المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فمنها ما يتذكّر بأدنى توجه، ومنها ما يتذكّر بعد توجه - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ٢

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌(الفصل و‌‌الوصل)

- ‌الوصل)

- ‌[والفصل]

- ‌[فشرط كونه مقبولا بالواو]

- ‌[فى بيان «كمال الانقطاع»]

- ‌[وأما كمال الاتصال]

- ‌[وأما كونها كالمنقطعة عنها]

- ‌[وأما كونها كالمتصلة بها]

- ‌ الجامع بين الشيئين)

- ‌[محسنات الوصل]

- ‌[والإيجاز ضربان]

- ‌[إيجاز القصر]

- ‌[وإيجاز حذف]

- ‌[وأدلة الحذف]

- ‌[الإطناب]

- ‌[ومنه باب نعم]

- ‌[ومنه التوشيع]

- ‌[وإما بذكر الخاص بعد العام]

- ‌[وإما بالتكرير]

- ‌[وإما بالإيغال]

- ‌[وإما بالتذييل]

- ‌[وإما لتأكيد مفهوم]

- ‌[أو بالتكميل]

- ‌[أو بالتتميم]

- ‌[أو بالاعتراض]

- ‌[وإما بغير ذلك]

- ‌[الفن الثاني علم البيان]

- ‌[انحصار علم البيان فى الثلاثة: التشبيه والمجاز والكناية]

- ‌ التشبيه

- ‌[أركانه]

- ‌ وأقسامه

- ‌[إما حسيان أو عقليان إو مختلفان]

- ‌[والمراد بالحسي]

- ‌[والعقلي]

- ‌[وما يدرك بالوجدان]

- ‌[وجه التشبيه]

- ‌[إما حسية كالكيفيات الجسمانية]

- ‌[أو عقلية كالنفسية]

- ‌[وإما إضافية]

- ‌[وأيضا إما واحد]

- ‌[أو متعدد]

- ‌[والعقلي أعم]

- ‌[والمركب الحسي فيما طرفاه مفردان]

- ‌[أو مركبان]

- ‌[أو مختلفان]

- ‌[ويجوز التشبيه أيضا]

- ‌[إما تشبيه مفرد بمفرد]

- ‌[وإما تشبيه مركب بمركب]

- ‌[وإما تشبيه مركب بمفرد]

- ‌(وباعتبار وجهه)

- ‌(إما تمثيل أو غير تمثيل)

- ‌[إما مجمل او مفصل]

- ‌[إما قريب مبتذل أو بعيد غريب]

- ‌[وإما لكثرة التفصيل أو لقلة تكريره]

- ‌[وباعتبار أداته]

- ‌[وباعتبار الغرض]

- ‌(خاتمة)

- ‌[وأعلى مراتب التشبيه]

- ‌(الحقيقة والمجاز)

- ‌[والوضع تعيين اللفظ]

- ‌[والمجاز مفرد ومركب]

- ‌[والمجاز المرسل]

- ‌[الاستعارة واقسامها]

- ‌ وقرينتها

- ‌[وهي باعتبار الطرفين قسمان]

- ‌[وباعتبار الجامع قسمان]

- ‌[فالجامع إما حسي وإما عقلي واما مختلف]

- ‌[وباعتبار اللفظ قسمان]

- ‌[وباعتبار آخر ثلاثة أقسام]

- ‌(فصل) الأقوال في الاستعارة بالكناية ثلاثة:

- ‌[فصل قد يضمر التشبيه في النفس]

- ‌[فصل: عرف السكاكي الحقيقة]

- ‌[وعرف المجاز اللغوي]

- ‌[وقسم المجاز الى الاستعارة وغيرها]

- ‌(وفسر التحقيقية

- ‌[وفسر التخيلية]

- ‌[فصل: حسن كل من التحقيقية والتمثيل]

- ‌[فصل: قد يطلق المجاز على كلمة تغير حكم إعرابها]

- ‌وذكر الشارح المحقق له وجهين:

- ‌(الكناية)

- ‌[وهي ثلاثة أقسام]

- ‌[فصل: أطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة]

- ‌([الفن الثالث] علم البديع)

- ‌(وهي ضربان) أي الوجوه المحسنة نوعان:

- ‌[من المحسنات المعنوية]

- ‌[ومنه مراعاة النظير]

- ‌[ومنه الإرصاد]

- ‌[المشاكلة]

- ‌[(ومنه: المزاوجة)]

- ‌[التورية]

- ‌[الاستخدام]

- ‌[اللف والنشر]

- ‌[ومنه التجريد]

- ‌[ومنه المبالغة المقبولة]

- ‌[ومنه المذهب الكلامي]

- ‌[ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم]

- ‌[ومنه تأكيد الذم بما يشبه المدح]

- ‌[ومنه الاستتباع]

- ‌[ومنه الإدماج]

- ‌[ومنه التوجيه]

- ‌[ومنه متشابهات القرآن]

- ‌[ومنه الهزل وتجاهل العارف]

- ‌[ومنه القول بالموجب]

- ‌[وأما اللفظي فمنه الجناس بين اللفظين]

- ‌[فإن كانا من نوع واحد كاسمين سمي تماثلا]

- ‌[وإن كانا من نوعين سمي مستوفي]

- ‌[وإن اتفقا في الخط خاص باسم المتشابه]

- ‌[وإن اختلفا في هيئات الحروف فقط سمي محرزا]

- ‌[وإن اختلفا في أعدادها يسمى ناقصا]

- ‌[وإن اختلفا في أنواعها فيشترط ألا يقع]

- ‌[وإن اختلفا في ترتيبها يسمى تجنيس القلب]

- ‌[ومنه السجع]

- ‌[ومن السجع ما يسمى التشطير]

- ‌[ومنه الموازنة]

- ‌[ومنه القلب]

- ‌[والتشريع]

- ‌[ومنه لزوم ما لا يلزم]

- ‌(خاتمة)

- ‌(في السرقات)

- ‌ الظاهر

- ‌[السرقة والأخذ نوعان]

- ‌[وأما غير الظاهر]

- ‌[أما الاقتباس فهو أن يضمن الكلام]

- ‌[فصل ينبغي للمتكلم أن يتأنق في ثلاثة مواضع]

- ‌[أحدها: الابتداء]

- ‌[ثانيها: التخلص]

- ‌[ثالثها: الانتهاء]

الفصل: فمنها ما يتذكّر بأدنى توجه، ومنها ما يتذكّر بعد توجه

فمنها ما يتذكّر بأدنى توجه، ومنها ما يتذكّر بعد توجه تام، وفيه منع لجواز استناد الاختلاف إلى الاختلاف في الذكاء والغباوة، ويدفعه ظهور اختلاف الأذكياء والأغبياء في ذلك، من غير تفاوت الذكاء والغباوة.

