الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذا في الشرح، وقد عرفت ما فيه، ولك أن تريد بقوله كذلك أنه إما حسي أو عقلي، وإما واحد أو بمنزلة الواحد، وبقوله أو مختلف أن بعضه حسي وبعضه عقلي، وبعضه واحد وبعضه بمنزلة الواحد، لكن إيراد الأمثلة يوافق الأول، وحمل العبارة عليه أسهل.
(والحسي) أي: وجه الشبه الحسي (طرفاه حسيان، لا غير) فالمتعدد الذي بعضه حسي دخل في هذا الحكم؛ لأن فيه وجه شبه حسيا فلم يحتج إلى تأويل الحسي بالحسي بتمامه أو ببعضه، كما فعله الشارح، ولا إلى أن يقال حكم المختلف أخيل اشتراك العلة (لامتناع أن يدرك بالحسي من غير الحسي شيء) ويتجه عليه أن الحس كما سيجيء ما أفراده حسية فيجوز أن يدرك من الطرف الحسي والعقلي ما يصدق عليهما، ودفعه أن المراد أن وجه الشبه الخارج الحسي طرفاه حسيان، وهو أمر قائم بالطرفين، لكن لا بد أن يراد بحسية الطرفين أعم من الحسية حقيقة أو تنزيلا يشمل نحو قوله:
كأنّ النّجوم بين دجاها
…
سنن لاح بينهن ابتداع
فإن وجه الشبه حسي مع أن السنن والابتداع ليست حسية، لكنها نزلت منزلة الحسي.
[والعقلي أعم]
(والعقلي أعم) أي: طرفا العقلي أعم من الحسيين، أو من طرفي الحسي؛ لأنهما يكونان عقليين ومختلفين أيضا.
(لجواز أن يدرك بالعقل من الحسي شيء) بل قد حقق في غير هذا العلم أن النفس في مبتدأ الفطرة خالية من العلوم كلها، ويحصل لها المحسوس باستعمال الحواس، والمعقول بالانتزاع من المحسوس؛ (ولذلك يقال التشبيه بالوجه العقلي أعم) أي: أعم تحقيقا، إذ كل طرفين يتحقق فيهما التشبيه بوجه حسي يتحقق فيهما بوجه عقلي، ولا عكس. أو المراد طرفا التشبيه بالوجه العقلي أعم من طرفي التشبيه بالوجه الحسي، وكل ما يصلح طرفا للثاني يصلح طرفا للأول دون العكس، وفيه نظر، إذ ما صح فيه التشبيه بالوجه الحسي يحتمل أن لا يكون فيه أمر عقلي له مزية اختصاص بأحد الطرفين، فيوجد التشبيه بالوجه الحسي دون العقلي.
(فإن قيل هو مشترك فيه) لا حاجة إلى فيه (فهو كلي، والحسي ليس بكلي) فيه تطويل، ويكفي هو مشترك فيه، والمشترك فيه ليس بحسي، بل منافاة المشترك فيه للحسية أظهر من منافاة ما يجوز العقل فيه الاشتراك بالنظر إلى مجرد مفهومه.
(قلنا: المراد) يعني المراد المصطلح عليه في لفظ الحسي (أن أفراده مدركة بالحسي) وبهذا اندفع ما ذكره المفتاح أن جعل المشترك فيه حسيا يخالفه التحقيق، ولا يرد ما ذكره الشارح أنه لا يصلح جوابا لما في المفتاح من أن التحقيق في وجه الشبه يأبى أن يكون حسيا، ومراد المصنف جواب ما فيه كما يظهر من الإيضاح لا أنه عدل المصنف من التحقيق إلى التسامح؛ لأن التحقيق لا يأبى أن يكون وجه الشبه مما أدرك أفراده بالحسي.
(الواحد الحسي) شروع في تمثيل الأقسام الستة عشر بعد التحصيل بالتقسيم، فتأمل.
وقول الشارح: شروع في تعداد أمثلة الأقسام، خفي؛ إذ لم يذكر على طريقة التعداد (كالحمرة) كونها ونظائرها واحدا بمعنى ما لا جزء له مما يتطرق إليه المعنى فذاك يدعو إلى جعل الواحد في مقابلة المركب الاعتباري، الذي هو الهيئة المنتزعة، ويأتي له داع آخر.
(والخفاء) أي: خفاء الصوت من المسموعات.
قال الشارح: وفيه تسامح لأن الخفاء ليس بمسموع ودفعه السيد السند بأن المراد بالخفاء ما يقابل الجهر.
(وطيب الرايحة) من المشمومات.
(ولذة الطعم) من المذوقات.
(ولين الملمس) من الملموسات.
(فيما مر) أي: في تشبيهات مرت من تشبيه الخد بالورد والصوت الضعيف بالهمس، والنكهة بالعنبر، والريق بالخمر، والجلد الناعم بالحرير.
(والعقلي) عطف على الحسي عطف صفة على صفة أي: الواحد العقلي.
(كالعراء عن الفائدة) هي ما اكتسب من علم أو مال.
