الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المصنف: فرع على وصفهم بشفاء أحلامهم لسقام الجهل وصفهم بشفاء دمائهم من داء الكلب، ونحن نقول: جعل أحلامهم بمنزلة الدماء فإن حياة العاقل بالعقل كما أن حياة الحيوان بالدم والجهل بمنزلة الكلب، وقد عرض لأعداء أهل البيت وقاصدي دمائهم، بأنهم في سلك كلاب كلبة يستشفون بدمائهم، فإنهم المنهمكون في طلب الدنيا، فقد ورد في حقهم كلام النبوة (الدنيا جيفة وطلابها كلاب)(1) إن قلت الظاهر أنه فرع على وصفهم بشفاء دمائهم من الكلب وصفهم بشفاء أحلامهم عن سقام الجهل فإنه جعله مشبها به، والمشبه ملحق بالمشبه به دون العكس، قلت نعم هذا هو الظاهر وغاية توجيه كلامه أن ذكر المشبه به فرع ذكر المشبه، لأنه أورد لبيان حاله فإثبات المشبه به بعد إثبات المشبه في الكلام وفرعه، فتأمل، ووجه تحسين التفريع أنه يجعل المتعلقين مرتبطين في الذكر، كما أنهما مرتبطان في المعنى فيتطابق الذكر والمذكور.
[ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم]
(ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم) قال الشارح النظر في هذه التسمية على الأعم الأغلب، وإلا فقد يكون ذلك في غير المدح والذم، ويكون من محسنات الكلام، كقوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ (2) يعني: إن أمكن لكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه فلا يحل لكم غيره، وذلك غير ممكن، فالغرض المبالغة في تحريمه، وليسم تأكيد الشيء بما يشبه نقيضه أي فليسم ما سمى باعتبار الأعم الأغلب تأكيد المدح بما يشبه الذم تأكيد الشيء بما يشبه نقيضيه فإنه العبارة المنطبقة على المراد، وفيه نظر؛ لأنه لو كان تأكيد المدح بما يشبه الذم بمعنى تأكيد الشيء بما يشبه نقيضه لم يصح ذكر تأكيد الذم بما يشبه المدح مقابلا له، ولم يصح ما ذكره في شرح المفتاح، أن المفتاح اكتفى عن تعريفه بما يفيده الاسم؛ لأن الاسم يفيد ما هو أخص من تعريفه، وأيضا لا يصح حصره في الضربين المذكورين، وأيضا لا يرجح لإدخال الصورة المذكورة في تأكيد المدح بما يشبه الذم على إدخاله في تأكيد الذم بما يشبه المدح، فالحق أن النظر في التسمية على أمر منطبق عليه الاسم وبيان الغير ترك
(1) أورده العجلوني في كشف الخفاء (1/ 493)، وقال: ليس بحديث وإن كان معناه صحيحا، وذكره السيوطي في الدرر بلفظ: الدنيا جيفة والناس كلابها، وروي عن علي موقوفا».
(2)
النساء: 22.
بالمقايسة.
