمه أي: لا أعطيكه، وهذا يدل على أن معنى هلم كذا أعط كذا، فيكون قد ضمّن «هلم» معنى «أعط» .
(1) انظر إصلاح المنطق (ص 290) وشرح الكافية للرضي (2/ 73).
(2)
انظر الكتاب (3/ 332، 529)(هارون) وشرح الكافية للرضي (2/ 72) واللسان (هلم).
(3)
والمعنى الآخر هو ما سبق أن ذكره وهو معنى: أحضر. وانظر التذييل (6/ 169).
(4)
انظر شرح الكافية للرضي (2/ 72) والتذييل (6/ 169).
(5)
انظر شرح السيرافي لكتاب سيبويه (هامش الكتاب 3/ 529) هارون) وقال السيرافي بعد أن ذكر رأى الفراء - وإن كان لم يعينه بالاسم: «وهذا قول قريب وقد رأينا هل قد دخلت عليها لا فجعلا في معنى التحضيض، كقولهم: هلا فعلت ذاك، وهلم أمر مثل التحضيض» وانظر ابن يعيش (4/ 42) واللسان (هلم).
(6)
انظر التذييل (6/ 172، 173) وانظر شرح الكافية للرضي (2/ 73).
(7)
هو: عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي أبو سعيد الأصمعي، راوية العرب وأحد أئمة العلم باللغة والشعر، أخباره كثيرة جدّا وتصانيفه كثيرة منها: الإبل والأضداد والأصمعيات، وغيرها توفي في البصرة سنة 216 هـ. انظر الأعلام (4/ 126).
(8)
انظر ابن يعيش (4/ 43) وشرح الكافية للرضي (2/ 73).
(9)
،
(10)
انظر إصلاح المنطق (ص 290) واللسان (هلم).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن كلامهم: كان ذلك عام كذا وهلمّ جرّا إلى اليوم، حكاه الجوهري (1)، وفي الارتشاف (2) «وهلمّ جرّا معناه: تعالوا على هينتكم متثبتين، قال (3):
وانتصاب «جرّا» على أنه مصدر في موضع الحال أي: جارين، قاله البصريون، وقال الكوفيون: هو منصوب على أنه مصدر لأن معنى «هلم» جروا، وقيل:
انتصب على التمييز. انتهى.
ولم يظهر لي بهذا الإعراب الذي نقله توجيه هذا الكلام، وأي معنى بعد قولنا:
كان ذلك عاما أول لأن يقال: تعالوا على هينتكم ولا مناسبة بين الأول والثاني؟!
والظاهر أن «هلمّ» في قولهم: وهلمّ جرّا أريد بها معنى غير المعنى الأصلي بل ربما يتحتم ذلك، ولم يظهر لي معنى قولهم: وهلمّ جرّا (4).
وأما «حيّهل» : فقد ذكر المصنف لها معاني ثلاثة وهي: قدّم أو عجّل أو أقبل، وذكر في شرح الكافية (5) رابعا وهو معنى «ائت» كقولهم: حيّهل الثّريد (6)، وذكر فيها أربع لغات بغير تنوين أيضا، والعجب أنه لم يذكر في اللغات التي لها «حيّ» مفردة، وقد ذكرها النحاة (7) قال ابن أبي الربيع:«حيّ تستعمل مركبة وتستعمل غير مركبة، فإذا كانت مركبة كانت بمنزلة «أقبل» فتتعدى بعلى، ومثال ذلك:«حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح» أي: أقبلوا على الصلاة وعلى ما فيه -
(1) انظر الصحاح (جرر)(2/ 611) والارتشاف (3/ 211) تحقيق د/ النماس.
(2)
الارتشاف (3/ 211).
(3)
أي: أبو حيان.
(4)
قال الشيخ الصبان في حاشيته على الأشموني (3/ 206): «توقف ابن هشام في عربية قول الناس هلمّ جرّا قال: والذي ظهر لنا في توجيهه أن هلم هي التي بمعنى ائت إلا أن فيها تجوزين أحدهما أنه ليس المراد بالإتيان المجيء الحسن بل الاستمرار على الشيء وملازمته. والثاني: أنه ليس المراد الطلب حقيقة بل الخبر كما في قوله فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا، و «جرّا» مصدر جرّه يجرّه إذا سحبه، وليس المراد الجر الحسي بل التعميم، فإذا قيل: كان ذلك عام كذا وهلم جرا فكأنه قيل: واستمر ذلك في بقية الأعوام استمرارا أو استمر مستمرّا على الحال المؤكدة،
وبهذا التأويل ارتفع إشكال اختلاف المتعاطفين بالخبر والطلب وهو ممتنع أو ضعيف، وإشكال التزام إفراد الضمير إذ فاعل هلم هذه مفرد أبدا. اه.». قال الشيخ الصبان:«أي مع أن بني تميم لا يلتزمونه في غير هلم هذه» .
(5)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1386).
(6)
انظر الكتاب (1/ 241)(هارون).
(7)
انظر المفصل (ص 154) وشرحه لابن يعيش (4/ 47) وشرح الكافية للرضي (2/ 72).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بقاء الخير لكم، والفلاح والبقاء (1)، وإذا كانت مركبة كانت متعدية وكانت بمنزلة: ائت، تقول: حيهل الثريد أي: ائت الثريد (2)، قال: وزعم أبو الخطاب (3) أنه سمع من يقول: حيّهل الصّلاة (4)، ثم قال: وفيها ثلاث لغات (5):
منهم من يقول: حيّهلا في الوصل والوقف، وكأن «حيّ» مركبة مع «هلا» التي هي [5/ 30] من الأصوات (6)، ثم حدث بالتركيب ما لم يكن، أو يكون من إجراء الوصل مجرى الوقف.
ومنهم من يقول: حيّهل في الوصل؛ فإذا وقف وقف بتسكين اللام.
ومنهم من يقول: حيّهل في الوصل فإذا وقف وقف بالألف فيقول: حيّهلا، قال: وكأن الألف هنا عوض من هاء السكت بمنزلة الألف في أنا» (7) انتهى.
وقال ابن عصفور مشيرا إلى هذه الكلمة (8): هي في الأصل مركبة من «حي» و «هلا» إلا أن الألف من «هلا» حذفت في بعض هذه اللغات تخفيفا، وقد تستعمل كل واحدة منهما على انفرادها (9)، فإذا استعملت «حي» على انفرادها كانت بمعنى «أقبل» وإذا استعملت «هلا» على انفرادها كانت بمعنى «تقدّم» -
(1) انظر المفصل (ص 154) وابن يعيش (4/ 47) وشرح الكافية للرضي (2/ 72) وشرح ألفية ابن معط (ص 576، 577).
(2)
انظر الكتاب (1/ 241)(هارون) وشرح ألفية ابن معط (ص 576، 577).
(3)
هو عبد الحميد عبد المجيد أبو الخطاب الأخفش الأكبر مولى قيس بن ثعلبة أحد الأخافشة الثلاثة المشهورين، كان إماما في العربية قديما، أخذ عنه سيبويه والكسائي ويونس وغيرهم. انظر بغية الوعاة (2/ 74).
(4)
انظر الكتاب (1/ 241)(هارون) وشرح الكافية للرضي (2/ 72).
(5)
انظر هذه اللغات في ابن يعيش (4/ 45) وشرح الكافية للرضي (2/ 72).