(والجرأة) فيها لغات حيث جارت على وزن الجرعة والشبهة، والكراهة والكراهية والجراية باليا على وزن الكراهية شاذة، وهي في اللغة الشجاعة لكنها أعم من الشجاعة في عرف الحكماء لاختصاص الشجاعة بما صدر عن روية، فيختص بالعقلاء. قيل: ولذا اختارها على الشجاعة لتصفوا اشتراكهما بين الرجل الشجاعة والأسد عن ثبوت اشتباه.
(والهداية) أي: الدلالة الموصلة إلى المطلوب أو الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب على الاختلاف فيها.
(واستطابة النفس) إضافة إلى الفاعل، يقال: استطاب واستطبب الشيء وجده طيبا (في تشبيه وجود الشيء) هذا الظرف متعلق لظرف المتقدم الواقع خبرا عن الواحد العقلي (العديم) فعيل بمعنى مفعول من عدمه كعلمه أي فقده أو بمعنى الفاعل من عدم ككرم بمعنى الفاعل من عدم ككرم بمعنى انعدم، والانعدام لحن في اللغة من المتكلمين، ولم يثبت في اللغة انعدم، وإنما تكلم به المتكلمون، والعديم يعارف في اللغة في الأحمق.
(النفع) فاعل العديم أو نائبه (بعدمه) الأولى بالعدم؛ لأن الظاهر تشبيه وجود عديم النفع بالعدم لا بعدمه ورجع الضمير إلى مطلق الشيء شيء وهذا التشبيه الأول شبه عقلي ذكر، وهكذا إما يأتي على ترتيب الوجوه المتقدمة، وقد راعى في ترتيب الوجوه الأربعة ما هو أسبق، فقدم ما طرفاه معقولان؛ لأنه أنسب بالواحد العقلي، ثم ما طرفاه حسيان، ثم ما الشبه فيه عقلي؛ لأن الأصل تشبيه المعقول بالمحسوس دون العكس، وقد أنكر الشيخ على من جعل هو معدوم أو هو والعدم، سواء تشبيها ونقول: لم يثبت للموجود هنا ما هو للمعدوم، بل أردت نفي وجوده، لكن هذا الحكم مبني على تشبيه الوجود بالعدم فإنهم لما شبهوا الوجود بالعدم في العراء عن الفائدة، وينزل منزلته صار هو معدوم النفي الوجود، وكذا هو والعدم سواء، ثم لما شاهد الشيخ أن الدخيل في البلاغة لا يكاد يوافقه، ولا يتمكن من أن لا يجعل هو معدوم اختصار موجود كالمعدوم، وشيء كلا شيء ووجود شبيه بالعدم، كما أن زيد أسد اختصار زيد
كالأسد بالغ في أن الحق معه، وقال الأمر كذلك، لكن إن أبيت إلا أن تعمل على ظاهر قولهم موجود كالمعدوم إلى غير ذلك، فلا مضايقة فيه يريد أن كلا ميسر لما خلق له (1)، ويجب العمل بما روى حسن:«كلّم الناس على قدر عقولهم» .
وبهذا استغنيت عن أن يقول المصنف ممن لا مضايقة للشيخ معه في جعل وجود شبيه بالعدم تشبيها، فظهر ضعف ما قال الشارح أن كلام الشيخ ساقط بما حققه المصنف، فإن الحق معه، ولا مجال لإنكار التشبيه.
كيف والشيخ لم ينكر التشبيه في وجود كالعدم، بل في قولهم: هو معدوم أو هو والعدم سواء، فأحسن التأمل، وزين التعقل تنفع من يعقبك أحسن المنافع الذي ليس له مبطل ولا رافع.
(والرجل الشجاع) نبه على معنى الجراءة؛ فلهذا لم يقل والرجل الجريء، كما هو الظاهر (بالأسد والعلم) بأي معنى أخذ، وقد عرفت (بالنور) هو الضوء أيا ما كان أو شعاعه والذي يبين الأشياء.
(والعطر بخلق كريم) بإضافة الخلق أو وصفه بالكريم، وجزم الشارح بالأول، والجزم خلافه.
والخلق السجية والمروءة والدين جاء بضمة وبضمتين، وتحمل الوحدة على البساطة يخفي صحة التمثيل بالعراء عن الفائدة واستطابة النفس الشائبة التركيب.
وقد ذكر في المفتاح والإيضاح من أمثلة العقلي فيما طرفاه عقليان تشبيه العلم بالحياة، في كونهما جهتي إدراك، واتفق الشارحان بأن بيان ذلك أن المراد بالعلم الملكة التي هي سبب تفاصيل الإدراكات؛ إذ لو أريد الإدراك لم يكن للتشبيه معنى.
أقول: المراد بالإدراك الوصول، وتفاصيل الإدراكات والعلوم كالحيوة جهات للوصول، وهذا قريب مما قال الشارح هنا.
ولو جعل وجه الشبه بين العلم والحياة الانتفاع بهما كما أن وجه الشبه بين
(1) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث علي بلفظ: «اعملوا فكل
…
».