الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهمزة والهاء مع عدم صحة إدغام أحديهما في الأخرى متقاربتان، لكونهما حلقيتين، كذلك الميم والفاء متقاربتان شفويتان، وإن لم يصح إدغام أحديهما في الأخرى، ومثاله قوله تعالى: وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (1)(أو في الآخر نحو) قوله تعالى وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ (2) الكلام فيه كالكلام في المثال السابق، بل أشد لأن الراء والنون متقاربتان بحيث يدغم أحديهما في الآخر، وغفلة الشارح المحقق عنه، مع التعرض بالسابق معجبة، والمثال المطابق تلاف وتلاق اعتصم بالله فليس غيره، من واق.
[وإن اختلفا في ترتيبها يسمى تجنيس القلب]
(إن اختلفا في ترتيبها) أي ترتيب الحروف فقط (سمي تجنيس القلب): ولم يعده المفتاح من أقسام الجناس بل جعله من القلب، وهو ضربان؛ لأنه إما أن يعكس الترتيب من الآخر إلى الأول (نحو: حسامه فتح لأوليائه حتف لأعدائه) هذا حل لقول الأحنف:
حسامك فيه للأحباب فتح
…
ورمحك فيه للأعداء حتف
(ويسمى قلب كل) وإما أن لا يكون كذلك (نحو) ما جاء في الخبر (اللهم استر عوراتنا) جمع عورة وهي الفعلة القبيحة (وآمن روعاتنا)(3)(ويسمى قلب بعض) وإن لم يخل حرف منه من تقديم وتأخير، هكذا ذكره الشارح، ولم يعثر على هذا التفصيل إلا من كلامه، وكلام من تبعه، ويحتمل كلام المصنف أن يراد بنحو: حسامه فتح إلخ ما يكون في جميع حروفه قلب سواء كان على الترتيب أو لا، وبنحو عوراتنا وروعاتنا، ما لم يكن القلب إلا في بعض حروفه وهذا أوفق بالتسمية بقلب الكل وقلب البعض.
(وإذا وقع أحدهما) أي أحد المتجانسين جناس القلب كذا فسره المصنف وتبعه الشارح المحقق، وفي المفتاح خصه بقلب الكل، وظاهر عبارته أنه إذا ولى أحد القسمين من قلب الكل وقلب البعض (في أول البيت والآخر في آخره يسمى) تجنيس القلب حينئذ (مقلوبا مجنحا) لأن اللفظين كأنهما جناحان للبيت
(1) العاديات: 7، 8.
(2)
النساء: 83.
(3)
أورده العجلوني في كشف الخفاء (1/ 208) وقال: «رواه أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري» وبنحوه بصيغة المفرد في صحيح الجامع، حديث (1262).
كقوله:
(لاح أنوار الهدى عن كفّه في كلّ حال)(1)
(وإذا ولى أحد المتجانسين) أي جناس كان بقرينة العدول إلى الاسم الظاهر ودلالة المثال (الآخر يسمى) الجناس (مزدوجا ومكررا ومرددا نحو) قوله تعالى: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (2) وقد يطلق التجنيس على توافق اللفظين في الكتابة، سواء كان بينهما جناس لفظي أو لا، والمراد التوافق مع قطع النظر عن الإعجام، ويسمى تجنيس تصحيف، وتجنيس خط، ومنه قول المفتاح في التجنيس اللاحق: إنه إذا اتفق المتجانسان كتابة يسمى تجنيس تصحيف، ولما لم يخص هذا تجنيس اللاحق كما أوهمه عبارته لم يلتفت إليه المصنف، ولم يذكره في التجنيس اللاحق، ومن غرائب ذلك ما كتبه أمير المؤمنين على- رضي الله عنه إلى معاوية حين تمرد عن طاعته:(عزّك غرّك فصار قصار ذلك ذلّك فاخش فاحش فعلك تهتدى بهدى) فأجابه معاوية بقوله: (على قدري غلى قدري) ففي كلام معاوية الجناس اللفظي مع الخطى، وقد يعد في هذا النوع ما لم ينظر فيه إلى الحروف، فانفصالها فيعد متى تعود مجانس مسعود، ويعد المستنصرية جنة مجانس المسيء بضربة حية، واستنصح ثقة مجانس إيش تصحيفه، ومجانس أتيت بتصحيفه، قيل لفاضل استنصح ثقة إيش تصحيفه، قال أتيت بتصحيفه، وفي المفتاح: ومن التجنيس ما يسمى مشوشا، وهو مثل البراعة والبلاغة.