(6)
ومعناها الحث لا الاستفهام. انظر المرجعين السابقين وشرح ألفية ابن معط (ص 1019) تحقيق علي الشوملي.
(7)
انتهى كلام ابن أبي الربيع ويبدو أنه في شرح الإيضاح له ولم أعثر عليه وانظر الخزانة للبغدادي (3/ 41) وقال ابن يعيش (4/ 45): «ونظير الألف هنا الألف في أنا من قولك أنا إذا وقفت عليها من قولك: أن فعلت وإثباتها في الوصل لغة رديئة وبابه الشعر» .
(8)
انظر ذلك النقل الطويل في شرح المقرب لابن عصفور للدكتور علي محمد فاخر (المنصوبات:
1/ 278).
(9)
انظر المفصل (ص 154) وابن يعيش (4/ 47) وفيه «واستعمال حي وحدها أكثر من استعمال هل وحدها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «حي» خاصة باستحثاث العاقل و «هلا» باستحثاث غير العاقل (1)، وقد تستعمل «هلا» في العاقل إلا أن ذلك قليل.
ومن ذلك قوله:
3602 -
ألا حيّيا ليلى وقولا لها هلّا (2)
وإذا ركبت «حي» مع «هلا» فالأكثر أن تستعمل لاستحثاث العاقل تغليبا لـ «حي» ومنهم من يغلب «هلا» فيستعملها لاستحثاث غير العاقل وذلك قليل (3).
ثم إنه ذكر أن فيها ثماني لغات (4):
أحدها: حيّهل - يعني بفتح اللام - قال: وإذا وقفت عليها في هذا الوجه جاز أن تقف بالسكون وأن تقف بالألف اللاحقة لتبيين حركة المبني في الوقف.
ثانيها: أن تستعمل بالألف وصلا ووقفا من غير تنوين فيقال: حيّهلا بزيد.
ثالثها: أن تستعمل منونة فيقال: حيّهلا.
رابعها: حيّهل بتسكين اللام في الوصل والوقف.
خامسها: حيّهل بكسر اللام والتنوين كأنه قال: حيّهل على الوقف ثم ألحق التنوين وكسر اللام لالتقاء الساكنين. -
(1) انظر الهمع (2/ 106) التذييل (6/ 174)، والخزانة (3/ 41).
(2)
صدر بيت من الطويل قاله النابغة الجعدي (ديوانه: ص 123) وعجزه:
فقد ركبت أمرا أغرّ محجّلا
ويروى: «وقد» وهي رواية اللسان (أول)، وهو أول أبيات للنابغة الجعدي هجا بها ليلى الأخيلية.
الشرح: قوله ألا حييا: أي: أبلغاها تحيتي على طريق الهزء والسخرية، وهلا: من حيهلا تأتي بمعنى أسرع وبمعنى اسكن، وهي كلمتان جعلتا كلمة واحدة، فحي بمعنى أقبل وهلا بمعنى أسرع، وقيل بمعنى اسكن عند ذكره حتى تنقضي فضائله. وقوله فقد ركبت أمرا أغر محجلا: أي ركبت بسبب التعرض لمهاجاتي أمرا واضحا ظاهرا لا يخفى، والشاهد في البيت: استعمال «هلا» في استحثاث العاقل وهو قليل. والشطر المستشهد به في شرح السيرافي (2/ 997)(رسالة) والبيت في اللسان (أول) برواية:
ألا يا ازجرا ليلى وقولا
…
وشرح الكافية للرضي (2/ 71) والخزانة (3/ 31).
(3)
انظر التذييل (6/ 174) والهمع (2/ 106).
(4)
انظر في هذه اللغات ابن يعيش (4/ 45) وشرح الكافية للرضي (2/ 72) والتذييل (6/ 174).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سادسها: حيّهلك بفتح اللام وإلحاق الكاف التي هي حرف خطاب.
سابعها: حيّهل بتسكين الهاء، وفتح اللام من غير تنوين.
ثامنها: حيّهلا بتسكين الهاء وفتح اللام والتنوين.
قال (1): فمن نوّن في شيء من ذلك جعله نكرة ومن لم ينون جعله معرفة (2)، قال: وتستعمل في جميع ذلك متعدية بنفسها وبإلى وبعلى وبالباء (3)، فإذا تعدّت بنفسها كانت بمعنى «ائت» وإذا تعدت بإلى أو بعلى كانت بمعنى «أقبل» ، وإذا تعدت بالباء كانت بمعنى جئ (4). هذا كلامه في شرح الإيضاح (5)، وقوله: إنها إذا تعدت بالباء تكون بمعنى «جئ» يطابق في المعنى قول المصنف: إنها تكون بمعنى «عجّل» لأن «عجّل» يتعدى بالباء أيضا.
وأما «تيد» و «رويد» : فاعلم أنهم قد ذكروا (6) أن «تيد» مثل «رويد» في المعنى وأنها تكون مصدرا واسم فعل كما تكون رويد كذلك، حكى البغداديون (7): تيدك زيدا، فإن كان مصدرا فالكاف في موضع خفض، وإن كان اسم فعل فالكاف حرف خطاب لا موضع لها من الإعراب (8)، لكن كلام المصنف -
(1) أي ابن عصفور في شرح الإيضاح المفقود وانظره في شرح المقرب (المنصوبات: ص 278).
(2)
قال ابن يعيش (ص 45): «وقالوا: حيّهلا فنوّنوه للتنكير «كما قالوا في صه: صه وفي إيه:
إيه». وانظر التذييل (6/ 175) واللسان (حيا) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 611).
(3)
انظر المفصل (ص 153) وابن يعيش (4/ 46) وشرح الكافية للرضي (2/ 72) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 238).
(4)
يبدو أن ابن عصفور قد انفرد بالإتيان بهذا المعنى وانظر الخزانة للبغدادي (3/ 41).
(5)
لم أستطع العثور عليه. وقد نقل البغدادي في خزانته كلام ابن عصفور عن شرح الإيضاح انظر الخزانة (3/ 40، 41).
(6)
انظر شرح الكافية للرضي (2/ 70) والتذييل (6/ 176).
(7)
انظر المرجعين السابقين.
(8)
انظر التذييل والتكميل (6/ 176) وفيما ذكره الشيخ أبو حيان وتبعه فيه المؤلف نظر؛ لأن الكاف في قولنا: تيدك زيدا على مذهب البغداديين ليست موضع خفض وإنما هي حرف خطاب لا محل له من الإعراب عندهم. ففي اللسان مادة (تيد): «وقال ابن كيسان: بله ورويد وتيد يخفضن وينصبن:
رويد زيدا وزيد وبله زيدا وزيد وتيد زيدا وزيد قال: وربما زيد فيها الكاف للخطاب فيقال: رويدك زيدا وتيدك زيدا فإذا أدخلت الكاف لم يكن إلا النصب وإذا لم تدخل الكاف فالخفض على الإضافة لأنها في تقدير المصدر كقوله عز وجل فَضَرْبَ الرِّقابِ». اه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يقتضي أن «تيد» لا تكون إلا اسم فعل خاصة لأنه لما قرن بها في الذكر «رويد» حاكما عليهما بأنهما اسما فعل لم يستثن إلا «رويد» فأخرجها عن أن تكون اسم فعل إذا نصبت على الحالية أو المصدرية، وهذا هو الظاهر إذ لم يقم دليل على أن «تيد» مصدر كما قام الدليل على مصدرية «رويد» .
