المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثاني: في الاقتصاد والاقتصار في الأعمال - جامع الأصول - جـ ١

[ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌خطة المؤلف في الكتاب:

- ‌وصف النسخ

- ‌عملنا في تحقيق الكتاب:

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌الباب الأول: في الباعث على عمل الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول: في انتشار علم الحديث، ومبدإِ جمعه وتأليفه

- ‌الفصل الثاني: في بيان اختلاف أغراض الناس ومقاصدهم في تصنيف الحديث

- ‌الفصل الثالث: في اقتداء المتأخرين بالسابقين، وسبب اختصارات كتبهم وتأليفها

- ‌الفصل الرابع: في خلاصة الغرض من جمع هذا الكتاب

- ‌الباب الثاني: في كيفية وضع الكتاب

- ‌الفصل الأول: في ذكر الأسانيد والمتون

- ‌الفصل الثاني: في بيان وضع الأبواب والفصول

- ‌الفصل الثالث: في بيان التقفية، وإثبات الكتب في الحروف

- ‌الفصل الرابع: في بيان أسماء الرواة والعلائم

- ‌الفصل الخامس: في بيان الغريب والشرح

- ‌الفصل السادس: فيما يستدل به على أحاديث مجهولة الوضع

- ‌الباب الثالث: في بيان أصول الحديث، وأحكامها، وما يتعلق بها

- ‌الفصل الأول: في طريق نقل الحديث وروايته

- ‌الفرع الأول: في صفة الراوي وشرائطه

- ‌الفرع الثاني: في مسند الراوي، وكيفية أخذه

- ‌الفرع الثالث: في لفظ الراوي وإيراده، وهو خمسة أنواع

- ‌النوع الأول: في مراتب الأخبار، وهي خمس:

- ‌المرتبة الأولى:

- ‌المرتبة الثانية:

- ‌المرتبة الثالثة:

- ‌المرتبة الرابعة:

- ‌المرتبة الخامسة:

- ‌النوع الثاني: في نقل لفظ الحديث ومعناه

- ‌النوع الثالث: في رواية بعض الحديث

- ‌النوع الرابع: انفراد الثقة بالزيادة

- ‌النوع الخامس: في الإضافة إلى الحديث ما ليس منه

- ‌الفرع الخامس: في المرسل

- ‌الفرع السادس: في الموقوف

- ‌الفرع السابع: في ذكر التواتر والآحاد

- ‌الفصل الثاني: في الجرح والتعديل، وفيه ثلاثة فروع

- ‌الفرع الأول: في بيانهما وذكر أحكامهما

- ‌الفرع الثاني: في جواز الجرح ووقوعه

- ‌الفرع الثالث: في بيان طبقات المجروحين

- ‌الفصل الثالث في النسخ

- ‌الفرع الأول: في حده وأركانه

- ‌الفرع الثاني: في شرائطه

- ‌الفرع الثالث: في أحكامه

- ‌الفصل الرابع: في بيان أقسام الصحيح من الحديث والكذب

- ‌الفرع الأول: في مقدمات القول فيها

-

- ‌الفرع الثاني: في انقسام الخبر إليها

- ‌فالأول: يتنوع أنواعًا

- ‌القسم الثاني: ما يجب تكذيبه، ويتنوع أنواعًا

- ‌القسم الثالث: ما يجب التوقف فيه

- ‌قسمة ثانية

- ‌قسمة ثالثة

- ‌الفرع [الثالث] (*) : في أقسام الصحيح من الأخبار

- ‌القسم الأول في الصحيح

- ‌النوع الأول: من المتفق عليه

- ‌النوع الثاني: من المتفق عليه

- ‌النوع الثالث: من المتفق عليه

- ‌النوع الرابع: من المتفق عليه

- ‌النوع الخامس: من المتفق عليه

- ‌النوع السادس: وهو الأول من المختلف فيه

- ‌النوع السابع: وهو الثاني من المختلف فيه

- ‌النوع الثامن: وهو الثالث من المختلف فيه

- ‌النوع التاسع: وهو الرابع من المختلف فيه

- ‌النوع العاشر: وهو الخامس من المختلف فيه

- ‌القسم الثاني: في الغريب والحسن وما يجري مجراهما

- ‌الباب الرابع: في ذكر الأئمة الستة رضي الله عنهم وأسمائهم، وأنسابهم، وأعمارهم، ومناقبهم وآثارهم

- ‌[الإمام] مالك

- ‌[الإمام] البخاري

- ‌[الإمام] مسلم

- ‌[الإمام] أبو داود

- ‌[الإمام] الترمذي

- ‌[الإمام] النسائي

- ‌الباب الخامس: في ذكر أسانيد الكتب الأصول المودعة في كتابنا هذا

- ‌«صحيح البخاري»

- ‌«صحيح مسلم»

- ‌ كتاب «الموطأ»

- ‌ كتاب «السنن» لأبي داود

- ‌ كتاب «الترمذي»

- ‌ كتاب «السنن» للنسائي

- ‌ كتاب «الجمع بين الصحيحين» للحُمَيْدِي [

- ‌ كتاب «رزين»

- ‌حرف الهمزة

- ‌الكتاب الأول: في الإيمان والإسلام

- ‌الباب الأول: في تعريفهما حقيقةً ومجازاً

- ‌الفصل الأول: في حقيقتهما وأركانهما

- ‌الفصل الثاني: في المجاز

- ‌الباب الثاني: في أحكام الإيمان والإسلام

- ‌الفصل الأول: في حكم الإقرار بالشهادتين

- ‌الفصل الثاني: في أحكام البيعة

- ‌الفصل الثالث: في أحكام متفرقة

- ‌الباب الثالث: في أحاديث متفرقة تتعلق بالإيمان والإسلام

- ‌الكتاب الثاني: في الاعتصام بالكتاب والسنة

- ‌الباب الأول: في الاستمساك بهما

- ‌الباب الثاني: في الاقتصاد والاقتصار في الأعمال

- ‌الكتاب الثالث: في الأمانة

- ‌الكتاب الرابع: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الكتاب الخامس: في الاعتكاف

- ‌الكتاب السادس: في إحياء الموات

- ‌الكتاب السابع: في الإيلاء

- ‌الكتاب الثامن: في الأسماء والكنى

- ‌الفصل الأول: في تحسين الأسماء: المحبوب منها والمكروه

- ‌الفصل الثاني: فيمن سماه النبي صلى الله عليه وسلم إبتداءً

- ‌الفصل الثالث: فيمن غير النبي صلى الله عليه وسلم أسمه

- ‌الفصل الرابع: ما جاء في التسمية باسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته

- ‌الفصل الخامس: في أحاديث متفرقة

- ‌الكتاب التاسع: في الآنية

- ‌الكتاب العاشر: في الأمل والأجل

- ‌ترجمة الأبواب التي أولها همزة، ولم ترد في حرف الهمزة

- ‌حرف الباء

- ‌الكتاب الأول: في البر

- ‌الباب الأول: في بر الوالدين

- ‌الباب الثاني: في بر الأولاد والأقارب

- ‌الباب الثالث: في بر اليتيم

- ‌الباب الرابع: في إماطة الأذى عن الطريق

- ‌الباب الخامس: في أعمالٍ من البر متفرقة

- ‌الكتاب الثاني: في البيع

- ‌الباب الأول: في آدابه

- ‌الفصل الأول: في الصدق والأمانة

- ‌الفصل الثاني: في التساهل والتسامح في البيع والإقالة

- ‌الفصل الثالث: في الكيل والوزن

- ‌الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الثاني: فيما لايجوز بيعه ولا يصح

