الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى ذلك كان أكثر الصحابة والتابعين، وتابعي التابعين، - رحمة الله عليهم، وإن في الاقتداء بهم أُسوة حسنة.
الفرع الثاني: في مسند الراوي، وكيفية أخذه
راوي الحديث لا يخلو في أخذه الحديث من طرق ست:
الطريق الأول
وهي العليا: قراءة الشيخ في معرض الإخبار، ليروي عنه، وذلك تسليط منه للراوي على أن يقول: حدَّثنا، وأخبرنا، وقال فلان، وسمعته يقول:
ولأئمة الحديث فرق بين «حدَّثنا» و «أخبرنا» و «أنبأنا» .
قال عبد الله بن وهب: ما قلت: «حدَّثنا» فهو ما سمعت مع الناس، وما قلت:«حدَّثني» فهو ما سمعت وحدي، وما قلت:«أخبرنا» فهو ما قرئ على العالم وأنا أشاهد، وما قلت:«أخبرني» فهو ما قرأت على العالم.
وكذلك قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري.
وقال يحيى بن سعيد «أخبرنا، وحدَّثنا» واحد، وهو الصحيح
من حيث اللغة. وأما «أنبأنا» فإن أصحاب الحديث يطلقونها على الإجازة والمناولة، دون القراءة والسماع اصطلاحاً، وإلا فلا فرق بين الإنباء والإخبار، لأنهما بمعنى واحد. وقال الحاكم:«أنبأنا» إنما يكون فيما يجيزه المحدث للراوي شفاهاً دون المكاتبة.
الطريق الثانية:
أن يقرأ على الشيخ وهو ساكت، فهو كقوله: هذا صحيح، فتجوز الرواية، خلافاً لبعض الظاهرية، لأنه لو لم يكن صحيحاً، لكان سكوته عليه وهو يقرأ، وتقريره له، فسقاً قادحاً في عدالته.
وإن كان ثم مخيلة إكراه أو غفلة، فلا يكفي السكوت.
وهذا تسليط من الشيخ للرّاوي على أن يقول: حدثنا، وأخبرنا، قراءةً عليه. وقال قوم: لا يجوز أن يقول فيه: حدثنا، ويقول فيه: أخبرنا. ولا فرق إذا قيَّده بقوله: «قراءةً عليه» .
أما قوله: «حدثنا وأخبرنا مطلقاً، أو «سمعت فلاناً» ، ففيه خلاف.
والصحيح: أنه لا يجوز، لأنه يشعر بالنطق وذلك منه كذب، إلا إذا عُلم بتصريح أو قرينة حالٍ أنه يريد القراءة على الشيخ، دون سماع نطقه.
قال الحاكم: والقراءة على الشيخ إخبارٌ، وإليه ذهب الفقهاء والعلماء كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وغيرهم.
قال: وعليه عهدنا أئمتنا، وبه قالوا، وإليه ذهبوا، وإليه نذهب (1) وبه نقول، وبه قال أئمة الحديث: إن القراءة على العالم إذا كان يحفظ ما يُقرأ عليه، أو يُمْسِك أصله فيما يُقرأ عليه إذا لم يحفظ، صحيحه مثل السماع من لفظ الشيخ.
قال ابن جريج: قرأت على عطاء بن أبي رباح، فقلت له: كيف أقول؟ قال: قل: حدثنا.قال ابن عباس رضي الله عنهما لقوم من الطائف «اقرؤوا علي، فإن إقراري به كقراءتي عليكم» .وقد ذهب قوم إلى أن القراءة على الشيخ أعلى من قراءة الشيخ وأحوط في الرواية قالوا: لأن قراءة الشيخ يتطرق إليها أمران.
أحدهما: جواز تغيير الشيخ في القراءة بعض ما في كتابه سهواً، أو يسبق على لسانه غلط أو تصحيف وهو غافل عنه، والراوي لا علم له به، ليرُدَّ عليه، بخلاف ما إذا قرأ الراوي وغيَّر، أو غلط أو صحَّف، فإن الشيخ يردُّ عليه سهوه وغلطه.
