الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عكس ما فعله المصنف.
لكن ما فعله المصنف أنسب؛ لأن حوالة أمر اللاحق بالسابق أنسب من العكس، وأحفظ من توهم غير المقصود.
[وعرف المجاز اللغوي]
(والمجاز اللغوي) عطف على قوله: الحقيقة اللغوية أي: عرف السكاكي المجاز اللغوي (بالكلمة المستعملة في غير ما وضعت له بالتحقيق)(1) أراد به ما يقابل التأويل (في اصطلاح به التخاطب، مع قرينة مانعة عن إرادته، وأتى بقيد التحقيق لتدخل الاستعارة) في تعريف المجاز بناء (على ما مر) من أنها مستعملة فيما وضعت له بالتأويل؛ وهذا واضح، وإن كان ظاهر عبارة السكاكي تقتضي أن هذا القيد لإخراج الاستعارة حيث قال:
وقولي: بالتحقيق احتراز عن أن لا يخرج، وفي بعض النسخ احتراز أن لا يخرج استعارة؛ لأن ذلك الظاهر ظاهر الفساد، فجعل الشارح كلمة «لا» زائدة، وجعل في المختصر الجار المحذوف في احتراز أن لا يخرج كلمة اللام، أي: احتراز لئلا يخرج.
ونحن نقول: المراد: احتراز عن أن لا يخرج مدلول الاستعارة عما وضعت له، فلا تدخل الاستعارة في المستعملة في غير ما وضعت له.
(ورد) ظاهر ما ذكره السكاكي (2)(بأن الوضع) وأن يطلق في شأن الاستعارة فيقال: هي موضوعة للمستعار له بتأويل، ويطلق عليه الموضوعة بالتأويل، لكن لا يطلق فيها الوضع من غير تقييد بالتأويل، وذلك ظاهر من موارد استعمال الوضع، لا مما ذكره المصنف.
وتبعه الشارح فيه من أنه فسر السكاكي بنفسه الوضع بتعيين اللفظ بإزاء المعنى بنفسه، وقال: قولي: بنفسه احتراز عن المجاز المعين بإزاء معناه بقرينة.
ولا شك أن دلالة الأسد على الرجل الشجاع، وتعينه بإزائه إنما هو بواسطة القرينة؛ لأنه يجوز أن يكون تفسير السكاكي تفسيرا لأحد معنييه، ولا يلزم من
(1) فإذا كانت الحقيقية لغوية تكون الكلمة مستعملة في غير معناها اللغوي فتكون مجازا لغويا، وإذا كانت شرعية تكون الكلمة مستعملة في غير معناها الشرعي فتكون مجازا شرعيا، وهكذا.
(2)
المفتاح ص 191.
تفسير أحد المعنيين نفي الآخر، فهو (إذا أطلق لا يتناول الوضع بتأويل) فالاستعارة داخلة من غير قيد بالتحقيق، فلا يصح أنه ليدخل الاستعارة في تعريف المجاز.
نعم فيه زيادة إيضاح للدخول، وبهذا التقرير ظهر أن ما أجاب به الشارح عنه في المختصر من أنه أراد السكاكي أنه عرض للوضع اشتراك بين معناه المشهور والوضع بتأويل، فذكر قوله: بالتحقيق قرينة على المراد؛ ليظهر فيدخل فيها الاستعارة؛ لأن انصرافه عند الإطلاق إلى ما ليس بتأويل ينفي عروض الاشتراك.
ويرد أيضا توقف الدخول على التقييد بأنه يصدق على الاستعارة: الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له لا محالة، ولا ينافيه صدق الكلمة المستعملة فيما وضعت له؛ لأن صدق الأول باعتبار الوضع بالتحقيق، وصدق الثاني باعتبار الوضع بالتأويل، ولا يندفع بما ذكره الشارح في المختصر أنه قرينة على نفس المراد بلفظ الوضع الذي عرض له الاشتراك؛ لئلا يحمل على الوضع بالتأويل، فتخرج الاستعارة؛ لأن عروض الاشتراك قد زيّف.
واعلم أن الشارح قال: المراد بالوضع موافقا لما في الإيضاح، وما يشتق منه لينتفع به في إثبات عدم الحاجة إلى تقييد وضعت بعدم التأويل في تعريف الحقيقة، وبالتحقيق في تعريف المجاز.
ويمكن أن يقال: بيان حال الوضع يكفي فيما هو بصدده؛ لتقرر أن المشتقات تابعة للمصدر في ذلك.
(وبأن) عطف على قوله بأن في قوله: «ورد بأن» ، وإعادة الجار يدل على أن كلا من المعطوف والمعطوف عليه مستقلّ في الرد عليه، وليس كذلك؛ لأن المعطوف عليه يرد تعريف الحقيقة والمجاز، والمعطوف يخص بالحقيقة فرد ما ذكره بمجموع الأمرين، فالأولى ترك إعادة المجاز.