- ‌الفصل الأول: في النجاسات

- ‌الفصل الثاني: في بيع ما لم يقبض، أو ما لم يملك

- ‌الفصل الثالث: في بيع الثمار والزروع

- ‌الفرع الأول: في بيعها قبل إدراكها وأمنها من العاهة

- ‌الفرع الثاني: في بيع العرايا

- ‌الفرع الثالث: في المحاقلة والمزابنة والمخابرة وما يجري معها

- ‌الفصل الرابع: في أشياء متفرقة لا يجوز بيعهاأمهات الأولاد

- ‌الولاء

- ‌الماءُ والمِلْحُ والْكَلأُ والنَّارُ

- ‌القينات

- ‌الغنائم

- ‌حبل الحبلة

- ‌ضراب الجمل

- ‌الصدقة

- ‌الحيوان باللحم

- ‌الباب الثالث: فيما لايجوز فعله في البيع

- ‌الفصل الأول: في الخداع

- ‌الفرع الأول: في مطلق الخداع

- ‌الفرع الأول: في النجش

- ‌الفصل الثاني: في الشرط والإستثناء

- ‌الفصل الرابع: في النهي عن بيع الغرر والمضطر والحصاة

- ‌الفصل الخامس: في النهي عن بيع الحاضر للبادي، وتلقي الركبان

- ‌الفصل السادس: في النهي عن بيعتين في بيعة

- ‌الفصل السابع: في أحاديث تتضمن منهيات مشتركة

- ‌الفصل الثامن: في التفريق بين الأقارب في البيع

- ‌الباب الرابع: في الربا

- ‌الفصل الأول: في ذمه وذم آكله وموكله

- ‌الفصل الثاني: في أحكامه

- ‌الفرع الأول: في المكيل والموزون

- ‌الفرع الثاني: في الحيوان

- ‌الفرع الثالث: في أحاديث متفرقة

- ‌الباب الخامس: من كتاب البيع، في الخيار

- ‌الباب السادس: في الشفعة

- ‌الباب السابع: في السلم

- ‌الباب الثامن: في الإحتكار والتسعير

- ‌الباب التاسع: في الرد بالعيب

- ‌الباب العاشر: في بيع الشجر المثمر، ومال العبد، والجوائح

- ‌الكتاب الثالث: من حرف الباء في البخل وذم المال

- ‌الكتاب الرابع: في البنيان والعمارات

- ‌ترجمة الأبواب التي أولها باء، ولم ترد في حرف الباء

الفصل: ‌الباب الثاني: في الاقتصاد والاقتصار في الأعمال

ص: 293

‌الباب الثاني: في الاقتصاد والاقتصار في الأعمال

84 -

(خ م س) أنس بن مالك رضي الله عنه جاء ثلاثةُ رَهْطٍ

⦗ص: 294⦘

إلى بُيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخْبِروا كأنَّهم تَقَالُّوها، قالوا: فأينَ نَحنُ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر؟ قال أحدُهم: أمَّا أنا فأصَلِّي اللَّيلَ أبدًا، وقال الآخرُ: وأنا أصُومُ الدَّهرَ ولا أفُطِرُ، وقالَ الآخرُ: وأنا أعْتَزِلُ النِّساءَ ولا أتَزَوَّجُ أبدًا، فجاءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال:«أنتم الذين قُلتم كذا وكذا؟ أمَا والله، إنِّي لأخْشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصُومُ وأفْطِرُ، وأصَلِّي وأرْقُدُ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فَمَن رغِبَ عَنْ سُنَّتِي فليس منِّي» . أخرجه البخاري ومسلم.

وأخرجه النسائي، وهذا لفظه: أنَّ نَفرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعضهم: لا أتَزَوَّجُ [النساء](1)، وقال بعضهم: لا آكُلُ اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، وقال بعضهم: أصومُ ولا أفْطِرُ، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فحَمِدَ الله وأثْنَى عليه، ثم قال:«ما بَالُ أقوامٍ يقولون كذا وكذا؟ لكني أصلِّي وأنامُ، وأصومُ وأفطِرُ، وأتَزَوَّجُ النساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتي فليس مني (2) » .

⦗ص: 295⦘

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

تقالُّوه: التَّقال: تفاعل من القِلَّة، كأنهم استقلوا ذلك لأنفسهم من الفعل، فأرادوا أن يُكثروا منه.

رغب عن الشيء: الرَّغبة في الشيء: إيثاره، والميل إليه، والرغبة عنه: تركه، والصدوف عنه.

(1) زيادة من النسائي.

(2)

البخاري 11/4 في النكاح، باب الترغيب في النكاح، ومسلم رقم (1401) فيه، باب استحباب النكاح، والنسائي 6/60 في النكاح أيضاً باب النهي عن التبتل، قال الحافظ في " الفتح ": وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه، وفيه تتبع أحوال الأكابر للتأسي بأفعالهم، وأنه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء، وأن من عزم على عمل بر واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعاً، وفيه تقديم الحمد والثناء على الله عند إلقاء مسائل العلم وبيان الأحكام للمكلفين وإزالة الشبهة عن المجتهدين، وأن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

صحيح: رواه عن أنس حميد:

أخرجه البخاري (7/2)، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: أخبرنا محمد بن جعفر - ابن أبي كثير-، قال: أخبرنا حُميد، فذكره.

- ورواه عنه ثابت البناني:

أخرجه أحمد (3/241) قال: حدثنا مؤمل. وفي (3/259) قال: حدثنا أسود بن عامر، وفي (3/285) قال: حدثنا عفان. وعبد بن حميد (1318) قال: حدثنا محمد بن الفضل، ومسلم (4/129) قال: حدثني أبو بكر بن نافع، قال: حدثنا بَهز. والنسائي (6/60) قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا عفان.

خمستهم - مؤمل، وأسود، وعفان، وابن الفضل، وبهز- عن حماد بن سلمة، عن ثابت، فذكره.

ص: 293

85 -

(خ م) عائشة رضي الله عنها قالت: صَنَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فرَخَّصَ فيه، فتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فبَلَغَ ذلك رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَخَطَبَ، فَحَمِدَ الله [وأثْنَى عليه](1)، ثمَّ قال:«ما بالُ أقْوَامٍ يَتَنَزَّهونَ عن الشيء أصْنَعُهُ، فوَاللهِ إنِّي لأعْلَمُهُم بِاللهِ، وأشَدُّهُم لهُ خَشْيَةً» . أخرجه البخاري ومسلم (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

فتنزه: التنزه: التباعد عن الشيء، أي: أنهم تركوه ولم يعملوا به، ولا اقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيه.

(1) زيادة ليست في البخاري ومسلم.

(2)

البخاري 13/125، 126 في الأدب: باب من لم يواجه الناس بالعتاب، وفي الاعتصام: باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع، وأخرجه مسلم رقم (2356) في الفضائل: باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله تعالى وشدة خشيته، قال الحافظ في " الفتح ": 13/128، وفي الحديث الحث على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذم التعمق والتنزه عن المباح، وحسن العشرة عند الموعظة والإنكار والتلطف في ذلك.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

صحيح: أخرجه أحمد (6/45) قال: حدثنا أبو مُعاوية. وفي (6/181) قال: حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان. والبخاري (8/31، 9/120)، وفي الأدب المفرد (436) قال: حدثنا عُمر بن حفص. قال: حدثنا أبي. ومسلم (7/90) قال: حدثنا زُهير بن حرب. قال: حدثنا جرير.

(ح) وحدثنا أبو سعيد الأشج. قال: حدثنا حفص، يعني ابن غياث.

(ح) وحدثناه إسحاق بن إبراهيم وعلي بن خشرم. قالا: أخبرنا عيسى بن يونس.

(ح) وحدثنا أبو كُريب، قال: حدثنا أبو معاوية. والنسائي في عمل اليوم والليلة (234) قال: أخبرنا محمد ابن بشار. قال: حدثنا عبد الرحمن. قال: حدثنا سفيان.

وابن خزيمة (2015، 2021) قال: حدثنا بُندار. قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان.

خمستهم - أبو معاوية الضرير، وسفيان الثوري، وحفص بن غياث، وجرير، وعيسى بن يونس- عن الأعمش، عن مسلم أبي الضحى عن مسروق عن عائشة، فذكره.

ص: 295

86 -

(د) عائشة رضي الله عنها قالت: بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى

⦗ص: 296⦘

عُثْمانَ بْنِ مَظْعُونٍ: «أرَغْبَةً عَن سُنَّتي؟» فقال: لا، والله يا رسول الله ولكن سُنَّتَكَ أطْلُبُ، قال:«فإنِّي أنامُ، وأصَلِّي، وأصُومُ، وأفْطِرُ، وأنْكِحُ النِّسَاءَ، فاتَّقِ الله يا عُثمانُ، فإنَّ لأهْلِكَ عليك حقًّا، وإنَّ لِنَفْسِكَ عليك حقًّا، فَصُم وأفْطِر، وصَلِّ ونَمْ» . أخرجه أبو داود (1) . ووَجدتُ في كتاب رزين زيادةً لم أجدها في الأصول، وهي: قالت عائشة: وكان حَلَفَ أنْ يَقُومَ الليلَ كلَّهُ، ويصومَ النهار، ولا ينكح النساءَ، فسألَ عن يمينه، فنَزَل {لا يُؤاخِذُكُم اللَّهُ باللَّغْوِ في أيْمَانِكُم} (2) [البقرة: الآية 225] . وفي رواية أنه هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما نواه، قبل أن يَعزِمَ، وهو أصحُّ. ووجدتُ له فيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرَهُم

⦗ص: 297⦘

أمرهم من العَمَلِ بما يُطِيقُون، قالوا: لَسنا كهيئتِك، إنَّ الله عز وجل قد غفر لك ما تَقَدَّمَ من ذنبك وما تأخَّر، فيغضبُ، حتى يُعْرَفَ الْغَضَبُ في وجهه، ثم يقول:«إنَّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا (3) » .

(1) رقم (1369) في أبواب قيام الليل، باب ما يؤمر به من القصد بالصلاة ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق لكن يشهد له أحاديث صحاح.

(2)

للعلماء في المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال:

أحدها: أن يحلف على الشيء يظن أنه كما حلف، ثم يتبين له أنه بخلافه، وإلى هذا المعنى ذهب أبو هريرة وابن عباس والحسن وعطاء والشعبي وابن جبير ومجاهد وقتادة والسدي عن أشياخه، ومالك ومقاتل.

والثاني: أنه قول الرجل: لا والله، وبلى والله من غير قصد لعقد اليمين، وهو قول عائشة وطاوس وعروة والنخعي والشافعي.

والثالث: أنه يمين الرجل وهو غضبان، رواه طاوس عن ابن عباس.

والرابع: أنه حلف الرجل على معصية فليحنث وليكفر ولا إثم عليه قاله سعيد بن جبير.

والخامس: أن يحلف الرجل على شيء ثم ينساه، قاله النخعي. انظر زاد المسير 1/254، 255 لابن الجوزي بتحقيقي مع الأستاذ شعيب الأرنؤوط.

(3)

الحديث أخرجه البخاري في " صحيحه " 1/67 في الإيمان: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا أعلمكم بالله ". وهو من غرائب الصحيح لا يعرف إلا من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

قال الحافظ في " الفتح " وفي هذا الحديث فوائد.

الأولى: أن الأعمال الصالحة ترقي صاحبها إلى المراتب السنية من رفع الدرجات ومحو الخطيئات، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم استدلالهم، ولا تعليلهم من هذه الجهة، بل من الجهة الأخرى.

