المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(وهي ضربان) أي الوجوه المحسنة نوعان: - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ٢

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌(الفصل و‌‌الوصل)

- ‌الوصل)

- ‌[والفصل]

- ‌[فشرط كونه مقبولا بالواو]

- ‌[فى بيان «كمال الانقطاع»]

- ‌[وأما كمال الاتصال]

- ‌[وأما كونها كالمنقطعة عنها]

- ‌[وأما كونها كالمتصلة بها]

- ‌ الجامع بين الشيئين)

- ‌[محسنات الوصل]

- ‌[والإيجاز ضربان]

- ‌[إيجاز القصر]

- ‌[وإيجاز حذف]

- ‌[وأدلة الحذف]

- ‌[الإطناب]

- ‌[ومنه باب نعم]

- ‌[ومنه التوشيع]

- ‌[وإما بذكر الخاص بعد العام]

- ‌[وإما بالتكرير]

- ‌[وإما بالإيغال]

- ‌[وإما بالتذييل]

- ‌[وإما لتأكيد مفهوم]

- ‌[أو بالتكميل]

- ‌[أو بالتتميم]

- ‌[أو بالاعتراض]

- ‌[وإما بغير ذلك]

- ‌[الفن الثاني علم البيان]

- ‌[انحصار علم البيان فى الثلاثة: التشبيه والمجاز والكناية]

- ‌ التشبيه

- ‌[أركانه]

- ‌ وأقسامه

- ‌[إما حسيان أو عقليان إو مختلفان]

- ‌[والمراد بالحسي]

- ‌[والعقلي]

- ‌[وما يدرك بالوجدان]

- ‌[وجه التشبيه]

- ‌[إما حسية كالكيفيات الجسمانية]

- ‌[أو عقلية كالنفسية]

- ‌[وإما إضافية]

- ‌[وأيضا إما واحد]

- ‌[أو متعدد]

- ‌[والعقلي أعم]

- ‌[والمركب الحسي فيما طرفاه مفردان]

- ‌[أو مركبان]

- ‌[أو مختلفان]

- ‌[ويجوز التشبيه أيضا]

- ‌[إما تشبيه مفرد بمفرد]

- ‌[وإما تشبيه مركب بمركب]

- ‌[وإما تشبيه مركب بمفرد]

- ‌(وباعتبار وجهه)

- ‌(إما تمثيل أو غير تمثيل)

- ‌[إما مجمل او مفصل]

- ‌[إما قريب مبتذل أو بعيد غريب]

- ‌[وإما لكثرة التفصيل أو لقلة تكريره]

- ‌[وباعتبار أداته]

- ‌[وباعتبار الغرض]

- ‌(خاتمة)

- ‌[وأعلى مراتب التشبيه]

- ‌(الحقيقة والمجاز)

- ‌[والوضع تعيين اللفظ]

- ‌[والمجاز مفرد ومركب]

- ‌[والمجاز المرسل]

- ‌[الاستعارة واقسامها]

- ‌ وقرينتها

- ‌[وهي باعتبار الطرفين قسمان]

- ‌[وباعتبار الجامع قسمان]

- ‌[فالجامع إما حسي وإما عقلي واما مختلف]

- ‌[وباعتبار اللفظ قسمان]

- ‌[وباعتبار آخر ثلاثة أقسام]

- ‌(فصل) الأقوال في الاستعارة بالكناية ثلاثة:

- ‌[فصل قد يضمر التشبيه في النفس]

- ‌[فصل: عرف السكاكي الحقيقة]

- ‌[وعرف المجاز اللغوي]

- ‌[وقسم المجاز الى الاستعارة وغيرها]

- ‌(وفسر التحقيقية

- ‌[وفسر التخيلية]

- ‌[فصل: حسن كل من التحقيقية والتمثيل]

- ‌[فصل: قد يطلق المجاز على كلمة تغير حكم إعرابها]

- ‌وذكر الشارح المحقق له وجهين:

- ‌(الكناية)

- ‌[وهي ثلاثة أقسام]

- ‌[فصل: أطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة]

- ‌([الفن الثالث] علم البديع)

- ‌(وهي ضربان) أي الوجوه المحسنة نوعان:

- ‌[من المحسنات المعنوية]

- ‌[ومنه مراعاة النظير]

- ‌[ومنه الإرصاد]

- ‌[المشاكلة]

- ‌[(ومنه: المزاوجة)]

- ‌[التورية]

- ‌[الاستخدام]

- ‌[اللف والنشر]

- ‌[ومنه التجريد]

- ‌[ومنه المبالغة المقبولة]

- ‌[ومنه المذهب الكلامي]

- ‌[ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم]

- ‌[ومنه تأكيد الذم بما يشبه المدح]

- ‌[ومنه الاستتباع]

- ‌[ومنه الإدماج]

- ‌[ومنه التوجيه]

- ‌[ومنه متشابهات القرآن]

- ‌[ومنه الهزل وتجاهل العارف]

- ‌[ومنه القول بالموجب]

- ‌[وأما اللفظي فمنه الجناس بين اللفظين]

- ‌[فإن كانا من نوع واحد كاسمين سمي تماثلا]

- ‌[وإن كانا من نوعين سمي مستوفي]

- ‌[وإن اتفقا في الخط خاص باسم المتشابه]

