الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من هذه الجهة التي هي الأقوى من الجهة الأخرى التي بها أخرت الكناية عن المجاز المرسل، فتأمل.
وفيه بحث: أما أولا: فلأن عدم إرادة المفهوم الوضعي من قولنا: وجهه كالبدر، ليس بظاهر؛ لأن المراد وجهه كالبدر في جميع جهات الحسن، وهو لا يقصر في المدح عن قولنا: هو في غاية الحسن، ونهاية اللطافة.
وأما ثانيا: فلأن
التشبيه
إذا أريد به المبالغة في كمال الشيء أو أريد به أنه ممكن أو أنه على هذا المقدار من الوصف فإن لم يمنع مانع من إرادة المعنى الحقيقي، فهو داخل في الكناية، وإلا ففي المجاز المرسل، فبهذا الاعتبار لا يكون مقصدا رابعا.
(التشبيه)
أي: هذا باب يسمى بالتشبيه؛ فلذا قال: ثانيا (التشبيه) ولم يأت بالضمير لئلا يحوج إلى تكلف في المرجع، وقال الشارح: يريد بالتشبيه الأول التشبيه الاصطلاحي الذي يبتني عليه الاستعارة، وبالثاني ما هو أعم، أعني:
التشبيه اللغوي؛ فلذا لم يأت بالضمير لئلا يعود بظاهره إلى المذكور، وفيه أن الأول أعم من المبتنى عليه الاستعارة؛ لأن المبتنى عليه ما يكون وجه الشبه فيه أقوى، والمذكور في هذا البحث لا يقتصر عليه إلا أن يقال: المقصود بالبحث ما يبتنى عليه الاستعارة، وذكر الباقي متطفل.
وقال اللام في التشبيه الأول للعهد، وفي الثاني للجنس، وفيه أنه إذا أريد بالأول التشبيه الاصطلاحي أيضا فاللام فيه أيضا للجنس؛ لأن لام العهد إشارة إلى قسم من مفهوم اللفظ، ولم يرد هنا قسم منه، وجعل التشبيه بالمعنى اللغوي وصرفه إلى الاصطلاحي بلام العهد بعيد.
ويمكن أن يقال المراد التشبيه الاصطلاحي والتعريف إشارة إلى قسم منه، وهو ما يبتني عليه الاستعارة، وهو التشبيه الاصطلاحي الذي يكون المشبه به أقوى في وجه الشبه، لكن الظاهر من سوق الكلام أن المراد به ما قصد تعريفه
بقوله: والمراد هاهنا ما لم يكن
…
إلخ؛ فتأمل.
وإنما عرف مطلق التشبيه؛ لأنه جنس التشبيه الاصطلاحي؛ لأن كلمة ما في تعريف التشبيه الاصطلاحي عبارة عن التشبيه، وتضمن ظهور وجه المناسبة بين المعنى الاصطلاحي واللغوي، وتنبه على أن تعريف التشبيه الاصطلاحي بتشبيه لم يكن على وجه الاستعارة
…
إلخ ليس تعريفا للشيء بنفسه، بل تعريفا للتشبيه الاصطلاحي بالتشبيه اللغوي.
(الدلالة) مصدر قولهم: دللت فلانا على كذا إذا هديته له، لا يقال تعريف الدلالة بالهداية تعريف المعرف؛ لأنهم عرفوا الهداية بالدلالة على ما يوصّل إلى المطلوب؛ لأنا نقول: ليس المقصود تعريف الدلالة، بل التنبيه على أن المراد به ليس الدلالة التي هي صفة اللفظ كما يتبادر في هذا المقام. فإن قلت: لم لم يحمل الدلالة على ما هو صفة اللفظ واللفظ أيضا يدل على مشاركة أمر لأمر كالمتكلم؟
قلت: في عرف القوم واللغة لا يسمى اللفظ بالمشبه على صيغة اسم الفاعل، وإنما يسمى به المتكلم (على مشاركة أمر لأمر آخر في معنى)(1) فالأمر الأول هو المشبه، والثاني هو المشبه به، والمعنى هو وجه التشبيه والدال والمشبه هو المتكلم في الشرح أن ظاهر هذا التفسير شامل نحو قاتل زيد عمرو أو جاءني زيد وعمرو، وما أشبه ذلك.
وقال السيد السند: إن المدلول المطابقي في هذه الأمثلة ثبوت المسند لكل من الأمرين، ويلزمه مشاركتهما في المسند، فالمتكلم إن قصد المعنى المطابقي فلم يدل على المشاركة؛ إذ المتبادر من إسناد الأفعال إلى ذوي الاختيار ما صدر بالقصد، وإن قصد المعنى الالتزامي فقد دلّ على المشاركة، فهو داخل في التشبيه، وما وقع في عبارة أئمة التصريف أن باب فاعل وتفاعل للمشاركة والتشارك فمسامحة، والمراد أنه يلزمهما ذلك فمنشأ الاعتراض إما ظاهر عبارة أئمة
(1) يرد على هذا أنه يشمل نحو: قاتل زيد عمرا، وجاءني زيد وعمرو، فالأحسن أن يقال في معناه لغة: إنه مصدر- شبهته بكذا- إذا جمعت بينهما بوصف جامع، وهذا لا يرد عليه ذلك؛ لأن الجمع فيه بصيغة المشاركة وواو العطف لا بذلك الوصف الجامع.
