الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ندبه لأمر فانتدب أي دعاه له، فأجاب.
قال الشارح: فالأول داخل في مراعاة النظير؛ لكونه جمعا بين الأمور المتناسبة، والثاني داخل في الطباق؛ لكونه جمعا بين الأمور المتقابلة، وفيه نظر؛ لأن الدمع والضحك ليسا من الأمور المتناسبة، بل المتضادة.
وأقول ثانيا في نقد كلامه إن جعل العبارات متناسبة المقدار بالاستواء أو التقارب لتكون كمعانيها في التناسب ليس طباقا ولا تناسبا.
[ومنه الإرصاد]
(ومنه) أي: من المعنوي (الإرصاد) وهو في اللغة الإعداد، فالمتكلم أعد قبل الآخر ما يدل عليه.
وقال الشارح: هو نصب الرقيب، ولو ساعده اللغة فوجه المناسبة أنه جعل المتكلم المخاطب رقيبا ينتظر العجز (ويسميه بعضهم التسهيم)(1)، وكأنه أخذ هذا الاسم من السهم، بمعنى النصيب، أي إعطاء الكلام نصيبا من الحسن أو من السهم، بمعنى البيت الذي اشتهر، وجاز من بلد إلى بلد، فسمى التسهيم؛ لأنه يجعل الشاعر بهذا العمل بيته سهما أو من السهم بمعنى حجر على باب بيت بنى لصيد الأسد، فإذا دخله الأسد وقع فسد الباب، فجعل في البيت قبل العجز ما يصيد العجز.
قال الشارح: هو من برد مسهم أي: فيه خطوط مستوية، كأنه جعله منقولا بجامع التزيين.
(وهو أن يجعل قبل العجز) أي الآخر، وفيه خمس لغات العجز مسألة وكعضد وكتف، ويؤنث فينبغي تأنيث الضمير في قوله مما يدل عليه.
(من الفقرة) هي بالفتح والكسر في اللغة لما انتضد من عظام الصلب من الكاهل إلى العجب، ثم اشتهر في حلي يصاغ على شكل فقرة الظهر، وفي عرف الفن ما هو في النثر بمنزلة البيت في الشعر، مثلا قولهم يطيع الأشجاع بجواهر لفظه فقرة، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه، فقرة أخرى، إلا أن البيت يكون بيتا وحده، والفقرة لا تكون فقرة بدون الأخرى (أو من البيت ما يدل عليه) أي: العجز، وهو آخر كلمة من البيت، أو من الفقرة وما يدل عليه قد يكون
(1) يسميه قدامة العسكري «التوشيح» وهو ما يكسب الشعر حلاوة والنثر طلاوة.
بحيث يدل عليه مطلقا.
وأما في الفقرة (نحو) قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (1) فإن الاستدراك من قوله: وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ، يدل على العجز.
(و) أما في البيت (نحو قوله) أي: قول عمرو بن معدي كرب:
(إذا لم تستطع شيئا فدعه
…
وجاوزه إلى ما تستطيع) (2)
فإن قوله: وجاوزه يدل على أن الآخر ما تستطيع.
وقد يكون بحيث لا يدل عليه لو لم يعرف الروى، وهو الحرف الذي يبتنى عليه أواخر الأبيات، ويجب تكراره في كل منها، وينسب إليه القصيدة، فيقال: قصيدة لامية أو نونية، بل ربما يوهم خلافه.
أما في النثر كقوله تعالى: وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) وما في الشرح من رواية «فيما هم فيه يختلفون» سهو؛ فإنه لو لم يعرف بناء الفواصل على النون لربما توهم أن العجز هاهنا فيما فيه اختلفوا وفيما اختلفوا.
وأما في الشعر فكقوله:
أحلّت دمي من غير جرم وحرّمت
…
بلا سبب يوم اللقاء كلامي
فليس الذي حلّلته بمحلّت
…
وليس الّذي حرّمته بمحرّم (4)
فإنه لو لم يعرف الروي لربما توهم أن العجز بمحرم، فدلالة ما يدل على العجز في الإرصاد لا يتحقق كليا إلا إذا عرف الروي؛ فلذا قيد التعريف به كذا يستفاد من الشرح. وهاهنا بحث من وجوه:
(1) العنكبوت: 4.
(2)
البيت في ديوانه: (145)، والأصمعيات:(175) والمفتاح: (643)، والإيضاح:(308)، وتاج العروس:(زمع)، (ودع)، ويروى (أمرا) بدل (شيئا)، وقوله:«دعه» بمعنى: اتركه، والإرصاد قوله:«إذا لم تستطع» .
(3)
يونس: 19.
(4)
انظر البيتين في الإيضاح: (308)، وهما للبحتري والجرم: الذنب، والإضافة في قوله:«كلامي» من إضافة المصدر إلى مفعوله، والمراد كلامها له، والإرصاد قوله:«حرمته» .