(وهو ضربان: أفضلهما) لاشتماله على فصل تأكيد (أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح) لذلك الشيء؛ لا باعتقاد أنها صفة ذم، فإنه كلام كاذب أتى به للجهل، وليس فيه تأكيد ولا تسليم أنها صفة ذم، لمجارات المخاطب؛ فإنه أيضا كلام كاذب، ذكر مطابقا لما يروج عند المخاطب، ولا تأكيد فيه، ولا لدفع توهم أنها أيضا منفية مع صفة الذم، لتلازم بينهما في الانتفاء في غالب الأوقات، كما هو المعتبر غالبا في الإتيان بالمستثنى المنقطع، واشتهر في كتب النحو، فإنها استثنيت حينئذ لدفع توهم ناشىء من النفي السابق، ولا تأكيد فيه بل (بتقدير دخولها) أي صفة المدح (فيها) أي في صفة الذم، فاحترز بهذا القيد عن الأمور الثلاثة هكذا حقق المقام، واحفظه فإنه من الشوارد عن أقوام بعد أقوام، واعلم أن من فوائد المستثنى المنقطع تأكيد الشيء بما يشبه النقيض، على أحد الوجهين اللذين يذكرهما، كما يستفاد من هذا المقام، ولا تنحصر فائدته في دفع الإيهام من سابق الكلام على ما يتراءى من بيان النحو، فادخره واجتنب عن ربقة التقليد التي لا يكون إلا في أعناق اللئام، ويتجه أنه خرج بهذا القيد تأكيد المدح بما يشبه الذم، باستثناء ما ليس عيبا ولا مادحا؛ فإنه يؤكد نفي صفة الذم، كما يؤكد استثناء المادح فالأولى أن يقول بدل قوله:
صفة مدح: ما ليس بصفة ذم، وتأكيد المدح باستثناء صفة مدح عن صفة ذم منفية لا بتقدير دخولها فيها، فإنه يؤكد المدح بالوجه الثاني، فلا يقصر عن القسم الثاني في التأكيد، ولم يدخل في الثاني فاختل الحصر، وغاية ما يمكن أن يقال إنه لا اعتداد به لتقصير متكلمه فيه بفوت فصل التأكيد بلا موجب، بخلاف القسم الثاني، وبهذا ظهر أن الحصر في القسمين استقرائي غير ثابت بدليل قطعي، فلذا لم يستدل عليه كما فعله في كثير من التقسيمات، هذا واشكر الله على ما رزقك من التكريمات.
(كقوله) أي النابغة الذبياني، زياد بن معاوية، والذبيان بالمنقوطة والمنقوطتين من تحت بالضم والكسر قبيلة:(ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم بهنّ فلول) كحصول جمع فل كمد، والفل الثلمة سواء كان في حد السيف أو في غيره
(من قراع) أي مقارعة (الكتائب)(1) جمع كتيبة بمعنى الجيش، فالعيب صفة ذم منفية قد استثنى منه صفة مدح على تقدير كونها من العيوب، وهي أنهم شجعان؛ لأن وصف سيف الرجل بالفلول من المحاربة كناية عن شجاعته، وقد أشار إلى الاستثناء بتقدير الدخول ببيان مراد الشاعر بقوله (أي إن كان فلول السيف) أي الفلول المعهودة للسيف وهي الفلول من مضاربة الجيوش وإلا فالفلول قد تكون عيبا، ثم اشتغل ببيان وجه التأكيد بقوله (فأثبت) أي الشاعر (شيئا منه) أي العيب (على تقدير كونها) أي فلول السيف (منه) أي من العيب، هكذا حقق المقام، ولا تتبع ما وقع للشارح من وساوس الأوهام فاطلع عليه، وأعرض عنه في مختصره لكونه من زلة الأقلام، وهو أي كون الفلول المذكورة من العيب محال لما عرفت (فهو) أي إتيان شيء من العيب (في المعنى تعليق بالمحال) وإن خلت العبارة عن تعليق (فالتأكيد فيه (2) من جهة أنه كدعوى الشيء ببينة) (3) لأنك قد علقت نقيض المطلوب وهو إثبات شيء من العيب بالمحال، والمعلق بالمحال محال؛ فعدم العيب ثابت، ويمكن أن يكون تقدير دخولها في الصفة المذمومة المنفية لتنزيلها منزلة المذمومة، في جنب صفات أخر له صفة ذم، وللتأكيد في هذا الضرب جهات ثلاث، وهذا الوجه يجري في الضرب الثاني، فهو ثاني الوجه الذي ذكر فتأمل.
(ومن جهة أن الأصل في مطلق الاستثناء الاتصال)(4) لأنه حقيقة الاستثناء على ما تقرر في الأصول، والأصل الذي لا يعدل عنه بلا صارف وهو الحقيقة (فذكر أداته قبل ذكر ما بعدها يوهم) الإيهام اشتهر في الدلالة الضعيفة، وتوافقه اللغة؛ لأن الوهم بمعنى خطرة القلب، أو طرف التردد المرجوح، فلذا اعترض عليه بعض الشارحين، أنه قبل ذكر ما بعد ما يدل دلالة قوية، فلا يليق التعبير بالإيهام، ويمكن أن يجاب عنه بأن الإيهام كثيرا ما
(1) البيت في ديوانه: (44)، والإيضاح:(325)، والإشارات:(111)، والتبيان للطيبي، والمصباح:(239).
