الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: أن ينظر طالب الحديث إلى إسناد شيخه الذي يكتب عنه، فما قرب من سِنِّه طلب أعلى منه.
ومنها: أن يكون له شيخان، أحدهما سمع حديثًا من شيخه عن أمدٍ مُعين، والآخر سمعه عن أمد أبعد منه، فروايته عن أبعد الأَمَدَيْن أعلى، وعن أقربهما أنزل.
الفرع الخامس: في المرسل
المرسل من الحديث: هو أن يروي الرجل حديثًا عمن لم يعاصره، وله بين المحدثين أنواع واصطلاح في تسمية أنواعه.
فمنه: المرسل المطلق، وهو أن يقول التابعي (1) : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلا يكون الحديث مرسلاً مطلقًا، ما لم يرسله التابعي خاصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنه قسم يسمى المنقطع، وهو غير الأول.
قال الحاكم: وقلما تجد من يفرق بينهما، وهو على نوعين:
أحدهما: أن يكون في الإسناد رواية راوٍ لم يسمع من الذي روى عنه الحديث قبل الوصول إلى التابعي الذي هو موضع الإرسال.
والآخر: أن يذكر أحد رواته في الحديث عن رجل ولا يسميه جهلاً به،
(1) يشمل التابعي الكبير والصغير والحديث القولي والفعلي، وهذا التعريف ذكره ابن الصلاح وغيره ممن لخص كلامه، وهو المعروف عند الفقهاء والأصوليين، وهو المشهور بين أئمة الحديث كما نقله الحاكم وابن عبد البر في مقدمة " التمهيد ".
فإن لم يكن للجهل به، وإنما ترك اسمه وهو يعرفه، فليس بمنقطع، لكونه معروف الاسم.
ومنه قسم يسمى المعضَل: وهو أن يكون من المرسِل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم أكثر من رجل، ومثاله: أن يروي عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كذا وكذا، أو قال كذا وكذا، ثم لا يسنده، ولا يرسله في حالةٍ ما، ولا أحد من الرواة، وعمرو بن شعيب أقل ما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان، فإن كان الحديث قد أسنده وقتًا ما، أو أرسله، فليس بمعْضَل.
ومن أنواع المعْضَل: أن يُعضله الراوي من أتباع التابعين، فلا يرويه عن أحد، ويجعله كلامًا موقوفًا، فلا يذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم معضلاً (1) ثم يوجد ذلك الكلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصلاً من طريق آخر.
وأكثر ما تروى المراسيل من أهل المدينة عن سعيد بن المسيب، ومن أهل مكة عن عطاء بن أبي رباح، ومن أهل مصر عن سعيد بن أبي هلال، ومن أهل الشام عن مكحول، ومن أهل البصرة عن الحسن البصري، ومن أهل الكوفة عن إبراهيم بن زيد النخعي.
وأصحها مراسيل ابن المسيِّب، فإنه أدرك جماعة من أكابر الصحابة، وأخذ عنهم، وأدرك من لم يُدركه غيره من التابعين، وقد تأمل الأئمة مراسيله، فوجدوها جميعها بأسانيد صحيحة.
(1) في المطبوع: " منفصلاً " وهو تحريف.
والناس في قبول المراسيل مختلفون.
فذهب أبو حنيفة، ومالك بن أنس، وإبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، ومن بعدهم من أئمة الكوفة إلى أن المراسيل مقبولة، محتج بها عندهم (1)، حتى إن منهم من قال: إنها أصح من المتصل المسند، فإن التابعي إذا أسند الحديث أحال الرواية على من رواه عنه، وإذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقوله إلا بعد اجتهاد في معرفة صحته.
وأما أهل الحديث قاطبة. أو معظمهم، فإن المراسيل عندهم واهية غير
(1) وإليه جنح جمع من المحدثين، وهو رواية عن أحمد إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وحكاه النووي في " شرح المهذب " عن كثير من الفقهاء، بل أكثرهم، ونسبه الغزالي إلى الجمهور، وادعى ابن جرير الطبري وابن الحاجب إجماع التابعين على قبوله، وتوزعا في دعوى الإجماع بما نقل من عدم الاحتجاج به عن بعض التابعين كسعيد بن المسيب وابن سيرين والزهري، فلو قيل: باتفاق جمهور التابعين لكان أقرب إلى الصواب. وذكر الإمام أبو داود صاحب " السنن " في رسالته إلى أهل مكة المتداولة بين أهل العلم بالحديث: وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري، ومالك بن أنس والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيه وتابعه عليه أحمد وغيره.