قال الشارح المحقق في شرح المفتاح: وجه كونه مشوشا أنه يوهم كونه مطرفا لاختلاف المتجانسين بحرفين قريبي المخرج، وليس به لعدم اتفاقهما في صورة الخط، وكونه تجنيس خط لاتفاق العين، والعين في الخط، وليس به لاختلاف الراء واللام في الخط، وهو سهو من قلم الناسخ، إذ لم يشترط في المطرف الاتفاق في الخط، بل هو مجرد قرب المخرج.
وقال الشريف المحقق: ليس بمطرف لعدم اجتماع الحرفين القريبي المخرج، وهو
(1) انظر البيت في عروس الأفراح.
(2)
النمل: 22.
أيضا سهو؛ لأنه لم يشترط في المطرف اجتماع الحرفين، وقيل لو اتحد عينا الكلمتين فكان تجنيس تصحيف، ولو اتحد لاماهما لكان مضارعا، فلما تحادنت الصنعتان صار مشوشا، ولما لم يكن كلام المفتاح هنا ظاهر المعنى لم يلتفت إليه المصنف، ويمكن أن يقال: أراد بالتجنيس المشوش ما يكون بين صورتي كناية المتجانسين تقارب كما في البلاغة والبراعة، فإنه لو اتصل الألف بالراء لالتبست باللام، ولو انفصلت عن اللام لالتبس اللام بالراء.
قال الشارح المحقق: ومن أنواع التجنيس تجنيس الإشارة، وهو أن لا يظهر التجنيس باللفظ، بل بالإشارة، كقوله: للشيخ لحية فرعونية سلط الله عليها موسى، حلقت لحية موسى باسمه وبهارون إذا ما قلبا.
(ويلحق بالجناس شيئان: أحدهما أن يجمع اللفظين الاشتقاق) عدل عن عبارة المفتاح: وكثيرا ما يلحق بالتجنيس الكلمتان الراجعتان إلى أصل واحد بالاشتقاق، لما فيه من المسامحة؛ لأن اللاحق أن يجمع الاشتقاق اللفظين لا نفس الكلمتين، ولأنه لا يشتمل القول والقائل، لأنهما لا يرجعان إلى أصل واحد، بل القائل يرجع إلى القول، ثم المتبادر من الاشتقاق الصغير؛ فلذا فسره الشارح المحقق بتوافق الكلمتين في الحروف الأصول. مرتبة مع الاتفاق في أصل المعنى، لكنه ترك قيد الترتيب في الحروف الأصول في المختصر، فجعل تعريفه شاملا للاشتقاق الكبير، مثل: جبذ وجذب، فكأنه وجد في كلامهم ما أوجب التعميم، لكن تعريفه يوجب عدم الامتياز بين المشتق والمشتق منه، فالتعريف الصحيح رد كلمة إلى كلمة توافقها في الحروف الأصول، وأصل المعنى، وينبغي أن يراد بأصل المعنى أن ما لا بد منه التوافق فيه لا يفي التوافق في خصوص المعنى إذ المضرب مصدرا مستثنى من الضرب مع توافقهما في خصوص المعنى، ولا يخفى أن بين قال وقال مصدرا جناس فيلزم كون المتجانسين ملحقين بهما، ويمكن دفعه بأن يقال: وقال توافقني توافقاني أنواع الحروف وأعدادها وهيئاتها وترتيبها فمن هذه الحيثية هما متجانسان، وتوافقا في الاشتقاق، فمن هذه الحيثية من الملحقات، بقي أنه يلزم أن لا يكون بين الصحبة والصحابة حسن جناس الاشتقاق، مع أنه لا يسقط عن درجة الضرب والمضرب.
