الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصل الحذف فإنما هي من جهة أن الجار والمجرور لا بد له من فعل يتعلق هو به، كما يشهد به القوانين النحوية.
[الإطناب]
كذا في الشرح وفيه أن المخاطب قلما يكون نحويا فلا معنى لجعل طلب الجار والمجرور فعلا متعلقا بمعرفة القوانين، بل ينبغي أن يجعل الدليل عليه طلب معنى حرف الجر له بمقتضى العقل، وأن تقدير الفعل للجار والمجرور لرعاية القواعد النحوية غير معتبر عند علماء الفن. ولذا لم يجعل في القصاص حياة إيجازا لحذف، مع أن حرف الجر يقتضي المحذوف على قاعدة النحوية، وبهذا علم أن التمسك بطلب معنى حرف الجر تقدير الفعل أيضا ضعيف، بل إنما يطلب الحذف عند عدم تمام الكلام بدونه في (نحو: بسم الله الرحمن الرحيم فيقدر ما جعلت التسمية مبتدأ له) (1) حتى لو قيل: قرائتي بسم الله الرحمن الرحيم لا يكون دليلا على الحذف (ومنها الاقتران) أي: الاقتران بعد وجود الفعل حتى يصح جعله مقابلا للشروع، وإلا فالشروع أيضا اقتران (كقولهم للمعرس) على صيغة اسم الفاعل من الإعراس بمعنى اتخاذ الوليمة والبناء على الأهل، والمراد الثاني:(بالرفاء والبنين أي: أعرست) فإن كون هذا الكلام مقارنا للإعراس دل على أن المحذوف وهو أعرست والباء للملابسة، والمراد بالرفاء الملايمة والاتفاق، وأصله الإصلاح، ومن أدلة الحذف، وقد فاتهم دليل تعيين مقام المحذوف كما في: بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن مقام دعوى الاختصاص عين أن موضع التقدير بعد بسم الله الرحمن الرحيم، لا قبله (والإطناب إما بالإيضاح بعد الإبهام) ومنه ما فاتهم ولم يضبطوه، وهو كعكس ذلك ولنسمّه إجمالا بعد التفصيل، لا إبهاما بعد الإيضاح إذ لا يصير ما يعقب الإيضاح مبهما كقوله تعالى: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ (2) ليرى المعنى في صورتين مختلفتين.
إحداهما مبهمة، والأخرى موضحة، ولا خفاء في أن تلك الإراءة كعرض
(1) الحق أن الشروع في الفعل يدل على تعيين المحذوف فقط، والذي يدل على الحذف هو أن الجار والمجرور لا بد لهما من متعلق، وهذا يرجع إلى الفعل لا إلى الشروع في الفعل.
(2)
البقرة: 169.
الحسناء في لباسين، وفيه توجه العقل إلى المعنى ومشاهدته بعين الرغبة ما لا يخفى.
وقال الشارح: فيهما علمان، والعلمان خير من علم واحد هذا، وقولهم:
علمان خير من علم واحد مثل يضرب في مدح المشورة والبحث.
قال الميداني: أصل قولهم: علمان خير من علم واحد، أن رجلا وابنه سلكا طريقا فقال الرجل: استبحث لنا طريقا فقال: إني عالم، قال: يا بني علمان خير من علم واحد يضرب في مدح المشورة والبحث، كذا ذكره في شرحه للكشاف في تفسير: تلك عشرة كاملة، فقوله: والعلمان الصحيح فيه وعلمان.
ومن فوائد الإيضاح بعد الإبهام تسهيل الفهم والحفظ؛ إذ المبهم لو جازته أقرب إلى الحفظ، والموضح أقرب إلى الفهم، وفي كل من تلك الوجوه أنه لا يفيد إلا الجمع بين المبهم والموضح، بل لا يفيد إلا الجمع بين بيانين ولفوت وجه الإيضاح بعد الإبهام، وإنما يتكفله ما ذكره بعد ذلك من قوله:(أو ليتمكن في النفس فضل تمكن) وما يعقبه فعليهما التعويل، وإنما يوجب فضل التمكن؛ لأن ورود المبهم يوجب توجه النفس إليه، والسعي في تحصيله فيقع الإيضاح في أن ذلك التوجه التام فيحفظ كل الحفاظ فلا حاجة إلى ما قال الشارح من أن النفس جبلت على أن يكون المبين بعد الإبهام أوقع فيها من المبين أولا (وليكمل لذة العلم به).
قال المصنف: وذلك لأنه يكون الإيضاح علما ولذة عقيب ألم الجهل الذي في الإبهام؛ لأن الإبهام علم مخلوط بجهل تتألم النفس منه، وتسعى في النجاة عنه فإذا علم غير ممتزج بالجهل حصل له لذة العلم ولذة النجاة عن الألم، وفيه أنه لا معنى لإيلام النفس قبل إيراد اللذة عليها؛ ليكون مع اللذة لذة النجاة عن الألم فالوجه أن هناك لذتين: لذة العلم على وجه الإبهام، ولذة العلم على وجه الإيضاح، وليس لك أن تقول: كمال لذة العلم باعتبار أن العلم بالإيضاح غير مشوب بألم الجهل كالعلم مع الإبهام؛ لأنه لا يوجب إيراد المبهم بل يقتضي الاكتفاء بالإيضاح، وفي الإيضاح أو لتفخيم الأمر وتعظيمه، وكأن وجهه أن لا طريق إلى إدراك العظماء دفعه، بل لا بد في الوصول إليهم من التدريج، وذكر في