الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليك أن الحذف ليس نفس قيام شيء مقام المحذوف ولا عدمه، ففي جعلها قسم الحذف تسامح، والتقدير ذو أن يقام وقد ذهب هذا على الشارح المحقق، فلم يتعرض له وقال في قوله: ومنها أن يدل العقل تسامح وكأنه على حذف مضاف.
[وأدلة الحذف]
(وأدلته) أي: أدلة لا بد للحذف منها إما للتنبيه على أصل الحذف وإما للتنبيه على خصوص المحذوف (كثيرة منها أن يدل العقل عليه) أي: على الحذف (والمقصود الأظهر) فيه مسامحة أي: كون المحذوف مقصودا أظهر (على تعيين المحذوف) فيه مسامحة أي: على خصوص المحذوف، فبتلك الدلالة يحصل تعيين المحذوف، ولخفاء المسامحتين خفيتا على الشارح المحقق، فلا ينكرهما لعدم تعرضه لهما، مع تعرضه لمسامحة في قوله: ومنها أن يدل: وكن تابعا لدلالة العقل الرشيد، ولا تكن في عقال التقليد كالبليد (نحو حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ (1) أي: تناولها) هو الأخذ على ما في القاموس، فإن العقل دل على أن الأحكام الشرعية متعلقة بالأفعال للمكلفين دون ما ليس في قدرة المكلفين، فلا بد هاهنا من محذوف يحتمل الأكل والشرب والاستضاءة بأدهانها وبيعها وشرائها، والمقصود الأظهر ما يعم الكل (ومنها أن يدل العقل عليهما) أي: على الحذف وتعيين المحذوف (نحو وَجاءَ رَبُّكَ (2) أي: أمره أو عذابه) فإن العقل يدل على امتناع المجيء على الله؛ إذ المجيء يتوقف على الانتقال من مكان إلى آخر وما يعذب به الرب ربما ينتقل من مكان إلى آخر كالمطر والنار، وكذا ما يأمره بالمجيء، فالأمر بمعنى ما أمر، والعذاب بمعنى ما يعذب به، فلا يرد أن الأمر والعذاب أمران معنويان لا مجيء لهما، وترديد المحذوف بين الأمر والعذاب لا ينافي تعيين المحذوف، فإنه أشار إلى أن (جاء ربك) لو وقع في مقام يدل فيه العقل على خصوص المحذوف، فالعذاب بقدر ذلك المخصوص، ولو وقع في مقام لا يرشد العقل إلى مخصوص بقدر العام، وقد أشكل الترديد على الشارح، فقال: أي يدل على تعيين هذا المحذوف بأنه
(1) المائدة: 3.
(2)
الفجر: 22.
أحدهما، وليس المراد أنه يدل على تعيين الأمر أو تعيين العذاب فليتأمل.
وفهم ما ذكره كان أصعب من فهم ما ذكره المصنف، فاخترنا شرح كلامه على التأمل في حق مرامه فاعرف وأنصف.
ولا يخفى أن العقل لا يفي بتقدير الأمر أو العذاب، بل لا بد من زائد على العقل من اقتران، وغيره يعين شيئا، ثم العقل لا يدل على الحذف وتعيين المحذوف في هذا المثال يدل على أحد الأمرين، فإنه ربما يجعل تمثيلا في ظهور آيات الرب وهيئته، كما يظهر عند مجيء السلطان فلا حذف حينئذ.
(ومنها أن يدل العقل عليه والعادة على التعيين نحو: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ)(1) فإن العقل دل على أن في قوله (فيه) مضافا محذوف إذ لا معنى للوم الإنسان على ذات شخص؛ لأن اللوم للانتهاء عما لا ينبغي فهو ينبغي أن يكون مقدورا، وأما تعيين المحذوف (فإنه) بالفتح بتقدير فبانه بمعنى ملاحظة أنه (يحتمل تقدير في حبه لقوله تعالى: قَدْ شَغَفَها حُبًّا) (2) أي: حرق شغاف قلبها (و) تقدير (في مراودته لقوله تعالى: تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ (3)(و) تقدير (في شأنه حتى يشملهما) أي: الحب والمراودة (والعادة دلت على الثاني) أي: مراودته؛ (لأن الحب المفرط لا يلائم في صاحبه عليه في العادة لقهره إياه) أي: لغلبة الحب المفرط على صاحبه، فلا يقدر على الانتهاء، وفيه أنه ما لا يلايم عليه الشيء لا يلايم على ما يلزمه أيضا؛ لأن مغلوب الشيء مغلوب لازمه، فالأولى أن يقال: لا عيب في الحب المفرط، فلا يلام عليه، بل في المراودة فتعين تقديرها. فإن قلت: فليقدر الشأن ويصرفه بالإضافة العهدية إلى المراودة قلت: هي بعينها المراودة، والدال لا يكون معتبرا إلا في حق المعنى، وأما العبارة فموكولة إلى المخاطب فليقدر ما شاء.
(ومنها) أي: من أدلة الحذف لتعيين المحذوف (الشروع في الفعل)؛ لأن الشروع إنما يدل على أن المحذوف هو الفعل الذي شرع فيه، وأما الدلالة على
(1) يوسف: 32.
(2)
يوسف: جزء من الآية: 30.
(3)
يوسف: جزء من الآية: 30.