(نحو قوله تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ)(1) فإنهما مشتقان من القيام هو الانتصاب، والقيم المستقيم المعتدل لا إفراط فيه ولا تفريط، أو القيم لمصالح العباد، أو على الأديان الشائعة بالشهادة بصحتها.
(والثاني أن يجمعها) أي اللفظين (المشابهة وهي) أي المشابهة في هذا المقام في الاصطلاح (ما يشبه الاشتقاق) أي توافق يشبهه، فإن قلت لا فائدة لقوله (وليس باشتقاق) لأن مشابه الشيء لا يكون إياه! قلت لعله رد لمن حمل قولهم المشابهة على الاشتقاق، فضمير ليس للمشابهة لا لما يشبه حتى يكون لغوا، وتذكيره لتذكير الخبر، فاعرفه، فإنه من الملهمات، والمراد بشبه الاشتقاق ما يتوهم في بادئ النظر اشتقاقا ولم يكن.
(نحو: قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ)(2) أي قال لوط لقومه، فإن قال وقالين مما يتوهم في بادئ النظر أنهما من القول، ويضمحل بأدنى تأمل ويظهر أن قالين من القلا كإلى بمعنى الترك، فإن قلت قالين وقال كجوى وجوانح، فيكون بينهما تجنيس مذيل! قلت: فليكن من هذه الحيثية ومن حيث شبه الاشتقاق لاحقان بالمتجانسين وقد عرفت نظيره.
(ومنه) أي من الضرب اللفظي من الوجوه المحسنة (رد العجز) هو في المشهور هنا كعضد، وهو في اللغة على خمس لغات، كفلس وقفل وعلم وكتف، (على الصدر) أي أعلى مقدم الشيء فرد العجز على الصدر إنما يتحقق فيما وقع أحد اللفظين في صدر البيت، أو المصراع، وأما إذا وقع في حشو المصراع الأول أو آخره أو حشو الثاني فلا؛ لأنه لم يرد العجز على أعلى مقدم الشي لا المصراع، ولا البيت، فما في الشرح أن المصنف لم يلتفت إلى ما في حشو المصراع الثاني كما التفت إليه المفتاح؛ لأنه لا صدارة لحشو المصراع الثاني فيه ضعف لأنه لا صدارة لما في حشو المصراع الأول، وآخره أيضا فالوجه أن حسن رد العجز على الصدر أنه إعادة في صورة الإفادة أو إفادة في صورة الإعادة؛ لأنه في التكرار إعادة في صورة الإفادة، إذ الشائع في التكرار التوالي، فإذا فصل بين المتكررين أوهم
(1) الروم: 43.
(2)
الشعراء: 168.
الإفادة، وفي غير المتكررين تشابه اللفظ يوهم الإعادة، فالإفادة في معرض الإعادة، كما في حشو المصراع الثاني من المتكررين بلا فصل من العجز لا حسن له، وأما إذا وقع فصل فهو كالباقي، ولا خفاء في حسن غير المتكررين، نعم بقي الكلام في أنه هل هناك في غير المتكررين تحسين سوى تحسين الجناس؟ فتأمل، وظاهر كلام المفتاح اختصاص رد العجز على الصدر بالشعر فرده المصنف بقوله:
(وهو في النثر) ولاشتماله على الرد صار أهم فقدم (أن يجعل أحد اللفظين المكررين) أراد به ما يتحد معناهما في اتحاد اللفظ؛ لأن فيهما كمال التكرار، فلا يبعد أن ينصرف اللفظ إليه، وكل منهما مكرر بالنسبة إلى الآخر، فيصح وصفهما بالتكرير المبني للفاعل، أو المبني للمفعول، والمشهور هنا صيغة اسم المفعول (أو المتجانسين) أي جناس كان (أو الملحقين بهما) أي إلحاق كان، (في أول الفقرة) بالفتح أو الكسر، وقد عرفتها في بحث الإرصاد، فلذا لم نترصد لبيانها، واللفظ (الآخر في آخرها) أي الفقرة، فيكون أربعة أقسام أشار إليها بالأمثلة الأربعة، بخلاف رد العجز على الصدر في الشعر، فإنه ستة عشر قسما؛ لأنه يجوز أن يقع فيه أحد