(2)
أي في هذا الضرب مطلقا.
(3)
لأنه علق نقيض الدعوى وهو إثبات شيء من العيب بالمحال، والمعلق بالمحال محال، فيكون عدم العيب محققا.
(4)
يعني أن أصل الاستثناء مطلقا، ذلك لا في هذا الباب؛ لأنه فيه منقطع في كل من ضربيه.
يستعمل في ضعف المدلول أيضا، وإن كانت الدلالة قوية وتوافقه اللغة فإن وهمت بمعنى غلطت وأوهمت غيري بمعنى أوقعته في الغلط، وأجاب الشارح بأن الإيهام في اللغة الإيقاع في الظن، كما أن التوهم هو الظن، يقال: توهمت الشيء أي: ظننته، وأوهمته غيري.
(إخراج شيء مما قبلها فإذا وليها صفة مدح) وتحول الاستثناء إلى الانقطاع (جاء التأكيد) لما فيه من الإشعار بأنه لم يجد صفة ذم فاضطر إلى ذكر صفة مدح، وفيه بحث، أما أولا فلأن ذكر ما ليس بعيب بعد أداة الاستثناء بتقدير أنه من العيب لا يوجب انقطاع الاستثناء، بل هو استثناء متصل مبني على الغرض، والتقدير فالأولى أنه يقال: الأصل في الاستثناء الاتصال المحقق، فذكر أداته قبل ذكر ما بعدها يوهم ذلك، فإذا وليها صفة مدح محوجة في اتصال الاستثناء إلى التقدير جاء التأكيد.
وأما ثانيا فلأن كلامه يوهم أن تأكيد المدح بما يشبه الذم موقوف على جعل غير في البيت مثلا للاستثناء حتى إنه إن جعل صفة لاسم لا منصوبة أو مرفوعة لفات التأكيد، وليس كذلك لأنه كما أن الأصل في الاستثناء إخراج شيء محقق الدخول في المستثنى منه، الأصل في الوصف بغير إخراج شيء كذلك عن الموصوف بالتقييدية، والإخراج على تقدير الدخول تعليق بالمحال، وخروج عن أصل التقييد، فجاء فصل التأكيد.
(والضرب الثاني) من تأكيد المدح بما يشبه الذم (أن يثبت لشيء صفة مدح، ويعقب بأداة استثناء يليها صفة مدح أخرى له) أي لذلك الشيء لا مطلقا بل يقصد أنه صفة مدح أخرى له، حتى لو ذكر صفة مدح باعتقاد أنها صفة ذم، أو لاعتقاد المخاطب كذلك، وبناء كلامك على التسليم لم يكن من التأكيد في شيء ولا يكفي قصد أنه صفة مدح أخرى له؛ بل ينبغي أن لا يكون لدفع إيهام السابق أنها مسلوبة عنه، كما هو المشهور في المستثنى المنقطع، بل يكون لإراءة أني اضطررت إلى إيراد صفة مدح أخرى، فعدلت عن إخراج شيء مما قبل أداة الاستثناء كما هو الأصل نحو.
(أنا أفصح العرب بيد أني من قريش)(1) بيد بمعنى غير مختصة بالمنقطع، مضافة إلى أن، كذا في الرضى، وزعم المغني أن بيد للتعليل، فالمعنى: أنا أفصح العرب لأجل أني من قريش، ولا يخفى أن هذا التعليل لا يثبت المدعي، وجعل ابن مالك تقدير الكلام لا نقصان في فصاحتي، إلا أني من قريش، فهو من الضرب الأول، وفي القاموس بيد وبائد بمعنى: غير، ومن أجل، وعلى هذا، وحمله على معنى على احتمال قوي فلا يفوتك.
