الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الإمام] مالك
هو أبو عبد الله: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان ابن خثيل بن عمرو بن الحارث - وهو ذو أصبح - بن سويد، من بني حمير ابن سبأ الأكبر، ثم من بني يَشْجب بن قحطان، وفي نسبه خلاف غير هذا.
ولد سنة خمس وتسعين من الهجرة، ومات بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة، وله أربع وثمانون سنة.
وقال الواقدي: مات وله تسعون سنة، وله ولد اسمه يحيى، ولا يعلم له غيره.
هو إمام أهل الحجاز، بل إمام الناس في الفقه والحديث، وكفاه فخرًا أن الشافعي من أصحابه.
أخذ العلمَ: عن محمد بن شهاب الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ونافع مولى عبد الله بن عمر [رضي الله عنهما] ، ومحمد بن المنكدر، وهشام ابن عروة بن الزبير، وإسماعيل بن أبي حكيم، وزيد بن أسلم، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، ومَخْرمَة بن سليمان، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأفتى معه، وعبد الرحمن بن القاسم، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر - وليس بالقاضي - وخلق كثير سواهم.
وأخذ العلم عنه خلق كثير لا يُحْصون كثرة. وهم أئمة البلاد.
منهم: الشافعي، ومحمد بن إبراهيم بن دينار، وأبو هاشم المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي، وأبو عبد الله عبد العزيز بن أبي حازم، وعثمان بن عيسى بن كنانة - هؤلاء نُظَراؤه من أصحابه - ومَعْنُ بن عيسى القزاز، وأبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، ويحيى بن يحيى الأندلسي - ومن طريقه
روينا «الموطأ» - وعبد الله بن مسلمة القَعْنَبيّ، وعبد الله بن وهب، وأصبغ بن الفرج، وغير هؤلاء ممن لا يحصى عدده.
وهؤلاء مشايخ البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهم من أئمة الحديث.
قال مالك [رحمة الله عليه] : قلَّ مَنْ كتَبْتُ عنه العلم، ما مات حتى يجيئني ويستفتيني.
وقال بكر بن عبد الله الصنعاني: أتينا مالك بن أنس، فجعل يحدثنا عن ربيعة ابن عبد الرحمن وكنا نستزيده من حديثه، فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة، وهو نائم في ذلك الطاق؟ فأتينا ربيعة فأنبهناه، وقلنا له: أنت ربيعة؟ قال: نعم. قلنا: الذي يحدث عنك مالك بن أنس؟ قال: نعم. قلنا: كيف حظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟ ! قال: أما علمتم أن مثقالاً من دَولة خير من حمل علم؟ .
وكان مالك مبالغًا في تعظيم العلم والدين، حتى كان إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه، وسرَّح لحيته، واستعمل الطيب، وتمكن من
الجلوس على وقار وهيبة، ثم حدَّث، فقيل له في ذلك، فقال: أُحب أن أُعظِّم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومر يومًا على أبي حازم وهو جالس، فجازه، فقيل له، فقال: إني لم أجد موضعًا أجلس فيه، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم.
قال يحيى بن سعيد القطان: ما في القوم أصح حديثًا من مالك.
وقال الشافعي [رحمه الله] : إذا ذكر العلماء، فمالكٌ النجم، وما أحد أمَنَّ عليّ مِن مالك [رحمة الله عليه] .
ورُوي أن المنصور منعه من رواية الحديث في طلاق المكره، ثم دس عليه من يسأله، فروى على ملأ من الناس «ليس على مستكره طلاق» فضربه بالسياط، ولم يترك رواية الحديث.
وروي أن الرشيد سأل مالكًا فقال: هل لك دار؟ فقال: لا، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وقال: اشتر بها دارًا، فأخذها ولم ينفقها. فلما أراد الرشيد الشخوص، قال لمالك: ينبغي أن تخرج معي، فإني عزمت أن أحمل الناس على «الموطأ» كما حمل عثمان الناس على القرآن، فقال: أمَّا حمل الناس على «الموطأ» فليس إلى ذلك سبيل، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا بعده في الأمصار فحدثوا، فعند أهل كل مصر علم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اختلاف أمتي رحمة» (1) وأما الخروج معك فلا سبيل إليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المدينة
(1) قال السبكي كما نقله عنه المناوي في " فيض القدير " وليس هذا الحديث بمعروف عند المحدثين، ولم
⦗ص: 183⦘
أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع. وأسنده في " المدخل " وكذا الديلمي في " مسند الفردوس " كلاهما من حديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ " اختلاف أصحابي رحمة "، قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف. وقال ولده أبو زرعة: رواه أيضاً آدم بن إياس في كتاب العلم والحلم بلفظ " اختلاف أصحابي لأمتي رحمة "، وهو مرسل ضعيف. وفي " طبقات ابن سعد " عن القاسم بن محمد نحوه. وأخرج البيهقي في " المدخل " عن القاسم بن محمد أو عمر بن عبد العزيز: لا يسرني أن أصحاب محمد لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة.
وقال شيخ الإسلام موفق الدين بن قدامة المقدسي في " لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد ": وأما النسبة إلى إمام في فروع الدين. كالطوائف الأربعة فليس بمذموم، فإن الاختلاف في الفروع رحمة، والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم، مثابون في اجتهادهم، واختلافهم رحمة واسعة، واتفاقهم حجة قاطعة.
نقول: ولا شك أن اختلاف الأئمة المجتهدين في فهم نصوص الكتاب والسنة وما تدل عليه ظاهرة طبيعية في شريعة الإسلام، لأن أكثر نصوصه ظنية الدلالة، وهذا الاختلاف ما أراده الله تعالى ورضيه، فهو رحمة وتوسعة ومجال للتنافس والإبداع، ولقد كان من أثره هذا التراث الضخم الذي تحفل به المكاتب الإسلامية من المؤلفات المتنوعة، وقد كان اختلافهم في القرآن في بعض ما استنبط منه من أحكام نتيجة للخلاف في فهمه لخفاء في دلالته بسبب من الأسباب، كالاشتراك في لفظه، أو التخصيص في عامه، أو التقييد في مطلقه، أو ورود نسخ عليه، أو غير ذلك من الأسباب المبينة في مظانها واختلافهم في السنة لا يقتصر على اختلافهم فيما تدل عليه الأحاديث وما يراد منها كما هو الحال في آي القرآن، بل يتجاوز ذلك، فيختلفون في الحكم على الحديث صحة وضعفاً، فيرى بعضهم صحيحاً ما يراه الآخر ضعيفاً. إلى غير ذلك من أسباب الاختلاف الكثيرة التي بينها العلماء في مؤلفاتهم.
وأما الاستشهاد ببعض الآيات التي تذم الخلاف وتنهى عنه وتحذر منه على حرمة الخلاف في فهم النصوص، فهو استشهاد في غير محله.
خير لهم لو كانوا يعلمون» وقال: «المدينة تنفي خبثها» وهاذي دنانيركم كما هي، إن شئتم فخذوها، وإن شئتم فدعوها.
يعني أنك إنما تكلفني مفارقة المدينة لما اصطنعتَه إليَّ، فلا أُوثِر الدنيا
على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الشافعي [رحمه الله] : رأيت على باب مالك كُراعًا من أفراس خراسان، وبغال مصر، ما رأيت أحسن منه، فقلت له: ما أحسنه، فقال: هو هدية مني إليك يا أبا عبد الله، فقلت: دع لنفسك منها دابة تركبها، فقال: أنا أستحي من الله تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة. وكم مثل هذه المناقب لهذا الطَّود الأشم، والبحر الزاخر.