الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في حد من لا يُحتج بحديثه، وكان أحمد بن حنبل يقول: سماع ابن المبارك وأقرانه الذين سمعوا من ابن لهيعة قبل وفاته بعشرين سنة صحيح، لأجل احتراق كتبه (1) .
الفصل الثالث في النسخ
(2)
وفيه ثلاثة فروع
الفرع الأول: في حده وأركانه
النسخ: عبارة عن الرفع والإزالة، في وضع اللسان العربي، وقد يطلق لإرادة نسخ الكتاب، والأول هو المقصود.
وحدُّه: أنه الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتًا مع تراخيه.
وقد اشتمل هذا الحد على ألفاظ تحتاج إلى بيان.
أما قولنا «الخطاب» وإيثارنا إياه على «النص» فليكون شاملاً للفظ والفَحْوى والمفهوم وكل دليل، إذ يجوز النسخ بجميع ذلك.
(1) والذين سمعوا منه قبل احتراق كتبه هم العبادلة: عبد الله بن وهب، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله ابن يزيد المقرئ، وعبد الله بن مسلمة القضبي، فكل حديث يرويه أحد هؤلاء العبادلة عنه، فهو صحيح إذا صح باقي السند.
(2)
من أجل علوم الحديث معرفة الناسخ والمنسوخ، وقد صنف فيه غير واحد من الحفاظ، ومن أحسن المؤلفات فيه كتاب " الاعتبار " تأليف محمد بن موسى بن عثمان الحازمي أحد الأئمة الحفاظ العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله، ولد سنة 548، وتوفي سنة 584 هـ وكتابه هذا فريد في بابه، لا نعلم له نظيراً في موضوعه.
وأما تقييد الحد بالخطاب المتقدم، فلأن ابتداء إيجاب العبادات في الشرع مزيل حكم العقل من براءة الذمة، ولا يسمى نسخًا، لأنه لم يزل حكم خطاب.
وأما تقييده بارتفاع الحكم، ولم يخصص بارتفاع الأمر والنهي، فلِيَعُمَّ جميع أنواع الحكم: من الندب، والكراهية، والإباحة، فإن جميع ذلك قد ينسخ.
وأما قولنا: «لولاه لكان الحكم ثابتًا» فلأن حقيقة النسخ: الرفع، فلو لم يكن هذا ثابتًا، لم يكن هذا رافعًا، فإنه إذا ورد أمر بعبادة مؤقتة، وأمر بعبادة أخرى بعد انقضاء ذلك الوقت، لا يكون الثاني نسخًا، بل الرافع: ما لا يرتفع الحكم لولاه.
وأما قولنا: «مع تراخيه عنه» فلأنه لو اتصل به كان بيانًا لمعنى الكلام، وإنما يكون رافعًا إذا ورد بعد استقرار الحكم، بحيث إنه يدوم لولاه، هذا حده، وهو أعم حد وجدته للعلماء وأخصره.
ولم ينكر النسخ من المسلمين إلا آحاد لا اعتداد بهم، فإن الأمة مجتمعة على جوازه ووقوعه.
وأما أركانه: فأربعة: ناسخ: وهو الله تعالى، ومنسوخ: وهو الحكم المرفوع. ومنسوخ عنه: وهو المكلف، ونسخ: وهو قوله الدال على رفع الحكم الثابت.
وقد يسمى الدليل ناسخًا مجازًا، فيقال: هذه الآية ناسخة لتلك.
وقد يسمى الحكم ناسخًا، فيقال: صوم رمضان ناسخ لصوم عاشوراء،