الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسوس؛ لأنها القول الخفي لإضلال، وقال أعم فلا بد من تقييده بالفاعل حتى يصلح تفسيرا؛ لأنه بالتقييد بالشيطان ينفهم كونه للإضلال، وكونه خفيا لا يتم؛ لأن البيان يكفي فيه كونه مقيدا بوضوح مع أنه يزيد عليه المبين بوضوح فيحصل من اجتماعهما مزيد إيضاح كما تقرر في النحو، وكذا ما قال السيد السند حيث قال: بل نقول لا بد في الثاني من ملاحظة التعلق بالمفعول أيضا حتى يصلح بيانا للأولى ولا شبهة أن القول المقيد بهذا الفاعل والمفعول ليس بيانا لمطلق الوسوسة ولا لوسوسة الشيطان بل لوسوسة لآدم- عليه السلام فالنسبة بالبيانية إنما هي بين الجملتين دون مجرد الفعلين فيه ضعف؛ لأنه يصح بيان المطلق بالمخصوص فيصح أن يكون القول المقيد بمفعولية بيانا للوسوسة المطلقة، والقول المقيد بالمفعول ليس جملة؛ إذ المفعول من متعلقات المسند فلا يلزم أن تكون النسبة بالبيانية بين الجملتين.
فإن قلت: لو كان البيانية من موجبات القطع كيف جاء قوله تعالى:
يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ (1) في سورة وفي أخرى وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ (2).
قلت: أريد مع الفصل بقوله: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ مطلق العذاب، سواء كان باعتبار أنفسهم أو محبوبهم فجاء يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ بيانا له، ومع الوصل عذابا كان واردا على أنفسهم وحينئذ ويُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ مغاير له مستحق للعطف لا للبيان.
وقال الشارح المحقق: ربما ينزل فرد الشيء لأن فيه زيادة ظاهرة على باقي أفراد الجنس منزلا منزلة أنه من جنس آخر فيعطف عليه لادعائي المغايرة، فالعطف إنما ورد على خلاف مقتضى الظاهر ومقتضى الظاهر الفصل، وأنت تعرف ما له الفصل
[وأما كونها كالمنقطعة عنها]
(وأما كونها) أي: الثانية (كالمنقطعة عنها) أي: عن الأولى (فلكون عطفها عليها موهمة لعطفها على غيرها) مما يؤدي إلى فساد المعنى، وإنما قيدناه به؛ لأن قولنا: زيد قائم وعمرو قاعد وبكر ذاهب، مما يوهم فيه عطف الجملة
(1) البقرة: 49.
(2)
إبراهيم: 6.
الثالثة على جملتين سابقتين عطفها على الأخرى، لكن لا فساد فيه.
ولا يتفاوت المعنى فلا يبالى بهذا الإيهام. وأيضا لو كان مطلق إيهام غير المقصود مردودا لما صح الفصل لدفع إيهام غير المقصود، مع أنه مع الفصل يحتمل الاستيناف، وفيه إيهام الاستيناف الغير مقصود، والمراد بالإيهام إما الدلالة الضعيفة فحينئذ يتبادر العطف على الغير أو الشك فيه، ويكون معلوما بطريق الأولى.
وإما التغيير بالإيهام لكون المدلول ضعيفا فاسدا، وحينئذ يشمل الكل.
قال الشارح المحقق: وشبه هذا بكمال الانقطاع بأنه يشتمل على مانع العطف كما أن المختلفتين إنشاء وخبرا والمتفقتين اللتين لا جامع بينهما ليشمل على مانع، لكن هذا دونه؛ لأن المانع في هذا خارجي، ربما يمكن دفعه بنصب قرينة أقول ما ذكر من وجه الشبه مشترك بين كمال الاتصال وكمال الانقطاع ومحوج إلى التمسك بأنه كمن اتجه له طريقان، فالأولى أن يقال: وجه الشبه تغاير الجملتين مع الاشتمال على مانع العطف، ونحن نقول: وجه الشبه أن فيه إيهام خلاف المقصود، كما أن في عطف الجملتين المختلفتين خبرا وإنشاء إيهام اتفاقهما معنى؛ لأنه الشايع، وفي عطف غير المشتملتين على الجامع إيهام الجامع والأدق أن يقال: لمعارضة إيهام خلاف المقصود وجود الجامع الحق الجامع بالعدم، وشابه الجملتان الغير المنقطعتين الجملتين المنقطعتين بعدم الجامع (ويسمى الفصل لذلك قطعا) لأن الجملتين كانتا متصلتين لوجود التناسب والجامع فقطع لمانع، فالفصل فيه كأنه قطع متصل (مثاله [وتظنّ سلمى أنني أبغي بها) أي:
بدلها (بدلا أراها) على صيغة المجهول شاع في الظن أي: أظنها (في الضّلال) أي: في سلوك طريق لا يوصل إلى المطلوب (تهيم)] (1) أي: تتحير، وإنما جعل ضلالها مظنونا مع أن المناسب دعوى اليقين تحرزا عن دعوى التيقن في ضلالها وإشعار بأن غاية الجرأة دعوى الظن أو لأنه لا يروج منه دعوى اليقين في
(1) انظر البيت في معاهد التنصيص (1/ 279)، الإشارات والتنبيهات ص (129) وهو غير منسوب في كلا الكتابين، شرح عقود الجمان (1/ 181)، الإيضاح 155، وقوله:«أراها» بمعنى أظنها على صورة المبني للمفعول وهو للفاعل، وقوله:«تهيم» مأخوذ من «هام على وجهه» إذا مشى من غير قصد.