اللفظين في صدر المصراع الأول، أو حشوه، أو آخره، أو صدر المصراع الثاني، وليس هنا إلا فقرة، فليس إلا صدر وعجز، نعم يتصور له ثمانية أقسام على اعتبار السكاكي من جواز وقوع أحد اللفظين في حشو المصراع الثاني، فإنه يجوز وقوعه في حشو الفقرة، وفيه بحث؛ لأنه يجوز أن يعتبر الأقسام الشعرية كلها في النثر في فقرتين بأن يكون أحد اللفظين في صدر الفقرة الأولى أو حشوها أو آخرها أو صدر الفقرة الثانية والآخر في آخر الفقرة الثانية، فإنه في التجنيس كما يقع في بيت، فنقول: يخشى الناس ويرضاهم، والله أحق أن يرضاه، ويشاهد كمال قدرته وعلمه وتخشاه، ثم تخصيص هذه الصنعة بالمسجع والموزون لا وجه له، بل ينبغي أن تحسن كل كلام إلى أن يقال: الحسن الزائد على الجناس إنما يتصور فيما يقتضي إيراد المتجانسين مثلا مزيد قدرة وتصرف، وذلك في الشعر الذي يكون المنطق فيه في مضيق، وكذا المسجع لا في كل كلام.
بقي أنه ينبغي أن يكون محسنا في كلام التزم فيه الموازنة؛ لأنه كالسجع بجعل باعة البيان قاصرة، فلمثال اللفظين المكررين قوله (نحو) قوله تعالى: وَتَخْشَى
النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ (1) ولا يمنع ضمير المفعول كون يخشى في الآخر لأنه بمنزلة الجزء من اللفظ.
(و) للمتجانسين قوله (نحو: سائل اللئيم يرجع ودمعه سائل) الأول من السؤال والثاني من السيلان، وضمير معه إلى السائل في المشهور، ويحتمل الرجوع إلى اللئيم وهو أبلغ في ذم اللئيم، حيث لا يطيق السؤال، وللقسم الأول من الملحقين بالمتجانسين قوله:(نحو: ) قوله تعالى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (2) وللقسم الثاني قوله: (نحو) قوله تعالى: (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (3) وفي النظم) عطف على قوله في النثر (أن يكون أحدهما) إلخ عطف على أن يكون إلخ، والأولى أن يعيد المسند إليه بعد حرف العطف، ولا يخفى وجهه على من يعرف نحوه، فلا يكن من المنحين، والمراد بأحدهما أحد اللفظين بالتفصيل المذكور (في آخر البيت) واللفظ الآخر (في صدر المصراع الأول أو حشوه أو آخره أو صدر) المصراع (الثاني) فهذه أربعة مواضع نضربها في الأقسام الأربعة يصير ستة عشر، إلا أن المصنف لم يورد من شبهة الاشتقاق إلا مثالا واحدا إما لعدم الظفر أو للاكتفاء بأمثلة الاشتقاق، كذا ذكره الشارح المحقق، وفيه بعد؛ أما عدم الظفر فلأنه جعل من الأمثلة قول الحريري (قمشغوف بآيات المثاني) ومتصل به قوله، (ومضطلع بتلخيص المعاني، ومطّلع إلى تخليص عاني)، فيبعد غاية البعد أن يقال: لم يظفر بهذا المثال لشبه الاشتقاق، وأما الاكتفاء فلأن الاكتفاء بأمثلة قسم عن أمثلة قسم آخر بعيد، فالوجه أن يقال: جعل الملحقين بهما قسما، فاكتفى بإيراد أربعة أمثلة لكل قسم، إلا أنه زاد مثالا واحدا في قسم، وكلامه في الإيضاح واضح في أنه جعل الملحقين بالمتجانسين قسما واحدا وأنه لا يزيد إلا بتمثيل اثنى عشر قسما، غايته أنه ربما تكرر مثال بعض الأقسام، ثم ذكر لكل قسم من الأقسام المذكورة في التعريف أربعة أمثلة على طبق أقسام هذا القسم، ففي ذكر الأمثلة نشر على ترتيب اللف، إلا أنه زاد للقسم الآخر مثالا للمكررين الأربعة الأول، وللمتجانسين
(1) الأحزاب: 37.
