الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع التاسع: وهو الرابع من المختلف فيه
روايات محدِّث صحيح السماع، صحيح الكتاب، معروف بالرواية، ظاهر العدالة، غير أنه لا يَعْرِف ما يحدث به ولا يحفظه، قال الحاكم: كأكثر محدثي زماننا هذا، وهو محتج به عند أكثر أهل الحديث، وجماعة من الفقهاء، فأما أبو حنيفة ومالك - رحمهما الله -، فلا يريان الحجة به.
قلت: إذا كان الحاكم يقول عن زمانه، وهو قريب من الصدر الأول، كأكثر محدثي زماننا، فما عسى أن نقول نحن في زماننا هذا، لكنا نسأل الله العصمة والتوفيق، والسداد في القول والعمل.
النوع العاشر: وهو الخامس من المختلف فيه
روايات المبتدعة، وأصحاب الأهواء، وهي عند أكثر أهل الحديث مقبولة إذا كانوا فيها صادقين، فقد أخرج البخاري في «صحيحه» عن عباد بن يعقوب، وكان أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: حدثني الصدوق في روايته المتهم في دينه: عباد بن يعقوب، وأخرج البخاري أيضًا في «صحيحه» عن محمد بن زياد، وحريز بن عثمان، وهما مشهوران بالنصب (1) ، وأخرج هو ومسلم في كتابيهما عن أبي معاوية محمد بن خازم، وعن عبيد الله بن موسى، وقد اشتهر عنهما الغلو.
(1) الناصبية: فرقة ضالة تبغض أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، سموا بذلك، لأنهم نصبوا له: أي: عادوه.
وأما مالك بن أنس، فإنه يقول: لا يؤخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من كذاب يكذب في حديث الناس، وإن كان لا يُتهم أنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحاكم: هذه وجوه الصحيح المتفقة والمختلفة، قد ذكرناها لئلا يتوهم متوهم أنه ليس يصح من الحديث إلا ما أخرجه البخاري ومسلم، فإنا نظرنا فوجدنا البخاري قد صنف كتابًا في التاريخ، جمع أسامي من رُوي عنهم الحديث من
زمان الصحابة إلى زمن خمسين، فبلغ عددهم قريبًا من أربعين ألف رجل وامرأة، خرّج في «صحيحه» عن جماعة منهم، وخرّج مسلم في «صحيحه» عن جماعة.
قال الحاكم: جمعت أنا أساميهم، وما اختلفا فيه، فاحتج به أحدهما، ولم يحتج به الآخر، فلم يبلغوا ألْفَي رجل وامرأة.
قال: ثم جمعت من ظهر جرحه من جملة الأربعين ألفًا، فبلغ مائتين وستة وعشرين رجلاً.
فليعلم طالب هذا العلم: أن أكثر رواة الأخبار ثقات، وأن الدرجة العليا، للذين في «صحيحي البخاري ومسلم» وأن الباقين أكثرهم ثقات، وإنما سقطت أساميهم من «الصحيحين» للوجوه التي قدمنا ذكرها، لا لجرح فيهم، وطعن في عدالتهم، وإنما فعلا ذلك في كتابَيهما زيادة في الاحتياط، وطلبًا لأشرف المنازل
وأعلى الرتب، وباقي الأحاديث معمول بها عند الأئمة.
ألا ترى أن الإمام أبا عيسى الترمذي رحمه الله وهو من المشهورين بالحديث والفقه - قال في آخر كتابه «الجامع» : إن جميع ما في كتابنا من الحديث معمول به، وأخذ به بعض أهل العلم، ما خلا حديثين.
أحدهما: حديث ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر» (1) .
والثاني: حديث معاوية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه» (2) .
وما عدا هذين الحديثين، فقد عمل به قوم، وترك العمل به آخرون.
(1) رواه الترمذي رقم (186) باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في الحضر؛ ورواه مسلم رقم (705) كتاب " صلاة المسافرين " باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، ولم يذكر الترمذي علة الحديث، بل ذكر حديثاً يعارضه من طريق حنش وهو الحسين بن قيس الرحبي، وضعفه من أجله وإنما احتج بالعمل فقط، ونقل أقوال الفقهاء، وقد رد الإمام النووي على الترمذي قوله هذا في " شرح مسلم " فقال: وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به، بل لهم أقوال
…
وذكرها، ثم قال: وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر، قال، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره. ا. هـ
(2)
رواه أحمد في " المسند " رقم (16918) من حديث معاوية، وإسناده صحيح، ورواه أبو داود، والحاكم والبيهقي وغيرهم، وكذا رواه أحمد من أحاديث صحابة آخرين بأسانيد صحاح ثابتة، وقد قال به بعض أهل العلم من المحدثين، وانظر رسالة " كلمة الفصل في قتل مدمني الخمر " للعلامة أحمد شاكر فإنه قد استوفى الكلام في هذا الموضوع.