الأمر الثاني: جواز غفول السامع عن سماع بعض ما يقرؤه الشيخ لعارض يطرأ على قلبه، وهذا كثير جداً، بخلاف ما إذا قرأ على الشيخ، فإنه يتيقن أو يغلب على ظنه أنه قرأ جميع الكتاب، وأن
(1) جملة " وإليه نذهب " سقطت من المطبوع.
الشيخ سمع ما قرأه.
هذا مستند ما ذهبوا إليه، وإن كان أكثر العلماء والفقهاء والمحدثين على الأول، فإن نسبة هذه الجوائز المحتملة إلى الراوي أقرب من نسبتها إلى الشيخ، ولأن يغلط الراوي ويسهو ويصحِّف، والشيخ لا يغفل عن سماعه، أقرب وأمكن من جواز غلط الشيخ وسهوه وتصحيفه ونسبة الخلل في السماع، ولكلٍّ نظرٌ واجتهاد.
الطريق الثالثة:
سماع ما يقرأ على الشيخ، ويتنزل منزلة القراءة عليه، لكنه ينقص عنها بأن السامع ربما غفل عن سماع بعض القراءة كما سبق، فأما القارئ، فلا يجري هذا في حقه، ويجوز له أن يقول:حدَّثنا، وأخبرنا سماعاً يُقرأ عليه.
الطريق الرابعة:
الإجازة: وهو أن يقول الشيخ للراوي شفاهاً، أو كتابة، أو رسالة: أجزت لك أن تروي عني الكتاب الفلاني، أو ما صح عندك من مسموعاتي، وعند ذلك
يجب الاحتياط في معرفة المسموع، أما إذا اقتصر على قوله: هذا مسموعي من فلان، فلا يجوز له الرواية عنه، لأنه لم يأذن له في الرواية.
وهذا تسليط من الشيخ للراوي على أن يقول: حدَّثنا وأخبرنا
إجازةً، أو أنبأنا، على اصطلاح المحدثين كما سبق، ويقيدها بالمشافهة، أو بالكتابة، أو بالرسالة.
وقال قوم: لا يجوز فيما كان بالكتابة والرسالة أن يقول فيه: حدَّثنا، وإنما يقول: أخبرنا، كما يقول: أخبرنا الله في كتابه، وعلى لسان رسوله، ولا يقول فيه: حدَّثنا.
أما قوله في الإجازة: «حدَّثنا، وأخبرنا» مطلقاً، فجوَّزه قوم، وهو فاسد، كما ذكرنا في القراءة على الشيخ.
وقال قوم: لا تحل الرواية بالإجازة، حتى يعلم المجاز له ما في الكتاب ثم يقول المجيز للراوي: أتعلم ما فيه؟ فيقول: نعم، ثم يجيز له الرواية عنه به.
فأما إذا قال له المجيز: أجزت لك عني الحديث بما فيه، والسامع غير عالم به، فلا يحل له، كما أنه لو سمع ولم يعلم، فلا يجوز له، وكما قالوا في القاضي: يشهد الشاهد على كتابه والشاهد لا عِلْم له بما فيه.
وهذا القول راجع إلى من جعل العلم والفقه، ومعرفة حكم الحديث ومعناه شرطاً في الرواية، وقد سبق ذكره في الفرع الأول.
وأعلى درجات الإجازة المشافهة بها، لانتفاء الاحتمال فيها.
ويتلوها: الرسالة، لأن الرسول يضبط وينطق.
وبعدهما: الكتابة، لأن الكتابة لا تنطق، وإن كانت تضبط
ثم هذه الإجازة الجائزة، إنما هي في حق الموجود والمعروف عارية من الشرط.
وأما الإجازة للمعدوم والمجهول، وتعليقها بالشرط، ففيها خلافٌ نذكره.
أما المجهول، فمثل أن يقول المحدِّث: أجزت لبعض الناس، فلا يصح ذلك، لأنه لا سبيل إلى معرفة البعض الذي أجيز له.