الثانية: أن العبد إذا بلغ الغاية في العبادة وثمراتها، كان ذلك أدعى له إلى المواظبة عليها استبقاء للنعمة، واستزادة لها بالشكر عليها.

الثالثة: الوقوف عند ما حدد الشارع من عزيمة ورخصة، واعتقاد أن الأخذ بالأرفق الموافق للشرع أولى من الأشق المخالف له.

الرابعة: أن الأولى من العبادة القصد والملازمة لا المبالغة المفضية إلى الترك.

الخامسة: التنبيه على شدة رغبة الصحابة في العبادة وطلبهم الازدياد من الخير.

السادسة: مشروعية الغضب عند مخالفة الأمر الشرعي، والإنكار على الحاذق المتأهل لفهم المعنى إذا قصر في الفهم تحريضاً له على التيقظ.

السابعة: جواز تحدث المرء بما فيه الفضل بحسب الحاجة لذلك عند الأمن من المباهاة والتعاظم.

الثامنة: بيان أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم رتبة الكمال الإنساني، لأنه منحصر في الحكمتين العلمية والعملية، وقد أشار إلى الأولى بقوله:" أعلمكم " وإلى الثانية بقوله: " أتقاكم ".

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

صحيح: - رواه عن عائشة عروة -:

أخرجه أحمد (6/68)، وأبو داود (1369) قال: حدثنا عبيد الله بن سعد، كلاهما عن يعقوب بن إبراهيم ابن سعد، قال: حدثني أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، فذكره.

- ورواه عن عائشة يحيى بن يعمر:

أخرجه أحمد (6/106) .

- ورواه عن عائشة: أبو فاختة:

أخرجه أحمد (6/106) بألفاظ متقاربة.

ص: 295

87 -

(خ م د س) عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: «أُخْبِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أنِّي أقُولُ: والله لأصُومَنَّ النَّهارَ، ولأقُومَنَّ اللَّيلَ ما عِشْتُ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أنت الَّذي تَقُولُ ذلك؟» فقلت له: قد قلتُه، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: «فإنك لا تَسْتطيعُ ذلك، فَصُمْ

⦗ص: 298⦘

وأفْطِرْ، ونَمْ، وقُمْ، وصُمْ من الشَّهرِ ثلاثَةَ أيَّامٍ، فإنَّ الحَسَنَةَ بعشْرِ أمثالها، وذلك مِثْلُ صيام الدَّهر» ، قُلتُ: إنِّي أطِيقُ أفْضَلَ من ذلك، قال:«فصُمْ يومًا وأفطِرْ يومَينِ» ، قلت: فإنِّي أطيقُ أفضلَ من ذلك، قال:«فصُم يومًا وأفطِر يومًا، فذلك صيام دَاودَ عليه السلام، وهو أعدلُ الصيام» - وفي رواية: أفضَلُ الصيام - قُلتُ: فإني أطيقُ أفضلَ من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا أفْضَلَ من ذلك» .

زاد في رواية، قال عبد الله بن عمرو، لأنْ أكونَ قبلتُ الثَّلاثة الأيام التي قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أحبُّ إليَّ من أهلي ومالي» . وفي رواية أخرى: قال: قال لي رسول الله: «ألَمْ أخْبَرْ أنك تَصومُ النهار، وتقوم الليل؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: «فلا تَفْعَلْ، صُمْ وأفطِرْ، ونَم وقُم، فإنَّ لِجسدِك عليك حقًّا، وإنَّ لِعَينِكَ عليك حقًّا، وإنَّ لزوجِك عليك حقًّا، وإنَّ لزوْرِك (1) عليك حقًّا، وإنَّ بحَسْبِك أن تصُومَ من كل شهر ثلاثة أيام، فإنَّ لك بكُلِّ حسَنَةٍ عشرَ أمثالها، فإذًا ذلك (2) صيامُ الدَّهر» . فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ، قلتُ: يا رسول الله: إنِّي أجدُ قُوَّةً، قال:«صُمْ صيامَ نبي الله داود عليه السلام، لا تَزِدْ عليه» . قلت: وما كان

⦗ص: 299⦘

صيام داود؟ قال: «نصف الدهر» . فكان عبدُ الله يقول بعدَ ما كَبِرَ: يا لَيْتَني قَبِلْتُ رُخصَةَ النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي أخرى قال: «ألم أخبَر أنَّك تَصوم الدَّهر، وتَقْرَأ القرآن كلَّ ليلة؟» فقلتُ: بلى، يا نَبيَّ الله، ولم أُرِد بذلك إلا الخير، وفيه قال:«فصُم صومَ داودَ، فإنه كان أعبد النَّاس» - وفيه قال -: «واقرأ القرآن في كل شهر» ، قال: قلتُ: يا نبيَّ الله، إني أطيقُ أفضلَ من ذلك، قال:«فاقرأهُ في كلِّ عشرين» ، قال: فقلتُ: يا نبيَّ الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال:«فاقرأهُ في عشر» ، قلت: يا نبيَّ الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال:«فاقرأه في سَبعٍ، لا تزد على ذلك» . قال: فَشَدَّدْتُ فَشُدِّد عليَّ، وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لا تدري لَعلَّكَ يَطولُ بك عُمُرٌ» ، قال: فصِرتُ إلى الذي قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كبِرْتُ وَدِدتُ أني كنتُ قَبِلْتُ رُخصة نبيّ الله صلى الله عليه وسلم. زاد مسلم «فإنَّ لِوُلْدِك عليك حقًّا» .

وفي أخرى: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنكَ لَتَصومُ النَّهار، وتقومُ الليل؟» قلت: نعم، قال:«إذا فعلتَ ذلك هَجَمَتْ لَهُ العَيْنُ، ونَفِهَت له النَّفسُ، لا صامَ من صامَ الأبد، صومُ ثلاثة أيامٍ صومُ الدَّهر كلِّه» . قلت: فإن أطيق أكثر من ذلك، قال:«فصم صوم داود، كان يصوم يومًا ويُفْطِرُ يومًا، ولا يَفِرُّ إذا لاقى (3) » .

⦗ص: 300⦘

وزاد في رواية: «مِن لي (4) بهذه يا نبي الله» . وفي رواية نحوه، وفيه «وصُم من كل عشرةِ أيَّام يومًا، ولك أجر تسعة» - وفي - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صامَ من صامَ الأبدَ» ثلاثًا. هذه روايات البخاري ومسلم. ووافقهما أبو داود على الرواية الأولى. والنسائي على الأولى والثانية، وألفاظُهُم جميعُهم متقاربة باتفاق المعنى. وأخرج البخاري والنسائي عنه.

قال البخاري: قال عبد الله بن عَمْرو: أنكَحَني أبي امرأةً ذات حَسبٍ، وكان يتعاهدُ كَنَّتَهُ، فيسألها عن بَعْلِها، فتقول له: نِعْمَ الرَّجُلُ من رجلٍ لم يطأ لنا فراشًا، ولم يُفَتِّش لنا كَنَفًا مُذْ أتَيْناهُ، فَلَمَّا طال ذلك عليه، ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«ألقني به» فلقيتُهُ بَعدُ، فقال:«كيف تصوم؟» قلت: كلَّ يومٍ. قال: «وكيف تَخْتِمُ؟» قلت: كلَّ ليلة، فقال:«صُم كلَّ شهرٍ ثلاثة أيَّامٍ، واقرأ القرآن في كل شهر» . قال: قلت: فإني أطيق أكثَر من ذلك، قال:«صُم ثلاثة أيام في الجمعة» . قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال:«أفطر يومين وصم يومًا» . قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال:«صم أفضل الصوم، صوم داود: صيام يوم. وإفطار يوم. واقرأ في كل سَبْعِ ليال مَرَّةً» قال: فَلَيْتَني قَبِلتُ رُخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك

⦗ص: 301⦘

أنِّي كَبِرْتُ وضَعُفْتُ، وكان يقرأ على بعض أهله السُّبُع من القرآن بالنَّهار، والَّذي يقرؤه يَعرضُهُ منَ الليل، ليكون أخفَّ عليه بالليل، وإذا أراد أن يَتَقَوَّى أفطر أيَّامًا، وأحصَى وصام مثلَهُنَّ، كراهِيةَ أن يَتْرَكَ شيئًا فارق عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواية النسائي قال: زَوَّجني أبي امرأة، فجاء يزورنا، فقال: كيف تَرَيْنَ بَعْلَكِ؟ قالت: نعم الرجلُ، لا ينام الليل، ولا يُفْطِرُ النَّهارَ، فوقع بي وقال: زوَّجْتُك امرأةً من المسلمين، فعَضَلْتَها، قال: فجعلتُ لا ألتفِت إلى قوله، مما عند من القُوَّةِ والاجتهاد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فقال:«لكني أنا أقوم وأنامُ، وأصومُ وأفطِرُ، فَقُمْ ونَم، وصُم وأفطر» - وذكر الصوم نحو ما تَقدَّم، وقال:«اقرأ القرآن في شهر» ، ثم انتهى إلى خمس عشرة، وأنا أقول: أنا أقوى من ذلك.

وأخرجه مثل رواية البخاري، ولم يذكر فيه القراءة.

وأخرج الترمذي طرفًا من هذه الروايات، وهو قوله:«أفْضَلُ الصَّوم صَوْمُ أخي داود، كان يصومُ يومًا ويُفْطِرُ يومًا، ولا يَفِرُّ إذا لاقى» . ولِقلَّةِ ما أخرَجَ منه لم نُعْلِمْ عليه علَامته (5) .