- ‌[وإن اختلفا في هيئات الحروف فقط سمي محرزا]

- ‌[وإن اختلفا في أعدادها يسمى ناقصا]

- ‌[وإن اختلفا في أنواعها فيشترط ألا يقع]

- ‌[وإن اختلفا في ترتيبها يسمى تجنيس القلب]

- ‌[ومنه السجع]

- ‌[ومن السجع ما يسمى التشطير]

- ‌[ومنه الموازنة]

- ‌[ومنه القلب]

- ‌[والتشريع]

- ‌[ومنه لزوم ما لا يلزم]

- ‌(خاتمة)

- ‌(في السرقات)

- ‌ الظاهر

- ‌[السرقة والأخذ نوعان]

- ‌[وأما غير الظاهر]

- ‌[أما الاقتباس فهو أن يضمن الكلام]

- ‌[فصل ينبغي للمتكلم أن يتأنق في ثلاثة مواضع]

- ‌[أحدها: الابتداء]

- ‌[ثانيها: التخلص]

- ‌[ثالثها: الانتهاء]

الفصل: ‌(وهي ضربان) أي الوجوه المحسنة نوعان:

يدخل في علم البديع حينئذ الوجوه المحسنة للكلام البليغ، مما يبحث عنه في علم العروض والقوافي، وغير ذلك من العلوم الأدبية؛ إذ بها يكتسب الكلام البليغ حسنا لا مرية فيه.

(وهي ضربان) أي الوجوه المحسنة نوعان:

(معنوي)(1) يفيد حسن المعنى، ويكون له مزيد تعلق بحسن المعنى، وإن كان لا يخلو عن تحسين اللفظ، كما يظهر لك في بعضها.

(ولفظي)(2) له مزيد تعلق بتحسين اللفظ كذلك، وأما الضرب المتعلق بكليهما بأن لا يكون له مزيد اختصاص بأحدهما فمما لم يوجد.

(أما المعنوي) بدأ بالمعنوي؛ لأن الاعتداد باللفظ إنما هو لكونه وسيلة المعنى، ولهذا ستسمع أن أصل الحسن في المحسنات اللفظية أن تكون الألفاظ تابعة للمعاني دون العكس.

(فمنه المطابقة)(3) وما يلتحق بها إما بمعنى الموافقة أو المساواة ويؤيد الثاني تسميته بالتكافؤ فإنه بمعنى الاستواء.

(ويسمى الطباق) وهو مصدر مثل المطابقة كالقتال والمقاتلة، سمي بها لموافقة الضدين في الوقوع في جملة واحدة واستوائهما في ذلك، مع بعد الموافقة بينهما.

(والتضاد) ووجهه ظاهر، والتطبيق (أيضا) يقال: طبق الشيء الشيء إذا عمه، فالجملة عمت الضدين وشملتهما، والبديع أيضا وجهه ظاهر، وقيل:

المطابقة مصدر طابقت بين الشيئين إذا جعلت أحدهما على حذو الآخر. وما ذكرنا أقرب، فتأمل، ولا تبعد.

(وهي الجمع بين متضادين) هذه عبارة المفتاح، ولما كان مراده هنا

(1) أي أولا وبالذات وإذا كان بعض أنواعه قد يفيد تحسين اللفظ أيضا، كما في المشاكلة لما فيها من إيهام المجانسة اللفظية.

(2)

أي أولا، وبالذات وإن كان بعض أنواعه قد يفيد تحسين المعنى أيضا.

(3)

المطابقة في اللغة: الموافقة، ووجه المناسبة بينه وبين المعنى الاصطلاحي أن المتكلم فيه يوافق بين المعنيين المتقابليين.

ص: 368

بالمتضادين المعنى اللغوي دون الاصطلاحي الكلامي على خلاف دأبه؛ لأنه يذكر الاصطلاحات الكلامية، ويريد معانيها الاصطلاحية تبججا منه لجمع المنقول والمعقول، فسره المصنف بقوله:

(أي: معنيين متقابلين في الجملة)(1) سواء كان تقابل الضدين أي:

المعنيين الموجودين المتواردين على محل واحد بينهما الخلاف أو غايته أو تقابل الإيجاب والسلب، أو تقابل العدم والملكة أو تقابل التضايف، وسواء كان التقابل حقيقيا أو اعتباريا.

وقيل: لا يجعل التضايف تقابلا فلا يسمى الجمع بين الأب والابن طباقا على ما هو الظاهر، بل هو بمراعاة النظير أقرب.

ولك أن تجعل التفسير مجرد قوله معنيين متقابلين، وتكتفي في تعميمه بعدم تقييده، ويجعل قوله في الجملة متعلقا بالجمع أي: الجمع مطلقا، سواء كان في جملة واحدة أو في جملتين إحداهما جزء من الأخرى أولا، والأظهر أن يقول:

بين متضادين فصاعدا.

(ويكون) على طبق وهي أو الجمع، وقوله: ومن الطباق فتفطن فإنك من المخبرين.

(بلفظين) أي: بسبب لفظين (من نوع) قدمه؛ لأن لطف التضاد فيه أتم، كيف والمتكلم كما جمع بين الضدين في تركيب جمعهما في نوع واحد من الكلمة، وهذا أغرب من القسم الثاني، ولأنه أكثر دورانا على ألسنتهم، يشهد بذلك: أنه لم يهمل شيئا من أمثلة أقسامه بخلاف أقسام ما يقابله، فإنه لم يمثل إلا لقسم واحد من أقسامه.