وأما إجازة المعدوم، فمثل أن يقول المحدِّث: أجزت لمن يولد لفلان، أو لكل من أعقب فلان، أو لعقب عقبه أبداً ما تناسلوا، فقد أجازه قوم، ومنع منه آخرون.
وأما الإجازة المعلقة بشرط فمثل أن يقول المحدِّث: أجزت لفلان إن شاء، أو يخاطب فلاناً، فيقول: أجزت لمن شئت رواية حديثي، أو أجزت لمن شاء، فمنع منها قوم، وأجازها آخرون.
وقال قوم: لا تجوز الإجازة للمعدوم والمجهول، ولا تعليقها بشرط، لأنها تحمُّلٌ يعتبر فيه تعيين المحتمل، وهذا الأجدر بالاحتياط، والأولى بحراسه الحديث وحفظه (1) .
(1) قال ابن الصلاح في " مقدمته " ص 152: إن الذي استقر عليه العمل، وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم: القول بتجويز الإجازة، وإباحة الرواية بها، وفي الاحتجاج لذلك غموض، ويتجه أن نقول: إذا جاز أن يروي عنه مروياته، وقد أخبره بها جملة، فهو كما لو أخبره تفصيلاً، وإخباره به غير متوقف على التصريح نطقاً كما في القراءة على الشيخ كما سبق، وإنما الغرض
⦗ص: 84⦘
حصول الإفهام والفهم، وذلك يحصل بالإجازة المفهمة.
قال العلامة أحمد شاكر في شرح الألفية ص 131 بعد أن نقل كلام ابن الصلاح المتقدم:
أقول: وفي نفسي من قبول الرواية بالإجازة شيء، وقد كانت سبباً لتقاصر الهمم عن سماع الكتب سماعاً صحيحاً بالإسناد المتصل بالقراءة إلى مؤلفيها حتى صارت في الأعصر الأخيرة رسماً يرسم، لا علماً يتلقى ويؤخذ. ولو قلنا بصحة الإجازة إذا كانت بشيء معين من الكتب لشخص معين أو أشخاص معينين لكان هذا أقرب إلى القبول، ويمكن التوسع في قبول الإجازة لشخص أو أشخاص معينين مع إبهام الشيء المجاز، كأن يقول له: أجزت لك رواية مسموعاتي أو أجزت رواية ما صح وما يصح عندك أني أرويه. أما الإجازات العامة كأن يقول: أجزت لأهل عصري، أو أجزت لمن شاء، أو لمن شاء فلان، أو للمعدوم، أو نحو ذلك، فإني لا أشك في عدم جوازها.
وقال قوم: إنما يجوز أن يُجيز لمن كان موجوداً حين إجازته، من غير أن يُعلق بشرط أو جهالة، سواء كانت الإجازة بلفظ خاص أو عام.
أما الخاص: فقوله: أجزت لفلان بن فلان.
وأما العام: فقوله: أجزت لبني هاشم، ولبني تميم، وكذلك إذا قال: أجزت لجماعة المسلمين.
هذا إذا كان الذين أجاز لهم موجودين والله أعلم.
الطريق الخامسة: المناولة
وتسمى: العرض، وصورته: أن يكون الراوي متقناً حافظاً، فيقدِّم المستفيد إليه جزءاً من حديثه، أو أكثر من ذلك، فيناوله إياه، فيتأمل الراوي حديثه، فإذا خبره وعرف أنه من حديثه، قال للمستفيد: قد وقفت على ما ناولتنيه، وعرفت ما فيه، وأنه روايتي عن
شيوخي، فحدث عني بها (1) .
قال الحاكم: أجاز ذلك خلق كثير من أئمة الحديث من أهل المدينة، ومكة، والكوفة، والبصرة، ومصر، وخراسان، رأوا العرض سماعاً.
قال: وقد قال مُطرِّف بن عبد الله: صحبت مالكاً سبع عشرة سنة، فما رأيته قرأ «الموطأ» على أحد، وسمعته يأبى أشد الإباء على من يقول: لا يجزئه إلا السماع ويقول: كيف لا يُجزئك هذا في الحديث، ويُجزئك في القرآن، والقرآن أعظم؟! .
