الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول: في المبادئ، والثاني: في المقاصد، والثالث:في الخواتيم،
والركن الأول ينقسم إلى خمسة أبواب:
الباب الأول: في الباعث على عمل الكتاب
، وفيه مقدمة وأربعة فصول
المقدمة
ما زلتُ في ريعان الشباب، وحداثة السن، مشغوفًا بطلب العلم، ومجالسة أهلهِ، والتشبُّه بهم حَسْبَ الإمكانِ، وذلك من فضل الله عليَّ، ولُطفه بي أن حببهُ إليَّ، فبذلتُ الوُسع في تحصيل ما وفِّقتُ له من أنواعه، حتى صارت فيَّ قوة الاطلاع على خفاياه، وإدراك خباياه، ولم آلُ جهدًا - والله الموفق - في إجمال الطلب، وابتغاء الأرب، إلى أن تَشَبَّثتُ من كلٍّ بطرف تشبهت فيه بأضرابي، ولا أقول: تميزتُ به على أترابي، ولله الحمد على ما أنعم به من فضله، وأجزل من طَوله، وإليه المفزع في الإسعاد بالزلفى يوم المعاد، والأمن من الفزع الأكبر يوم التناد، وأن يُوزعني شكر ما منحنيه من الهداية، وجنَّبنيه من الغَواية، وآتانيه من نعمة الفهم والدراية، منذ (1) المنشأ والبداية، وإليه
(1) في المطبوع " منه " وهو تحريف.
أرغب أن يجعل ذلك عطاءً يتصل طارفه وتليده، ولباسًا لا يبلى جديده، وذُخرًا لا يفنى عتيدُه، وحباءً (1) يورق عوده، ويثمر وعوده.
وبعد، فإن شرف العلوم يتفاوت بشرف مدلولها، وقدرها يعظم بعظم محصولها. ولا خلاف عند ذوي البصائر أن أجلَّها ما كانت الفائدة فيه أعم، والنفع به أتم، والسعادة باقتنائه أدوم، والإنسان بتحصيله ألزم، كعلم الشريعة الذي هو طريق السعداء إلى دار البقاء، ما سلكه أحد إلا اهتدى، ولا استمسك به من خاب، ولا تجنبه من رَشَد، فما أمنع جنابَ من احتمى بحماه، وأرغد مآب من ازدان بحُلاه.
وعلوم الشريعة على اختلافها تنقسم إلى: فرض، ونفل.
والفرض ينقسم إلى: فرض عين، وفرض كفاية.
ولكل واحد منهما أقسام وأنواع، بعضها أصول، وبعضها فروع، وبعضها مقدِّمات، وبعضها مُتَمِّمَات، وليس هذا موضعَ تفصيلها، إذ ليس لنا بغرض.
إلا أن من أصول فروض الكفايات، علم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآثار أصحابه رضي الله عنهم، التي هي ثاني أدلة الأحكام.
ومعرفتها أمر شريف، وشأن جليل، لا يحيط به إلا من هذَّب
(1) في المطبوع " وخبئاً " وهو تصحيف.
نفسه بمتابعة أوامر الشرع ونواهيه، وأزال الزيغ عن قلبه ولسانه.
وله أصول وأحكام وقواعد، وأوضاع، واصطلاحات ذكرها العلماء، وشرحها المحدِّثون، والفقهاء، يحتاج طالبه إلى معرفتها، والوقوف عليها بعد تقديم معرفة اللغة والإعراب، اللَّذين هما أصلٌ لمعرفة الحديث، لورود الشريعة المطهرة بلسان العرب.
وتلك الأشياء:
كالعلم بالرجال، وأساميهم، وأنسابهم، وأعمارهم، ووقت وفاتهم.
والعلم بصفات الرواة، وشرائطهم التي يجوز معها قبول روايتهم.
والعلم بمستند الرواة، وكيفية أخذهم الحديث، وتقسيم طرقه.
والعلم بلفظ الرواة، وإيرادهم ما سمعوه، وإيصاله إلى من يأخذه عنهم، وذكر مراتبه.
والعلم بجواز نقل الحديث بالمعنى، ورواية بعضه، والزيادة فيه، والإضافة إليه ما ليس منه، وانفراد الثقة بزيادة فيه.
والعلم بالمسند وشرائطه، والعالي منه، والنازل.
والعلم بالمرسل، وانقسامه إلى المنقطع، والموقوف، والمعضل، وغير ذلك، واختلاف الناس في قبوله، وردِّه.
والعلم بالجرح والتعديل، وجوازهما ووقوعهما، وبيان طبقات المجروحين.
والعلم بأقسام الصحيح، والكاذب، وانقسام الخبر إليهما، وإلى الغريب، والحسن وغيرهما.
والعلم بأخبار التواتر، والآحاد، والناسخ، والمنسوخ.
وغير ذلك مما تواضع عليه أئمة الحديث، وهو بينهم متعارف.
فمن أتقنها، أتى دار هذا العلم من بابها، وأحاط بها من جميع جهاتها، وبقدر ما يفوته منها تنزل عن الغاية درجته، وتنحط عن النهاية رتبته، إلا أن معرفة التواتر والآحاد، والناسخ والمنسوخ - وإن تعلقت بعلم الحديث - فإن المحدث لا يفتقر إليها؛ لأن ذلك من وظيفة الفقيه؛ لأنه يستنبط الأحكام من الأحاديث، فيحتاج إلى معرفة المتواتر، والآحاد، والناسخ، والمنسوخ
فأما المحدث، فوظيفته أن ينقل، ويروي ما سمعه من الأحاديث كما سمعه، فإن تصدى لما وراءه، فزيادة في الفضل، وكمال في الاختيار.
جمعنا الله وإياكم معشر الطالبين على قبول الدلائل، وألهمنا وإياكم الاقتداء بالسلف الصالح من الأئمة الأوائل، وأحلَّنا وإياكم من العلم النافع أعلى المنازل، ووفقنا وإياكم للعمل بالعالي من الحديث، والنازل، إنه سميع الدعاء، حقيق بالإجابة.