(ولصاحب علم المعاني)(1) الأحسن أن يجعل تحت التعليل أي:

لاختلاف أسبابه يكون لصاحب علم المعاني، أي: لصاحب مباحث الفصل والوصل، والتعبير عنه بعلم المعاني تلويح إلى ما اشتهر فيما بينهم من دعوى حصر البلاغة في الفصل والوصل كما سمعت، ولا يليق بك أن تظن إن كان اللائق ولطالب علم المعاني (فضل احتياج إلى معرفة الجامع) فيقع في الاعتذار بأن العدول إلى الصاحب للتفاؤل للطالب؛ لأن المراد بالجامع جزئياته الواقعة في التراكيب في مقام رعاية الفصل والوصل يرشدك إليه المعرفة فلا تجهل (لا سيما الخيالي فإن جمعه على مجرى الإلف والعادة).

ولا يخفى أن الناس فيهما على أنحاء شتى لا يكاد يحيط بها الجهد والطاقة، والشارح المحقق حمل علم المعاني على حقيقته فاحتاج في إثبات الدعوى إلى دعوى أن أعظم أبوابه الفصل والوصل، وهو مبني على الجامع، وفي الدعوى خفاء لا يدفعه إلا أنه ادّعاء.

[محسنات الوصل]

(ومن محسنات الوصل)(2) فيه إشعار بأن للعطف غير ما ذكر من المحسنات أيضا.

قال الشارح: ومن محسنات الوصل بعد تحقق المجوزات.

قلت: الظاهر أنه من المحسنات بالحسن الذاتي الداخل في البلاغة؛ حيث ذكر في المعاني دون البديع فهو أيضا من المجوزات التي لا بد للبليغ منه (تناسب الجملتين في الاسمية والفعلية) لم يقل اسمية الجملتين وفعليتهما مع أنه أخصر

(1) هذا أيضا من كلام السكاكي.

(2)

حسن الوصل في ذلك لا ينافي أنه واجب بلاغة عند اقتضاء الحال له، فإنه إذا كان المقام للثبوت في الجملتين وجب تناسبهما في الاسمية، وإذا كان للتجدد وجب تناسبهما في الفعلية؛ لأن ما يجب بلاغة يستند أكثره إلى التحسين، ولهذا كان كل ما وجب لغة وجب بلاغة من غير عكس، وقيل: إن ذلك من الحسن البديعي؛ لأن محله عند قصد النسبة في الجملتين من ضمن أي خصوصية كانت، فيكون التناسب جائزا لا واجبا.

ص: 45

للإشعار بوجه التحسين. (والفعليتين في المضي والمضارعة) والمضارعتين في الحالية والاستقبالية.

قال صاحب «المفتاح» : إذا أردت مجرد نسبة الخبر إلى المخبر عنه من غير التعرض بقيد زائد كالتجدد والثبوت، وغير ذلك لزم أن يراعي ذلك فتقول: قام زيد، وقعد عمرو، وزيد قائم، وعمرو قاعد، وفيه إشكال وهو أنه كيف يجامع إيراد الماضي عدم إرادة التجدد؟ ، ويدفع بأن المراد مجرد ثبوت المثبت الماضوي من غير زائد من الحدوث في الماضي، وكذا لا ينبغي زيد قائم، وقام عمرو، مع أن كليهما ماضوي للتفاوت بالاسمية والفعلية؛ ولذا يختار النصب في: قام زيد، وعمرا أكرمته، ويختلف المعطوف عليه في: زيد قام، وعمرو أكرمته، وزيد قام، وعمرا أكرمته.

وزعم الشيخ ابن الحاجب أنه يختلف الاعتبار في المعطوف عليه ففي النصب يعتبر فعليتها، وفي الرفع اسميتها والجملة ذات وجهين؛ ولهذا لم يحتج النصب إلى ضمير راجع إلى المبتدأ؛ لأنه ليسا عطفا على الخبر.

وتوجيه الشيخ هذا شاهد بكمال دقة نظره إلا أنه لا بد له من بيان وجه استواء النصب مع الرفع مع غناء الرفع عن الحذف، ولا يجرى فيه ما ذكروه من قرب المعطوف عليه باعتبار العطف على الخبر إلا أن يقال: فعليتها أولى بالاعتبار؛ لأنه باعتبار الخبر الذي هو محض الفائدة. (إلا لمانع) وهو اختلاف القصد بالمعطوف والمعطوف عليه فإنه يمنع عن رعاية توافقهما، فاللازم حينئذ عدم التناسب، ويستفاد مما ذكروه أن محسنات الفصل عدم تناسب الجملتين في الفعلية والاسمية وما شاكل ذلك فإنه يقوي مقتضى الفصل ويربيه فافهم.

وهذا آخر مباحث الفصل والوصل. ومنه الانتقال إلى الفرع بعد الفراغ من الأصل فإن البحث في هذا الباب عن الحال بالتبعية، لا بالاستقلال يدل عليه عنوان الباب والله أعلم بالصواب.