ثم إن المصنف ذكر أن معنى «تيد» : أمهل، وأن معنى «رويد»: أمهل أيضا، ولكن سيأتي بحث في كون معنى «رويد» أمهل.
وذكر أن لـ «رويد» استعمالات أربعا (1):
أحدها: أن تكون اسم فعل، ثانيها: أن تكون حالا، ثالثها: أن تكون مصدرا، رابعها: أن تكون نعتا لمصدر مذكور أو مقدر.
وقد ذكر ابن عصفور الاستعمالات الأربع لها أيضا فقال (2):
«رويد» اسم يستعمل على أربعة أضرب: اسم فعل بمعنى الأمر، ومصدر، وصفة لمصدر، وحال منه، فإذا استعمل اسم فعل كان مبنيّا ومتعديا إلى مفعول، حكى سيبويه (3) من كلامهم: لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد ما الشّعر،
قال: يريد أرود الشعر كقول القائل: لو أردت الدراهم لأعطيتك فدع الشّعر، ومن ذلك قول الشاعر:
3603 -
رويد بني شيبان بعض وعيدكم
…
تلاقوا غدا خيلي على سفوان (4)
يريد: دعوا يا بني شيبان بعض وعيدكم، وانجزم «تلاقوا» على جوابه اجراء له في ذلك مجرى فعل الأمر الذي جعل اسما له، «رويد» عند البصريين تصغير -
(1) انظر ذلك النقل الطويل في شرح المقرب لابن عصفور (المنصوبات قسم أول ص 267).
(2)
يبدو لي أن كلام ابن عصفور هذا في كتابه «شرح الإيضاح» لأنني لم أعثر عليه في كتبه التي بين أيدينا.
(3)
انظر الكتاب (1/ 243)(هارون) وعبارته: «والله لو أردت
…
».
(4)
هذا البيت من الطويل وهو لوداك بن ثميل المازني:
تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى
…
إذا ما اعترت في المأزق المتداني
الشرح: قوله «رويد بني» روي: رويدا بني وهي رواية ابن يعيش (4/ 41) وقال التبريزي: وهو الأكثر، و «بني شيبان» منادى حذف منه حرف النداء أي: يا بني شيبان، و «بعض وعيدكم» كلام إضافي مفعول لقوله «رويد» و «تلاقوا» جواب الأمر، و «سفوان» اسم موضع.
والشاهد فيه: مجيء «رويد» اسم فعل متعديا إلى المفعول «بعض وعيدكم» وانظر البيت في المحتسب (1/ 150) وابن يعيش (4/ 41) والمغني (ص 456) والعيني (4/ 321).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«إرواد» مصدر «أرود» بمعنى أمهل على قياس تصغير الترخيم (1)، وهو عند الفراء (2) تصغير «رود» بمعنى: مهل وأنشد شاهدا على أن «رودا» بمعنى الرّفق والمهل قول الشاعر:
3604 -
يكاد لا تثلم البطحاء وطأته
…
كأنّه ثمل يمشي على رود (3)
وما ذكره البصريون أولى لأن «رويدا» إذا كان تصغير «إرواد» كان موافقا للفعل الذي وضع موضعه وجعل اسما له وهو «أرود» ولو كان تصغير «رود» لم يكن كذلك (4)، ألا ترى أن الرود معناه: المهل والرّفق (5) وليس فعل متعدّ بهذا المعنى فيوضع تصغيره موضعه ويصير اسما له، وفاعله مستتر فيه في جميع الأحوال كسائر أسماء الأفعال (6)، ومن العرب (7) من يلحقه كاف الخطاب ليتبين ذلك المضمر المستتر فيه فيقول: رويدك زيدا،
ورويدكما زيدا، ورويدكم زيدا، ورويدكنّ زيدا، وإنما يلحقها إذا خاف الالتباس (8)، ومن لم يخف التباسا لم يلحقها استغناء عنها بعلم المخاطب، وقد يلحقونها مع عدم اللبس على جهة التأكيد للبيان (9)، وهي حرف لا موضع لها من الإعراب كالكاف في «ذلك» .
(1) أي صغر بحذف زوائده وانظر ابن يعيش (4/ 29)، وشرح الكافية للرضي (2/ 70)، والتذييل (6/ 177) واللسان (رود).
(2)
انظر المراجع السابقة.
(3)
هذا البيت من البسيط وقائله هو الجموح الظّفريّ. الشرح: تثلم: هو من ثلم الإناء والسيف ونحوه:
كسر حرفه والثّلم في الوادي: أن ينثلم جرفه، والبطحاء: مسيل فيه دقاق الحصى، ووطأته: الوطأة، موضع القدم وهي أيضا كالضّغطة، وثمل: الثمل: الشارب الذي لعبت برأسه الخمر.
والشاهد فيه: مجيء «رود» بمعنى الرفق والمهل وقد جعل الفراء «رويدا» تصغيرا لهذا اللفظ.
والشطر الثاني من هذا البيت في ابن يعيش (4/ 29)، والبيت بتمامه في التذييل (6/ 177) واللسان (رود) وروايته فيه:
تكاد لا تثلم البطحاء وطأتها
…
كأنّها ثمل يمشي على رود
بضمير المؤنث، والبيت في شرح ألفية ابن معط لعبد العزيز الموصلي (ص 1016)، تحقيق علي موسى الشوملي. والرواية فيه: يمشي فلا تكلم البطحاء وطأته
…
(4)
انظر اللسان (رود) والتذييل (6/ 177).
(5)
انظر اللسان (رود) والتذييل (6/ 177).
(6)
انظر التذييل (6/ 177).
(7)
انظر الكتاب (1/ 244).
(8)
أي التباس من يعني بمن لا يعني. انظر الكتاب (1/ 244) واللسان (رود).
(9)
قال في الكتاب (1/ 244): «وذا بمنزلة قول العرب: هاء وهاءك وهأ وهأك وبمنزلة قولك: حيّهل -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإذا استعمل مصدرا نائبا مناب الفعل بقي على إعرابه وذلك نحو قولك: رويدا زيدا، ويجوز إذ ذاك إضافته إلى الفاعل فيقول: رويدك زيدا، وإلى المفعول حكي من كلامهم (1): رويد نفسه، وفي النصب به خلاف، فمنهم من منع ومنهم من أجاز، حجة المانع: تصغيره لأن التصغير يمنع الأسماء العاملة من العمل لكونه من خواص الأسماء
وإلى ذلك ذهب المبرد (2)، وأما المجيزون فاختلفوا في سبب إعماله فقال الفارسي (3): إنه إنما عمل وهو مصغر حملا على «رويد» اسم الفعل وهذا منه دليل [5/ 31] أنه يمنع إعمال المصدر المصغر.
وأما ابن خروف وأبو بكر بن طاهر فإنهما يجيزان (4) عمل المصدر مصغرا، وإن كانا يمنعان عمل اسم الفاعل المصغر مستدلين بأن المصغر لم يعمل لشبهه بالفعل وإنما عمل لوضعه موضعه فلم يقدح التصغير في إعماله لأنه لم يعمل للشبه كما عمل اسم الفاعل، وهذا المذهب هو الصحيح عندي (5)، ولا فرق بين «رويد» وغيره من المصادر المصغرة بالنسبة إلى العمل (6).
