الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فى بيان «كمال الانقطاع»]
(فإن كان بينهما) أي: بين الجملتين (كمال الانقطاع بلا إيهام) من الأقسام العقلية كمال الاتصال مع إيهام وشبه كمال الاتصال معه، ولم يتعرضوا لهما فكأنهما لم يوجدا، (أو كمال الاتصال أو شبه أحدهما فكذلك) يتعين الفصل، وفيه أنه مع شبه كمال الانقطاع لا يتعين الفصل، بل الفصل أولى للاحتياط على ما سمعته مما نقلناه من «المفتاح» ، إلا أن يقال: فرق بين المتعين والواجب والأولى أيضا متعين عند البليغ، (وإلا) أي: وإن لم يكن بينهما واحد من الثلاثة، وذلك بأن يكون توسط بين الكمالين أو إيهام مع كمال الانقطاع، (فالوصل) متعين إما في الأول فلتحقق المناسبة والمغايرة، وإما الثاني فللضرورة، ووجه تعين الفصل مع شبه كمال الانقطاع عدم المناسبة؛ لأن المناسبة مع المانع عن رعايتها كالعدم، ومع كمال الانقطاع بلا إيهام ظاهر، ومع كمال الاتصال عدم المغايرة، ومع شبه كمال الاتصال عدم المغايرة المحوجة إلى العطف في الربط؛ فالمقامات ستة، أخذ المصنف في تفصيلها على ترتيب أدى إليه التقسيم.
لكن لم يتعرض في التقسيم الأول لعدم الإيهام؛ لأنه مستغن عن البيان واكتفى بقوله: (أما كمال الانقطاع فلاختلافهما خبرا وإنشاء) أي: في الخبرية والإنشائية، والأولى خبرية وإنشائية، ولو اكتفى بكونه خبرا أو إنشاء لكفاه؛ لأن اختلاف الجملتين في الخبرية أن يكون إحداهما خبرا دون الأخرى.
والجملة إذا لم تكن خبرا فلا محالة تكون إنشاء وكذا الإنشائية (لفظا ومعنى) مصدران للاختلاف أي: اختلافا لفظيا أو معنويا بأن يكون إحداهما خبر لفظا ومعنى، والأخرى إنشاء كذلك، وهو الشايع أو تكون إحداهما خبرا لفظا، إنشاء معنى، والأخرى بعكس ذلك، وهو مما لم يعثر عليه (نحو:
وقال رائدهم أرسوا نزاولها
…
فكلّ حتف امرئ يجري بمقدار) (1)
الرائد الذي يتقدم القوم لطلب الماء والكلأ. وأرسوا من أرسيت السفينة
(1) البيت للأخطل، وهو أبو مالك غياث بن غوث التغلبي النصراني، شاعر أموي، انظر الكتاب: 3/ 96، خزانة الأدب: 9/ 87، معاهد التنصيص 1/ 271، والمفتاح: 269، وشرح المرشدي على عقود الجمان 1/ 202، والإيضاح: 151، والمصباح: 64 بلفظ: «فقال قائلهم» .
حبستها بالمرساة، والمراد أمرهم بحبس أنفسهم في مكانهم عن الذهاب. نزاولها أي: يحاول الحرب ونعالجها وكون الإرساء حبس السفينة أو وهم البعض أن الضمير للسفينة، ومنهم من جعلها للحمر، والوجه الأول كما تشهد به تتمة البيت. ومعنى قوله: كل حتف امرئ إلخ أن أي: حتف يرد على المرء بتقدير الله، سواء كان حتف أنفه أو موتا آخر. فلا يرد الثاني الجبن ولا الأول الإقدام، وفرق بينه وبين حتف كل امرئ، وكأنّ الشارح غفل فقال في تقرير معنى البيت: فإن موت كل نفس يجري بمقدار الله تعالى وقدرته، لا الجبن ينجيه ولا الإقدام يرديه.
والمثال هو المحكي لا من حيث إنه في الحكاية فإن الفصل فيه لحفظ المحكى على ما كان، كما هو مقتضى الحكاية لا للاختلاف خبرا وإنشاء.
وإنما الفصل لذلك في كلام الرائد، ولم يعطف الرائد «نزاولها» على «أرسو» ؛ لاختلاف الجملتين خبرا وإنشاء لفظا ومعنى، وليس عدم صحة جعله مثالا من حيث إنه في الحكاية؛ لأنّ الممثل الفصل بين جملتين لا محل لهما من الإعراب، وهما في كلام الحاكي في محل النصب بالقول كما ذكره السيد السند؛ لأن المقول مجموعهما وهو المنصوب، ولا نصيب بشيء من الجزئين في النصب.
وبهذا تضاعف ضعف ما ذكره الشارح من أنه مثال لمجرد الاختلاف لا لاختلاف جملتين لا محل لهما من الإعراب إذ الجملتان هنا منصوبتا المحل، ولا تزاحم بين كمال الانقطاع وشبه كمال الاتصال فلا يرد أن نزاولها إما تعليل للطلب كما قيل لا للإرساء وإلا لا يجزم كما في: أسلم يدخل الجنة، فهو جواب لسؤال مقدر، أي: ما بالك بأمرنا بالإرساء، فليس الفصل لكمال الانقطاع، بل شبه كمال الاتصال.
وإما حال كما نقول أي: أقيموا في حال مزاولة الحرب، ولا يخافوا الحتف فإن حتف كل امريء بمقدار، ولا يخفى أن الأمر بالإقامة في حال المزاولة أشد تأكيدا للمزاولة، فكذلك ليس الفصل للاختلاف المذكور إذ الحال لا نعطف على الجملة المقيدة بها حتى يكون تركه فصلا مبنيا على نكتة.
واعلم أن الاختلاف خبرا وإنشاء لا يمنع العطف فيما له محل من الإعراب كما