⦗ص: 302⦘

وسيجيء ذِكْرُهُ مع باقي روايات هذا الحديث في كتاب الصَّوم من حرف الصاد.

وقد أخرج البخاري ومسلمٌ وأبو داود والنسائي هذا الحديث مختصرًا جامعًا، فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ أحبَّ الصيام إلى الله: صيامُ داودَ، وأحبَّ الصلاة إلى الله: صلاةُ داود، كان ينامُ نِصْفَ الليل، ويقومُ ثُلُثَهُ، وينَامُ سُدُسَهُ، وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا (6) » .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

بحسبك (7) : أحسَبه هذا الأمر يُحسِبه: إذا كفاه.

هجمت: العين: إذا غارت ودخلت في نُقرتها من الضعف والمرض.

نَفِهَت النفس: إذا أعيت وكلَّت.

ذات حسب: الحسب: ما يعدُّه الرجل من مفاخر آبائه، ويقال:

⦗ص: 303⦘

حَسَبُهُ: دينه، ويقال: ماله، وقيل: الحسب يكون في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف.

كَنّته: الكنة: امرأة الابن أو الأخ.

بعلها: بعل المرأة: زوجها.

كَنفًا: لم يفتش لنا كنفًا، الكنف: الجانب، أرادت: أنه لم يقربها، ولم يستعلم لها حالاً خَفيَت عنه.

فوقع بي: وقع بي فلان: إذا لامك وعَنَّفَك، وأما وَقعت فيه، فهو من الوقيعة، وهي الغيبة.

فعضلتها: العضل: المنع، والمراد: أنك لم تعاملها معاملة الأزواج لنسائهم، ولا تركتها بنفسها لتتزوج، وتتصرف في نفسها كما تريد.

(1) الزور: الزائرون، يقال: رجل زائر، وقوم زور، وزار مثل مسافر وسفر وسفار، ونسوة زور أيضاً، وزور - مثل نوم ونوح - زائرات صحاح.

(2)

" فإذاً ذلك " روي " إذاً " بالتنوين، وبلفظ " إذا " التي للمفاجأة.

(3)

أي: إذا لاقى العدو، أي: لا يهرب من قتال الكفار.

(4)

أي: من يكفل لي بهذه الخصلة التي لداود عليه السلام، لا سيما عدم الفرار والصبر والثبات عند لقاء العدو.

(5)

البخاري 5/123 في الصوم: باب صوم الدهر، وباب حق الضيف في الصوم، وباب حق الجسم في الصوم، وباب حق الأهل في الصوم، وباب صوم يوم وإفطار يوم، وباب صوم داود، وفي التهجد، باب من نام عند السحر، وباب ما يكره من ترك قيام العمل لمن كان يقومه، وفي الأنبياء: باب قول الله تعالى {وآتينا داود زبورا} [الإسراء: 55] وفي فضائل القرآن: باب في كم يقرأ القرآن

⦗ص: 302⦘

وفي النكاح: باب لزوجك عليك حق، وفي الأدب: باب حق الضيف والاستئذان، وباب من ألقي له وسادة. وأخرجه مسلم رقم (1159) في الصيام: باب النهي عن صوم الدهر. وأبو داود رقم 2425 في الصيام: باب في صوم الدهر. والنسائي 4/209 - 215 في الصيام: باب صوم يوم وإفطار يوم وذكر الزيادة في الصيام والنقصان وصوم عشرة أيام من الشهر. والترمذي رقم (770) في الصوم، باب ما جاء في سرد الصوم.

(6)

البخاري 3/258 في التهجد: باب من نام عند السحر، ومسلم رقم (1159) في الصيام: باب النهي عن صوم الدهر وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم. وأبو داود رقم 2448 في الصوم: باب في صوم يوم وفطر يوم. والنسائي 3/214 في فضل صلاة الليل: باب صلاة نبي الله داود عليه السلام.

(7)

الباء في " بحسبك " زائدة، ومعناه أن صوم الثلاثة الأيام من كل شهر كافيك.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

صحيح: رواه عن ابن عمرو: ابن المسيب، وأبو سلمة:

أخرجه أحمد (2/187)(6760) قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا مَعْمر. وفي (2/188)(6761) قال: حدثنا رَوْح، قال: حدثنا محمد بن أبي حفصة، والبخاري (3/51) قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، وفي (4/195) قال: حدثنا يحيى بن بُكَير، قال: حدثنا الليث، عن عُقيل. ومسلم (3/162) قال: حدثني أبو الطاهر، قال: سمعت عبد الله بن وهب يحدث عن يونس. (ح) وحدثني حَرْمَلة ابن يحيى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس. وأبو داود (2427) قال: حدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر. والنسائي (4/211) قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس.

خمستهم - معمر، ومحمد بن أبي حفصة، وشُعيب، وعُقيل بن خالد، ويونس- عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، فذكراه.

- ورواه عن ابن عمرو مجاهد:

رواه أحمد (2/158) ، والنسائي (4/209) ، والبخاري (3/52) ، وابن خزيمة (197) .

- ورواه عنه أيضًا ابن أبي ربيعة:

رواه أحمد (2/224) ، والنسائي (4/212) .

- ورواه عنه أبو عياض:

رواه أحمد (2/205) ، والنسائي (4/212) ، وابن خزيمة (2106) .

- ورواه عنه أبو مليح:

رواه البخاري (3/53) ، ومسلم (3/165) ، والنسائي (4/215) .

- ورواه عنه عمرو بن أوس:

رواه البخاري (2/63) ، والحميدي [589] ، وأحمد (2/160) ، وأبو داود [2448] .

قلت: ومن التابعين رواة الخبر: أبو العباس المكي، وشعيب بن عبد الله بن عمرو، وهلال بن طلحة، ويزيد ابن الشخير.

ص: 297

88 -

(خ م ط د ت س) عائشة رضي الله عنها قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم حصيرٌ، وكان يُحَجِّرُهُ باللَّيل فيُصلي فيه، ويَبْسُطُهُ بِالنَّهار، فَيَجْلِس عليه، فجعل النَّاسُ يَثُوبُونَ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، يُصَلُّونَ بصلاته، حتَّى كَثُرُوا، فأقبَلَ، فقال: «يا أيُّها النَّاسُ، خُذُوا من الأعمال ما تطيقون، فإنَّ الله لا يَمَلُّ (1)

⦗ص: 304⦘

حتَّى تَملُّوا (*) ، وإنَّ أحَبَّ الأعمال إلى الله ما دَامَ وإن قلَّ» .

زاد في رواية: «وكان آلُ محمَّدٍ إذا عَمِلُوا عَملاً أثبَتُوه» .

وفي رواية قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئلَ، أيُّ العَمَل أحبُّ إلى الله؟ قال:«أدْوَمُهُ وإنْ قَلَّ» .

زادَ في رواية «واكْلَفُوا من الْعَمَلِ ما تُطيقون» .

وفي رواية أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سَدِّدُوا وقاربُوا، واعلموا أنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ أحَدَكُم عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وأنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدْوَمُها وإنْ قلَّ» .

زاد في أخرى: «وأبشِرُوا، قالوا: ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يَتَغَمَّدَني اللهُ بِمَغْفِرَةٍ ورَحْمَةٍ» .

⦗ص: 305⦘

هذه روايات البخاري ومسلم.

وللبخاري و «الموطأ» . قالت: كان أحبُّ الأعمال إلى الله الَّذي يدومُ عليه صاحبُهُ.

ولمسلم: كان أحبُّ الأعمال إلى الله أدومَها وإن قلَّ.

وكانت عائشة إذا عَمِلتِ العمل لَزِمَتْهُ.

وفي رواية الترمذي: كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ديم عليه.

وفي أخرى له قال: سُئِلَتْ عائِشةُ وأمُّ سَلَمَة: أيُّ العمل كان أحبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالتا: ما دِيمَ عَلَيْهِ وإنْ قَلَّ.

وفي رواية أبي داود: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «اكْلَفوا من العمل ما تُطيقون، فإنَّ الله لا يَملُّ حتَّى تَملُّوا (*) ، وإنَّ أحبَّ العملِ إلى الله أدومُهُ وإن قلَّ، وكان إذا عمل عملاً أثبته» .

وفي أخرى له قال: سألتُ عائشةَ: كيف كان عملُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل كان يَخُصُّ شيئًا من الأيام؟ قالت: لا، كان عَملُه دِيمةً، وأيُّكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟.

وفي رواية النسائي. قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرةٌ يَبْسُطُها، ويحتجرها بالليل، فيُصلي فيها، ففَطِنَ له النَّاس، فصلَّوْا بصلاتِهِ، وبينهم وبينه الحصيرة، فقال: «اكلَفُوا مِنَ العَملِ ما تُطيقون، فإنَّ الله تبارك وتعالى لا يمل حتَّى تملُّوا، فإنَّ أحبَّ العمل إلى الله أدْوَمُهُ وإن قَلَّ، ثُمَّ تركَ مُصَلَاّه ذلك. فما عاد له حتى قبضَه الله عز وجل، وكان إذا عَمِلَ عملاً

⦗ص: 306⦘

أثْبَتَهُ (2) » .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

يُحَجِّرُهُ: حَجَّرَهُ يُحَجِّرُهُ، أي: يتخذه حُجْرة وناحية ينفرد عليه فيها.

يثوبون: أي: يرجعون إليه، ويجتمعون عنده.