(تذنيب) في القاموس: ذنبه يذنبه كيضرب وينصر: تلاه ولم يفارقه، فعلى هذا التذنيب جعل الشيء تاليا للشيء غير مفارق عنه، وهل هو عربي أو مصنوع؟ أهل التدوين لم نجده في كتب اللغة، وفي عبارة الصحاح: ذنب

ص: 46

عمامته إذا جعل له علامة وهو أيضا يناسب المقام، والذنابة بالضم التابع، وفي تسمية المبحث تذنيبا لا ذنابة إشارة إلى أن إيراد بحث الحال في بحث الوصل والفصل لا يخلو عن تكلف تنزيل الشيء منزلة غيره، وأنه ليس مانعا للفصل والوصل في حد ذاته إنما صار تابعا يجعل للقوم، وتصرف منهم وتنزيل له منزلة ما هم فيه في هذا البحث.

(أصل الحال المنتقلة) وهي ما لا يكون لصاحبها غالبا أو دائما، وتقابلها الدائمة والمؤكدة على رأي، وخصت المؤكدة بما تقرر مضمون الجملة الاسمية على رأي، وقيل، ليس ذلك التقرير الحال المؤكدة، بل شرط وجوب حذف عاملها، وكونه شرطا لها إنما هو ظاهر العبارة والحق تأويلها.

وفي «المفتاح» : أن الحال المطلق هي المنتقلة وما يقابلها يقيد بالمؤكدة. (أن يكون بغير واو) وإنما قيدها بالمنتقلة؛ لأن المؤكدة يجب فيها ترك الواو نحو: هو الحق لا شبهة فيه، على ما صرح به «المفتاح» وتبعه «اللباب» ، فلا وثوق بإطلاق عبارة بعض النحاة أن الحال التي هي جملة اسمية بالضمير وحده ضعيف، والأولى أن لا تقيّد الحال بالمنتقلة؛ لأن أصل الحال مطلقا ذلك إلا أنه وجب هذا الأصل في المؤكدة لتأكد مقتضى ترك الواو بكونه مؤكدا، ولا مجال للواو بين المؤكد والمؤكد، ولا ينافي وجوب الأصالة؛ إذ الأصل في الفاعل التقديم على معمولات الفعل، وربما يجب تقديمه، وله غير نظير: أن يكون بغير واو في المفتاح؛ لأنها معربة بالأصالة لا بالتبعية، ولا مجال للواو في المعرب بالأصالة، والتحقيق فيه:

هو أن الإعراب دالّ على تعلق معنوي للمعرب بشيء في الكلام فوجود الإعراب بلا واو يكفي في إفادة التعلق، ويغني عنه، هذا كلامه إلا أنه عبره الشارح المحقق إلا أن الإعراب للدلالة على المعاني الطارية على المعرب بسبب تركيبه مع العوامل، فاتجه عليه أنه لا يتم في المعرب بالعامل المعنوي؛ إذ لا تركيب فيه مع العامل ومن أدلة المفتاح ما أشار إليه بقوله:(لأنها في المعنى حكم على صاحبها كالخبر) لأنك تقيد بها ثبوت أمر لصاحبها ربما لا يعلمه المخاطب قبل سماع الحال. وقوله:

ص: 47

(أو وصف له) أي: في المعنى وصف له (كالنعت) زيادة على «المفتاح» من المصنف، فهي ذات جهتين لها شبه بالخبر في أنه ربما يفيد حكما كما لا يعلمه المخاطب، وشبه بالنعت لدلالتها على معنى في الصاحب، وكونها بحيث لو أسقط لم يختل الكلام، ولم يخرج عن التمام، ويرد على تلك الوجوه الثلاثة دخول الواو في الخبر في قولهم:

فلمّا صرّح الشّرّ فأمسى وهو عريان

وفي قوله: ما أحد إلا وله نفس أمارة، وفي النعت، كقوله تعالى:

سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ (1) وقوله تعالى: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (2) والجواب بعد تسليم أن مدخول الواو في هذه الأمثلة كلها خبر أو صفة أنه لا ينافي أصالة عدم الواو لندورها وخروجها عن الأصل، ونحن نزيد لك وجها رابعا، وهو أن الحال في المعنى ظرف لعامله، ولا واو في الظروف ويرد عليه شيء من تلك الحروف.

(ولكن خولف) هذا الأصل (إذا كانت) الحال (جملة) في الجملة لأنه لم يخالف في جملة فعلها مضارع مثبت، وتلك المخالفة تارة على سبيل الوجوب، وتارة على سبيل الرجحان وتارة على سبيل التساوي.

قال الشارح المحقق: وإنما جاز كونها جملة؛ لأن مضمون الحال قيد لعاملها ويتضح التقييد بمضمون الجملة، ونحن نقول: لأنها في المعنى خبر ونعت، ويصح كونهما جملتين (فإنها) تعليل للمخالفة (من حيث هي جملة (3) مستقلة بالإفادة فيحتاج إلى ما يربطها بصاحبها) وأيضا الأصل في الجملة الاستقلال فلا يخرج عنه إلا لموجب.

(وكل من الضمير والواو صالح للربط، والأصل الضمير (4) بدليل

(1) الكهف: 22.

(2)

الحجر: 4.

(3)

أي لا حال.

(4)

يعني في نظر البلقاء، فلا يعدل عنه إلا لنكتة تدعو إلى زيادة ارتباط الحال بصاحبها كقصد الاهتمام أو نحوه فيؤتى بها عند ذلك جملة مستقلة وتربط بالواو وحدها أو مع الضمير، أما النحاة فيستوي عندهم الحال المفردة والجملة، والربط بالضمير والواو.

ص: 48

المفردة) من الأحوال (والخبر والنعت) والصلة، ويتجه عليه أن المتبادر منه والمفرد منها أن المفردة ترتبط لصاحبها بالضمير، مع أنه كالجهد يرتبط بنفسها كما يحكم به الوجدان واعتبار الضمير؛ لأنه لا بد له من فاعل، ويمكن دفعه بأن المراد المفردة التي مسندة إلى متعلق الصاحب نحو: جاء زيد قائما أبوه، والمراد أن الأصل الضمير فقط، فالعدول في الحال إلى ضميمة الواو أو مجردها لداع، وذلك أن الحال لكون ما قبلها يتم بدونها احتاجت إلى مزيد رابط، وهو الواو الدالة على الربط من أول الأمر ولا ينتقض بالنعت؛ لأن النعت كثيرا ما لا يتم ما قبله بدونه كما في: رجل يعلم فعل كذا.