وقد حكم الشارح بأنه لا يوجب جدالا هو ومن لا يتفطن، لما ألقيناه لك ربما لفيناه يقول: هذا التقسيم تطويل لا طائل تحته.

(اسمين نحو) قوله تعالى: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً (2) جمع يقظ، على وزن عضد أو كتف بمعنى يقظان وَهُمْ رُقُودٌ أي: نيام (أو فعلين نحو) قوله تعالى

(1) أي سواء أكان التقابل حقيقيا أم اعتباريا. [بغية الإيضاح 4/ 4].

(2)

الكهف: 18.

ص: 369

(يُحْيِي وَيُمِيتُ* أو حرفين نحو) قوله تعالى: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ (1) لا يخفى على البالغ مرتبة رجال البلاغة حسن ما في هذه الأمثلة من الطباق كيف، وقد أوقع المتكلم بين الضدين فيها الاتفاق، كما أوقع الموصوف والمحكي عنه بينهم الوفاق، فيشاهد التطبيق فيها من وجهين.

قال القاضي: أي لها ما كسبت من خير، وعليها ما اكتسبت من شر لا ينتفع بطاعتها، ولا يتضرر بمعصيتها غيرها، وتخصيص الخير بالكسب والشر، بالاكتساب؛ لأن الاكتساب فيه اعتمال والشر تشتهيه النفس وتنجذب إليه، فكأنه أجد في تحصيله وأعمل هذه عبارته، والاعتمال هو الاضطراب في العمل.

(أو من نوعين) عطف على قوله: من نوع والقسمة تقتضي أن تكون ستة أقسام اسم وفعل أو حرف وفعل أو اسم وحرف، فهذه أقسام ثلاثة تتضاعف باعتبار التقدم والتأخر، ولم يمثل المصنف إلا للقسم الأول، وأما تمثيله للاسم المتقدم فبقوله:(نحو) قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ (2).

قال الشارح: فإن الموت والإحياء مما يتقابلان في الجملة، وقد ذكر الأول بالاسم والثاني بالفعل، وهذا إنما يستقيم لو كان الموت والإحياء بمعناهما، لكن قال المصنف: أي ضالا فهديناه.

هذا، ويشهد له ما بعده من قوله تعالى: وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ (3) قال القاضي: مثل به من هداه الله، وأنقذه من الضلال، وجعل له نورا.

ويمكن تصحيح التمثيل على طبق ما ذكره الشارح الجليل بأن المراد التمثيل إن كنت فطنا، فعلى فهمك التعويل، وبالجملة فالظاهر أن الإحياء مما يتعلق بما يقابل الموت، فالمثال من قبيل أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (4) وما تمثيله للفعل المتقدم، فيقوله في الإيضاح: يصان وهو ليوم الروع مبذول، فقد ذكر

(1) البقرة: 286.

(2)

الأنعام: 122.

(3)

الأنعام: 122.

(4)

الفتح: 29.

ص: 370

الصون بلفظ الفعل أولا، والبذل المقابل له بلفظ الاسم ثانيا.

قال الشارح: الموجود من الأقسام الثلاثة هو الأول فقط.

ونحن نقول: لا نقتصر في أمثال هذه المقامات بما وقع، بل زد على ما وقع يكن لك نافلة فمثال الحرف والاسم للصحيح كل مضر، وعلى السقيم كل نافع، ومثال الحرف والفعل للصحيح ما يضر، وعلى السقيم ما ينفع، هذا وما ذكر من التفصيل لا يفي إلا بالطباق بين لفظين.

وأما الطباق بين أكثر فتزيد أقسامه باعتبار اجتماع الأنواع الثلاثة، والتقدم والتأخر إلى غير ذلك، وضبط أقسامها مفوض إلى فطانتك.

(وهو ضربان) أي: المطابقة على طبق وهي الجمع، وهو عند الشارح للطباق فكأنه دعاه إليه تذكير الضمير أو عبارة الإيضاح والطباق ينقسم إلى طباق الإيجاب، وهو للتلخيص كالتفسير، وهو ليس بمذكر مؤثر؛ لأن التذكر باعتبار الخبر هو الأكثر من الأكثر، وظهور ما مر من الداعي مغن في الإيضاح.

(طباق الإيجاب، كما مر) أي: كأمثلة مرت بحذافيرها.

(وطباق السلب) قال المصنف وتبعه الشارح: وهي أن يجمع بين فعلي مصدر واحد أحدهما مثبت والآخر منفي أو أحدهما أمر والآخر نهي، والمثال الأول للأول، والثاني للثاني.

قلت: يخرج عن بيانه نحو: لست بعالم، وأنا أعلم، أو أنا عالم، ونحو:

أحسبك إنسانا، ولست بإنسان، ونحو: أضرب زيدا وما ضربت عمرا، ولا تضرب زيدا وقد ضربت بكرا، والأولى هو أن يجمع بين الثبوت والانتفاء.