وكذلك (7) إذا استعمل صفة لمصدر أو حالا كان معربا أيضا إذ لا موجب لبنائه: فمثال استعماله صفة للمصدر قولك: ساروا سيرا رويدا (8) وفيه خلاف:
منهم من زعم أن «رويدا» الموصوف به هو الذي استعمل مصدرا إلا أنه وصف به فوقع موقع «مرود» كما وصفوا بـ «رضا» فقالوا: رجل رضا أي: مرضيّ، -
- وحيّهلك وكقولهم النجاءك، وقال: فهذه الكاف لم تجئ علما للمأمورين والمنهيين المضمرين ولو كانت علما للمضمرين لكانت خطأ وانظر اللسان (رود).
(1)
قال في الكتاب (1/ 245): «وحدّثنا من لا نتهم أنه سمع من العرب من يقول: رويد نفسه جعله مصدرا كقوله: فَضَرْبَ الرِّقابِ، وانظر التذييل (6/ 177).
(2)
انظر المقتضب (3/ 208، 209).
(3)
انظر المسائل الحلبيات للفارسي (ص 212) تحقيق د/ حسن هنداوي، طبعة 1، 1987 م، دمشق، بيروت. وانظر شرح المقرب (المنصوبات: ص 269)، وانظر التذييل (6/ 178).
(4)
انظر التذييل والتكميل (6/ 178) رسالة.
(5)
المتكلم هو ابن عصفور وانظر التذييل (6/ 178).
(6)
انظر التذييل (6/ 178).
(7)
قوله «وكذلك» معطوف على قوله فيما مضى: وإذا استعمل مصدرا نائبا مناب الفعل بقي على إعرابه وذلك نحو قولك: رويدا زيدا.
(8)
انظر الكتاب (1/ 243).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنهم من زعم أنه تصغير «مرود» تصغير ترخيم وليس بمصدر موصوف به (1)، فعلى القول الأول يجوز فيه وجهان:
أن يجعل صفة للمصدر.
وأن يجعل حالا منه - وإن كان نكرة - لأن الحال إذا لم يكن صفة في الأصل جاز (2) مجيئها حالا من النكرة متأخرة عنها في فصيح الكلام، ومن ذلك قولهم:
هذا عربيّ قحّا (3)، ووقع أمر فجأة، ومررت بماء قعدة رجل (4).
وعلى القول الثاني لا يكون إلا صفة للمصدر؛ لأن الاسم الذي هو صفة في الأصل لا ينتصب على أنه حال من نكرة وهو متأخر عنها، لا يقال: مررت برجل ضاحكا، ومثال استعماله حالا منه قوله: ساروا رويدا (5)، فـ «رويدا» حال من ضمير محذوف عائد على المصدر الذي يدل عليه الفعل، تقديره: ساروه رويدا أي:
ساروا السّير رويدا، ولا يجوز (6) أن يكون تقدير ساروا رويدا: ساروا سيرا رويدا فحذف «سير» الذي هو المصدر وأقيمت صفته مقامه؛ لأن «رويدا» صفة غير خاصة بجنس الموصوف المحذوف لأن الإرواد من صفات السير وغير السير أيضا. -
(1) انظر التذييل (6/ 179).
(2)
قال سيبويه في الكتاب (2/ 112، 113): «وزعم يونس أن ناسا من العرب يقولون: مررت بماء قعدة رجل والجر الوجه، وإنما كان النصب هنا بعيدا من قبل أن هذا يكون من صفة الأول، فكرهوا أن يجعلوه حالا كما كرهوا أن يجعلوا الطويل والأخ حالا حين قالوا: هذا زيد الطويل وهذا عمرو أخوك وألزموه صفة النكرة النكرة، كما ألزموا صفة المعرفة المعرفة وأرادوا أن يجعلوا حال النكرة فيما يكون من اسمها كحال المعرفة فيما يكون من اسمها» ، وقد أشار سيبويه إلى أن الخليل يجيز مجيء الحال من النكرة قال في الكتاب (1/ 112): «وقد يجوز نصبه على نصب: هذا رجل منطلقا وهو قول عيسى، وزعم الخليل أن هذا جائز، ونصبه كنصبه في المعرفة، جعله حالا ولم يجعله وصفا، ومثل ذلك: مررت برجل قائما، إذا جعلت المرور به في حال قيام وقد يجوز على هذا: فيها رجل قائما وهو قول الخليل رحمه الله.
(3)
القحّ: أصل الشيء وخالصه، يقال: عربي قح وعربي محض وقلب إذا كان خالصا لا هجنة فيه.
انظر اللسان (قحح).
(4)
في اللسان (قعد): «وقعدة الرّجل: مقدار ما أخذ من الأرض قعوده» .
(5)
انظر الكتاب (1/ 243، 244).
(6)
انظر ابن يعيش (4/ 41) وذكر أنه وجه ضعيف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذا كلام ابن عصفور (1). ثم إنه (2) أورد سؤالا فقال: «فإن قيل: القاعدة في الباب (3) أن ما كان في الأصل ظرفا كـ «مكانك» أو مصدرا كـ «حذرك» ثم نقل واستعمل اسما للفعل يبقى على ما كان عليه من الإعراب فكان ينبغي على هذا إذا جعل «رويدا» اسما للفعل أن لا يبنى بل يبقى على إعرابه لأنه مصدر في الأصل؟».
ثم أجاب عن ذلك بأن قال: «إن «رويدا» لما نقل عن المصدرية وجعل اسما للفعل لم يبق على معناه، بل ضمّن معنى ما يقرب منه، فإنّ أرود إروادا معناه:
أمهل إمهالا أي: أنظر، ومعنى «رويد» الذي هو اسم للفعل: اترك ودع، وأرود ليست بمعنى دع في أصل وضعها، وإنما صار لها ذلك بالتضمين» انتهى.
وفي كلامه أمران:
أما أولا: فمنعه أن يكون «رويدا» من قولنا: ساروا رويدا صفة لمصدر محذوف معللا ذلك بأن الصفة التي هي «رويد» ليست خاصة بجنس الموصوف، لأن لقائل أن يقول: إن المسوغ لحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه إنما هو وجود دليل على المحذوف سواء أكانت الصفة خاصة بجنس الموصوف أم غير خاصة!! نعم في بعض التراكيب قد لا يكون دليل إلا كون الصفة خاصة بجنس موصوفها كقولك: نظرت إلى كاتب، وفي بعض الصور قد يكون الدليل غير ذلك كما في قوله تعالى: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ (4) أي: دروعا سابغات، ولا يخفى أن الصفة المذكورة ليست خاصة بموصوفها المراد هنا، وقد حذف الموصوف لدلالة ذكر «الحديد» في الآية الشريفة عليه، وعلى هذا فالدليل على الموصوف المحذوف في مثل: ساروا رويدا كلمة «ساروا» إذ من المعلوم أن المراد:
ساروا سيرا رويدا؛ فالدليل على الموصوف المحذوف قائم حينئذ.
وأما ثانيا: فقوله: إن مكانك باق على إعرابه بعد نقله وتصييره اسم فعل؛ لأن «مكانك» كان منصوبا على الظرف أعني لفظ «مكان» المضاف إلى الضمير الذي -
(1) سبق أن نبهت إلى أن ذلك ربما كان في كتابه «شرح الإيضاح» لأنني لم أعثر عليه في كتبه التي بين أيدينا، وانظر هذا النقل الطويل مفصلا ومحققا أيضا في شرح المقرب للدكتور علي محمد فاخر (المنصوبات قسم أول: ص 267 وما بعدها).
(2)
أي: ابن عصفور.
(3)
أي: باب أسماء الأفعال.
