الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى غاية هي منتهاه، ويبلغ إلى أمَد هو أقصاه، ثم يعود، فكأنَّ غاية هذا العلم انتهت إلى البخاري ومسلم، ومن كان في عصرهما من علماء الحديث. ثم نزل وتقاصر إلى زماننا هذا، وسيزداد تقاصرًا والهمم قصورًا، سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
الفصل الثاني: في بيان اختلاف أغراض الناس ومقاصدهم في تصنيف الحديث
ما زلت أتتبع كتب الحديث، وأطلبها رغبة في معرفته، والإحاطة به، لما يلزمني من أمور الإسلام والدين (1) ، فوجدت بعون الله فيها كل مطلوب، وأدركت فيها بلطفه كل مرغوب، ورأيت هذا العلم على شرفه وعلو منزلته، وعظم قدره، علماً عزيزاً، مشكل اللفظ والمعنى، والناس في تصانيفهم التي جمعوها فيه وألفوها مختلفو الأغراض، متنوعو المقاصد.
فمنهم من قصرت همته على تدوين الحديث مطلقاً ليحفظ لفظه، ويستنبط منه الحكم، كما فعله عبيد الله بن موسى العبسي (2) ، وأبو داود
(1) في المطبوع: " يبعثني وازع الإسلام والدين ".
(2)
هو أبو محمد بن عبيد الله بن موسى بن أبي المختار باذام العبسي الكوفي ثقة خرج له الجماعة مات سنة 213 هـ.
الطيالسي (1) وغيرهما من أئمة الحديث أولاً وثانياً أحمد بن حنبل ومن بعده، فإنهم أثبتوا الأحاديث في مسانيد رواتها، فيذكرون مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه مثلاً، ويثبتون فيه كل ما رووه عنه، ثم يذكرون بعده الصحابة واحداً بعد واحد على هذا النسق.
ومنهم من يثبت الأحاديث في الأماكن التي هي دليل عليها، فيضعون لكل حديث باباً يختص به، فإن كان في معنى الصلاة، ذكروه في «باب الصلاة» وإن كان في معنى الزكاة، ذكروه في «باب الزكاة» ، كما فعله مالك بن أنس في كتاب «الموطأ» إلا أنه - لقلة ما فيه من الأحاديث قلت أبوابه.
ثم اقتدى به من بعده.
فلما انتهى الأمر إلى زمن البخاري ومسلم، وكثرت الأحاديث المودعة في كتابيهما، كثرت أبوابهما وأقسامهما، واقتدى بهما من جاء بعدهما.
وهذا النوع أسهل مطلباً من الأول لوجهين.
(1) هو الحافظ الكبير سليمان بن داود بن الجارود الفارسي الأصل البصري الثقة صاحب المسند المطبوع في الهند، وقد رتبه الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي على الأبواب وأسماه " منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود " مات سنة أربع ومائتين عن عمر يناهز الثمانين.
الأول: أن الإنسان قد يعرف المعنى الذي يطلب الحديث لأجله، وإن لم يعرف راويه، ولا في مسند من هو، بل ربما لا يحتاج إلى معرفة راويه. فإذا أراد حديثاً يتعلق بالصلاة طلبه من «كتاب الصلاة» ، وإن لم يعرف أن راويه أبو بكر رضي الله عنه.
والوجه الثاني: أن الحديث إذا ورد في «كتاب الصلاة» ، علم الناظر فيه أن ذلك الحديث هو دليل ذلك الحكم من أحكام الصلاة، فلا يحتاج أن يتفكر فيه ليستنبط الحكم منه، بخلاف الأول.
ومنهم من استخرج أحاديث تتضمن ألفاظاً لغوية، ومعاني مشكلة، فوضع لها كتاباً قصره على ذكر متن الحديث، وشرح غريبه وإعرابه ومعناه، ولم يتعرض لذكر الأحكام كما فعله أبو عبيد القاسم بن سلام (1) ، وأبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة وغيرهما.
ومنهم من أضاف إلى هذا الاختيار ذكر الأحكام وآراء الفقهاء، مثل أبي سليمان حَمْد بن محمد الخطابي (2) في «معالم السنن» ، و «أعلام السنن» وغيره من العلماء.
(1) وكتابه في غريب الحديث طبع حديثاً في الهند، ويقع في ثلاثة أجزاء.
(2)
هو الإمام العلامة حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الثقة الثبت أحد أوعية العلم والأدب واللغة والفقه، وكتابه " معالم السنن " الذي أملاه على " سنن أبي داود " يشهد له بطول الباع وسعة الإطلاع توفي رحمه الله سنة 388 هـ.