الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعيد عن الإفهام.
[وإن اتفقا في الخط خاص باسم المتشابه]
(إن كان أحد لفظيه مركبا سمي جناس التركيب) وإن كان الآخر مفردا وإن لم يكن أحد لفظيه مركبا فلا اسم له على إطلاقه، بل المسمى بالاسم فسماه كما مر. فمثال ما يكون كلا لفظيه مركبا ما مثل به المتشابه والمفروق، ومثال ما يكون أحد لفظيه مفردا قوله:
مطا يا مطايا وجدكنّ منازل
…
منّا زلّ عنها ليس عنّي بمغلغ
فمطا فعل ماض، ويا حرف النداء، ومطايا هو المنادى، وأحد لفظي الجناس المركب من الفعل والحرف، والآخر مطايا جمع مطية والإقلاع عن الشيء الكف عنه، ومعنى البيت: أطال وجدكن وخرنكن منازل متكبرة قطعتهن متابعتي تقدير موت ظهر عليكن مخايله من شدائد الطريق، وزل عنكن راسخ في لا يمكن قلعه عني، فلا يمكن نجاتي عنه؛ لأن سببه هوى لا يزول وجوى هجر ليس معه رجاء الوصول، فقوله زل عنها ففيه التفات من الخطاب إلى الغيبة والضمير لمطايا، فقول الشارح وأيضا إن كان أحد لفظيه مركبا والآخر مفردا ليس كما ينبغي فإن ذاهبه مركبة من حرف التأنيث والاسم، وتركيب جاملنا ظاهر غاية الظهور، وبناء الأمر على أن ذاهبه في حكم الكلمة الواحدة، ولذا أجرى الإعراب على التاء، والمقصود بالتمثيل حامل، وحامل لا جام لنا وجاملنا تكلف لا يدعو إليه داع، مع أنه يخرج حينئذ من البيان التجنيس بين جام لنا وجاملنا، وكذا بناءه على ما قيل إن اسم لا وخبرها لا يعدان لفظا واحدا لا حقيقة ولا عرفا، بخلاف الفعل والمفعول مع استتار الفاعل نحو: جاملنا فإنهما يعدان في العرف لفظا واحدا تكلف مع أن شيئا منهما لا يجرى فيما مثل به للمعروف في الإيضاح من قوله:
لا تعرّضن على الرّواة قصيدة
…
ما لم تبالغ قبل في تهذيبها
فمتى عرضت الشّعر غير مهذّب
…
عدّوه منك وساوسا تهذي بها
فإن اتفقا يعني إذا عرفت جناس التركيب.
(فإن اتفقا) أي لفظا المتجانسين اللذان أحدهما مركب سواء كان الآخر مفردا كما عرفت أو مركبا كما في المثالين (في الخط) أيضا (خص باسم المتشابه)
كأنه بلغ في الكمال بحيث قام به تشابه على قياس التسمية بالمماثل (كقوله) أي أبي الفتح البستي المنسوب إلى بست بالضم بلد بسجستان: [(إذا ملك لم يك ذا هبه) أي صاحب هبة (فدعه فدولته ذاهبه)](1) الفاء الأولى جزائية والثانية سببية وذهاب الدولة كناية عن عدم بقائها (وإلا) أي وإن لم يتفق اللفظان اللذان أحدهما مركب سواء تركب اللفظ الآخر أو لا في الخط (خص باسم المفروق) لافتراق اللفظين في الخط أو لافتراق اللفظين والخطين في التشابه، (كقوله) أي أبي الفتح:
[(كلّكم قد أخذ الجام ولا جام لنا)] أي لا جام مأخوذ لنا ليلائم قد أخذ الجام وإن كان تقدير الفعل العام أشيع (ما الذي ضرّ) الاستفهام إنكاري أي لم يضره شيء (مدير الجام) من وضع الظاهر موضع المضمر وهو مقبول في الشعر بلا نكتة، ووجوب النكتة إنما هو في النثر (لو جاملنا)(2) أي أحسن عشرتنا، ومن حسن هذا الجناس أن لا جام لنا يفيد نفي المجاملة في أول السماع، وهو صحيح في هذا المقام، وإنما قلنا في أول السماع لأن اشتراط تكرار لا الداخلة على الماضي يرد كون لا جام لنا محمولا على الماضي، فإن قلت لا يصح قوله وإلا فمفروق، لأنه مفروق أو مرفو (3)؛ لأنه إن لم يتفقا في الخط فإن كان المركب مركبا من كلمتين فمفروق وإن كان مركبا من كلمة وبعض كلمة فمرفو (4) كقول الحريري:
ولا تله عن تذكار ذنبك وابكه
…
بدمع يضاهي الوبل حال مصابه
ومثل لعينيك الحمام ككتاب قضاء الموت، ووقعه الوقع بالسكون وقعة الضرب بالشيء (وردعة ملقاة ومطعم صابه) الصاب جمع صابه، وهو شجر مر، ووهم الجوهري في قوله الصاب عصارة شجر مر، صرح بهذا التقسيم المصنف في الإيضاح، فعبارة الكتاب بعيدة عن الصواب، قلت ما ذكره في الإيضاح تقسيم القوم وكأنه لم يرض به في التلخيص وأراد بكون أحد اللفظين مركبا كونه لفظا
(1) البستى: أبو الفتح علي بن محمد، وهو في الإيضاح:334.
(2)
البيتان لأبي الفتح البتسى، أوردهما محمد بن علي الجرجاني في الإشارات: 291، والقزويني في الإيضاح:
334، والجام: الكأس. ومدير الجام: الساقي.
(3)
كذا بالأصل.
(4)
كذا بالأصل.