(4)
سورة سبأ: 10، 11.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هو الكاف، والمجعول اسم فعل بعد النقل إنما هو مجموع الكلمتين أعني المضاف والمضاف إليه، وإذا كان كذلك سقط اعتبار حركة النون من «مكانك» مثلا، وصارت كحركة الكاف قبلها، أو الميم، إذ مجموع الكلمتين في حكم كلمة واحدة.
ثم إنّا نقول: إما أن يكون لأسماء الأفعال محل من الإعراب أو لا!!
فإن لم يكن لها محل فلا كلام، وإن كان لها محل فالحكم بذلك إنما هو على المحل لا على اللفظ، سواء أكان اسم الفعل كلمة واحدة كـ «نزال» أم كلمتين نحو: مكانك وحذرك.
بقي أن يقال: قد قال المصنف: إن معنى «رويد» أمهل، وكلام ابن عصفور يقتضي أن معناها: دع، وعلى ذلك فسر ما حكاه سيبويه (1) من كلام العرب:
لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد ما الشّعر أي: دع الشعر و «ما» زائدة (2) والذي يظهر أن «رويد» يجوز أن يراد بها كل من المعنيين أعني معنى «أمهل» ومعنى «دع» ، وتستفاد دلالتها على أحد المعنيين دون الآخر من سياق الكلام وما يؤدي إليه المعنى في ذلك المحل الذي هي فيه.
واعلم أن ظاهر كلام صاحب الصحاح يقتضي أن «رويد» الذي هو اسم الفعل تصغير «رود» ، وأن «رويد» الذي هو المصدر تصغير إرواد تصغير ترخيم، ولم أتحقق ذلك، وكلامه يحتاج إلى من يتأمله ويحرر ما قصده (3).
وأما «هيت» و «هيّا» و «هيك» : فمعناها واحد وهو: أسرع (4)، والكاف في «هيك» للخطاب (5)، وقال الله تعالى: وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ (6)، والجمهور على أن معنى «هيت» في الآية الشريفة: أسرع و «لك» تبيين كما هي في قولهم: سقيا لك. فاللام تتعلق بمحذوف، التقدير: لك أعني (7)، وقد قال بعضهم: إن «هيت لك» معناه: جئت لك، فجعل «هيت» اسم فعل ماض -
(1) انظر الكتاب (1/ 243).
(2)
قال ابن يعيش (4/ 40): «كأنه قال: لو أردت الدراهم لأعطيتك فدع الشعر لا حاجة بك إليه» .
(3)
انظر الصحاح (رود)(2/ 479) وكلامه كما ذكر المؤلف.
(4)
هذا كما ذكر المصنف في التسهيل وانظر التذييل والتكميل (6/ 180)(رسالة) واللسان (هيت).
(5)
انظر التذييل والتكميل (6/ 180).
(6)
سورة يوسف: 23.
(7)
انظر التذييل والتكميل (6/ 180، 181) وانظر التبيان للعكبري (ص 728).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأخرجها من الأمرية إلى الخبرية [5/ 32] ومنهم من قدر «هيت لك» مبتدأ وخبرا وقال: المعنى في الآية الشريفة: أنا مهيئة لك، وكل هذا لا معول عليه.
وقد ذكر الشيخ (1) لغات أخر في هذه الكلمة منها: «هيّك» - بكسر الهاء وتشديد الياء، ومنها «هيت» - بكسر الهاء وبعدها ياء ساكنة ثم تاء مفتوحة - و «هيت» - بفتح الهاء وسكون الياء بضم التاء.
وأما «بله» و «كذاك» : فمعناهما واحد وهو: دع (2)، وقال سيبويه (3):«بله زيدا؛ أي دع زيدا» وقد ذكر المصنف في الألفية (4) أنها تكون مصدرا فيقال على هذا: بله زيد أي: ترك زيد، قال الشاعر (5):
3605 -
تذر الجماجم ضاحيا هاماتها
…
بله الأكفّ كأنّها لم تخلق (6)
-
(1) انظر التذييل والتكميل (6/ 180) واللسان (هيت).
(2)
وهو كما ذكر المصنف في التسهيل وانظر التذييل والتكميل (6/ 181) واللسان (بله).
(3)
انظر الكتاب (4/ 232) وعبارة سيبويه: «وأما بله زيد فيقول: دع زيدا» .
(4)
قال ابن مالك في الألفية:
كذا رويد بله ناصبين
…
ويعملان الخفض مصدرين.
(5)
هو كعب بن مالك الخزرجي أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعدودين. انظر ديوانه (ص 245).
(6)
البيت من الكامل وقبله:
نصل السّيوف إذا قصرن بخطونا
…
قدما ونلحقها إذا لم تلحق
الشرح: ضمير تذر: يرجع إلى السيوف في البيت السابق، والجماجم: جمع جمجمة قال صاحب الصحاح: هي عظم الرأس المشتمل على
الدماغ وربما أطلقت على الإنسان فيقال: خذ من كل جمجمة درهما كما يقال: خذ من كل رأس بهذا المعنى، وقال أيضا: الهامة من الشخص: رأسه. فالمناسب هنا أن يفسر الجمجمة بالإنسان. وقوله: ضاحيا: حال سببية من الجماجم و «هاماتها» فاعل ضاحيا من:
ضحا يضحو إذا ظهر وبرز عن محله، وقوله: كأنها لم تخلق: متعلق بقوله «ضاحيا هاماتها» أي كأنها لم تخلق متصلة بمحالها، ومعنى: بله الأكف: على رواية نصب «الأكف» ، دع ذكر الأكف؛ فإن قطعها من الأيدي أهون من قطع هامات الجماجم بتلك السيوف. فـ «بله» على هذا اسم فعل، وعلى الجر: ترك ذكر الأكف أي اترك ذكرها تركا؛ فإنها بالنسبة إلى الهامات سهلة فـ «بله» على هذا مصدر مضاف لمفعوله، وعلى الرفع: كيف الأكف لا تقطعها تلك السيوف مع قطعها ما هو أعظم منها وهي الهامات أي: إذا أزالت هذه السيوف تلك الهامات عن الأبدان فلا عجب أن تزيل الأكف عن الأيدي، فـ «بله» على هذا بمعنى كيف للاستفهام التعجبي.
والاستشهاد في البيت: في قوله «بله الأكف» على أن «بله» إما أن تكون مصدرا بمعنى: ترك؛ فيكون -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
روي بجر «الأكف» على أن «بله» مصدر (1)، ومن رواه بالنصب فـ «بله» عنده اسم فعل (2). ومن استعمالها اسم فعل قول الآخر:
3606 -
تمشي القطوف إذا غنّى الحداة لها
…
مشي النّجيبة بله الجلّة النّجبا (3)
وإذا كان اسم فعل كان مبنيّا على الفتح (4)، وقد يبنى على الكسر (5)، وروي فيه إذا كان مصدرا القلب فيقال: بهل زيد (6)، وزعم بعضهم أن «بله» يكون بمعنى: كيف، فيقال: بله زيد، وبعضهم أنها يستثنى بها فيقال: قام القوم بله زيدا أي: إلا زيدا، ولا معول على شيء من ذلك.
وشاهد «كذاك» قول الشاعر:
3607 -
يقلن وقد تلاحقت المطايا
…
كذاك القول إنّ عليك عينا (7)
-
- «الأكف» مجرورا مضافا إليه، وإما أن تكون اسم فعل بمعنى: دع. فيكون الأكف منصوبا على أنه مفعول لـ «بله» وقد روي البيت بالوجهين، وهناك وجه ثالث وهو: رفع الأكف على أن بله بمعنى: كيف.