قال الشارح المحقق: الواو أشد في الربط من الضمير؛ لأنها الموضوعة له، وتوضيحه أن الضمير يذكر في الكلام لغرض آخر، ويلزمه الربط بخلاف الواو.

والمستفاد من هذا الكلام أن الواو في الحال لمزيد الربط، لكن في «المفتاح» أن الواو في الحال لداعى الوصل بين الجمل التي ليس بينهما كمال الاتصال وشبهه ولا كمال الانقطاع وشبهه مع وجود الجامع.

(فالجملة) التي تقع حالا (إن خلت عن ضمير صاحبها وجب فيها الواو) فلا يجوز: خرجت زيدا على الباب، سواء كان اللام في قوله: الباب للعهد حتى يكون في قوة يأتي أو للجنس لعدم الضمير هذا مقتضى ظاهر بيانهم، والقياس على الخبر الجملة يحكم بأن المراد بالضمير العائد.

قال الشارح: وجوّزه البعض عند ظهور الملابسة.

قلت: جعل الصحاح مثله بتقدير الواو. ومن مواضع وجوب الواو ما في «المفتاح» من نحو: جاءني رجل وعلى كتفه سيف إذ لو لم يذكر الواو لالتبس بالصفة، ولما أوهم هذا الكلام وجوب الواو في: جاء زيد ويتكلم عمرو عقّبه بقوله: (وكل جملة خالية من ضمير ما يجوز أن ينتصب عنه حال يصح أن تقع حالا بالواو إلا المصدرة بالمضارع المثبت، نحو: جاء زيد ويتكلم عمرو لما سيأتي) من وجه الامتناع في المضارع الغير الخالي عن ذلك الضمير لظهور اشتراك الوجه.

ص: 49

قال الشارح المحقق: ما يجوز أن ينتصب عنه حال الفاعل والمفعول المعرفان أو المنكران المخصوصان.

قلت: المنكّر المخصوص شرط نصب الحال المؤخر عن صاحبها لا شرط نصب الحال مطلقا فالنكرة المحضة أيضا مما يجوز أن ينتصب عنه حال، فإن كان يجوز أن ينتصب عنها الحال التي هي جملة مؤخرة مع الواو، كما في المفتاح فلا يصح إخراجها ويمتنع تقييد النكرة بالمخصوصة، وإن لم يجز نصب الحال عنها مع تأخرها، كما هو ظاهر عبارة كتب النحاة.

فعبارة المتن فاسدة؛ إذ لا يجوز دخول الواو في الجملة الحالية التي صاحبها نكرة محضة لوجوب تقديمها على النكرة، ولا يتقدم الحال مع الواو؛ ولأنه كتقديم المعطوف على المعطوف عليه، وإنما لم يقل عن ضمير صاحبها؛ لأن ما يجوز أن ينتصب عنه حال أعم من صاحبها فربما يصير صاحبها بجعل الجملة حالا بالواو، وربما يمتنع أن يصير صاحبها بامتناع جعلها حالا كما في المصدرة بالمضارع المثبت.

وما وجهه به الشارح المحقق شاهد عن غفلة معجبة؛ حيث قال: إنما لم يقل عن ضمير صاحب الحال؛ لأنه خبر المبتدأ هو قوله: يصح أن يقع حالا عنه بالواو، وما لم يثبت هذا الحكم لم يصح إطلاق صاحب الحال عليه إلا مجازا فإنه يشعر بأنه يصح صاحب الحال مجازا، والمصنف اجتنب عنه تحرزا عن التجوز، وقد عرفت أنه لا يصح تجوزا أيضا في نحو: جاء زيد ويتكلم عمرو، وإنما قال:

يجوز أن ينتصب عنه حال، ولم يقل يجوز أن ينتصب تلك الجملة حالا عنه لتدخل فيه الجملة المصدرة بالمضارع المثبت، حتى يصح الاستثناء؛ لأنه لا يجوز نصب تلك الجملة حالا عنه.

لكن يجوز نصب حال عنه، ونحن نقول: يجب أن يستثنى المصدر بالماضي الخالي عن قد لفظا أو تقديرا أيضا، والمراد بقوله: كل جملة غير دائمة بقرينة أن الكلام في الحال المنتقلة فلا يلزم صحة وقوع الجملة الخالية عن الضمير حالا بالواو، مع كونها مؤكدة ولا اعتداد بإيهام عبارته جواز وقوع المصدرة بالمضارع المثبت حالا مع خلوها عن الضمير بلا واو؛ لأنه لم يخرج إلا عن الحكم بصحة

ص: 50

وقوعها حالا بالواو، لا عن صحة وقوعها حالا مطلقا؛ لأنه يدفع هذا الوهم إيجاب الواو في الخالية عن الضمير، والمراد: كل جملة صح أن يقع حالا في الجملة يعني يصح من نوعها وقوعه حالا وإلا لورد الجملة الإنشائية الخالية عن ضمير ما يجوز أن ينتصب عنه حال.

قال الشارح المحقق: القرينة عليه سوق الكلام، ويتجه عليه أن السوق يقتضي إرادة جملة صح أن يقع حالا، لا أن يقع نوعهما حالا، إلا أن يقال:

السّوق يقتضيها لاستثناء ويتكلم عمرو عنها.