وقال غير مُطرِّف، سئل مالك عن حديثه: أسماع هو؟ فقال: منه سماع ومنه عرض، وليس العرض عندنا بأدنى من السماع.
هذا مالك سيد الناس في الحديث، قال: وأما فقهاء الإسلام فلم يروا العرض سماعاَ.
وقال الغزالى - رحمة الله عليه: صورة المناولة أن يقول: خذ هذا الكتاب وحدِّث به عني، ومجرد المناولة دون هذا اللفظ لا معنى لها، وإذا وجد هذا اللفظ فلا معنى للمناولة.
وأصحاب الحديث يرتبون المناولة قبل الإجازة، وهي عندهم أعلى
(1) ولها صورة ثانية، وهي أن يعطي الشيخ للطالب أصل سماعه أو فرعاً مقابلاً به، ويقول له: هذا سماعي عن فلان فاروه عني، أو أجزت لك روايته عني، ثم يبقيه معه ملكاً له أو يعيره إياه لينسخه ويقابل به، ثم يعيده للشيخ. وسيذكر المؤلف ذلك عن الغزالي قريباً.
درجة منها.
ومنهم من ذهب إلى أنها أوفى من السماع (1) ، والظاهر أن المناولة أحوط من الإجازة، لأن أقل درجاتها أنها إجازة مخصوصة محصورة في كتاب بعينه، يعلم الشيخ ما فيه يقيناً، أو قريباً من اليقين، بخلاف الإجازة، على أن الشيخ يشترط في المناولة والإجازة البراءة من الغلط والتصحيف، والتزام شروط رواية الحديث، فبهذه الشروط يخرج من العهدة، وحينئذ يجوز للراوي أن يقول:حدَّثنا، وأخبرنا، مناولةً وعرضاً، وأنبأنا مطلقاً، باصطلاح المحدثين.
الطريق السادسة: الكتابة
لا يخلو أن يكون الكتاب تذكرة، والرواية عن علم ويقين، بعد ما يتذكر بالنظر فيه، أو يكون الكتاب إماماً لا يتذكر ما فيه، فإن كانت تذكرة، قبلت روايته، لأنه لا فرق بين التذكر بالفكر، أو بمذكِّر آخر، إذ في الحالتين روى عن مذكِّر، ولا يمكن اشترط أن لا ينسى، لأن الإنسان لا يمكنه الاحتراز عنه، وإن كان إماماً، فلا يخلو أن يكون كتابة بسماعه وخطِّه، أو سماعه بخط غيره، والخط معروف، والكاتب ثقة، أو سماع أبيه (2) ، بخط أبيه، أو راوٍ معروف
(1) قال النووي رحمه الله: الصحيح أنها منحطة عن السماع والقراءة.
(2)
في المطبوع " ابنه " وهو تصحيف.
بالرواية، معروف الخط.
وعلى ذلك، ففيه خلاف، فمن أهل الحديث من جعل الكتاب كالسماع، وقالوا: إذا وقع في علم الراوي أنه كتابه بسماعه وخطِّه، أو كتاب أبيه بخطِّه، وله ثقة بعلمه بخطِّ أبيه، حلت له الرواية، كما لو سمعه وتذكر سماعه ما فيه.
وعلى هذا يجب أن يحل له إذا عَلم أنه راوٍ معروف، فلا فرق بين خط أبيه وغيره، وهذا القول يُجَوِّز له أن يروي بالخط، وإن لم يتذكر.
ومنهم من قال: لا يجوز له الرواية إن لم يتذكر، لأن الخط لم يوضع في الأصل إلا للتذكر.
وقيل: إذا رأى خطَّه في كتاب، أو خط من يعرفه ويثق إليه، فلا يخلو: إما أن يعلم أنه سمعه، وإما أن يعلم أنه لم يسمع، أو يظن أنه لم يسمع، أو يُجَوِّز من نفسه سماعه أو عدم سماعه على السواء، وإما أن لا يذكر أنه سمع أو قرأ، ولكنه غلب على ظنه سماعه أو قراءته.