وانظر البيت في ابن يعيش (4/ 47، 48) والخزانة (3/ 30)، وشرح شذور الذهب (ص 400) والتصريح (2/ 199) والهمع (1/ 236) والدرر (1/ 200).
(1)
قال سيبويه في الكتاب (4/ 232): «وبله ههنا بمنزلة المصدر كما تقول: ضرب زيد» . وانظر اللسان (بله) والأشموني (3/ 203) وابن يعيش (4/ 49).
(2)
انظر اللسان (بله) والأشموني (3/ 203) وابن يعيش (4/ 49).
(3)
هذا البيت من البسيط قاله ابن هرمة، الشرح: القطوف: من الدواب وغيره: البطيء، والجلّة:
- بكسر الجيم - جمع جليل كصبية جمع صبي وهو المسن من الإبل، والنجب: بضمتين: جمع نجيب وهو الأصيل الكريم، والمعنى: أن البطيء يمشي كمشي الجواد من الخيل مع الحدّاء فدع الإبل الكرام فإنها مع الحدّاء تسرع أكثر من غيرها، والشاهد في البيت: في قوله: «بله الجلة النجبا» حيث استعمل «بله» اسما للفعل ولذلك انتصب ما بعده على أنه مفعول له. والبيت في ابن يعيش (4/ 49)، والخزانة (3/ 21)، والصحاح (بله).
(4)
انظر التصريح (2/ 199) وقال: «والدليل على بنائه كونه غير منون» . وقال ابن يعيش (4/ 48)«وكانت مبنية لوقوعها موقع الفعل وهو دع، وحركت لالتقاء الساكنين وهما اللام والهاء، وفتح إتباعا لفتحة الياء ولم يعتد باللام حاجزا لسكونها» .
(5)
هذا الحكم يحتاج إلى دليل وبرهان. وكون «بله» واقعا موقع «دع» يبعده عن الصواب إلا إذا قلنا إنه على أصل التقاء الساكنين: انظر الهمع (1/ 236).
(6)
حكاه أبو زيد، انظر ابن يعيش (4/ 49) والتذييل (6/ 181)، والأشموني (3/ 204).
(7)
البيت من الوافر وهو من قصيدة لجرير يهجو بها الفرزدق والبعيث (بفتح الباء، لقب شاعر من بني تميم واسمه خداش بن بشير).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي: دع القول، ولا يخفى أنها كلمة مركبة من «كاف» التشبيه ومن اسم الإشارة وزال بالتركيب معناهما، وضمّنت الكلمة معنى: دع، والكاف الواقعة بعدها للخطاب (1).
وأما «صه» : فمعناها: اسكت (2) وأمّا «إيها» و «مه» : فمعناهما واحد وهو: انكفف (3).
و «صه» و «مه» نقل فيهما اللغات الثلاث: سكون الآخر، وكسره دون تنوين، وكسره مع تنوين، فمن نوّن أجراهما مجرى المصدر المنكر كأنه قال:
سكوتا وانكفافا، ومن لا ينون أجراهما مجرى المصدر المعرف باللام وهو:
السكوت والانكفاف، ومن جعلهما معارف فلم ينون طلب السكوت عن فعل معين والانكفاف عن فعل معين، ومن نكّرهما لم ينون وطلب السكوت عن كل كلام والانكفاف عن كل فعل، هكذا في شرح الشيخ (4).
ولم أتحقق قوله: «ومن نكرهما لم ينون» لأن علامة التنكير في مثل هذه الأسماء إنما هو التنوين، فكيف يصح قوله:«ومن نكّرهما لم ينون» ؟.
والذي ينبغي أن يقال: ومن نكرهما نوّن وطلب السكوت عن كل كلام والانكفاف عن كل فعل.
وأما «إيها» : فالتنوين اللاحقها تنوين التنكير، ومعناها: طلب الانكفاف عن كل فعل (5). وقد تستعمل معرفة فيقال: إيه - بفتح الهاء دون تنوين - ولكن ذلك قليل، ومعناه: طلب الانكفاف عن فعل معين (6). -
- ومعنى «تلاحقت المطايا» أي لحق بعضها بعضا، والمعنى: دع القول إن عليك رقيبا. والاستشهاد فيه:
في قوله «كذاك» فإنه اسم فعل معناه: دع.
والبيت في التذييل (6/ 185) والعيني (4/ 319) واللسان (لحق).
وقال ابن منظور: الرواية (كفاك القول) أي ارفق وأمسك عن القول. وعلى هذا فلا شاهد فيه حينئذ.
(1)
هذا الكلام ذكره أبو حيان في التذييل (6/ 185) وقد نقله عنه المؤلف بتصرف يسير دون أن يشير إلى ذلك.
(2)
وهو كما ذكر المصنف في التسهيل، وانظر التذييل (6/ 186) وشرح الكافية للرضي (2/ 65)، والهمع (2/ 105).
(3)
وهو كما ذكر المصنف في التسهيل، وانظر التذييل (6/ 186) والهمع (2/ 152).
(4)
انظر التذييل (6/ 186).
(5)
انظر التذييل (6/ 186).
(6)
انظر التذييل (6/ 186).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما «إيه» : فمعناه: حدّث (1)، قال ابن عصفور (2): «هي كلمة يراد بها الاستزادة من الحديث (3)، وهو في الأصل مبني على السكون إلا أنه حرك لالتقاء الساكنين، وكانت الحركة كسرة على أصل حركة التقاء الساكنين؛ فمن لم ينونه جعله معرفة (4)، لأنه يريد به الاستزادة من حديثه معه.
ومنه قول ذي الرمة:
3608 -
وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم
…
وما بال تكليم الرّسوم الطّواسم؟ (5)
لأنه إنما طلب من الرسوم حديثا مخصوصا وهو الحديث عن «أم سالم» (6)، -
(1) انظر المرتجل لابن الخشاب (ص 254) والهمع (2/ 105) وقال ابن هشام في شرح شذور الذهب (ص 118) إيه بمعنى: امض في حديثك ولا تقل بمعنى حدّث كما يقولون».
(2)
لعل كلام ابن عصفور هذا في كتابه «شرح الإيضاح» ولم أعثر على هذا الكتاب كما أنني لم أستطع العثور على هذا الكلام في كتبه التي بين أيدينا، وانظر أمالي ابن الشجري (1/ 391) وانظر هذا النقل بالتفصيل في شرح المقرب (المنصوبات قسم أول ص 273).
(3)
في إصلاح المنطق (ص 291): «وتقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل: إيه» .
(4)
لأن الأصوات إذا كانت معرفة لم تنون، انظر المقتضب (3/ 179).
(5)
هذا البيت من الطويل وهو من قصيدة طويلة لذي الرمة مطلعها (ديوانه 2/ 778):
خليليّ عوجا عوجة ناقتيكما
…
على طلل بين القلات وسارع
به ملعب من معصفات نسجنه
…
كنسج اليماني برده بالوشائع
«القلات» بكسر القاف، و «سارع» موضعان.