والحاصل أن الظاهر تقييد الجملة بصحة وقوعها حالا، والاستثناء صرفها عن صحة وقوع خصوصها حالا، فبقي اشتراط صحة وقوع نوعهما، لكن لا يخفى أنه تكلف، وكان الأخصر الأوضح: أن يقول بدل قوله: وكل جملة إلخ، ويمتنع دخول الواو عن المضارع المثبت لما سيأتي، ومما لا يصح وقوعها حالا عند النحاة: الجملة الشرطية لزعمهم أن حرف الشرط لطلبه صدر الكلام يمتنع ارتباط جملتها لذي الحال بخلاف المبتدأ؛ لأن اقتضاءه للخبر أقوى من اقتضاء ذي الحال فلا تقع الشرطية في موقع الحال إلا إذا جعل خبرا «عن» ضمير ذي الحال نحو:

جاء زيد وهو إن يسأل تعط وما ذكروا منتقض بإن المكسورة، فإن الجملة المصدرة بها تقع حالا، وبالصفة فإن اقتضاء الموصوف ليس أشد من اقتضاء ذي الحال وإن ادعوه بسند مزيد اشتباك النعت بالمنعوت؛ لأن مزيد الاشتباك خفيّ إلا أن يقال: النعت مخصوص التعلق بالمنعوت بخلاف الحال فإن له تعلقا بالعامل وتعلقا بصاحبها، واقتضاء المقتضي لما اختص به أشد من المشترك بينه وبين غيره.

وما ذكر من أن المصدرة بالمضارع المثبت لا يقع حالا بالواو، «وإن» الشرطية لا تقع حالا بمنع حرف الشرط إنما يصح في غير مضارع بعد حرف شرط حذف جوابه الذي يكون ضد الشرط أولى بكونه ملزوما لذلك الجزاء نحو أكرمك وإن تشتمني، فإن صاحب «الكشاف» ذهب إلى أن الواو في مثل هذا الشرط للحال، وهو خرج عن طلب الجزاء بدخول الواو الحالية إلا أن يكون تابعا للخبري حيث جعل الواو عاطفة على شرط محذوف أي: إن لم تشتمني وإن

ص: 51

تشتمني، أو لما قيل: إن الواو اعتراضية، والجملة معترضة.

(وإلا) أي: وإن لم تخل الجملة التي تقع حالا عن ضمير صاحبها، فإما أن تكون فعلية أو اسمية، والفعلية إما أن يكون فعلها مضارعا أو ماضيا، والمضارع إما أن يكون مثبتا أو منفيا.

فمنها ما يجب فيه الواو، ومنها ما يمتنع، ومنها ما يستوي فيه الأمران، ومنها ما يترجح فيه أحدهما، فأشار إلى بيان ذلك وأسبابه بقوله:(فإن كانت فعلية والفعل مضارع مثبت، امتنع دخولها أي: دخول الواو (نحو: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (1)) أي: لا تعط والحال أنك لا تعده كثيرا، والنهي راجع إلى الحال وإلا فالعطاء غير ممنوع؛ (لأن الأصل) في الحال هي الحال (المفردة).

قال الشارح المحقق: بعرافة المفرد في الإعراب، وتطفل الجملة عليه بسبب وقوعها موقعه، وهذا يوجب أن يكون الأصل المفردة الغير المثبتة؛ إذ لا عرافة لها في الإعراب، والحكم بإعرابه لوقوعه في محل لو وقع فيه معربا لأعرب؛ فالأولى أن يبين عرافته في الحالية بالعرافة في الارتباط، فإن المفردة ترتبط بذاتها، والجملة إنما ترتبط بتأويلها بالمفردة.

(وهي تدل على حصول صفة) عارية عن شائبة النفي؛ إذ نهج الحال أن يقال: جاء زيد راكبا، ولا يقال ماشيا، وأن يقال: جاء زيد ماشيا لا راكبا صرح به «المفتاح» .

وقال السيد السند في شرح «المفتاح» : يمنع عن قولنا: لا راكبا نظر البليغ وأن لا ينازع فيه النحوي، فلا يرد أن ثبوت صفة يوجد مع النفي؛ لأن النفي أيضا صفة، إلا أنه صفة غير محصلة (غير ثابتة (2) مقارن) ومعنى المقارنة:

اتحاد زمان مضمون عامله ومضمونه، لا اتصال زمانيهما، كما هو ظاهر المقارنة لما جعل (قيدا له) من عامله (وهو كذلك) أي: المضارع المثبت، كالمفردة في جميع هذه الصفات، فكما لا تدخل الواو، والمفردة لا تدخله، وإنما جعلنا

(1) المدثر: 6.

(2)

هذا مبني على جعله أصل الكلام هنا في الحال المنتقلة والحق كما سبق أنه في الحال المؤسسة منتقلة كانت أو لازمة.

ص: 52

ضمير وهو كذلك راجعا إلى المضارع لما في الإيضاح والمضارع كذلك، ودلالة المضارع يستلزم دلالة الجملة الحالية، وبهذا الاعتبار يتم التعليل، وإلا فالمطلوب امتناع دخول الواو على الجملة الحالية بمشابهتها المفردة، فلا يفيد مشابهة المضارع، ولك أن تجعل ضمير وهو راجعا إلى هذا القسم من الفعلية التي فعلها مضارع، وتجعل قوله:(أما الحصول فلكونه فعلا مثبتا) في تقدير فلكون فعله فعلا مثبتا.

وقوله: (وأما المقارنة فلكونه مضارعا) في تقدير فلكون فعله مضارعا، وهكذا الحال في نظائره في الحمل والصرف عن ظاهره، ووجه دلالة المضارع على المقارنة أنه يدل على الحال بحكم الوضع والحال مقارن لزمان عامله، وهذا غلط نشأ من اشتراك لفظ الحال بين ما يقابل زمان استقبال وبين ما نحن فيه، وإنما ركن المصنف إليه؛ لأنه شاع في هذا المبحث هذه المغلطة فلاح له أنهم بنوا هذا التعليل عليه، وإن كان ظاهر الضعف و «للمفتاح» مسلك آخر، وهو أن المشارك للمفردة في الدلالة على الحصول وعدم الثبوت يأبى عن الواو، وهو المضارع فقط؛ إذ الماضي المثبت لمقارنة قد لفظا أو تقديرا كالمنفي فإنه قد سلب الاحتمال عن الماضي، كيف والماضي قبل دخول قد عليه احتمل كل جزء من أجزاء الماضي، وقد حصره فيما يقرب الحال كما أن النفي جعله مستغرقا غير محتمل لكل جزء، والشارح قال: الأولى أن يتمسك بدل الدلالة على المقارنة بأنه يوازن اسم الفاعل، وبتقديره معنى؛ لأنه يشترك بين الحال والاستقبال، ونحن نقول:

المضارع يشارك اسم الفاعل في الإعراب، ولما جاء في النظم والنثر الواو مع ما يظن به أنه حال وجب عليه الذّبّ عن قاعدته الممهدة من امتناع دخول الواو على المضارع المثبت.