لا يملّ حتى تملّوا: المراد بهذا الحديث، أن الله لا يملُّ أبدًا، ملَلْتُم أو لم تَملُّوا، فجرى مجرى قولهم: لا أفعله حتى يشيب الغراب، ويَبْيَضَّ القَار. وقيل معناه: إن الله لا يطرحكم حتى تتركوا العمل له، وتزهدوا في الرغبة إليه، فسمَّى الفعلين مَللاً، وكلاهما ليس بملل، كعادة العرب في وضع الفعل إذا وافق معناه، نحو قوله:

ثم أضحَوا لعب الدهر بهم

وكذاك الدَّهْرُ يُودِي بالرجال

فجعل إهلاكه إياهم لَعِبًا.

وقيل معناه: إن الله لا يقطع عنكم فضله، حتَّى تملوا سؤاله، فسمَّى فعلَ الله مللاً، وليس بملل، على جهة الازدواج، كقوله تعالى:{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} وكقوله تعالى: {وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلُها} وهذا شائع في

⦗ص: 307⦘

العربية، وكثيرٌ في القرآن.

سَدِّدُوا: اقصدوا السَّداد من الأمر، وهو الصواب.

وقاربوا: اطلبوا المقاربة، وهي القصد في الأمر الذي لا غُلو فيه ولا تقصير.

يتغمدني: تغمده الله برحمته: إذا غفر له ورحمه، وأصله: كأنه جعل رحمته له غمدًا سَتَرَه بها وغشَّاه.

اكلفوا: كَلِفْتُ بهذا الأمر، أكْلَف به: إذا أُولعت به، وكَلَّفَه تكليفًا: إذا أمره بما شق عليه، والمُتَكلِّفُ: المُتَعَرِّضُ لما لا يعنيه، وتكلفت الشيء: تجشمته.

ديمة: الديمةُ: المطر الدائم في سكون، شَبَّهَتْ عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر.

(1) قال الحافظ في " فتح الباري " 1/94، هو بفتح الميم في الموضعين، والملال: استثقال الشيء، ونفور النفس عنه بعد محبته، وهو محال على الله تعالى باتفاق وقال الإسماعيلي، وجماعة من المحققين: إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازاً، كما قال تعالى:{وجزاء سيئة سيئة مثلها} [سورة الشورى: 40] ونظائرها، قال القرطبي: وجه مجازه: أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل مللاً، عبر عن ذلك بالملال، من باب تسمية الشيء باسم سببه.

وقال الهروي؛ معناه: لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله، فتزهدوا في الرغبة إليه. وقال غيره معناه: لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم.

⦗ص: 304⦘

وهذا كله بناء على أن " حتى " على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم.

وجنح بعضهم إلى تأويلها، فقيل: معناه: لا يمل الله إذا مللتم، وهو مستعمل في كلام العرب، يقولون: لا أفعل كذا حتى يبيض الفأر، وحتى يشيب الغراب، ومنه قولهم في البليغ: لا ينقطع حتى ينقطع خصومه، لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية، وهذا المثال أشبه من الذي قبله، لأن شيب الغراب ليس ممكناً عادة، بخلاف الملل من العابد.

وقال المازري: قيل: إن " حتى " هنا بمعنى الواو، فيكون التقدير، لا يمل وتملون، فنفى عنه الملل، وأثبته لهم.

قال: وقيل: " حتى " بمعنى " حين "، والأول أليق، وأجري على القواعد، وأنه من باب المقابلة اللفظية.

ويؤيده: ما وقع في بعض طرق حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ " اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل " لكن في إسناده موسى بن عبيدة، وهو ضعيف.

وقال ابن حبان في " صحيحه ": هذا من ألفاظ التعارف، التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد مما يخاطب به إلا بها، وهذا رأيه في جميع المتشابه (*) .

(2)

البخاري 1/109، 110 في الإيمان، باب أحب الدين إلى الله أدومه و 14/78 و79 في الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، ومسلم رقم (782) في الصلاة، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل، والموطأ 1/118 بلاغاً في صلاة الليل، باب ما جاء في صلاة الليل، وأبو داود 1/315 في صلاة الليل، باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة، والنسائي 3/218 في صلاة الليل، باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل.

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة:

سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل نثبت أن نثبت صفة الملل لله عز وجل؟ فأجاب بقوله: جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: ((فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملوا)) .

فمن العلماء من قال: إنَّ هذا دليل على إثبات الملل لله، لكن؛ ملل الله ليس كملل المخلوق؛ إذ إنَّ ملل المخلوق نقص؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء، أما ملل الله؛ فهو كمال وليس فيه نقص، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالاً.

ومن العلماء من يقول: إنَّ قوله: ((لا يَمَلُّ حتى تملوا)) ؛ يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل؛ فإنَّ الله يجازيك عليه؛ فاعمل ما بدا لك؛ فإنَّ الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل، وعلى هذا، فيكون المراد بالملل لازم الملل.

ومنهم من قال: إنَّ هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقاً؛ لأنَّ قول القائل: لا أقوم حتى تقوم؛ لا يستلزم قيام الثاني، وهذا أيضاً:((لا يمل حتى تملوا)) ؛ لا يستلزم ثبوت الملل لله عز وجل.

وعلى كل حال يجب علينا أن نعتقد أنَّ الله تعالى مُنَزَّه عن كل صفة نقص من الملل وغيره، وإذا ثبت أنَّ هذا الحديث دليل على الملل؛ فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق)) اهـ.

[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - جمع وترتيب فهد السليمان: 1 174 - 175]

وصفة (الملل) من الصفات المقيدة فيقال (الله يمل ممن يمل منه) ولا تطلق لله بدون تقييد

" الأولى أن يُلزَم ما جاء في الكتاب والسنة. مثل صفة (الملل) ، الله جل وعلا لا يقال إنه يوصف بالملل هذا باطل، لأن الملل نقص ولكن الله جل وعلا وصف نفسه بأنه يمل ممن مل منه وهذا على جهة الكمال.

فإن هذه الصفات التي تحتمل كمالاً ونقصاً فإن لله جل وعلا منها الكمال. والكمال فيها يكون على أنحاء منها أن يكون على وجه المقابلة.

قال جل وعلا {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} وقال جل وعلا {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} فهو جل وعلا يخادع من خادعه، يستهزئ بمن استهزأ به، وهذا كمال لأنه من آثار أنه جل وعلا. عزيز جبار ذو الجلال وذو الكمال وذو القدرة العظيمة فهو جل وعلا لا يعجزه شيء.

[شرح العقيدة الواسطية - الشريط الثالث - للشيخ صالح آل الشيخ]

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

صحيح:

أخرجه الحميدي (183) قال: حدثنا سُفيان. قال: حدثنا به محمد بن عَجْلان، عن سعيد المقبري، وأحمد (6/40) قال: حدثنا سُفيان، عن ابن عجلان، عن سعيد. وفي (6/61) قال: حدثنا ابن نُمير. قال: حدثنا محمد.

(ح) ويزيد. قال: أخبرنا محمد. وفي (6/84) قال: حدثنا أبو المغيرة. قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير. وفي (6/241) قال: حدثنا معاذ. قال: أخبرنا محمد بن عَمرو. وفي (6/267) قال: حدثنا يعقوب. قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق. قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي. والبخاري (1/186) قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر. قال: حدثنا ابن أبي فُدَيك. قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري. وفي (7/199) قال: حدثنا محمد بن أبي بكر. قال: حدثنا مُعتمر، عن عُبيدالله، عن سعيد ابن أبي سعيد. ومسلم (2/188) قال: حدثنا محمد بن المثنى. قال: حدثنا عبد الوهاب، يعني الثقفي. قال: حدثنا عُبيدالله، عن سعيد بن أبي سعيد. وأبو داود (1368) قال: حدثنا قُتَيبة. قال: حدثنا الليث، عن ابن عَجْلان، عن سعيد المقبري. وفي (1374) قال: حدثنا هنَّاد. قال: حدثنا عَبْدة، عن محمد بن عَمرو، عن محمد بن إبراهيم، وابن ماجة (942) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شَيبة. قال: حدثنا محمد بن بشر، عن عُبيدالله بن عمر. قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد. والنسائي (2/68)، وفي الكبرى (749) قال: أخبرنا قُتيبة. قال: حدثنا الليث، عن ابن عَجلان، عن سعيد المقبري، وابن خزيمة (1283) قال: حدثنا علي بن خَشْرَم، قال: أخبرنا عيسى، عن الأوزاعي، عن يحيى. وفي (1626) قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء وسعيد بن عبد الرحمن. قالا: حدثنا سفيان، عن ابن عجلان، عن سعيد وهو المقبري.

أربعتهم - سعيد المقبري، ومحمد بن عمرو، ويحيى بن أبي كثير، ومحمد بن إبراهيم- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، فذكره.

ص: 303

89 -

(خ م س) أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يُدْخِلَ أحدًا منكم عَمَلُه الجَنَّةَ» . قالوا: ولا أنتَ؟ قال: «ولا أنا، إلا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ بِفَضلٍ ورَحْمَةٍ (1) » . هذا للبخاري - وزاد مسلم «ولكن سَدِّدُوا» . في بعض طُرقه -.

⦗ص: 308⦘

وفي أخرى لمسلم. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قاربوا وسدِّدُوا، واْعْلَمُوا أنهُ لن يُنجِيَ أحدًا منكم عملُهُ» . قالوا: ولا أنت؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ برحمَةٍ منه وفَضل» .

وللبخاري مثلُها، إلى قوله «برحمةٍ» وزادَ «سَدِّدُوا وقاربُوا، واغْدُوا ورُوحُوا، وشيئًا من الدُّلْجةِ، والقَصْدَ القَصْدَ تبلُغُوا» .