الشرح: قوله: وقفنا فقلنا: أي: وقفنا عليه أي الطلل، قال البغدادي في الخزانة: قال الأصمعي: أساء في قوله إيه بلا تنوين، وفي ابن يعيش (4/ 32):«وكان الأصمعي ينكر على ذي الرمة هذا البيت ويزعم أن العرب لم تقل إلا إيه بالتنوين، وجميع النحويين صوبوا قول ذي الرمة، وقسموا «إيه» إلى قسمين معرفة ونكرة فإذا استزادوا منكورا قالوا: إيه بالتنوين، وإذا استزادوا معرفة قالوا: إيه من غير تنوين على حد: صه وصه»، والبال: الشأن والحال وما: استفهام إنكاري أي ليس من شأنها الكلام، والرسوم: جمع رسم وهو ما بقي من آثار الديار لاصقا بالأرض، والطواسم: الدوارس، والرسوم الطواسم: أي التي ارتحل سكانها.
والمعنى: أنه طلب الحديث من الطلل أولا ليخبره عن محبوبته «أم سالم» وهذا من فرط تحيره وتدلهه في استخباره مما لا يعقل ثم أفاق وأنكر من نفسه بأنه ليس من شأن الأماكن الإخبار عن السواكن.
والشاهد في قوله: «إيه» حيث أتى به غير منون لأنه إنما طلب من الرسوم حديثا مخصوصا وهو الحديث عن أم سالم. وانظر البيت في المقتضب (3/ 179) ومعاني القرآن (2/ 121) وابن يعيش (4/ 31)، والأصول لابن السراج (2/ 698).
(6)
انظر الخزانة للبغدادي (3/ 19).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن نونه جعله نكرة كأنه يقول: حدّث حديثا، ومنه قول القائل (1):
3609 -
إيه فداء لك يا فضاله
…
أجرّه الرّمح ولا تهاله (2)
وفي شرح الصّفّار لسيبويه «وأما إيه فمعناه: حدّث أو زد، لكن هو لازم، لا يقال: إيه كذا» .
قال الشيخ (3): «وقد استعمله بعض الشعراء المولدين متعديا فقال:
3610 -
إيه أحاديث نعمان وساكنه (4)
انتهى. -
(1) نسبه أبو زيد في النوادر (ص 163) لراجز ولم يسمه.
(2)
هذا البيت من الرجز. الشرح: فداء: مصدر فديته فداء، فإن رفعته فعلى ظاهر الكلام تجعل نفسي ابتداء - وذلك على رواية:«نفسي فداء لك» - وفداء خبره، وأما من كسر فداء فإنه أراد الأمر (يريد اسم فعل أمر)، ولحق التنوين بعد الكسر علما على التنكير، يريد: افد فداء، ولو كسر بلا تنوين لقصد المعرفة كأنه قال: افد الفداء، وقوله: أجره الرمح يريد: اطعنه في فيه لأن الإجراء: الطعن في الفم، تهاله نهي وهو مجزوم بلا وكان القياس (تهله) بسكون اللام للجزم، وحذف الألف قبلها لالتقاء الساكنين فأثبت الألف، وفتح اللام على أحد وجهين: إما أن يكون أراد النون الخفيفة ثم حذفها، وإما أن يكون حرك اللام لالتقاء الساكنين هي والألف ولم يحذف الألف لأنه جعل التحريك بدلا من حذفها، واستحب الفتحة إتباعا للألف، وهذا قول كثير من النحويين، وكلاهما جيد والوجه الأول أشبه، والهاء في (تهاله) للسكت وهو من هالني الأمر يهولني هولا: أفزعني.
والشاهد فيه قوله: «إيه» حيث جيء به منونا لما قصد تنكيره. وانظر البيت في المقتضب (3/ 168)، والنوادر (ص 163)، والبيت في الأصول لابن السراج (2/ 145) والمسائل العسكرية للفارسي (ص 279) وابن يعيش (4/ 72) والتذييل (6/ 189) والرواية فيه: ويها فداء لك، واللسان (فدى) والرواية فيه: مهلا فداء لك.
(3)
انظر التذييل (6/ 187).
(4)
هذا شطر بيت من البسيط وذكره ابن هشام في شرح شذور الذهب (ص 118، 119) وقال: ليس بعربي، وقد شرح الشيخ محمد محيي الدين هذا الشاهد في كتابه:(منتهى الأرب بتحقيق شرح شذور الذهب)(ص 118، 119) وقال: «نسبوا هذا الشاهد لابن الأثير ولم يعينوا واحدا، فإنهم ثلاثة رجال من أفذاذ العلماء: أحدهم محدث وثانيهم مؤرخ وثالثهم أديب كبير، وثلاثتهم لا يحتج بشعرهم ولا بنثرهم على شيء من قواعد اللغة، وقد عثرت على بيت صدره هذا الشاهد وعجزه قوله:
إنّ الحديث عن الأحباب أسمار
انتهى.
والبيت شاهد على استعمال «إيه» متعديا مع أن الفعل الذي ناب هو عنه لازم فكان حق اسم الفعل أن يكون لازما ولا يتعدى بنفسه. والبيت في خزانة البغدادي (3/ 19). و «نعمان» بفتح النون: اسم واد في طريق الطائف يخرج إلى عرفات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن أشعار المتأخرين أيضا في تعدية «إيه» قول القائل:
3611 -
إيه حديثك عن أخبارهم إيه (1)
وأما «ويها» : فمعناه: اغر، والغراء: هو اللصوق بالشيء، يقال: غري يغرى غراء - بالمد - ومدّه شاذ (2)، والإغراء: هو التسليط وهو راجع لمعنى الإلصاق، فإذا قال: ويها فكأنه قال له: تسلط (3)، وفي الفصيح (4):«ويها: إذا زجرته عن الشيء أو أغريته به» ولكن في بعض نسخه: «وويها إذا حثثته على الشيء وأغريته به» ، وصوب الناس هذا الكلام وصححوه - أعني ما في هذه النسخة من قوله:
«إذا حثثته» ، ومن ثمّ قال ابن درستويه في ويها:«إنما هي حضّ لا غير ولا يكون زجرا» (5).
وأما «آمين» : فمعناها: استجب، وفيها لغتان: المدّ والقصر، قال الشاعر (6):
3612 -
يا ربّ لا تسلبنّي حبّها أبدا
…
ويرحم الله عبدا قال آمينا (7)
وقال الآخر: -
(1) هذا شطر بيت من البسيط لقائل مجهول ومعناه: زد في حديثك عن أخبار من أحبهم، واستشهد به:
على مجيء «إيه» متعدية إلى المفعول بدون واسطة مع أنه لازم فإن معناه كما ذكر ابن هشام في شرح شذور الذهب (ص 118): «امض في حديثك» وانظر هذا الشطر المستشهد به في خزانة البغدادي (3/ 19).
(2)
انظر التذييل (6/ 188) وفي اللسان (غرا): «الغراء: الذي يلصق به الشيء يكون من السمك إذا فتحت الغين قصرت وإن كسرت مددت» .
(3)
انظر التذييل (6/ 188) وقد نقل المؤلف كلام الشيخ أبي حيان دون أن يشير، وانظر اللسان مادة (غرا) وفيه:«والإغراء: الإيساد، وقد أغرى الكلب بالصيد وهو منه لأنه إلزاق» .
(4)
هو لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب. وانظر الفصيح (ص 39) وعبارته: «وويها إذا حثثته على الشيء وأغريته به» .
(5)
أشار إلى هذا الكلام محمد بدوي سالم المختون في رسالته: «ابن درستويه اللغوي» (ص 312) وقال: «إن ذلك في شرح الفصيح لابن درستويه ولا يوجد من هذا الكتاب إلا نسخة واحدة بالمدينة المنورة تحت رقم (78) لغة، بمكتبة شيخ الإسلام وكلامه بها (ص 195).