فقال: (وأما ما جاء من نحو) وأشار بإدراج لفظ النحو إلى أنه غير مقتصر على ما ذكر (قول بعض العرب: قمت وأصك وجهه، وقوله) أي: عبد الله ابن همام السلولي

[(فلمّا خشيت أظافيرهم) أي: أسلحتهم، كذا في الشرح، ولك أن تريد قوتهم على عكس ما شاع من التعبير عن الضعف بقلم الأظافر (نجوت وأرههم

ص: 53

مالكا] (1).

فقيل: على حذف المبتدأ أي: أنا أصك وأنا أرهنهم) وهو بعيد؛ إذ لا ينبغي للبليغ أن يبرز تركيبه بالحذف في معرض الممتنع (وقيل: الأول شاذ) مخالف للقياس (والثاني ضرورة).

وقال عبد القاهر: هي أي: الواو (فيهما للعطف والأصل قمت وصككت، ونجوت ورهنت عدل) من لفظ الماضي (إلى لفظ المضارع حكاية للحال الماضية) وإحضارا لها في صورة الكائن المتحقق في الحال لغرابتها، (وإن كان) الفعل مضارعا (منفيا فالأمران) الظاهر الأمران بدون الفاء ليكون بتقدير جاز الأمران في مقابلة امتنع دخولها، وكأنه أشار بذكر الفاء إلى تقدير الماضي، مع قد للتحقيق المناسب لمقام المخالفة مع «المفتاح» حيث جعل الأمرين مستويين.

وقد رجح «المفتاح» ترك الواو، ولم يجعل استواء الأمرين إلا في الظرف الذي يحتمل الاسمية والفعلية، ورأيته على كتفه سيف، لأنه يحتمل تقدير سيف على كتفه، وتقدير يكون على كتفه سيف (كقراءة ابن ذكوان) كعطشان راوي ابن عامر (فاستقيما ولا تتبعان (2) بالتخفيف) أي: بتخفيف النون، فإن لا حينئذ للنفي دون النهي؛ فيكون إخبارا فلا يصح العطف فتعين أن يكون حالا.

كذا في الشرح.

وفيه أنه فليكن نفيا في معنى النهي، عبر عنه بصورة الخبر مبالغة فيكون موافقا للقراءة العامة نهيا ونفيا وتأكيدا (ونحو وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ) (3) أي: ما نصنع حال كوننا غير مؤمنين، ومجموع الآيتين مثال جواز الأمرين والشارح جعلهما مثالين للواو ولتركه بطريق اللف والنشر وإعادة النحو في قوله:

ونحو ما لنا يرجح نحوه.

(1) البيت في إصلاح المنطق: 231، 249، خزانة الأدب: 9/ 36، والشعر والشعراء 2/ 655، معاهد التنصيص 1/ 285، الإيضاح:165.

(2)

يونس: الآية 89.

(3)

المائدة: 84.

ص: 54

وأشار إلى وجه جواز الأمرين بقوله (لدلالته على المقارنة؛ لكونه مضارعا دون الحصول) أي: الثبوت والتجدد فإن كلا منهما منتف أما الثبوت فللنفي، وأما الحدوث فلأن النفي أزلى، وإليهما أشار بقوله:(لكونه منفيا) ومما ينبغي أن يعلم أن المنفي بلن لا تقع حالا؛ لأنها حرف استقبال ويشترط في الجملة الواقعة حالا خلوها عن حرف الاستقبال كالسين ولن ونحوهما.

وعلله النحاة بتنافي الحال والاستقبال، وهذه مغالطة ظاهرة نشأت من اشتراك لفظ الحال بين هذا القسم من المنصوب وبين ما يقابل الاستقبال؛ ولما كان هذا غلطا فاحشا أراد الرضي أن يبريهم عن الغلط بأن يجعل كلامه بيان سرّ نحويّ صار دأبهم فيه القناعة بما هو أوهن عن بيت العنكبوت فقال: معنى كلامهم أنهم لم يرضوا بتقدير الحال بما يوهم التنافي بينه وبين الحال، بناء على أن له منافاة بمعنى آخر للحال.

وقال السيد السند: اشتراك لفظ الحال بين ما ينافي الاستقبال وبين الجملة الحالية الغير المنافية له لا يقتضي كراهة تصدير الجملة الحالية بعلم الاستقبال فهذا وجه مستتبع جدّا، وقد عرفت أن الكراهة لإيهام التنافي، وهو مما يقنع به في الاستعمالات، نعم هنا أمر آخر يتعجّب عن غفلة هؤلاء الفحول عنه، وهو أن وضع الحال للجملة الحالية استعمال نحوي حدث بعد وضع اللغة بمدد مديدة، فكيف يجعل الإيهام الناشيء من قبله داعيا لاستعمال العرب وتحرزهم فيه عما يوهم التنافي بعد هذا الوضع، ولا يبعد أن يقال: التحرز عن دخول علم الاستقبال؛ لأنه بمنزلة اسم الفاعل لمشاركته له لفظا ومعنى، ولا يدخل عليه ما هو علم الاستقبال فلم يرضوا لدخوله على ما هو بمنزلته، وإنما رضوا بدخول لم ولما لأنهما يخرجانه إلى المضي، فلا يكون كاسم الفاعل معنى. وزعم بعض النحاة أن المنفي بلفظ ما يجب أن يكون بدون الواو لأن المضارع المجرد يصلح للحال فكيف إذا ضمّ إليه ما يدل بظاهره على الحال، وهو ما وهذا مبني على أن يكون وجه امتناع المضارع عن الواو وظهوره في الحال.