(نحو: ) قوله تعالى: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (1) أي: وعد الله، وصدق وعده، بجهلهم وعدم تفكرهم يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا (2) أي: ظاهرا هي الحياة الدنيا، ويغفلون عن الباطن الذي هو الحياة الآخرة، أو يعلمون ظاهر الحياة الدنيا، التي هي وسيلة الشهوات، ولا يعلمون باطنها، الذي هو وسيلة الحياة الأبدية، كما قال: وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ

(1) الروم: 6.

(2)

الروم: 7.

ص: 371

غافِلُونَ (1)(ونحو) قوله تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (2) نهي للحكام أن يخشوا غير الله في حكوماتهم، ويداهنوا فيها خشية ظالم أو كبير.

قال المصنف: قيل: ومنه قوله تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (3) أي: لا يعصون الله في الحال، ويفعلون ما يؤمرون في المستقبل، وفيه نظر؛ لأن العصيان يضاد فعل المأمور به، فكيف يكون الجمع بين نفيه وفعل المأمور به تضاد؟ !

هذا، وفيه نظر من وجه آخر أيضا؛ لأن ما أمرهم يأتي أن يجعل لا يَعْصُونَ اللَّهَ حالا، ويقتضي أن يقال: لم يعصوا ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، فقوله: لا يَعْصُونَ اللَّهَ بمعنى لم يعصوا عبر عن الماضي بالمستقبل، قصدا إلى استمرار عدم العصيان فيما مضى وقتا فوقتا، كما في قوله تعالى: لَوْ يُطِيعُكُمْ (4) وقد سبق.

وقال: الطباق قد يكون ظاهرا كما ذكرنا، وقد يكون خفيا نوع خفاء كقوله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً (5) طابق بين أغرقوا، وأدخلوا نارا، ومثله في الاسمين بالجمع بين هاتا وتلك، والشارح لم يلتفت إلى تقسيمه هذا، بل ذكر ما يشعر بأنه لا يقول بهذا التقسيم، وأن ما هو غير الظاهر داخل في الملحق بالطباق؛ حيث قال:

ومن الملحق بالطباق قوله تعالى: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً لأن إدخال النار يستلزم الإحراق المضاد للإغراق.

ونحن نقول: ما هو غير الظاهر ما لم يكن بين الفعلين والاسمين تضاد، بل حصل التضاد بتصرف في أحدهما أو فيهما في الاستعمال، فإن أغرقوا وأدخلوا فعلان لا تضاد بينهما، وإنما حصل التضاد بجعل مفعوله نارا، وكذلك هاتا وتلك ليستا إلا اسم إشارة، فليس هناك متضادان، إنما صارا متضادين لتصرف فيهما بما

(1) الروم: 7.

(2)

المائدة: 44.

(3)

التحريم: 6.

(4)

الحجرات: جزء من الآية: 7.

(5)

نوح: 25.

ص: 372

جعل المشار إليه بها تارة بعيدا بعدا تاما، وتارة بعيدا في الجملة لا بعدا تاما، إلا أنه أورد في مقام التمثيل للطباق ما هو ملحق به، تنظيرا لما هو بصدده، وتنبيها على جريان هذه القسمة في الملحق بالطباق أيضا، فتوهم أنه وقع في هذا التقسيم لاشتباه الملحق بالطباق الغير الظاهر، ويجعل غرض الشارح غير هذا مساغ يتفطن له من يفهمه إلى التوجه بدقائق القصد، فراع، فكن ذلك الرجل تجده.

(ومن الطباق) لم يقل: ومنه؛ لئلا يتبادر الوهم إلى أنه من متعلقات تقسيم الطباق إلى طباق الإيجاب وطباق السلب في جعل ضمير منه إلى طباق الإيجاب.

(نحو قوله) أي: قول أبي تمام في مرثية أبي نهشل محمد بن حميد حين استشهد، وأراد «بنحو قوله» ما ضبطه ما سماه بعضهم تدبيجا بالدال المهملة والباء التحتانية الموحدة والجيم، ومن صححه بالحاء المهملة لم يزد ألا تسقيما يرده الرواية والدراية؛ إذ ليس من معاني التدبيج ما يناسبه المعنى الاصطلاحي، بخلاف التدبيج، فإنه التزيين بالديباج، على ما في القاموس. والتزيين على ما في الدستور.

قال الشارح: دبيج الأرض المطر زينها، ويناسب المعنى الاصطلاحي الذي نقل المصنف تفسيره بأن يذكر في معنى المدح أو غيره ألوانا لقصد الكناية، أو التورية، وينبغي أن يقصد بالألوان معان متضادة؛ إذ لو لم تتضاد لكانت من القسم الثاني من الملحق بالطباق، فالتدبيج بمقتضى ظاهر هذا التفسير أعم من الطباق، والملحق به، ففي جعله من الطباق نظر، ولا يظهر وجه لتخصيص التدبيج بما قصد بالألوان الكناية أو التورية من دون أن يشمل المجاز، وإنما قال:

ومن الطباق دفعا لتوهم أنه قسم له، كما توهم تخصيصه باسم أو دفعا لتوهم أنه من القسم الثاني من الملحق به.

والتضاد باعتبار المعنى الحقيقي:

(تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى

بها اللّيل إلّا وهي من سندس خضر) (1)

وفي هذا المثال تنبيه على أن المراد بالألوان في تعريف التدبيج ما فوق

(1) البيت لأبي تمام في رثاء محمد بن حميد الطوسي، انظر البيت في: الإيضاح: (303).