(6)
هو عمر بن أبي ربيعة كما في اللسان (أمن) وليس في ديوانه ولا ملحقاته ووجد في ديوان المجنون (ص 283).
(7)
هذا البيت من البسيط ومعناه واضح. واستشهد به على مد «آمين» وانظر البيت في أمالي الشجري (1/ 259، 375)، وابن يعيش (4/ 34) والتذييل (6/ 189).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3613 -
تباعد منّي فطحل أن سألته
…
أمين فزاد الله ما بيننا بعدا (1)
وأما «بسّ» : فمعناها: ارفق، قال في الصحاح (2):«البسّ: السّوق اللّيّن» ، ولا شك أن اللين فيه رفق، فمن ثم قال المصنف: ولا رفق بسّ. لكن في الصحاح أيضا: «والإبساس عند الحلب: أن يقال للناقة: بس بس، وهو صوت للراعي تسكن فيه الناقة عند الحلب» (3) وهذا الكلام بظاهره يعطي أن هذه الكلمة اسم صوت.
وأما «قرقار» : فمعناه: قرقر (4) قال في الصحاح (5): «يقال: قرقر البعير إذا صفا صوته ورجّع، وبعير قرقار الهدير إذا كان صافي الصّوت في هديره، وقرقرى على فعللى موضع، وقولهم: قرقار بني على الكسر وهو معدول، ولم يسمع العدل من الرباعي إلا في عرعار وقرقار. قال الراجز:
3614 -
قالت له ريح الصّبا قرقار
…
واختلط المعروف بالإنكار (6)
-
(1) هذا البيت من الطويل وهو لقائل مجهول. الشرح: فطحل: بضم الفاء والحاء أو فتحها بينهما طاء ساكنة وهو اسم رجل. والمعنى: أن هذا الرجل حينما وقع نظري عليه تباعد عني ونأى بجانبه؛ فأنا أدعو الله أن يستجيب لي دعائي بأن يزيد البعد بيني وبينه. واستشهد به: على مجيء «أمين» مقصورا أي بهمزة واحدة ليس بعدها ألف - والبيت في فصيح ثعلب (ص 86) وانظر ابن يعيش (4/ 34).
(2)
انظر الصحاح (3/ 908)(بسس) وفي اللسان (بسس). «والبسّ السير الرقيق، بسست أبسّ بسّا وبسست الإبل أبسّها - بالضم - بسّا: إذا سقتها سوقا لطيفا» .
(3)
انظر الصحاح (3/ 908)(بسس) وعبارته «
…
وهو صويت للرّاعي يسكن به الناقة عند الحلب».
(4)
في اللسان (قرر): «وقرقر البعير قرقرة: هدر وذلك إذا هول صوته ورجّع» والكلمة بهذا المعنى اسم صوت وليست اسم فعل على ما هو ظاهر.
(5)
انظر الصحاح (2/ 790)(قرر).
(6)
هذا البيت من الرجز قائله أبو النجم وقبله:
حتّى إذا كان على مطار
…
يمناه واليسرى على الثّرثار
الشرح: الصّبا: ريح مهبّها من مشرق الشمس إذا استوى الليل والنهار، ومطار والثرثار: موضعان، والمعنى: يقول: حتى إذا صار يمنى السحاب على مطار ويسراه على الثرثار قالت له ريح الصبا: صبت ما عندك من الماء مقترنا بصوت الرعد وهو قرقرته وهو يصف سحابا ضربته ريح الصبا فدرّ لها فكأنها قالت له - وإن كانت لا تقول - وقوله: واختلط المعروف بالإنكار: أي اختلط ما عرف من الدار بما أنكر أي جلل الأرض كلها المطر فلم يعرف منها المكان المعروف من غيره.
واستشهد به: على أن قرقار اسم فعل من الرباعي على طريق الشذوذ وانظر الرجز في الكتاب (3/ 276)، وابن يعيش (4/ 51). والخزانة (3/ 58) والأشموني (3/ 160).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يريد: قالت له: قرقر بالرعد كأنه يأمر السحاب بذلك».
قال الشيخ (1): «ما ذكره المصنف من أن «قرقار» اسم فعل هو مذهب سيبويه (2)، وكذلك قال في «عرعار» (3)، وزعم المبرد أن سيبويه غلط في هذا وأن «قرقار» و «عرعار» حكاية للصوت (4)، وحكى مثله عن المازني وأبي عمرو، قال (5): والأظهر ما ذهب إليه سيبويه، ومما يقوي ذلك وجود مثل «قرقار» - اسم فعل - في غير الأمر. حكى ابن كيسان أنه يقال: همهام، وحمحام، ومحماح وبحباح أي: لم يبق شيء (6)، وأنشد:
3615 -
ما كان إلّا كاصطفاق الأقدام
…
حتّى أتيناهم فقالوا: همهام (7)
وليعلم أن المصنف أهمل ذكر صيغة من الصيغ الدالة على معنى الأمر وهي صيغة «فعال» كـ «نزال» و «تراك» و «مناع» فإن هذه الثلاثة معناها: انزل [5/ 33] واترك، وامنع.
ولا شك أن أسماء الأفعال مبنية، وهي في الأصل مبنية على السكون (8) إلا أنها حركت لالتقاء الساكنين، قال ابن عصفور (9): «أو مناسبة للمعنى، لأن أسماء -
(1) انظر التذييل (6/ 191).
(2)
انظر الكتاب (3/ 276).
(3)
الكتاب (3/ 276) وقال سيبويه: «وهي لعبة وإنما هي من عرعرت» وفي اللسان (عرر).
«وعرعار: لعبة للصبيان، صبيان الأعراب، بني على الكسرة وهو معدول من عرعرة مثل قرقار من قرقرة» ومثال «عرعار» قول النابغة: يدعو بها ولدانهم عرعار.
انظر التذييل (6/ 190) وديوان النابغة (ص 56)(تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم).
(4)
في (أ)«الصوت» وانظر رأي المبرد في «عرعار» و «قرقار» ، شرح السيرافي (خ)(2/ 375)، والخزانة (3/ 58) وشرح الكافية للرضي (2/ 76). والارتشاف (3/ 198) بتحقيق د/ النماس).
(5)
أي أبو حيان، وهو رأي السيرافي انظر شرح السيرافي وهامش الكتاب (بولاق)(2/ 40) وشرح الكافية (2/ 76)، والارتشاف.
(6)
انظر خزانة البغدادي (3/ 58) واللسان (همم) و (حمم) و (محح) و (بحح).
(7)
هذا رجز ولم أهتد إلى قائله وقبله:
أولمت يا خنّوت شرّ إيلام
…
في يوم نحس ذي عجاج مظلام
واستشهد به على أن «همهام» اسم فعل معناه: لم يبق شيء. وانظر الرجز في الخصائص (3/ 44) وخزانة البغدادي (3/ 58) عرضا واللسان (همم).
(8)
هو بذلك يقصد أسماء الأفعال التي على وزن «فعال» لأن مثل تراك ونزال نائبة عن فعل الأمر اترك وانزل ولا يخفى أنه مبني على السكون فكذلك ما ناب عنه، وبدليل ما ذكره بعد عن ابن عصفور.
(9)
لعل ذلك في أحد كتبه المفقودة لأنني لم أعثر عليه في كتبه التي بين أيدينا.