نقول: وقد اشترط القائلون بالمرسل أن يكون المرسل ثقة، وأن يكون متحرياً لا يرسل إلا عن الثقات، فإن لم يكن في نفسه ثقة أو لم يكن محتاطاً في روايته. فمرسله غير مقبول. فإن قيل: ما الحامل لمن كان لا يرسل إلا عن ثقة على الإرسال؟ فالجواب – وهو للحافظ ابن حجر – أن له أسباباً منها أن يكون سمع الحديث عن جماعة ثقات وصح عنده، فيرسل اعتماداً على صحته عن شيوخه، كما صح عن إبراهيم النخعي أنه قال: ما حدثتكم عن ابن مسعود، فقد سمعته عن غير واحد، وما حدثتكم به وسميت، فهو عمن سميت، ومنها أن يكون نسي من حدثه وعرف المتن، فذكره مرسلاً، لأن أصل طريقته أن لا يحمل إلا عن ثقة، ومنها أن لا يقصد التحديث بل يذكره على وجه المذاكرة، أو على جهة الفتوى، فيذكر المتن، لأن المقصود في تلك الحالة دون السند، لا سيما إذا كان السامع عارفاً بمن روى فتركه لشهرته وغير ذلك من الأسباب.
محتج بها، وإليه ذهب الشافعي (1) ، وأحمد بن حنبل، وهو قول ابن المسيب، والزهري، والأوزاعي، ومَن بعدهم من فقهاء الحجاز.
ومن هؤلاء الذين قالوا برد المراسيل: من قَبِلَ مرسل الصحابي، لأنه يحدث عن الصحابي، وكلهم عدول.
ومنهم من أضاف إليه مراسيل التابعين، لأنهم يروون عن الصحابة.
ومنهم من خصص كبار التابعين، كابن المسيب، ويحكى أنه قول الشافعي، وأنه قبل مراسيل ابن المسيب وحده، واحتُج له بأنه وجدها مسندة (2) .
والمختار على قياس رد المرسل أن التابعي والصحابي إذا عُرف بصريح
(1) صرح الإمام الشافعي رحمه الله في " الرسالة " ص 193، 197 أنه يقبل المرسل بشروط:
أحدها: أن يكون المرسل ممن يروي عن الثقات أبداً ولا يخلط روايته.
ثانيها: أن يكون بحيث إذا شارك أهل الحفظ في أحاديثهم وافقهم ولم يخالفهم إلا بنقص لفظ لا يختل به المعنى.
ثالثها: أن يكون من كبار التابعين الذي التقوا بعدد كبير من الصحابة كسعيد بن المسيب، وهذا الشرط وإن كان منصوصاً في كلام الشافعي في " الرسالة " ص: 461، فقد خالفه عامة أصحابه، فأطلقوا القول بقبول مراسيل التابعين إذا وجدت فيها الشروط الباقية.
رابعها: أن يعتضد ذلك الحديث المرسل بمسند يجيء من وجه آخر صحيح أو حسن أو ضعيف، أو بمرسل آخر لكن بشرط أن يكون ذلك المرسل يخرجه من ليس يروي عن شيوخ راوي المرسل الأول ليغلب على الظن عدم اتحادهما، وكذا إذا اعتضد بقول بعض الصحابة، أو فتوى عوام أهل العلم.
(2)
ذكر العلامة الكوثري رحمه الله في تعليقاته على ذيول " تذكرة الحفاظ " ص: 329 أن الشافعي رحمه الله رد مراسيل ابن المسيب في زكاة الفطر بمدين من حنطة، وفي التولية في الطعام قبل استيفائه، وفي دية المعاهد، وفي قتل من ضرب أباه.