ص: 373

الواحد، وفي الحواشي المنقولة عنه: خضر مرفوع في البيت خبر بعد خبر؛ لأن قوافي القصيدة على حركة الضم؛ إذ من جملة أبياتها قوله:

وقد كانت البيض القواضب في الوغى

بواتر فهي الآن من بعده بتر (1)

على ما سيجيء في رد العجز على الصدر هذا، ولا يخفى أن هذا لا يلائم قوله في شرح البيت: ولم يدخل في الليل إلا وقد صارت الثياب من سندس خضر من ثياب الجنة، فإنه واضح في جعل الخضر صفة للسندس، وهو الموافق للعرف؛ لأنه إذا ذكر أصل الثوب يجعل اللون صفة الأصل، لا الثوب.

فالوجه أن تجعل خضر مرفوعا خبر مبتدأ محذوف، أي هو خضر، ويجعل الجملة صفة سندس قال الشارح: أي ارتدي الثياب الملطخة بالدم.

هذا، فالمراد بثياب الموت ثياب مات فيها، والإضافة لأدنى ملابسة، ويصح أن يراد بثياب الموت دماء تلطخ بها بدنه، وصارت كثياب لبسها، والإضافة إلى الموت؛ لأنه ألبسها له الموت حين لبسها بمجيئه إليه، وفي جمع الثوب إشارة إلى تعدد جراحاته حتى ألبسته كل جراحة ثوبا، فالمعنى: ارتدي الدماء فما آتى لتلك الدماء الليل، ولم ينقض يومه إلا وهي من سندس خضر، والسندس: رقيق الديباج، معرب بلا خلاف، والقصد من الثياب الخمر: القتل، أو نصب السيف، ومن الثاني الحياة الأبدية أو لذات الجنة، واللذة والنصب، والقتل والحياة متضادان، فالبيت من قبيل الكناية.

وقال الشارح: لا ينفي الكناية فيه إلا من لا يعرف معنى الكناية.

أقول: الوقوع في نفي الكناية لا يتصور إلا بأن اللون ليس كناية، بل ارتداء الثياب الحمر والسندس الخضر.

والجواب: أن المراد أن للألوان دخلا في قصد الكناية، لا أن أنفسها كنايات، ومثل المصنف لتدبيج التورية بقول الحريري [فمنذ برّ العيش الأخضر، وازورّ المحبوب الأصفر، اسودّ يومي الأبيض، وابيضّ فودي الأسود، حتى رثى لي العدوّ الأزرق، فيا حبذّا الموت الأحمر].

(1) البيت لأبي تمام من قصيدة في رثاء محمد بن حميد الطوسي.

ص: 374

قال الشارح: فالمعنى القريب للمحبوب الأصفر، هو الإنسان الذي له صفرة، والبعيد هو الذهب، وهو المراد هاهنا فيكون تورية، كما توهمه البعض.

أقول: المتبادر من ذكر الألوان لقصد الكناية أو التورية أن لا يخرج الألوان منهما، ولا منع من الاجتماع، فالأولى أن يقال: قول الحريري مما اجتمع فيه كلاهما، فما سوى الأصفر كناية فاغبرار العش الأخضر، كناية أن تكدر العيش الناعم، واسوداد اليوم الأبيض، كناية عن سوء الحال الحسن، وابيضاض الفودين جانبا الرأس، كناية عن وهن البنية، كما أن اسوداده كناية عن قوتها.

ثم نقول: يحتمل أن يراد بالمحبوب الأصفر المحبوب الجميل لما أن بنات الأصفر كناية عن نساء الروم المشتهرة بالحسن فيما بينهم، قال عليه السلام لأصحابه في الترغيب إلى غزوة تبوك:«هل لكم في بنات الأصفر» (1) كازورار المحبوب الأصفر أي: عدوله عنه كناية من الفقر والعجز التام، فالمثال للكناية، وكأنه لم يجد المصنف لصرف التورية مثالا، وهذا المثال أيضا غير متيقن، فكأنه لهذا لم يذكر للتورية مثالا هاهنا.

(ويلحق به) أي: بالطباق شيئان:

أحدهما (2): الجمع بين معنيين، يتعلق أحدهما بما يقابل الآخر نوع تعلق، مثل السببية واللزوم (نحو: ) قوله تعالى: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (3) فإن الرحمة وإن لم تكن مقابلة للشدة، لكنها مسببة عن اللين) الذي يقابلها أو الشدة سبب العنف الذي يقابل الرحمة، ولا يخفى أن سبب المقابل للشيء مقابل له غير مجامع معه، كما أن مسبب المقابل للشيء مقابل له فيدخل في تعريف الطباق على المقابل لذات الشيء، وحينئذ يتجه أنه ينبغي أن يقدم قوله: ودخل فيه ما يختص باسم المقابلة على قوله: ويلحق به، ويمكن دفعه بأن المراد بقوله: ودخل فيه: أنه دخل في الطباق، والملحق به بقرينة أن

(1) ذكره ابن إسحاق في السيرة بنحوه عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن قتادة وغيرهم مرسلا.