(2)
نوح: 10.
(3)
الشعراء: 168.
الأربعة بعدها وللملحقين الخمسة الباقية.
[كقوله: سريع إلى ابن العمّ يلطم] أي يضرب بالكف المفتوحة [(وجهه وليس إلى داع النّدى)] أي العطا [(بسريع)](1).
(وقوله) أي قول صمة على وزن همة ابن عبد الله القشيري: ([تمتّع]) خطاب لصاحبه يدل عليه البيت السابق ([من شميم]) هو مصدر كالشم ([عرار])(2) هي وردة ناعمة صفراء طيبة الرائحة ([نجد]) ما خالف الفور من بلاد العرب ويسمى الغور تهامة ([فما بعد العشيّة من عرار]) من زائدة في اسم ما، اللفظ خير، والمعنى تلهف (وقوله) أي أبي تمام:([من كان بالبيض]) جمع بيضاء ([الكواعب]) جمع كاعبة وهي الجارية حين يبدو ثدياها للنهود والارتفاع [مغرما] كمصحف من الغرام، جاء بمعنى أسير الحب، والمولع بالشيء وكلاهما هنا حسن [(فما زلت بالبيض)] جمع أبيض كناية عن السيوف المصقولة المحددة ([القواضب]) أي القواطع ([مغرما])(3) يعني كما أن لذة الناس بمخالطة المحابيب الحسان لذتي بمخالطة السيوف القواطع، ولو حمل على أني أولعت بالبيض القواطع في أيدي الشجعان الغواضب علي، كمن أولع بالبيض الكواعب فاستقبلها لا محالة كاستقبال الناس البيض الكواعب، كان أبلغ في وصف شجاعته.
(وقوله:
وإن لم يكن إلا معرّج ساعة
…
قليلا فإنّي نافع لي قليلها) (4)
فاعل إن لم يكن ضمير راجع إلى التعريج الذي ضمن قوله ألما في البيت السابق إياه، بقرينة تعديته بعلى، وهو يتعدى بالباء، يقال ألم به أي نزل، والبيت السابق:
(1) البيت للأقيشر، وهو في الإشارات: 234، والمصباح: 165، الإيضاح:165.
(2)
البيت في الإيضاح: 339، والإشارات:296. العرار: وردة صفراء ناعمة طيبة الرائحة.
(3)
البيت في ديوانه: 3/ 336 من قصيدة يمدح فيها أبا سعيد محمد بن يوسف، والإشارات: 296، والإيضاح:339.
(4)
البيت لذي الرمة، غيلان بن عقبة، في ديوانه (2/ 912)(ج) دمشق، والإشارات: 296، والإيضاح 339. وفي الديوان (ألا تعلل ساعة) بدل من (ألا معرج ساعة).