وفي أخرى للبخاري وللنسائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ هذا الدِّين يُسْرٌ، ولنْ يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلا غَلَبَه، فَسَدِّدُوا وقاربوا، وأبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بالغُدوةِ والرَّوْحَة، وشيءٍ من الدُّلْجةِ (2) » .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

واغدوا: الغُدُوُّ: الخروج بكرة.

⦗ص: 309⦘

وروحوا: الرَّواح: العود عَشيّاً، والمراد: اعملوا أطراف النهار وَقْتًا وَقْتًا.

الدُّلجةُ: سير الليل، والمراد به العمل في الليل، وقوله:«وشيئًا من الدُّلجة» إشارة إلى تقليله.

والقَصد: العدل في الفعل والقول، والوسط بين الطرفين.

يشاد: المشادَّة: مفاعلة من الشدة، أي: لن يغالب، ولن يقاوي أحدٌ الدين إلا غلبه.

(1) وقد أجاب ابن الجوزي رحمه الله، كما نقله ابن حجر في " الفتح " 11/253 عن الجمع بين هذا الحديث وقوله تعالى:{وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} ، بأربعة أجوبة:

الأول: أن التوفيق للعمل من رحمة الله ولولا رحمة الله السابقة ما حصل الإيمان ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة.

الثاني: أن منافع العبد لسيده، فعمله مستحق لمولاه، فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله.

⦗ص: 308⦘

الثالث: جاء في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة برحمة الله، واقتسام الدرجات بالأعمال.

الرابع: أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير، والثواب لا ينفد، فالإنعام الذي لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل لا بمقابلة الأعمال.

وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: الباء المقتضية للدخول غير الباء النافية، فالأولى السببية الدالة على أن الأعمال سبب الدخول المقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، والثانية باء المعاوضة نحو اشتريت منه بكذا، فأخبر أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا رحمة الله لعبده لما أدخله الجنة، لأن العمل بمجرده ولو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجنة، ولا أن يكون عوضاً لها لأنه ولو وقع على الوجه الذي يحبه الله لا يقاوم نعمة الله، بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة، فتبقى سائر نعمه مقتضية لشكرها وهو لم يوفها حق شكرها.

(2)

البخاري في المرضى 10/109، باب تمني المريض الموت، وفي الرقاق 11/252، 254، باب القصد والمداومة على العمل، ومسلم رقم (2816) في صفات المنافقين، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله، والنسائي 8/121، 122 في الإيمان، باب الدين يسر.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

صحيح: رواه عن أبي هريرة أبو صالح:

أخرجه أحمد (2/343) قال: حدثنا عفان. قال: حدثنا خالد بن عبد الله، عن سُهيل، وفي (2/466) قال: حدثنا أسود بن عامر، قال: أخبرنا أبو بكر عن أبي حَصين. وفي (2/495) قال: حدثنا ابن نُمير، عن الأعمش. (ح) ويعلى. قال: حدثنا الأعمش. وفي (3/362) قال: حدثنا عفان. قال: حدثنا عبد العزيز ابن مسلم. قال: حدثنا سُليمان الأعمش. ومسلم (8/140)، قال: حدثني زهير بن حرب. قال: حدثنا جرير، عن سهيل. وفي (8/140) قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نُمير. قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الأعمش. وفي (8/140) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش. وفي (8/141) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شَيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش. وابن ماجة (4201) قال: حدثنا عبد الله بن عامر بن زُرَارة وإسماعيل بن موسى. قالا: حدثنا شريك بن عبد الله، عن الأعمش.

ثلاثتهم - سُهيل، وأبو حَصين عثمان بن عاصم، والأعمش- عن أبي صالح، فذكره.

- ورواه أيضًا عنه أبو عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف:

أخرجه أحمد (2/264) ، والبخاري (7/157) ، ومسلم (8/140) .

- ورواه عنه أيضًا بسر بن سعيد:

أخرجه أحمد (2/451) ، ومسلم (8/139) .

- ورواه عنه أيضًا سعيد المقبري:

أخرجه أحمد (2/514) ، والبخاري في الأدب المفرد (461) .

- ورواه عنه أيضًا ابن سيرين:

أخرجه أحمد (2/235) ، ومسلم (8/140) .

- ورواه عنه أيضًا عبد الرحمن بن أبي عمرة:

رواه أحمد (2/482) .

قلت: ومن الرواة أبي سلمة، وأبي زياد الطحان، ومحمد بن زياد، وهمام.

ص: 307

90 -

(م) جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُدْخِلُ أحدًا منكم عملُهُ الجنَّةَ، ولا يُجيرُه من النَّار، ولا أنا، إلا برحمة الله عز وجل» .

وفي رواية قال: «قاربُوا وسَدِّدُوا، واعلموا أنهُ لن يَنْجُوَ منكم أحدٌ بِعَملِه» . قالوا: يا رسول الله، ولا أنتَ؟ قال:«ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» أخرجه مسلم (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

يجيره: الإجارةُ: الإعانة والنصرة.

(1) رقم (2817) في صفات المنافقين، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

صحيح: أخرجه أحمد (3/394)، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ابن لهيعة، ومسلم (8/141) قال: حدثني سلمة بن شبيب، قال: ثنا الحسن بن أعين قال: حدثنا معقل.

كلاهما عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه فذكره.

ص: 309

91 -

(خ م) أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا ولا تُنَفِّرُوا» .

⦗ص: 310⦘

وفي رواية: «وسَكِّنُوا ولا تُنَفِّرُوا» . أخرجه البخاري ومسلم (1) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

التيسير: ضد التعسير، أراد به: التَّسهيل في الدين، وترك التشديد.

(1) البخاري 1/171 في العلم، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة، ومسلم رقم (1734) في الجهاد، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

صحيح: رواه أحمد عن روح قال: ثنا شعبة، وفي (3/211) عن محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، وحجاج، ورواه البخاري في العلم عن بندار، وفي الأدب عن آدم، ومسلم في المغازي عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه، وعن أبي بكر، عن عبيد بن سعيد، وعن محمد بن الوليد عن غندر، خمستهم عن شعبة، عن أبي التياح، عن أنس رضي الله عنه فذكره.

ص: 309

92 -

(د) سهل بن أبي أمامة رضي الله عنهما أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة، في زمان عُمَرَ بن عبد العزيز، وهو أميرُ المدينة (1) فإذا هو يُصلي صلاةً خفيفة دَقيقة، كأنها صلاةُ مُسافِرٍ، أو قريبٌ منها، فلما سلَّم قال: يرحمُك الله، أرأيت هذه الصلاة المكتوبةَ، أو شيء تَنَفّلتَه؟ قال: إنَّها لَلْمكتوبَةُ، وإنها لصلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخطأتُ إلا شيئًا سَهَوْتُ عنه، ثم قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُشدِّدوا على أنفسكم فَيُشَدَّدَ عليكم، فإنَّ قومًا شدَّدُوا على أنفسهم، فشُدِّدَ عليْهِم، فتلْك بقاياهم في الصَّوامِعِ والدِّيار، رَهْبانِيَّةً ابتَدَعوها ما كتبناها عليهم» . ثم غَدا من الغد، فقال ألا تركبُ لننظُرَ ونعتبِرَ؟ قال: نعم، فركبُوا جميعًا، فإذا بديار بَادَ أهْلُها وانْقَضوْا وفَنُوا، خاويةً على عُروشِها، فقال: تَعْرِفُ هذه الديار؟ فقال: «ما أعرَفَني بها وبأهلها، هؤلاء أهلُ ديار أهلَكهُمْ البَغْيُ والحسدُ، إنَّ الحسدَ يُطفِئ نُور الحسنات، والبغيُ يصدِّقُ ذلك أو يُكَذِّبُهُ، والعَيْن تزني، والكفُّ والقَدَمُ

⦗ص: 311⦘

والجسَدُ واللسانُ، والفرجُ يُصَدِّقُ ذلك أو يُكَذِّبُهُ» . أخرجه أبو داود (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

دقيقة: أراد بقوله: «صلاةً دقيقة» أي: خفيفة لا إطالة فيها، ولا تَكلُّف ولا رياء.

رهبانية ابتدعوها: الرهبانية: ترك الملاذ من المطعم، والمشرب، والمنكح، والمسكن الحلال، والانقطاع في الصوامع، كما يفعله رهابين النَّصارى، وابتداعها: فعلها من عند أنفسهم، من غير أن تفرض عليهم، أو تُسَنَّ لهم.

باد أهلها: بادَ القومُ: إذا هلكوا وانقرضوا.

خاوية: خَوَى البيت: إذا سقط وإذا خلا.

عروشها: عريشُ البيت: سقفه، والمعنى: أن البيت إذا سقط سقط بعضه على بعض، وأصل ذلك: أن يسقط السَّقف، ثم تسقط الحيطان عليه.

البغيُ: مجاوزة الحد في الظلم والتعدي.

(1) في المطبوع " المؤمنين ".

(2)

4/581 رقم (4904) في الأدب، باب في الحسد، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/316 عن أبي يعلى الموصلي، وفي سنده سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء الراوي عن سهل بن أبي أمامة، لم يوثقه غير ابن حبان.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

إسناده ضعيف: أخرجه أبو داود (4904)، قال: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، أن سهل بن أبي أمامة فذكره.

قلت: سعيد بن عبد الرحمن تفرد ابن حبان بتوثيقه، وهو مجهول.