وأما على ما ذكره المصنف فغير متجه لفوات الدلالة على الحصول بل الحدوث؛ لأن النفي في الحال لا ينافي الاستمرار فالجواب عما ذكروا منع كون

ص: 55

العلة ما ذكروه لا أن الدلالة على الحصول قد فاتت كما ذكره الشارح، وجعل ما ذكره راجعا إلى ما ذكرنا بعيد عن سوق كلامه ولا مشاحة مع من يرضى في مقام التوجيه بإخراج البياني عن نظامه.

والشيخ عبد القاهر نص على جواز الواو مع ما (وكذا) أي: كالمضارع المنفي (إن كان) الفعل في الجملة الحالية (ماضيا لفظا أو معنى) بأن يكون مضارعا منفيا بلم أو لما في جواز الأمرين على السواء، واستوفى أمثلة الأقسام إلا لما، لا مع الواو.

وقال الشارح لأنه لم يجده: وحكمه بجواز الأمرين فيه بمقتضى القياس (كقوله تعالى: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ (1) وقوله: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) (2) واستدل به من يوجب قد في الماضي المثبت (وقوله: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ (3) وقوله: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ (4) وقوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ (5) أما المثبت فلدلالته على الحصول) لكونه فعلا مثبتا دون المقارنة لكونه ماضيا والماضي لا يقارن الحال، وفيه ما مضى من المغالطة، وكذا في قوله (ولهذا) أي: لعدم دلالته على المقارنة (شرط) الماضي المثبت (بأن يكون مع قد ظاهرة أو مقدرة).

وقال الشارح: التقدير شرط في الماضي المثبت أن يكون مع «قد» ظاهرة أو مقدرة؛ لأن «قد» تقرب الماضي من الحال، ودفع الرضي المغالطة بمثل ما سمعت، وتعقبه السيد بمثل ما تعقب به سابقا فتذكر ما سمعت منا، ومما زاد الشارح في هذا المقام أنه قال: لو كان المعتبر هو المقارنة للحال التي هي زمان التكلم؛ لوجب تصدير المضارع المثبت بالواو إذا كان العامل مستقبلا كقولنا:

سيجيء الأمير تقاد الجنايب بين يديه؛ لعدم المقارنة للقطع بأن المضارع

(1) آل عمران: 40.

(2)

النساء: 90.

(3)

مريم: 20.

(4)

آل عمران: 174.

(5)

البقرة: 214

ص: 56

هاهنا ليس بمعنى الحال، وفيه: أولا أن اللازم عدم صحة الوقوع حالا، لا وجوب الواو التي هي فرع الوقوع حالا، وثانيا أنه بانتفاء الدلالة على المقارنة ينتفي استواء الأمرين دون وجوب الواو، ويمكن دفع الثاني بمزيد تكلف تركناه لمن لا ينزه عنه.

وقال السيد السند: إن الحق أن امتناع تصدير الحال بعلم الاستقبال ووجوب «قد» في الماضي؛ لأن المضارع في الحال يستعمل في الحال بالنسبة إلى العامل يعني في حال العامل، والماضي قيد بقد لتقريبه من الحال بالنسبة إلى عامله يعني لتقريبه بزمان العامل، ولو قيد المضارع بعلم الاستقبال لأوهم الاستقبال بالنسبة إلى العامل، والحاصل أنه كما يكون المراد بالمستقبل الاستقبال حقيقة أو بالنسبة إلى ما قبله كذلك الحال والماضي، وهو المعتبر في الحال.

وهذا المقال نعم المقال لو ثبت أن المراد بصيغة المضارع أبدا معنى الحال بمعنى حال العامل وبالماضي مع «قد» المقرب من زمان العامل، ولا وثوق مع هذه الدعوى بمجرد أن النحوي ادعى التزام قد فليكن الحق مع من لم يجعله ملتزما فربما تكون الحال مع قد لتقريب الماضي من زمان الحال، وحينئذ يكون هي وعاملها مقربين بالحال، وتارة تكون على مضيها فلا تكون مع قد، هذا ثم يرد أنه لما قربها قد من زمان الحال، وحصلت المقارنة يجب أن يمتنع الواو إلا أن يقال:

فرق بين ما هو عارض وبين ما هو لذاته فإن قلت: قول أبي العلاء:

أصدّقه في مرية وقد امترت

صحابة موسى بعد آياته التّسع

يشهد على اشتراط المقارنة في الحال، وكذلك قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً (1) قلت: يتكلف في أمثالهما لتحصيل المقارنة بتأويل الحال بقولنا: والقصة هذه، والقصة قصة أزلا وأبدا أو بقولنا: ومعلوم ذلك والعامل مقارن بزمان العلم (وأما المنفي فلدلالته على المقارنة دون الحصول أما الأول فلأنّ «لما» للاستغراق) أي: لامتداد النفي من حين الانتفاء إلى حين التكلم نحو: ندم زيد ولما ينفعه الندم، أي: عدم نفع الندم متصل بحال التكلم (وغيره) أي: غير «لما» مثل «لا» «ولم» (لانتفاء متقدم) على زمان التكلم (مع أن

(1) البقرة: 28.

ص: 57

الأصل استمراره) أي: استمرار الانتفاء لاستمرار الانتفاء المتقدم كما يستفاد من الشرح؛ لأن تحقيقه يؤدي إلى أن الأصل استمرار النفي مطلقا (فيحصل به) أي: بأن الأصل استمراره كما في الشرح لا باستمراره ليعم «لما» ؛ (لأنه مخصوص بغير لما) بقرينة قوله: الدلالة عليها عند الإطلاق؛ لأنه عند عدم التقييد بما يخرجه عن الاستمرار ينصرف إليه.

