الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لإفادة أن الإطعام لكون السخاء خلقا لهم فلا يكون أيضا مما نحن فيه.
قال الشارح المحقق: وكتقليل المدة في قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (1) ذكر ليلا مع أن الإسراء لا يكون إلا بالليل للدلالة على أنه أسرى في بعض الليل. قال السيد السند: إن هذا، وإن ذكره الكشاف، لكنه اعترض عليه بأن البعضية المستفادة من التنكير هي الكون في بعض الأفراد، لا الكون في بعض الأجزاء، ونحن نقول: قد حقق أئمة الأصول أن الظرف المنصوب هو المعتاد فلا بد أن يستوفي المظروف جميعه، إلا أن الآية ترد قولهم، لا قول الكشاف للإجماع على أن الإسراء كان في بعض الليل.
ولك أن تقول أراد بقوله في بعض الليل في بعض أفراده، لكنه بعيد نفي أن إفادة أن الإسراء كان في بعض الليل ليس زائدا على أصل المراد.
[أو بالاعتراض]
(وأما بالاعتراض، وهو أن يؤتى في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين معنى (2) بجملة أو أكثر لا محل لها) أي: للجملة أو أكثر (من الإعراب لنكتة سوى دفع الإيهام). قال الشارح المحقق: والمراد باتصال الكلامين أن يكونا الثاني بيانا للأول أو تأكيدا أو بدلا منه هذا، وقد فاته أن يكون الثاني معطوفا على الأول، كما في قوله تعالى: إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ (3) اعتراض فإن ما بين قوله: إني وضعتها أنثى، وإني سميتها مريم اعتراض أيضا كما اعترف به، والظاهر أن الصفة المقطوعة مما يتصل معنى بالجملة السابقة، وكذا جواب سؤال نشأت من الجملة السابقة، وقد دخل في التعريف تذييل وتكميل لا محل له من الإعراب، إذا وقعا بين جملتين متصلتين معنى، ولا يخص شمول الاعتراض بعض صور التكميل بما إذا جوز كون الاعتراض مما لا يليه جملة متصلة بما قبل الاعتراض، كما يوهمه ما سيأتي.
وينتقد التعريف بمعطوف لا محل له من الإعراب بين المعطوف والمعطوف عليه نحو قوله: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
(1) الإسراء: 1.
(2)
بأن يكون ثانيهما تأكيدا للأول أو بيانا له أو بدلا منه أو معطوفا عليه.
(3)
آل عمران: 36.
وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا (1) فإن قوله: ويؤمنون به، جملة لا محل لها من الإعراب وقع بين جملتين متصلتين معنى، مع أنه يسمى اعتراضا كما لا ريب فيه (كالتنزيه في قوله تعالى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (2) فإن قوله سبحانه جملة لا محل لها بتقدير أسبحه سبحانا، وقعت في أثناء الكلام؛ لأن قوله: وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ معمولان للجعل معطوفان على مفعوليه أعني: لله والبنات، وليس لله ظرفا لغوا للجعل، وإلا لكان الجعل بمعنى الخلق ولا معنى له، وقيل: وإلا لكان الفاعل والمفعول ضميرين متصلين بشيء واحد وذا لا يجوز في غير أفعال القلب، وردّ بأن هذا يجوز في المفعول بواسطة نحو: وَهُزِّي إِلَيْكِ (3) ومعنى الجعل لله البنات جعله مستحقا للبنات، ومعنى الجعل لأنفسهم البنين استحقاقهم له ولو جعل قوله: وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ حالا لم يكن تصريح بالتوبيخ بجعلهم مستحقين لما يشتهون.
(والدعاء في قوله) أي: في قول عوف بن محلّم بن ذهل بن شيبان يشكو كبره وضعفه
(إنّ الثّمانين وبلّغتها قد
…
أحوجت سمعي إلى ترجمان) (4)
أي: إلى مفسر وهو كعنفوان وزعفران وريهقان على ما في القاموس، فقوله:
وبلغتها جملة اعتراضية مع الواو، ومن لم يعرف الواو الاعتراضية تكلف في جعل الجملة حالية، ومثل هذا الاعتراض كثيرا ما يلتبس الحال والفرق دقيق.
(والتنبيه في قوله: [واعلم فعلم المرء ينفعه) جعل المخاطب بقوله: فعلم المرء ينفعه، متنبها متوجها إلى معرفة ما تعقبه عن قلب حاضر، ومن لم يعرفه فسره بالتنبيه على أمر يناسب المقام التنبيه عليه، وفيه تنبيه على أن الاعتراض
(1) غافر: 7.
(2)
النحل: 57.
(3)
مريم: 25.
(4)
انظر البيت في الإيضاح: 197، والإشارات: 163، ونسبته عوف إلى شيبان وهو خطأ؛ لأنه خزاعي من بني سعد، والشيباني غيره، كما جاء في طبقات ابن المعتز، وهو يخاطب بذلك عبد الله بن طاهر، وكان قد دخل عليه فسلم عليه عبد الله فلم يسمع لضعفه وكبره، والترجمان في الأصل: الذي يفسر لغة بأخرى، والمراد به هنا مطلق المفسر والمكرر، والشاهد في قوله:«وبلغتها» لأنها دعاء أيضا.
