الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم من قصد ذكر الغريب دون متن الحديث، فاستخرج الكلمات الغريبة، ودونها ورتبها وشرحها، كما فعله أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي وغيره من العلماء.
ومنهم من قصد إلى استخراج أحاديث تتضمن ترغيباً وترهيباً، وأحاديث تتضمن أحكاماً شرعية غير جامعة، فدوَّنها وأخرج متونها وحدها، كما فعله أبو محمد الحسين بن مسعود (1) في كتاب «المصابيح» وغير هؤلاء المذكورين من أئمة الحديث لو رُمْنا أن نستقصى ذكر كتبهم، واختلاف أغراضهم ومقاصدهم في تصانيفهم، لطال الخطب، ولم ننته إلى حد.
فاختلاف الأغراض هو الداعي إلى اختلاف التصانيف.
الفصل الثالث: في اقتداء المتأخرين بالسابقين، وسبب اختصارات كتبهم وتأليفها
لما كان أولئك الأعلام هم الأولين في هذا الفن، والسابقين إليه، لم يأت صنعهم على أكمل الأوضاع وأتم الطرق، فإن غرضهم كان أولاً حفظ الحديث مطلقاً وإثباته، ودفع الكذب عنه، وحذف
(1) هو محيي السنة الحسين بن مسعود الفراء البغوي المفسر المحدث الفقيه صاحب المؤلفات النافعة التي تدل على اتساع دائرته في النقل والتحقيق، توفي في مرو الروذ من مدن خراسان سنة 516 هـ وله من العمر بضع وسبعون سنة.
الموضوعات عليه، والنظر في طرقه وحفظ رجاله، وتزكيتهم، واعتبار أحوالهم، والتفتيش عن دخائل أمورهم، حتى قدحوا فيمن قدحوا، وجرحوا من جرحوا، وعدَّلوا من عدَّلوا، وأخذوا عمن أخذوا، وتركوا من تركوا. هذا بعد الاحتياط والضبط والتدبر، فكان هذا مقصدهم الأكبر، وغرضهم الأوفر، ولم يتسع الزمان لهم والعمر لأكثر من هذا الغرض الأعم، والمهم الأعظم (1) ، ولا رأوا في أديانهم (2) أن يشتغلوا بغيره من لوازم هذا الفن التي هي كالتوابع، بل ولا كان يجوز لهم ذلك، فإن الواجب أولاً إثبات الذات، ثم ترتيب الصفات، والأصل، إنما هو عين الحديث وذاته، ثم بعد ذلك ترتيبه وتحسين وضعه، ففعلوا ما هو الفرض المتعين، واخترمتهم المنايا قبل الفراغ والتخلي لما فعله التابعون لهم، والمقتدون بهم، والمهتدون بهديهم، فتعبوا رحمهم الله لراحة من بعدهم، ونصبوا لدعة (3) من اقتفى آثارهم.
ثم جاء الخلف الصالح، فأحبوا أن يظهروا تلك الفضيلة، ويشيعوا تلك المنقبة الجليلة، وينشروا تلك العلوم التي أفنوا أعمارهم في جمعها، ويفصلوا تلك الفوائد التي أجملوا تحسين وضعها، إما بإبداع ترتيب، أو بزيادة تهذيب، أو اختصار وتقريب، أو استنباط حكم، وشرح غريب.
(1) في المطبوع: والمهم حتى يستوفوا الكلام على المهم الأعظم.
(2)
في المطبوع " دنياهم ".
(3)
الدعة: الخفض والسعة في العيش.
فمن هؤلاء المتأخرين من جمع بين كتب الأولين بنوع من التصرف والاختصار، كما فعله أبو بكر أحمد بن محمد البرقاني (1) ، وأبو مسعود إبراهيم ين محمد بن عبيد الدمشقي (2) ، واقتفى أثرهما أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي (3) . فإنهم جمعوا بين كتابي البخاري ومسلم، ورتبوا كتبهم على المسانيد، دون الأبواب، كما سبق ذكره.
وتلاهم آخراً أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري السرقسطي (4) ، فجمع بين كتب البخاري ومسلم و «الموطأ» لمالك، و «جامع أبي عيسى الترمذي» ، و «سنن أبي داود السجستاني» ، و «سنن أبي عبد الرحمن النسائي» - رحمة الله عليهم -
.ورتب كتابه على الأبواب دون المسانيد،
(1) هو الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي البرقاني شيخ بغداد، قال الخطيب: كان ثقة ورعاً ثبتاً لم نر في شيوخنا أثبت منه، عارفاً بالفقه، له حظ من علم العربية كثير، صنف مسنداً ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم، مات سنة 425 هـ.
(2)
هو إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي الحافظ مصنف كتاب " الأطراف " وأحد من برز في هذا العلم. قال الخطيب: سافر الكثير وكتب ببغداد عن أصحاب أبي سعيد الحراني وبالبصرة والأهواز وواسط وخراسان وأصبهان، وكان له عناية بالصحيحين، كان صدوقاً دينا ورعاً فهماً، مات سنة إحدى وأربعمئة.
(3)
هو الحافظ الثبت الإمام أبو عبد الله محمد بي أبي نصر الأزدي الحميدي الاندلسي الظاهري. قال ابن ماكولا: لم أر مثل صديقنا الحميدي في نزاهته وعفته وورعه وتشاغله بالعلم. كان ورعاً ثقة إماماً في الحديث وعلله ورواته، متحققاً في علم التحقيق والأصول على مذهب أصحاب الحديث، له عدة مؤلفات منها " جذوة المقتبس " و " الجمع بين الصحيحين " رحمه الله توفي سنة 488 هـ.
(4)
هو أبو الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدري السرقسطي الأندلسي جاور بمكة زمناً طويلاً وتوفي بها سنة 535 هـ، واسم كتابه " التجريد للصحاح الستة ".