التصريف أو عدم الفرق بين ما ثبوت حكم لشيئين، وبين مشاركة أحدهما للآخر أو الغفلة عن اعتبار القصد فيما يسند إلى ذوي الاختيار لما ذكرناه اندفع ما يقال:
إنه لو اعتبر القصد في الدلالة لم يكن للفظ دلالة على المدلولات التضمنية والالتزامية؛ لأنه فرق بين دلالة المتكلم ودلالة اللفظ.
نعم يتجه عليه أن هذه الأمثلة على تقدير قصد المشاركة فيها يدل على التشابه، وفرق بين التشابه والتشبيه يدل عليه ما سيذكره المصنف فيما بعد، فإن أريد الجمع بين أمرين في شيء فالأحسن ترك التشبيه إلى الحكم بالتشابه.
(والمراد هاهنا) الأولى: وهو هاهنا أي: التشبيه في الاصطلاح ليعلم أن هذا بيان معنى آخر للتشبيه، وأما عبارته فتوهم أن معنى التشبيه هو ما سبق، والمراد منه هاهنا قسم منه بطريق ذكر العام وإرادة الخاص (ما لم يكن) أي:
تشبيه لم يكن (على وجه الاستعارة التحقيقية) نحو: رأيت أسدا في الحمام، ولا على وجه (والاستعارة بالكناية) نحو: أنشبت المنية أظفارها، ولا إهمال في التعريف بترك التقييد بأن لا يكون على وجه التمثيل؛ لأن الاستعارة التمثيلية داخلة في التحقيقية وأن يوهم عبارة المصنف فيما بعد.
وحسن كل من الاستعارة التحقيقية، والتمثيل برعاية جهات حسن التشبيه أن التمثيل تقابل التحقيقية (و) لا على وجه (التجريد) قيد به ليخرج تشبيه لتضمنه التجريد، فيما إذا لم يكن تجريد الشيء عن نفسه؛ لأنه حينئذ لا تشبيه نحو: لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ (1) فإنه لانتزاع دار الخلد من جهنم، وهي عين دار الخلد لا تشبيه به، بخلاف نحو: لقيت بزيد أسدا، فإنه لتجريد أسد من زيد، وأسد مشبه به لزيد، لا عينه، ففيه تشبيه مضمر في النفس فمن احترز به عن نحو: لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ فلم تجرد عقله عن غواشي الوهم، وكأنّ حبالة الوهم فيه تعريف التجريد بالانتزاع عن أمر ذي صفة آخر مثله فيها، فيوهم أن في كل تجريد تشبيه فأمعن النظر، واستيقن مظان الخطر؛ لئلا يفتضح من سوء الأثر.
وزعموا أن إخراج التجريد من التشبيه مخالفة من المصنف مع المفتاح؛ حيث صرح بجعل التجريد من التشبيه، وسنذكر لك في الخاتمة تحقيقا يظهر منه أن لا
(1) فصلت: 28.
خلاف بينهما، والمفتاح أيضا معه في هذا التقييد، وإنما لم يكتف بقوله: لا على وجه الاستعارة؛ لأن وجه الاستعارة لفظ مشترك بين الاستعارة التحقيقية والاستعارة بالكناية عنده، فلا تصح إرادة معنييها في إطلاق واحد، ولم يذكر الاستعارة التخييلية؛ لأنه عنده إثبات لوازم المشبه به للمشبه بطريق المجاز العقلي، وليس فيه دلالة على مشاركة أمر لأمر، فهو لم يدخل في المراد بكلمة ما من التشبيه اللغوي، حتى يحتاج إلى مخرج. وإما على مذهب السكاكي وهو أن الاستعارة مشترك معنوي بين الكلي والتخييلية، استعارة اللفظ لموهوم شبه بالمحقق فيجب الاكتفاء بقوله ما لم يكن على وجه الاستعارة؛ لأن في التقييد تطويلا، بل إفسادا.
قال الشارح: وينبغي أن يزاد فيه قولنا: بالكاف ونحوه لفظا أو تقديرا ليخرج عنه نحو: قاتل زيد عمرا، وجاء زيد وعمرو، وفيه أنه خرج من تفسير كلمة ما بالتشبيه؛ لأنه ليس تشبيها، وإنما يجب بقيد تعريف التشبيه اللغوي، ولما كان دخول نحو قولنا: زيد أسد. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ (1) في التفسير المذكور للشبيه مشكوكا للاختلاف في أن أمثالهما استعارة أو تشبيه بليغ صرح بما هو مراده أو مذهبه فقال (فدخل فيه نحو قولنا: زيد أسد) مما حذف فيه أداة التشبيه، وجعل المشبه به خبرا أو ما في حكمه لمشبه مذكور (ونحو قوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) مما جعل المشبه به خبرا، وإنما جعل مع حذف الأداة خبر المشبه محذوف، أو جاريا مجرى الخبر من الحال، والمفعول الثاني من باب علمت، والصفة والمضاف إليه نحو: ماء اللجين، أي: ماء هو اللجين، ولا يذهب عليك أنه يجوز أن يجعل المشبه به مبتدأ نحو: الأسد زيد؛ لأن المبالغة في التشبيه تدور على دعوى الاتحاد، وجعل المشبه به مبتدأ وجعله خبرا سيان في ذلك، وتقرب منه لجين الماء فإنه في معنى لجين هو الماء، فخذه ولا تعرض عن الحق وإن غفل عنه كثيرون.
وفي إيراد: زيد أسد، وصم بكم عمي، زيادة مبالغة في كون التشبيه البليغ تشبيها لا استعارة لماء أن زيد أسد أقرب إلى الاستعارة من زيد الأسد، كما
(1) البقرة: 18.