ففي الأول: تجوز الرواية.
وفي الثاني والرابع: لا تجوز له الرواية، لأنه كيف يُخبر عما يعلم كذبه أو يشك فيه؟!.
وفي الثالث: اختلفوا، فأجازه قوم، ومنع منه آخرون، لأن
الرواية عن الغير حكم منه بأنه حدَّثه، فلا يجوز إلا عن علم، ولأن الخط يشبه الخط.
أما إذا قال الشيخ: هذا خَطِّي، قُبل منه، لكن لا يروي عنه ما لم يُسَلِّطه على الرواية بصريح قوله، أو بقرينة حاله، كالجلوس لرواية الحديث.
فإن قال عدلٌ: هذه نسخة صحيحة من «صحيح البخاري» مثلاً، فرأى فيها حديثاً، فليس له أن يرويه عنه، ولكن هل يلزمه العمل به؟ إن كان مقلداً، فعليه أن يسأل المجتهد، وإن كان مجتهداً، فقال قوم: لا يجوز له العمل به ما لم يسمعه.
وقال قوم: إذا علم صحة النسخة بقول عدل، جاز له العمل (1) .
والقول الجامع لهذا: أنه لا ينبغي له أن يروي إلا ما يعلم سماعه أولاً وحفظه وضبطه إلى وقت الأداء، بحيث يتيقن أن ما أداه هو الذي سمعه، فإن شك في شيء منه، فليترك الرواية.
أما إذا كان في مسموعاته عن شيخ حديث واحد شك في أنه سمعه
(1) إذا وجد الشخص أحاديث بخط راويها سواء لقيه أو سمع منه أم لم يلقه ولم يسمع منه، أو وجد أحاديث في كتب لمؤلفين معروفين، ففي هذه الأنواع كلها لا يجوز له أن يرويها عن أصحابها، بل يقول: وجدت بخط فلان إذا عرف الخط ووثق منه، أو يقول: قال فلان ونحو ذلك، والقول بوجوب العمل بما في هذه الكتب هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة، فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لا نسد باب العمل بالمنقول، لتعذر شرط الرواية فيها، فإذا اطمأن الباحث إلى صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه وكان ثقة مأموناً، وجب أن يعمل بما فيه من الأحاديث التي يصح سندها.
منه أو من غيره، فلا يجوز له أن يقول: سمعت فلاناً، ولا أن يقول: قال فلان، لأنه شاك، ولا يجوز له أن يروي الحديث بالشك المطلق بل لو سمع من شيخ مائة حديث، وعلم أن حديثاً واحداً لم يسمعه، ولكنه التبس عليه، ولم يعرفه، فلا يجوز له رواية شيء من تلك المائة عن ذلك الشيخ، لأنه ما من حديث منها إلا ويجوز أن يكون هو ذلك المشكوك فيه.
أما إذا أنكر الشيخ الحديث، فلا يخلو من ثلاث جهات:
الأولى: أن ينكره قولاً، ولا يخلو أن ينكره إنكار جاحدٍ قاطعٍ بكذب الراوي، وحينئذ لا يعمل به، ولا يصير الراوي مجروحاً، أو ينكره إنكار متوقف، وقال: لست أذكره، فيعمل بالخبر، لأن الراوي جازم أنه سمعه منه، وهو ليس قاطعاً بتكذيبه.
وقال قوم: إن نسيان الشيخ للحديث يبطله، وليس بشيء، فإن للشيخ أن يعمل بالحديث إذا روى له العدل عنه، ولهذا تفصيل آخر.
قالوا: ينظر الشيخ في نفسه (1) ، فإن كان رأيه يميل إلى غلبة نسيان، أو كان ذلك عادته في محفوظاته، قبل رواية غيره عنه، وإن كان رأيه يميل إلى جهله أصلاً بذلك الخبر، رُدَّ، فقلمَّا ينسى الإنسان شيئاً حفظه لا يُتَذَكَّرُ بالتذكير، والأمور تبنى على الظواهر، لا على النَّوادر،
(1) في المطبوع: " حديثه ".