(2)

هو أن يجمع بين معنيين لا يتنافيان في ذاتهما، ولكن يتعلق أحدهما بما يقابل الآخر بسببه أو لزومه أو نحوهما.

(3)

الفتح: 29.

ص: 375

بعض الأمثلة المذكورة للمقابلة مما ذكر فيه الملحق بالطباق، ومنهم من تكلف، وقال: هذان الشيئان داخلان في الطباق إلا أن غيره من الطباق أغرق في التقابل، فنبه على التفاوت بذكر لفظ الإلحاق، وبهذا التكلف يندفع الأمان.

قال المصنف: وعليه قوله تعالى: جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ (1) فإن ابتغاء الفضل يستلزم الحركة المضادة للسكون، والعدول عن لفظ الحركة إلى لفظ ابتغاء الفضل يستلزم؛ لأن الحركة ضربان حركة لمصلحة وحركة لمفسدة، والمراد الأولى لا الثانية.

هذا وفيه أن السكون أيضا ضربان، فينبغي أن يعدل عنه، ويمكن دفعه بأن العدول عن الحركة إلى إيتاء الفضل يعين السكون للمصلحة، ويمكن أن يجعل نكتة العدول ما في ابتغاء الفضل من التنبيه على أن كل ما ينتفع به من فضل الله لا مدخل لسعي العبد حقيقة.

قال الشارح: ومنه قوله تعالى: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً (2) لأن إدخال النار يستلزم الإحراق المتضاد للإغراق، وقد مر ما يتعلق به، فتذكر.

(و) ثانيهما: الجمع بين معنيين غير متقابلين، غير أنهما بلفظين يتقابل معناهما الحقيقيان، كذا ذكره الشارح، وينبغي أن لا يخص إيهام التضاد بجمع ما يتضاد معنياهما الحقيقيان، بل بجعله منه ما يتضاد معنياهما المجازيان المشهوران، وإذا عبر عن المعنيين بهذين اللفظين أبرز المعنيان في صورة المتضادين، فالحسن راجع إلى المعنى بهذا الاعتبار، فلا يتوهم أن هذا جمع لفظين معنياهما متضادان، فالحسن عائد إلى اللفظ لا إلى المعنى، فلا يصح جعله من المحسنات المعنوية.

(نحو قوله) أي: دعبل كزبرج شاعر خزاعي رافضي [(لا تعجبي يا سلم) ترخيم سلمى، أو المراد: يا سالمة من العيوب، فيكون السلم بمعنى السّلام المستعمل في السالم (من رجل) يعني نفسه عبر عنه برجل؛ لتمكنه الوصف بالجملة (ضحك المشيب) هو كالشيب الشعر وبياضه.

قال الشارح: أي ظهر ظهورا تاما، فجعل الضحك كناية عن الظهور التام؛

(1) القصص: 73.

(2)

نوح: 25.

ص: 376

إما لأن الظهور التام للشيب يجعل صاحبه مضحكة للناس، أو لأن الظهور يستلزم ظهور ما خفي من مستورات الشفتين (برأسه فبكى)] (1) ذلك الرجل لتذكر الموت أو التأسف على زمان الشباب، فلا تقابل بين ظهور الشيب والبكاء، بل يكاد يكون بينهما تلازم، لكن بين المعنى الحقيقي للضحك والبكاء تقابل، ويمكن أن يراد بضحك المشيب سروره تشبيها للمشيب برجل سار من قوته وغلبته، وبالبكاء الحزن، فحينئذ يكون من أصل الطباق.

(ويسمى الثاني: إيهام التضاد)؛ لأن المعنيين المذكورين الغير المتقابلين قد عبرا بلفظين يوهمان التضاد للتقابل بين معنييهما الحقيقيين أو المجازيين مع الشهرة.

(ودخل فيه) أي: في الطباق بالتفسير الذي سبق، والملحق به (ما يختص باسم المقابلة) وإن جعله السكاكي وغيره قسما برأسه من المحسنات المعنوية؛ حيث ذكروها في مقابلة الطباق.

(وهي أن يؤتى بمعنيين) متوافقين أو أكثر ثم بما يقابل ذلك على الترتيب فيكون داخلا فيه، فإنه يصدق عليه الجمع بين معنيين متقابلين؛ لأن المراد الجمع بين معنيين متقابلين فصاعدا، كما أشرنا إليه، ولما كان يتجه عليه أن جعله داخلا في الطباق، دون مراعاة النظير يحكم؛ لأنه كما يصدق عليه باعتبار جمع المتقابلين تعريف التضاد يصدق عليه، باعتبار جمع المتوافقين تعريف مراعاة النظير دفعه بقوله:

(والمراد بالتوافق خلاف التقابل)(2) لا التناسب، فإنها غير مشروطة بذلك بشواهد الأمثلة، وهذا وإن يرجح الحكم بدخولها بالطباق، لكن لا ينفي كون بعض أفرادها من مراعاة النظير؛ لأنه كما لم يشترط فيه التناسب، لم يشترط عدمه، وقد توجه كلام القوم بأن الطباق: الجمع بين الضدين بلا فصل، بخلاف المقابلة فإنه يشترط فيها الفصل بين المتقابلين بغيرهما.