ألمّا على الدّار الّتي لو وجدت بها
…
أهلها ما كان وحشا مقيلها (1)
أي: محل القيلولة فيها، وهي النوم في القائلة، أعني نصف النهار، يعني ما كان خاليا مقيلها، وهذا كناية عن تنعم أهلها وشرفهم؛ لأن أهل الثروة من العرب يستريحون بالقيلولة، بخلاف أهل المهنة فإنهم في القائلة مبتلون بالسعي والشغل؛ وتقدير ألما على الدار: ألما معرجين على الدار، والتثنية لتعدد المأمور، والضمير للتعريج، وحينئذ ظهر كون معرج ساعة خيرا كمال الظهور، بخلاف ما إذا كان الضمير للإلمام كما شرحه الشارح؛ فإنه مع الإبهام والمعرج على وزن اسم المفعول هنا بمعنى التعريج، وهو الإقامة أو حبس المطية على المنزل، وقليلا صفة مؤكدة للتعريج، لانفهام القلة من الإضافة إلى الساعة قبل ذكر قليلا، لا محالة، ولا مجال لتقييد التعريج بالصفة قبل تقييده بالإضافة حتى يكون كل من الوصف والإضافة تقييدا، كما ذكره الشارح، وقوله نافع خبر إن، وقليلها فاعله، ولا يجوز كونه مبتدأ خبره نافع، كما جوزه الشارح، لأنه يلتبس مع التأخير بالفاعل فيجب التقديم، كما في زيد قام، ولا ينفعك جواز الأمرين في ما قائم زيد؛ لأن تجويز كون زيد مبتدأ مع التأخير والالتباس؛ لأنه تعارض الالتباس كون قائم مبتدأ اضطراريا، فللكون في سعة من الابتداء يجوز فيه كون زيد مبتدأ، فلا يتم قياس ما نحن فيه عليه، وضمير قليلها إلى الساعة بتقدير مضاف أي قليل تعريج ساعة، كما ذكره الشارح، والأقرب أن يكون للتعريج بتأويل الإقامة.
هذا وفي المثال بحث، إذ لا بد من بيان فرق بينه وبين لو اختصرتم، حتى يصح جعل اختصرتم في حشو المصراع وجعل قليل في قليلها، في الآخر دون الحشو.
(وقوله: [دعاني]) تثنية دع بمعنى اتركاني [من ملامكما] الملام مصدر كالملامة ([سفاها]) بالفتح خفة العقل ونقيضه ([فداعي الشّوق]) الفاء للتعليل ([قبلكما دعاني])(2) فعل من الدعاء، والجناس بين دعاني ودعاني جناس
(1) البيت لذي الرمة في ديوانه: 2/ 912، وهو أسبق من البيت السابق.
(2)
البيت للقاضي الأرجاني، وهو في الإيضاح:339.
التركيب، لكونهما مركبين، ولو أردت تطبيقه على كون الجناس المركب بين مفرد ومركب لا غير فاجعل الجناس بين دعا ودعا، وكونه في آخر البيت ككون قليلها في آخره، وقد مر الكلام عليه، ويحتمل أن يكون البيت من قبل المكررين بأن يكون قبلكما خبر داعي الشوق، أي داعي الشوق كان قبلكما، ويكون دعاني في آخر البيت تكرار الأول، لكن ما حمله عليه المصنف أبلغ لما في المفتاح، والأحسن في هذا النوع أن لا يرجع الصدر والعجز إلى التكرار.
(وقوله) أي الثعالبي: [وإذا البلابل] جمع بلبل وهو الطائر المعروف [أفصحت] أي تكلمت بالفصاحة فالباء في قوله [بلغاتها] صلة أفصحت بمعنى تكلمت كما أنه في تكلم بالشيء أصله تكلم أو هو من أفصح الصبح أي ظهر والباء للتعدية، أي أظهرت لغاتها وجعلها متكلمة بلغات متعددة لاختلاف نغماتها [فانف البلابل] جعله الشارح المحقق جمع بلبال بمعنى الحزن لكن القاموس جعله كالبلبلة والبلبال بمعنى شدة الهم والوسواس، وبالجملة المراد نفي بلابل حدثت من إفصاح البلابل، لأن الصوت اللطيف يحرك أحزان الهوى [باحتساء] أي الشراب (بلابل)(1) جمع بلبل وهو من الكوز قناته التي يصب منها الماء أو جمع بلبلة وهو الكوز الذي فيه بلبل إلى جنب رأسه، والمقصود: نفي توله الحزن بشرب الخمر كثيرا، والمقصود بالتمثيل هو البلابل الثالث بالنسبة إلى الأول، وأما بالنسبة إلى الثاني فليس مما قصد به التمثيل، وإن كان من هذا الباب عند السكاكي، لأنه ليس منه عند المصنف، على أنه لم يذكر الممثل به هناك، لكن فيه رد لما ذكره الشارح المحقق في شرح المفتاح من أنا لم نظفر بأمثلة ما يكون الكلمة الأخرى في حشو المصراع الثاني في شيء من الصور.