(وأصل الاستثناء فيه) أي في هذا الضرب (أيضا أن يكون منقطعا) لأن الأصل في استثناء ما ليس بداخل فيما قبل الأداة، أن يكون منقطعا بعد خروجه عن أصله الذي هو الاتصال، وجعله متصلا بتقدير الدخول كما في القسم الأول خلاف الأصل، وربما يكون الشيء على خلاف الأصل، وعلى الأصل في هذا الخلاف، ألا ترى أن الإعراب بالحرف خلاف الأصل، والأسماء الستة على الأصل في الإعراب بالحرف، وهو كونها بالحروف الثلاثة فلا تنافي بين هذا الكلام وما سبق أن الأصل في الاستثناء الاتصال، لأن هذه الأصالة بعد العدول عن الأصل الأول، وقد أجاب الشارح بأن الأصل في مطلق الاستثناء الاتصال، وفي استثناء ما ليس بداخل الانقطاع، فلا تنافي، وبما قررنا اندفع أن الواجب في الاستثناء فيه وما سبق أيضا أن يكون منقطعا، فلا معنى لقوله: الأصل، لأنك عرفت أنه يمكن جعله متصلا بالتقدير، كما يدل عليه قوله (لكنه) أي الاستثناء المنقطع في هذا الضرب.
(لم يقدر متصلا (2) كما في الضرب الأول) بل بقى على حاله من الانقطاع، وبهذا تأكد بعض ما استثناه لك فاعتصم به (فلا يفيد التأكيد) بالوجه الأول الذي هو إثبات الدعوى بالبينة الحاصلة من التعليق بالمحال فلا يفيده (إلا من الوجه الثاني ولهذا) أي لاشتمال الضرب الأول على فضل تأكيد (كان الضرب الأول أفضل) في التأكيد، أو أفضل في الاعتبار، قال المصنف:
(1) أورده العجلوني في كشف الخفاء (1/ 232)، وقال:«أورده أصحاب الغرائب ولا يعلم من أخرجه ولا إسناده» .
(2)
أي كما قدّر في الضرب الأول؛ لأن الاستثناء فيه منقطع ولكنه يقدر متصلا، وإنما لم يقدر هنا متصلا؛ لأنه ليس فيه صفة ذم عامة منفية يمكن تقدير صفة المدح فيها.
وأما قوله تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (1) فيحتمل الوجهين، وأما قوله: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً (2) فيحتملهما، ويحتمل وجها ثالثا وهو أن يكون الاستثناء من أصله متصلا لأن معنى السّلام هو الدعاء بالسلامة، وأهل الجنة أغنياء عن ذلك، فكان ظاهره من اللغو، وفضول الكلام، لولا فائدة الإكرام، هذا كلامه، ويتجه عليه أنه إتيان بصفة مدح مستثناة من صفة ذم منفية، لا بصفة مدح مع حرف الاستثناء، بعد صفة مدح أخرى. فكيف يحتمل كونه من الضرب الثاني؟
وأجيب بأن معنى كونه من الثاني، أنه من قبيله في عدم إفادته التأكيد إلا من وجه واحد، وبهذا اختل تعريف الضرب الأول، وتفصيله على الإطلاق أو الحصر في الضربين، وانهدم ما ذكر بالدفعة فتذكر.