(التقييد باصطلاح به التخاطب) لا بخصوصه (كما لا بد منه في تعريف المجاز لا بد منه) في تعريف (الحقيقة) ليخرج المجاز المستعمل فيما وضع له، كالصلاة التي استعملت في لسان الشرع بمعنى الدعاء، فحصل الاعتراض: أن
التعريف غير مانع، وربما يجاب بأن المراد بالوضع في قوله: من غير تأويل في الوضع الواضع في اصطلاح به التخاطب، وذلك يوجب تقييد الوضع في غير ما وضعت له باصطلاح به التخاطب؛ وبهذا اندفع ما ذكره الشارح أنه لا يكفي العهد، بل لا بد من تقييد موضوعه أيضا في قوله: فيما هي موضوعة له.
نعم يتجه أن لام العهد لا تصرف اللفظ إلا إلى وضع مفهوم من قوله: فيما هي موضوعة له.
وأن قوله: بالتحقيق في تعريف المجاز، وقوله: من غير تأويل في الوضع، في تعريف الحقيقة بمعنى واحد بلا ريبة، فلو أغنى قوله: من غير تأويل في الوضع عن قيد اصطلاح به التخاطب لأغنى عنه قوله: «بالتحقيق» .
ومنهم من أجاب بأن القيد مراد في تعريف الحقيقة، تركه للعلم به من تقييد تعريف المجاز، وهو غير ملتفت إليه لوجوه:
منها: أن الترك بالمقايسة لا يليق بالتعريفات. ومنها: أن القيد المذكور بعبارة ذكره السكاكي في تعريف المجاز، لا يمكن ذكره في تعريف الحقيقة؛ لأنه يستلزم الدّور.
ومنها: أن المفتاح الذي هو بصدد توضيح التعريف إلى أن ذكر للتوضيح قوله: من غير تأويل في الوضع، مع أنه لا حاجة إليه كيف يتوهم به ترك القيد للمقايسة؟
وأجاب عنه الشارح، وارتضاه السيد السند: بأن الأمور التي تختلف بالإضافات لا يتم تعريفاتها بدون اعتبار قيد الحيثية.
وقد تعارف ذلك بحيث يكتفى بهذا التعارف من ذكرها، وبأن تعليق الحكم بالوصف مشعر بالحقيقة كما في قولنا: الجواد لا يخيب سائله.
ومعلوم أن الحقيقة والمجاز من الأمور الإضافية، حتى إن لفظا واحدا يكون حقيقة ومجازا بالنسبة إلى معنيين، بل بالنسبة إلى معنى واحد، فالمعنى هاهنا:
أن الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من حيث إنها موضوعة له، والصلاة المستعملة في لسان الشارع في الدعاء لم تستعمل في الموضوعة هي له، من
حيث إنه موضوع له.
ولا يصح أن يجعل معنى تعريف المجاز: الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له، من حيث إنه غير ما هي موضوعة له؛ لأن استعمال المجاز في غير الموضوع له ليس من حيث إنه غير الموضوع له، بل من حيث إنه متعلق الموضوع له بنوع علاقة، مع قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له؛ فلهذا لم يترك التقييد باصطلاح به التخاطب في تعريف المجاز. وفيه بحث، وهو: أنه لو أريد بقوله:
المستعملة فيما وضعت له، من حيث إنه ما وضعت له أن كونه موضوعا له علة مستقلة للاستعمال، فلا يستقيم؛ لأن استعمال المتكلم اللفظ فيما وضع له لأجل أنه موضوع له، والمخاطب عالم بالوضع، وإن اكتفى في الحيثية التعليلية بمجرد أن لها مدخلا فلا خفاء في مدخلية كون الشيء غير ما وضع له في استعمال المجاز، إلا أنه لا يكفي، بل لا بد من ضميمة التعلق، مع كونه غير هذا.
قال في الإيضاح: ثم تعريفه للمجاز يدخل فيه الغلط كما تقدم، يريد ما تقدم من أنك تقول لصاحبك: خذ هذا الفرس مشيرا إلى كتاب بين يديك، وأنت تريد أن تقول: خذ هذا الكتاب، فغلطت.
وأجيب تارة: بأن الغلط لا ينصب قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له، وردّه الشارح بأن إشارته إلى الكتاب قرينة مانعة.
وفيه: أنه لو كانت هذه قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له لم تعد المخاطب ساهيا، بل هذه الإشارة قرينة مانعة عن إرادة التلفظ به، وفرق بين المانعة عن إرادة التلفظ والمانعة عن إرادة المعنى؛ لأن المانعة عن إرادة المعنى أن ينتقل الذهن منها إلى عدم إرادته، لا إلى عدم إرادة التلفظ المستتبع؛ لعدم إرادة المعنى من غير أن يلتفت الذهن إليه، وتارة بأن عبارة الحد مشعرة بأن ذكر الكلمة عن قصد، ولا قصد في ذكر الغلط.
وأجاب عنه السيد السند: بأن المراد الغلط ليس ما يكون سهوا من اللسان، بل ما يكون خطأ في اللغة صادرا عن قصد.
وفيه أنه قوله كما تقدم يتأدى أن مراده ما هو سهو.
نعم لو كان المراد ذلك لتم أن الغالط لا ينصب قرينة كما ذكره الشارح، لكن