(1) البيت أورده القزويني في الإيضاح: (304)، سلم: ترخيم سلمى. وضحك المشيب: استعارة تخييلية لمكنية في المشيب، أو ضحكه استعارة تبعية لإظهارها بياضا إظهارا تامّا، أو التبعية جارية في التخييلية مع اعتبار المكنية، فيفيد لفظها معنى انتصار الشيب عليه وسروره بالتمكن منه.

ودعبل الخزاعي، شاعر كان يتشيع للعلويين في العهد العباسي، توفى سنة (246 هـ).

(2)

فلا يشترط فيه أن يكونا متناسبين كما سيأتي في مراعاة النظير، فإن كانا كذلك سمي مراعاة نظير أيضا.

ص: 377

ويرده تمثيلهم المطابقة بأمثال فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً (1) وقد توجه بأن الطباق هو جمع المتقابلين فقط، والمقابلة جمع المتقابلات، وفيه أنه لو خص الطباق بجمع المتقابلين فقط يخرج جمع المتقابلات من غير ذكر على ترتيب المتناسبات المجموعة أولا منها. وبقي مهملا، مع أنه من المحسنات البديعية المعنوية.

ثم قسم المقابلة إلى أقسام، مقابلة الاثنين بالاثنين، والثلاثة بالثلاثة، والأربعة بالأربعة، إلى غير ذلك مما لا يحصى.

ولما كان هذا التقسيم والتسمية من التطويل بلا طائل لم يلتفت إليه المصنف، ونبه على أنها تقع على تلك الأنحاء بذكر الأمثلة الثلاثة.

(نحو) قوله تعالى (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً ونحو قوله) أي: قول رجل كني بأبي دلامة على وزن نمامة:

(ما أحسن الدّين والدّنيا إذا اجتمعا

وأقبح الكفر والإفلاس بالرّجل) (2)

ذكر الرجل تغليب؛ إذ حديث المرأة معلوم بطريق الأولى؛ لأنه إذا لم يدفع قبح الكفر والإفلاس كمال الرجل برجوليته، كيف يدفعه نقصان المرأة؛ لكونها مرأة (ونحو فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) (3) أي: بالكملة الحسنى أعني: كلمة التوحيد أو بالخصلة الحسنى أي: الإيمان أو بالملة الحسنى، وهو الملة من عند الله أو بالمثوبة الحسنى، وهي الجنة فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (4).

قال الشارح: ولما كان التقابل في الجميع ظاهرا إلا مقابلة الاتقاء والاستغناء، بيّنه بقوله (المراد باستغنى: أنه زهد فيما عند الله تعالى، كأنه مستغن عنه فلم يتق).

ويمكن أن يقال: لما كان ظاهر العبارة إدخال مقابلة في الطباق، وكان المراد

(1) التوبة: 82.

(2)

البيت لأبي دلامة، وقيل: أبو لأمة، وأبو دلامة: كنية زند بن الجون، شاعر السفاح والمنصور والمهدي، توفي سنة (161 هـ) وهو في الإيضاح (304)، والمصباح: 193)، والإشارات:(63).

(3)

الليل: 5، 6.

(4)

الليل: 7 - 10.

ص: 378

إدخاله في الطباق، ولم يلحق به، نبه على أن جميع الاتقاء والاستغناء مما يلحق بالطباق؛ ليعلم أنه أراد بقوله: دخل فيه الدخول في الطباق وما يلحق به، ثم نقول: مقابلة الاستغناء عن الله بالتقوى ظاهر مستغن عن جعله في قوة عدم التقوى فتأمل.

(أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة فلم يبق، وزاد السكاكي) قال الشارح: أي في تعريف المقابلة قيدا آخر، فعرفه بأن يجمع بين شيئين متوافقين أكثر وضديهما.

(وإذا شرط) اعتبر (هاهنا) أي: فيما بين الموافقين أو المتوافقات (أمر شرط ثمة) أي: فيما بين الضدين أو الأضداد.

(ضده) أي: ضد ذلك الأمر (كهاتين الآيتين) فإنه لما جعل التيسير مشتركا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق.

(جعل ضده) وهو التعسير المعبر عنه بقوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (مشتركا بين أضدادها) وهي البخل والاستغناء والتكذيب، فعلى هذا لا يكون بيت أبي دلامة من المقابلة؛ لأنه اشتراط في الدين والدنيا الاجتماع، ولم يشترط في الكفر والإفلاس ضده، بل الظاهر أنه مبني على الاجتماع؛ إذا الإفلاس مع الإسلام ليس قبيحا فضلا عن كونه غاية في القبح، هكذا شرح كلام المصنف والمفتاح، ووافقه شريف زمانه.

ونحن نقول إثبات مذهب جديد للسكاكي بلا سند معتد به، مما لا يستحسنه العقلاء، وقول السكاكي وإذا شرط هنا أمر شرط ثمة ضده، كما يحتمل أن يكون بيان ما لا بد منه للمقابلة يحتمل أن يكون بيان ما به يكمل ويزيد حسنها، بل سوق كلامه؛ حيث قال بعد التعريف ثم إذا شرط هاهنا أمر شرط، ثم ضده يدل على المخالفة بين هذا الكلام والتعريف؛ وذلك لأن التعريف بيان ما لا بد منه للمقابلة، وهذا بيان ما له بد منه، وله مدخل في كمالها.