ص: 310

93 -

(خ د س) أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بين السَّاريتين، فقال: ما هذا الحبلُ؟

⦗ص: 312⦘

قالوا: حَبلٌ لزينبَ، فإذا فَترتْ تعلَّقتْ به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا، حُلُّوهُ، ليُصلِّ أحَدُكُم نَشاطَهُ، فإذا فَتَر فَلْيَقْعُدْ» هذه رواية البخاري والنسائي.

وفي رواية أبي دواد: «ما هذا الحبلُ» ؟ فقيل: يا رسول الله، حَمْنَةُ بنت جَحْشٍ (1) تُصلِّي، فإذا أعْيَتْ تَعَلَّقَتْ به، فقال:«حُلُّوه، لتُصَلي ما أطَاقَتْ، فإذا أعْيَتْ فَلْتَجْلِسْ» .

وفي رواية له قالوا: زيْنَبُ تُصَلِّي، فإذا كَسِلَت، أو فَتَرَتْ أمْسَكَتْ به، فقال:«حُلُّوهُ، ليُصلِّ أحدُكُم نشاطَهُ، فإذا كَسِلَ أو فَتَر فليقعد (2) » .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

فَتَرَتْ: الفُتُور: ضد النشاط والخفة.

أعيت: الإعياء: التعب.

(1) هي أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنهما.

(2)

البخاري 3/278 في أبواب التهجد، باب ما يكره من التشديد في العبادة، وأبو داود رقم (1312) في الصلاة، باب النعاس في الصلاة، والنسائي 3/218، 219 في قيام الليل: باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل. وفي الحديث الحث على الاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق فيها، والأمر بالإقبال عليها بنشاط، وفيه إزالة المنكر باليد واللسان، وجواز تنفل النساء في المسجد.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

صحيح: رواه عن أنس عبد العزيز بن صهيب:

1 -

أخرجه أحمد (3/101)، ومسلم (2/189) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وأبو داود (1312) قال: حدثنا زياد بن أيوب، وهارون بن عبَّاد. والنسائي في الكبرى (1215) قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم. وابن خزيمة (1180) قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، سبعتهم - أحمد، وأبو بكر، وزهير، وزياد، وهارون، وإسحاق، ويعقوب- عن إسماعيل بن إبراهيم بن عُلَيَّة.

2 -

وأخرجه البخاري (2/67) قال: حدثنا أبو معمر. ومسلم (2/189) قال: وحدثناه شيبان بن فروخ. وابن ماجة (1371) ، والنسائي (3/218) كلاهما عن عمران بن موسى. ثلاثتهم - أبو معمر، وشيبان، وعمران- عن عبد الوارث بن سعيد.

كلاهما - إسماعيل، وعبد الوارث- عن عبد العزيز بن صهيب، فذكره.

* أخرجه ابن خزيمة (1181) قال: حدثنا إبراهيم بن مستمر البصري، قال: حدثنا أبو حبيب مسلم بن يحيى مؤذن مسجد بني رفاعة، قال: حدثنا شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، نحوه، غير أنه قال:«قالوا: لميمونة بنت الحارث» .

- ورواه عنه أيضًا حميد:

أخرجه أحمد (3/184) ، وعبد بن حميد (1404) .

ص: 311

94 -

(خ م ط س) عائشة رضي الله عنها قالت: كانت عِندي امرأةٌ من بَني أسَدٍ، فدخلَ عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال:«مَنْ هَذِهِ؟» قُلْتُ: فُلانة، لا تنامُ من الليل، تذكُرُ من صَلَاتِها، قال: «مَهُ، عليكم من الأعمال ما تُطيقون، فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا، وكان أحبُّ الدِّين ما داوم

⦗ص: 313⦘

عليه صاحبُهُ» ، أخرجه البخاري ومسلم والنسائي.

وفي أخرى لمسلم: أنَّ الحوْلاءَ بنتَ تُوَيْتٍ (1) مرَّتْ بها، وعندها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: هذه الحَوْلاءُ بنتُ تُويْت، وزعموا أنها لا تنام اللَّيلَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«لا تنامُ الليل؟ خُذُوا من العمل ما تُطيقون، فوالله لا يَسأمُ اللهُ حتى تسْأمُوا» .

وأخرجه «الموطأ» مُرسلاً عن إسماعيل بن أبي حكيم، أنهُ بَلغَهُ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سَمِعَ امرأة من اللَّيلِ تُصَلِّي، فقال:«مَن هذه؟» قيل: الحوْلاءُ بنتُ تُوَيْت لا تَنامُ اللَّيلَ، فكَرِهَ ذَلِكَ، حتَّى عُرِفَتِ الكَرَاهِيَةُ في وجهِهِ، ثمَّ قال:«إنَّ الله لا يَملُّ حتَّى تملُّوا، اكْلَفُوا من العمل ما لكم به طاقَةٌ (2) » .

ٍ

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(مه) بمعنى: أسكت

(لا يسأم) السآمة: الضجر والملل، والمعنى مثله في قوله " لايمل حتى تملوا".

(1) الحولاء بنت تويت - بضم التاء فوقها نقطتان - بن حبيب بن أسد بن عبد العزى ابن قصي القرشية الأسدية، هاجرت إلى المدينة، وكانت كثيرة العبادة. اهـ. من " أسد الغابة ".

(2)

البخاري 3/279 في التهجد: باب ما يكره من التشديد في العبادة، ومسلم رقم (785) في صلاة المسافرين: باب أمر من نعس في صلاته، والموطأ 1/118 في صلاة الليل: باب ما جاء في صلاة الليل، والنسائي 3/218 في قيام الليل: باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل.

ص: 312

95 -

(ت) أبو هريرة رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ لِكُلِّ شيءٍ شِرَّةً، ولكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً (1) ، فإنْ صاحِبُها سَدَّدَ وقارَبَ فَارْجُوهُ، وإنْ أُشِيرَ إليه بالأصابع فلا تَعُدُّوه» أخرجه الترمذي (2) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

شِرَّةٌ: الشرة: النشاط، ويقال: شرة الشباب: أوله.

(1) قال القاضي: الشرة بكسر الشين والتشديد: الحرص على الشيء والنشاط فيه، و " صاحبها " فاعل دل عليه ما بعده، ونظيره قوله تعالى:{وإن أحد من المشركين استجارك} .

والمعنى: أن من قصد في الأمور، وسلك الطريق المستقيم، واجتنب جانبي إفراط الشرة، وتفريط الفترة، فارجوه، ولا تلتفتوا إلى شهرته فيما بين الناس، واعتقادهم فيه.

وقال الطيبي: ذهب إلى أن " إن " الشرطية الثانية من تتمة الأولى، فلعل الظاهر أن تكون مثلها في الاستقلال، فيكون تفصيلاً لذلك المجمل، فإن قوله:" لكل شيء شرة إلخ " معناه: أن لكل شيء من الأعمال الظاهرة، والأخلاق الباطنة طرفين، إفراطاً وتفريطاً، فالمحمود هو القصد بينهما، فإن رأيتم أحداً يسلك سبيل القصد، فارجوه أن يكون من الفائزين، ولا تقطعوا له، فإن الله هو الذي يتولى السرائر، وإن رأيتموه يسلك سبيل الإفراط والغلو حتى يشار إليه بالأصابع، فلا تثبتوا القول فيه بأنه من الخائبين، فإن الله هو الذي يطلع على الضمائر.

(2)

رقم (2455) في صفة القيامة: باب رقم 21، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. ونقول: إسناده حسن وصححه ابن حبان رقم 2518 موارد، وأخرجه أيضاً من حديث عبد الله بن عمر.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

إسناده ضعيف:

أخرجه الترمذي (2453)، قال: ثنا يوسف بن سلمان أبو عمر البصري، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، فذكره.

قلت: في إسناده محمد بن عجلان اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، وهذا منها. وفي الباب عن ابن عمر أخرجه ابن حبان [2518/موارد] .

ص: 314

96 -

(خ ت) أبو جحيفة رضي الله عنه قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدَّرْداء، فرأى أمَّ الدَّرْداء مُتَبَذِّلَةً، فقال لها: ما شأنُك؟ فقالتْ: أخوكَ أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا،

⦗ص: 315⦘

فجاء أبو الدرداء، فصنعَ له طعامًا، فقال له: كُلْ، فإني صائمٌ، قال: ما أنا بآكل حتى تأكُلَ، فأكل، فلما كان الليلُ ذهب أبو الدرداء يقومُ، فقال: نم، فنام، ثمَّ ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل، قال: سلمانُ: قُم الآن، فصلَّيَا، فقال له سلمانُ: إنَّ لربِّكَ عليك حقًّا، وإنَّ لِنَفسكَ عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرَ ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«صَدَقَ سلمانُ» أخرجه البخاري والترمذي.

وزاد الترمذي فيه «ولضَيْفِكَ عليك حقًّا (1) » .

(1) البخاري 13/151 في الأدب: باب صنع الطعام والتكلف للضيف و 5/112 - 114 في الصوم: باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، وأخرجه الترمذي رقم (2415) في الزهد، باب أعط كل ذي حق حقه. وفي هذا الحديث من الفوائد: المؤاخاة، وزيارة الإخوان، والمبيت عندهم، وجواز مخاطبة الأجنبية للحاجة، والسؤال عما تترتب عليه المصلحة وإن كان في الظاهر لا يتعلق بالسائل، وفيه النصح للمسلم، وتنبيه من أغفل، وفضل قيام آخر الليل، ومشروعية تزيين المرأة لزوجها، وثبوت حق المرأة على الزوج في حسن العشرة، وجواز الفطر من صوم التطوع

.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

صحيح: أخرجه البخاري (3/49) ، (8/40)، والترمذي (2413) قالا: حدثنا محمد بن بشار، وابن خزيمة [2144] قال: حدثنا محمد بن بشار. (ح) وحدثنا يوسف بن مسى.