والحق أن يقال: يجوز أن يعتبر: لا يسمعون، صفة مدح، ويعتبر الوصف بعدم سماع اللغو، لا نفي سماع اللغو، حتى يكون القصد إلى نفي صفة ذم، وحينئذ يكون إِلَّا سَلاماً بتقدير لكن يسلمون سلاما صفة مدح أخرى، بعد أداة استثناء لا يمكن تقدير إدخالها في الأول، ويحتمل أن يعتبر نفيا لصفة ذم هو سماع اللغو، ويكون إلا سلاما مستثنى من لغو، فيكون من الضرب الأول لا محالة، لما قدمناه لك، فلا ترض بانهدامه، وكن لاغتنامه، وإنه لا يجوز أن يكون الآية الأولى أيضا محتملة للثالث، وأجيب بأن السّلام لا يمكن إدخاله تحت التأثيم، ولو بحسب الظاهر، لأن التأثيم أن يقال لأحد أثمت، ولا يجوز الفصل بين المستثنى والمستثنى منه بمتعدد غير مستثنى منه، وأيضا يتجه على الاحتمال الثالث أنا لا نسلم أن أهل الجنة أغنياء عن الدعاء بالسلامة، لجواز أن يكون سلامتهم في الجنة، ويقررها لأنهم لا ينفكون عن السّلام، فتأمل، وتحتمل الآية وجها رابعا بأن يكون سلاما مصدرا حينيا أي لا يسمعون فيها لغوا وقتا إلا وقت تسليم، فيكون من الضرب الآخر.
(ومنه) أي من تأكيد المدح بما يشبه الذم (ضرب آخر) كالضرب الأول بعينه في إفادة التأكيد، فإنهم لذلك حصروها في ضربين، فالحصر منقول،
(1) الواقعة: 25، 26.
(2)
مريم: 62.
وإثبات ضرب آخر مبتدع منه معقول، فلا ينافي، أو ضرب آخر بحسب الظاهر راجع إلى الأول بحسب النظر الثاني للناظر، فإنه يئول إليه معنى. فضبط المصنف هذا الضرب بأن تأتي بالاستثناء مفرغا، وهو قاصر لأن من المرغ ما يصدق عليه أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح، بتقدير دخولها فيها قائمة الشارح المحقق بأن ضم إليه، ويكون العامل مما فيه معنى الذم، والمستثنى مما فيه معنى المدح، وتقدير، وعليه أن الضرب الآخر لا ينحصر في المفرغ، بل يشمل مثل قولنا: وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا (1) فإنه لم يستثن فيه في الظاهر صفة مدح من صفة ذم منفية، بل من أعم منها، نعم ماله إلى الاستثناء من صفة ذم منفية فإنه في قوة ليس لنا عمل معيب عندكم إلا أن آمنا، فالصواب أن يعرض عن إيضاح المصنف، وبين قوله نحو وَما تَنْقِمُ أي ما تعيب مِنَّا إِلَّا أصل المناقب أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا يقال نقم منه وانتقم إذا عابه وكرهه، وبه فسر الآية بأن المراد بنحوه أن يستثنى صفة مدح من معمول ما فيه معنى الذم، بتقدير دخولها فيه من حيث أنه متعلق ذلك العامل، هذا وقد جاء نقم منه بمعنى عاقبه ليمكن حمل الآية عليه، أي ما تعاقبنا إلا لأن آمنا بآيات ربنا، وحينئذ مستثنى متصل حقيقة، وليس مما نحن فيه، فإن قلت: على التفسير المشهور أيضا هو مستثنى متصل؛ لأنه استثنى صفة مدح من معمول عيب المخاطب، فيجوز أن يكون الإيمان معيبا عنده؟ قلت الإيمان بآيات رب الكل مما لا يمكن أن يعيبه قابل للخطاب، ثم يقول لنا ضرب آخر، كالضرب الأول، وهو أن يثبت صفة مدح عام صفة ذم بتقدير دخولها فيها، نحو: لفلان جميع المحاسن إلا كفران النعمة، فالصواب في تفسير القسم الأول أن يستثنى من صفة ذم منفية، صفة مدح بتقدير دخولها فيها، أو من صفة مدح منفية صفة ذم بتقدير دخولها فيها.
(والاستدراك) بلفظ لكن (في هذا الباب) صرح بقوله في هذا الباب، ولم يقل فيه لئلا يتوهم عوده إلى الضرب الآخر (كالاستثناء) فالمراد بالاستثناء في التعريفين ما يعم الاستدراك بالحمل على الاستثناء حقيقة أو حكما وإلا يفسد
(1) الأعراف: (126).