يكون بالفاء (أن سوف يأتي كلّ ما قدرا)] (1) من التقدير والألف للإطلاق، وأن هي المخففة، واسمه ضمير شأن مقدر يعني أن المقدرات لا محالة (ومما جاء بين كلامين، وهو أكثر من جملة أيضا) يعني أن فيه تمثيلين: تمثيل ما جاء بين كلامين، وتمثيل ما هو أكثر من جملة (قوله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) (2) لا خفاء في أن الاعتراض هنا جملة واحدة وخبره جملتان، وليس أكثر من جملة لا محل له من الإعراب، والمثال الواضح: قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ (3) ولما كان اتصال قوله:
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ بقوله فَأْتُوهُنَّ خفيا بينه بقوله: (فإن قوله نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) بيان لقوله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ يعني أن المأتى هو مكان الحرث؛ لأن الغرض الأصلي من شرع النكاح هو التناسل وبقاء النوع، لا قضاء الشهوة، بل خلق الشهوة لذلك، والنكتة في هذا الاعتراض الترغيب في التوبة لمن خالف المأتى، والتنفير عن غير المأتى لما فيه من الأذى والقذر الذي الاجتناب عن الحيض لأجله.
وللاعتراض نكت أخرى: منها تخصيص أحد المذكورين بمزيد التأكيد في شأنه نحو: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ (4) فقوله: أن اشكر لي، تفسير لوصينا، وقوله:
حَمَلَتْهُ اعتراض إيجابا للتوصية بالأم خصوصا.
ومنها: الاستعطاف في قول أبي الطيب:
وخفوق قلب لو رأيت لهيبه
…
يا جنّتي لرأيت فيه جهنّما (5)
وجعل المصنف والشارح من نكت الاعتراض في البيت صنعة الطباق، وفيه أنها من البديع.
(1) البيت أورده القزويني في الإيضاح: 197، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات:163.
(2)
البقرة: 222.
(3)
آل عمران: 36.
(4)
لقمان: 14.
(5)
انظر البيت في الإيضاح: 198.
ومنها: دفع ما يتضرر به كما في هذا البيت، فإنه دفع ضرر جهنم القلب بنداء المحبوبة التي هي الجنة، ويحتمل أن يكون المقصود التنبيه على أن شفاء هذا الداء المحبوبة كما أن النجاة عن جهنم بالجنة.
ومنها: بيان السبب لأمر فيه غرابة كما في قوله:
فلا هجره يبدو وفي اليأس راحة
…
ولا وصله يصفو لنا فنكارمه (1)
فإن كون هجر الحبيب مطلوبا أم غريب فبين سببه، وهذا لا ينافي ما قيل إنه جواب سؤال؛ لأن بيان السبب يجوز أن يكون للسؤال المقدر.
(وقال قوم: قد تكون النكتة فيه غير ما ذكر) الأوضح دفع الإبهام (ثم) افترقوا فرقتين (جوز بعضهم وقوعه آخر جملة) لا في أثناء جملة (لا تليها جملة متصلة بها) فلا يكون بين كلامين أيضا، وقد تبعهم الكشاف في مواضع (فيشمل) الاعتراض بهذا التفسير (التذييل) كلها (وبعض صور التكميل) وهو أن يكون لجملة لا محل لها من الإعراب كما في قول الحماسي:
وما مات منّا سيّد في فراشه
…
ولا طلّ منّا حيث كان قتيل (2)
فإن المصراع الثاني تكميل؛ لأنه لما وصف قومه بشمول القتل لهم أوهم ذلك ضعفه فأزاله بوصفهم بالانتقام من قاتليهم، وشمول الاعتراض جميع صور التذييل يوجب أن يعتبر فيه أن لا يكون له محل من الإعراب فتفسيره كان قاصرا.
(وبعضهم) عطف على فاعل جوز كما أن (كونه غير جملة) عطف على مفعوله، وهل جوزوا أن يكون جملة لا محل لها من الإعراب الظاهر؟ نعم ولو قال: كونه غير الجملة بلام العهد لشمل جملة لا محل لها من الإعراب بلا خفاء فتأمل.
(فيشمل) الاعتراض بهذا التفسير (بعض صور التتميم و) بعض صور (التكميل) وهو ما كان بين الكلام أو الكلامين المتصلين معنى، وفي الإيضاح أنه يشمل ما كان كذلك من التتميم والتكميل، ولا يكون له محل من الإعراب جملة
(1) انظر البيت في الإيضاح: 198، والبيت للرماح بن أبرد المعروف بابن ميّادة، واليأس قطع الأمل من وصله، وقوله:«فنكارمه» بمعنى نبادله التكرم بالوصل. انظر بغية الإيضاح (2/ 149).
(2)
البيت أورده القزويني في الإيضاح: 196.