(وقوله) أي الحريري يصف أهل البصرة بأن منهم الصالحين المشغوفين بتلاوة القرآن والتأمل فيها، ومنهم أهل النشاط المفتونين بآلات النشاط، هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون تفصيلا لأهل الحق من سكانه بأن منهم الزهاد المشغولين بالقرآن ومنهم أهل الوجد المفتونين بالأصوات الطيبة، كما هو شأن أهل الوجد، فالفاء في قوله:(فمشغوف) للتفصيل (بآيات المثاني) هو القرآن أو ما ثني منه
(1) البيت أورده القزويني في الإيضاح: 339، والجرجاني في الإشارات: 296، والبلابل الأولى. الطيور المعروفة، والثانية: الهموم، والثالثة أباريق الخمر.
مرة بعد مرة أو من الحمد إلى براءة، أو كل سورة دون الطوال، وفوق المفصل، أو سورة الحج والقصص والنمل والعنكبوت والأنفال ومريم والروم ويس والفرقان والحجر والرعد وسبأ والملائكة وإبراهيم وص ومحمد ولقمان والغرف والزخرف والمؤمن والسجدة والأحقاف والجاثية والدخان والأحزاب، ومن أوتار العود الذي بعد الأول واحدها مثنى كذا في القاموس (ومفتون) أي محروق اسم مفعول من الفتن بمعنى الإحراق أو بمعنى المعجب من الفتن بمعنى الإعجاب بالشيء أو مجنون من الفتن بمعنى الجنون. (برنّات) جمع رنة على وزن جنة بمعنى الصوت (المثاني) (1) قد علمت (وقوله) أي القاضي الأرجاني والأرجان من بلاد فارس:([أمّلتهم]) أي كنت راجيا منهم [(ثمّ تأمّلتهم)] أي تفكرت فيهم [(فلاح لي)] أي أظهر [(أن ليس فيهم فلاح)](2) أي فوز ونجاة، فقد أفاد باستعمال ثم أنه كان على الخطأ مدة مديدة لعدم التأمل، وباستعمال الفاء أنه ظهر بأدنى تأمل فتأمل (وقوله) أي البحتري:[(ضرائب)] جمع ضريبة بمعنى الطبيعة وهو المراد هنا وبمعنى المثل وهو المراد ثانيا وكلاهما مشتقان من الضرب أما الأول فمن الضرب بمعنى الصيغة يقال: درهم ضرب أي مصوغ، والطبيعة ما صيغ الشيء عليه، أو من الضرب بمعنى الخلط يقال ضرب الشيء بالشيء خلط به، وطبيعة الشيء ما خلط به وتمكن فيه، وأما الثاني فمن الضرب بالقداح، وأصله المثل في ضرب القداح [(أبدعتها في السّماح)] بالفتح مصدر سمح ككرم [(فلسنا نرى)] على صيغة المعروف معروف، فأما بمعنى الإبصار، وقوله (لك) متعلق بقوله نرى، و «فيها» حال من ضريبا (3) مفعول نرى، قدمت عليه لبكارته، وأما بمعنى العلم، وقوله فيها مفعوله الثاني قدم للاهتمام به، والأبلغ أن يكون نرى مجهول بمعنى نظن (وقوله:[إذا المرء لم يحزن]) أي لم يخزن من حد ضرب (عليه لسانه فليس على شيء) الظاهر على نفس مما يخص ذوي العقول،
(1) البيت للحريري من مقامته: 521، وأورده القزويني في الإيضاح: 340، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات، آيات المثاني: القرآن. رنات المثاني: المزامير.
(2)
البيت للأرجاني من قصيدة يمدح فيها شمس الملك بن نظام الملك، أورده الجرجاني في الإشارات: 297، والقزويني في الإيضاح:340.
(3)
البيت في ديوانه: 1/ 51، والتبيان: 179، والإيضاح:340.