ولكلام المصنف احتمال أنه زاد السكاكي حكما على القوم هو أنه يكمل المقابلة بذلك، لا أنه زاد في تعريف المقابلة قيدا.

ص: 379

نعم تصرف في كلام السكاكي بما أخل بها، حيث غير قوله ثم إذا شرط إلخ بقوله: وإذا شرط إلخ.

ومما وقع في هذا المقام من المصنف أن لكلام السكاكي في تعريف المقابلة خللا على ما يشعر به كلام الإيضاح؛ حيث زاد على تعريف السكاكي للمقابلة، وهي أن تجمع بين معنيين متوافقين، أو أكثر وضديهما قوله: أو أضدادها.

واتخذه الشارح المحقق، والمحقق الشريف مذهبا في شرح كلام المفتاح وصرحا بأنه لا بد في الكلام من حذف معطوف، أي: أو أضدادها وليس بذاك؛ لأن معنى كلام السكاكي أن يجمع بين معنيين متوافقين، أو أكثر، ثم ضدي هذين المجموعين بأن يأتي بضد المعنيين المتوافقين، وهو ضدهما وبضد الأكثر وهي أضداده. واعلم أنه لا وجه لجعل الجمع بين المتناسبين وضديهما على الترتيب مقابلة دون الجمع لا على الترتيب؛ لأن الجمع لا على الترتيب أيضا من المحسنات، ونشر لا على ترتيب اللف، وكأنه لذلك حذف السكاكي قيد الترتيب عن تعريفه.

ولا يذهب عليك أنه لا يجب أن يكون الشرط وضده خارجين عن الأضداد والمتوافقات، كما توهمه العبارة.

ألا ترى أن التيسير واحد من المتوافقات والتعسير واحد من الأضداد.

(ومنه) أي: ومن المعنوي (مراعاة النظير) وتسميته بهذا الاسم والتوفيق أي: جعل الشيء موافقا لشيء، والتلفيق أي: ضم شيء إلى شيء بالخياطة بطريق نقل الاسم من أفعال المتكلم به في مقام التكلم به، ولو جعلت هذه الثلاثة مبنيات للمفعول كانت تسمية باسم صفات الأجزاء كالتناسب والائتلاف.

(ويسمى التناسب والتوفيق أيضا، وهو جمع أمر وما يناسبه) شامل للطباق والمشاكلة ومراعاة النظير فأخرج بقوله: (لا بالتضاد) الطباق والمراد بالتضاد ما هو مصدر المتضادين بالمعنى المفسر سابقا، فيخرج الطباق رأسا بقي المشاكلة؛ لأنه جمع أمر، وما يناسبه بمناسبة الجوار في تعبير واحد، فلا بد من قيد يخرجها.

وقد أهمله القوم، ولا يبعد أن يقال: المتبادر من الجمع الجمع في التركيب،

ص: 380

لا الجمع في التعيين. لا يقال: الجمع في التركيب أيضا يصدق عليها؛ لأنا نقول ليس جمع المتشاكلين في التركيب جمع المتناسبين؛ إذ التناسب حصل بالجمع، وإنما عدل عن عبارة المفتاح، وهي الجمع بين المتشابهات؛ لأنه لا يصدق على جمع المتناسبين لا بالشبه كالقوس والسهم، والوتر مثالها من التنزيل ما ذكره بقوله (نحو الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) (1) قال الزجاج: الشمس والقمر في موضوع الابتداء، وقوله بحسبان، يدل على الخبر أي: يجريان بحسبان، أي: يدلان على عدد الشهور والسنين وجميع الأوقات. كذا ذكره الطيبي.

(وأمثالها) من شعراء البلغاء ما أشار إليه بقوله: (نحو قوله) أي: قول البحتري في صفة الإبل المهزولات [(كالقسيّ المنعطفات) أي: الأقواس المنحنيات من عطف العود، وعطفه حناه (بل الأسهم) جمع سهم (مبريّة) أي:

منحوتة (بل الأوتار)] (2) جمع وتر ومن لطائف هذا التناسب أنه جمع مفهومات يجمع بينها في الخارج، وجعل الشارح المثال الأول لجمع المتناسبين، والثاني لجمع ثلاثة متناسبات.

وقال: وقد يكون بين أربعة، كقول بعضهم للمهلبي الوزير: أنت إيهام الوزير، إسماعيلي الوعد، شعيبى التوفيق، يوسفي العفو، محمدي الخلق، والمهلبي: نسبة إلى المهلب الشاعر بصيغة اسم المفعول من هلبهم تهليبا هجاهم وشتمهم، أبو المهالبة: وذلك الوزير كان من المهالبة وإسماعيل عليه السلام علم في صدق الوعد.

ذكر في تفسير الكواشي أنه وعد رجلا أن يقيم مكانه حتى يعود إليه، وذهب الرجل ونسي سنة وهو عليه السلام تثبت في هذا المكان سنة، حتى يذكر الرجل وعاد، وعفو يوسف مستغن عن البيان.

وشعيب موفق بالعبادة والصلاة، وأخبر الله عن خلق محمد عليه السلام بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (3) سئلت عائشة- رضي الله عنها عن

(1) الرحمن: 5.

(2)

انظر البيت في الإيضاح: (306).

(3)

القلم: 4.

ص: 381