كلاهما عن جعفر بن عون العمري، قال: ثنا أبو العميس، عن عون بن أبي جحيفة، فذكره.

ص: 314

97 -

(م ت) حنظلة بن الربيع الأسيدي (1) رضي الله عنه وكان من كُتَّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لَقيَنِي أبو بكر، فقال: كيف أنتَ يا حنظَلَةُ؟ قال: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ قالَ: سبحان الله! ما تَقُولُ؟ قال: قُلْتُ: نكونُ عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، يُذكِّرُنا بالنَّار والجنَّةِ [حتَّى](2) كأنَّا رأيَ

⦗ص: 316⦘

عَيْنٍ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عافَسْنا الأزْواج والأولاد، والضَّيْعات، ونسينا كثيرًا، قال أبو بكر رضي الله عنه: فوالله إنَّا لَنَلْقَى مثل هذا، فانطَلَقْتُ أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: نَافَقَ حنظلَةُ يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ذاك؟» قلتُ: يا رسول الله نكون عندك تُذكِّرُنا بالنار والجنة [حتى](3) كأنَّا رأيَ عَيْنٍ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضَّيْعاتِ، ونَسينا كثيرًا. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده، لو تَدومُونَ على ما تكونون عندي، وفي الذِّكرِ، لصافَحَتْكم الملائكة على فُرُشِكُم، وفي طُرُقِكم، ولكن يا حنظلةُ ساعَةً وساعَةً - ثلاث مِرار -» (4) .

وفي رواية قال: كُنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرَ النَّارَ، ثمَّ جِئتُ إلى البيتِ، فضاحَكْتُ الصِّبْيان، ولاعَبتُ المرأةَ، فخرجتُ، فلقيتُ أبا بكر، فذكرتُ ذلك له. فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكُرُ، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله نافق حنظلةُ، فقال:«مه؟» فحدثته بالحديث. وقال أبو بكر: وأنا فعلت مِثْلَ ما فَعلَ. فقال: «يا حنظلة، ساعةً وساعةً، لو كانت تكون قلوبُكم كما تكونُ عند الذكر لصافحتكم الملائكةُ، حتى تُسلِّمَ عليكم في الطريق» . أخرجه مسلم والترمذي.

⦗ص: 317⦘

إلا أنَّ الترمذي قال: «ساعةً وساعةً، ساعةً وساعةً» (5) .

واقتصر الترمذي أيضًا منه على طرف يسير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تكُونُون كما تكونون عندي، لأظَلَّتْكُمُ الملائِكَةُ بأجنحتها» (6) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

نافق: النفاق: ضد الإخلاص، وأراد به في الحديث: أنني في الظاهر إذا كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم أخْلصتُ، وإذا انفردت عنه رغبتُ في الدنيا، وتركتُ ما كنت عليه، فكأنه نوع من الظاهر والباطن، وما كان يرضى أن يُسامِحَ به نفسه، وكذلك كان الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، يؤاخذون أنفسهم بأقل الأشياء.

رأي عين: جعلتَ الشَّيءَ رأي عينك، أي: بمرأى منك، وفي مقابلتك، وهو منصوب بإضمار «نَرى» .

عافَسْنَا: المعَافَسَةُ: المعالجة والممارسة والملاعبةُ.

الضَّيْعَاتُ: جمع ضَيْعَة، وهي الصناعةُ والحِرفَةُ.

(1) الأسيدي ضبطوه بوجهين أصحهما وأشهرهما: ضم الهمزة وفتح السين وكسر الياء المشددة.

والثاني: كذلك إلا أنه بإسكان الياء، وهو منسوب إلى بني أسيد بطن من بني تميم.

(2)

زيادة من مسلم.

(3)

زيادة من مسلم.

(4)

في مسلم: ثلاث مرات.

(5)

مسلم رقم (2750) في التوبة، باب فضل دوام الذكر، والترمذي رقم (2516) في صفة القيامة، باب ولكن يا حنظلة.

(6)

الترمذي رقم (2454) في صفة القيامة، باب الورع والتقوى.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

صحيح:

1 -

أخرجه أحمد (4/178)، قال: حدثنا أبو نعيم. وفي (4/346) قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، ومسلم (8/95) قال: حدثني زهير بن حرب، قال: حدثنا الفضل بن دُكين. وابن ماجة (4239) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا الفضل بن دكين. كلاهما - أبو نعيم الفضل بن دكين، وأبوأحمد- قالا: حدثنا سفيان.

2-

وأخرجه مسلم (8/94) قال: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، وقَطَن بن نُسَيْر. والترمذي (2514) قال: حدثنا بشر بن هلال البصري.

(ح) وحدثنا هارون بن عبد الله البزاز، قال: حدثنا سيار، أربعتهم- يحيى، وقطن، وبشر، وسيار- عن جعفر ابن سليمان.

3 -

وأخرجه مسلم (8/95) قال: حدثني إسحاق بن منصور، قال: أخبرنا عبد الصمد، قال: سمعت أبي.

ثلاثتهم - سفيان، وجعفر، وعبد الوارث- عن سعيد الجُرَيْري، عن أبي عثمان النهدي، فذكره.

ص: 315

98 -

(ط) مالك بن أنس رحمه الله بلغه: أن عائشة، كانت ترسلُ إلى أهلِها بَعدَ العَتَمة، فتقول: ألا تُريحون الكُتَّاب؟. أخرجه «الموطأ» (1) .

⦗ص: 318⦘

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

الكُتَّاب: جمع كاتب، وأرادَتِ الحَفظة الكرام الكاتبين، وذلك بعثًا لهم على ترك العمل، وطلب الاقتصاد.

وهذه أحاديث وجدتُها في كتاب رزين، ولم أجدها في الأصول.

(1) 2/987 بلاغاً، باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

الموطأ [1918] كتاب الجامع - باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله.

ص: 317

99 -

() ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت مولاةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم خُبِّر عنها: أنها تَقوم الليل، وتَصومُ النَّهار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لكُلِّ عاملٍ شِرَّةٌ، ولكل شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فمن صارت فترته إلى سُنَّتي فقد اهتدى، ومن أخطأ فقد ضَلَّ (1) » .

(1) هو بمعنى حديث أبي هريرة رقم 95، وانظر تخريجه.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

عزاه الهيثمي للبزار وقال: رجاله رجال الصحيح. المجمع (2/258، 259) .

قلت: وفي الباب عن أبي هريرة تقدم برقم [95] ، وعن ابن عمرو لكنه معلول، راجع العلل [1927] ، ورجح أبو حاتم إرسال هذا الحديث.

ص: 318

(1) لم نجد هذا الحديث فيما بين أيدينا من المصادر من حديث معاذ، ومعناه ثابت في الصحاح عن غيره كما تقدم.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

غريب: لم أقف عليه من حديث معاذ رضي الله عنه، وهو غريب من حديثه. وقد تقدم من حديث أبي هريرة وغيره.

ص: 318

101 -

() أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

⦗ص: 319⦘

«خيْرُ الأمورِ أوساطها» (1) .

ٍ

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(خير الأمور أوساطها) معناه: أن كل خصلة محمودة، فإن لها طرفين مذمومين، مثل أن السخاء وسط بين البخل والتبذير، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور، والإنسان مأمور أن يتجنب كل وصف مذموم، وتجنبه بالتعري منه، والتبعد عنه، فكلما ازداد منه بعداً ازداد منه تعرياً، وأبعد الجهات والأماكن والمقادير من كل طرفين، فإنما هو وسطها، لأن الوسط أبعد الجهات من الأطراف، وهو غاية البعد عنها، فإذا كان في الوسط، فقد تعرى عن الأطراف المذمومة بقدر الإمكان، فلهذا كان خير الأمور أوساطها.

(1) قال السخاوي في " المقاصد الحسنة ": رواه ابن السمعاني في " ذيل تاريخ بغداد " بسند فيه مجهول عن علي مرفوعاً، وللديلمي بلا سند عن ابن عباس مرفوعاً " خير الأعمال أوسطها " وقال العجلوني في " كشف الخفاء ": قال ابن الفرس: ضعيف.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]

عزاه الحافظ السخاوي لابن السمعاني في ذيل تاريخ بغداد بسند فيه مجهول عن علي مرفوعًا، وللديلمي بلا سند عن ابن عباس - بنحوه -. وقال العجلوني: قال ابن الغرس: ضعيف.

قلت: وقفت عليه مقطوعًا من قول «مطرف» بسند صحيح رواه البيهقي في الشعب [6601] ط/ دار الكتب العلمية. ولم أهتد إليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

خير الأمور أوساطها: معناه: أن كل خصلة محمودة، فإن لها طرفين، مذمومين، مثل أن السَّخَاء وسطٌ بين البخل والتَّبذير، والشجاعة وسطٌ بين الجُبن والتهور، والإنسان مأمورٌ أن يتجنَّب كلَّ وصفٍ مذمومٍ، وتجنُّبُه بالتَّعَرِّي منه، والتَّبَعُّد عنه، فكلما ازداد منه بُعدًا ازداد منه تعريّاً، وأبعدُ الجهاتِ والأماكن والمقادير من كل طرفين، فإنما هو وسطها؛ لأن الوسط أبعد الجهات من الأطراف، وهو غاية البعد عنها، فإذا كان في الوسط، فقد تَعَرَّى عن الأطراف المذمومة بقدر الإمكان، فلهذا كان خير الأمور أوساطها.

ص: 318