والفرق بين «لما» و «لم» كما بين لا لنفي الجنس ولا بمعنى ليس، في أن الأول نص في الاستغراق فلا يمكن تخصيصه، فلا يقال لا رجل، بل رجلان، والثاني ظاهر فيه ويجامع الإثبات في البعض، فكذا لا يصح لما يضرب زيد أمس، بل ضرب الآن، ويصح لم يضرب أمس، بل ضرب الآن بخلاف المثبت فإن وضع الفعل على إفادة التجدد من غير أن يكون الأصل استمراره، فإذا قلت: ضرب زيد لا يستفاد منه إلا الضرب في جزء من أجزاء الزمان الماضي.

(وتحقيقه) أي: تحقيق أن الأصل استمرار النفي (أن استمرار العدم لا يفتقر إلى سبب) أي: إلى وجود سبب إذ سببه عدم السبب، وإلا فلا بد للممكن من سبب سواء فيه وجوده وعدمه؛ إذ ما لا يفتقر عدمه إلى سبب هو الممتنع لذاته.

(بخلاف استمرار الوجود).

قال الشارح: ولكون الأصل استمرار العدم دون الوجود كان النهي موجبا للتكرار دون الأمر، وكأنّ نفي النفي داوم الإثبات كما فيما زال وأخواتها، وأورد عليه أن نفي النفي دوام النفي، ونفي الدوام لا يقتضي الثبوت دائما، فداوم الإثبات في مازال لا بد له من مقتض سوى ورود النفي، وجوابه أن النفي حين ورود النفي عليه خارج عن أصله؛ لأنه لو استمر لم يرد النفي عليه، والنفي الوارد على أصله فنفي النفي داوم العدم لنفي في الجملة فيفيد دوام الثبوت.

وقيل: نزل النفي المدخول منزلة الثبوت ليكون النفي والثبوت في طرفي يقتضي (وأما الثاني فلكونه منفيّا) وفيه ما عرفته غير مرة (وإن كانت) الجملة اسمية (فالمشهور جواز تركها لعكس ما مر في الماضي المثبت) أي للدلالة على

ص: 58

المقارنة بحكم الاستمرار لا على حصول صفة غير ثابتة.

أما المثبت فللثبات، وأما المنفي فلعدم الحصول، وإنما لم يكتف بقوله:

(وأن دخولها أولى) لاختصاص جواز الترك بتعليل (لعدم دلالتها) أي:

الاسمية على عدم الثبوت، هذا علة جواز الترك ومدار الأولوية على قوله:(مع ظهور الاستيناف فيها) فالأولى الاكتفاء به، ووجه ظهور الاستيناف فيها دون الفعلية أن الفعلية قريب من الصفة فكونها حالا أقرب من الاسمية.

(فحسن زيادة رابطة نحو: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (1) في الشرح أي وأنتم من أهل المعرفة أو وأنتم تعلمون ما بينه وبينها من التفاوت.

هذا ونحن نقول والله أعلم: وأنتم تعلمون التفاوت بينكم وبينها فهل تعدلون من الله تعالى إلى من دونكم في الرضى أن الجملة المصدرة بليس في حكم الاسمية؛ لأن ليس في معنى النفي بخلاف ما كان وما يكون.

(وقال عبد القاهر (2): إن كان المبتدأ) في الجملة الاسمية (ضمير ذي الحال وجبت الواو) سواء كان الخبر فعلا أو اسما كما أشار إليه بقوله (نحو: جاء زيد وهو يسرع أو وهو مسرع) ونسبه الرضي إلى الأندلسي، وقال: وجه الوجوب أنه لا يزيد على الحال المفردة بحسب المآل فنبه بالواو، على أن القصد إلى الجملة لا إلى المفرد بالتأويل كما يدعو إليه مساواته بالمفرد.

وقال الشيخ: وذلك لأن الجملة أي: الحالية لا يترك فيها الواو حتى يدخل في صلة العامل، أي: عامل الحال، وينضم إليه في الإثبات ويقدر بتقدير المفرد في أن لا تستأنف بها الإثبات، فترك الواو في: جاء زيد يسرع بجعله في قوة مسرعا في عدم القصد إلى الإثبات فيه، وهذا مما يمتنع في: جاء زيد وهو يسرع، أو وهو مسرع لأنك إذا أعدت ذكر زيد وجبت بضميره المنفصل المرفوع كان بمنزلة إعادة اسمه صريحا في أنك لا تجد سبيلا إلى أن يدخل «يسرع» في صلة المجيء وتضمه إليه في الإثبات من غير استيناف إثبات؛ لأن ذكره لا يكون حتى يقصد استيناف الخبر عنه بأنه يسرع، وإلا لكنت تركت المبتدأ بمضيقه، وجعلته لغوا في

(1) البقرة: 22.

(2)

دلائل الإعجاز ص: 133.

ص: 59

البين وجرى مجرى أن تقول: جاءني زيد وعمرو يسرع بإيراد جملة مخالفة للأولى في المسند إليه والمسند، ثم تزعم أنك لم تستأنف كلاما ولم تبتديء للسرعة إثباتا.

وعلى هذا فالأصل والقياس أن لا تجيء الجملة الاسمية إلا مع الواو، وما جاء بدونه فسبيله سبيل الشيء الخارج عن القياس والأصل بضرب من التأويل ونوع من التشبيه؛ وذلك لأن معنى كلمته: فوه إلى في مشافها، وجاء زيد حاضراه الجود والكرم بمنزلة حاضره الجود والكرم بسبب تقديم الخبر، أي:

حاضرا عنده الجود والكرم، ويجوز أن يكون جميع ذلك على إرادة الواو كما جاء الماضي على إرادة «قد» .

هذا كلامه مع أدنى توضيح، فاستفاد منه الشارح أن الجملة الاسمية مطلقا يجب فيها الواو، والوجوب في جملة مبتدأها اسم صريح آكد، حيث جعلت مشبها بها، وأن الجملة الاسمية مطلقا لا يترك فيها الواو إلا بالتأويل بالمفرد، وقال:

وافقه الكشاف على ذلك، وتبعه السيد السند، وجعل نقل المصنف مختلّا في تخصيص وجوب الواو بالضمير.

وقال السيد: الحق أن الظاهر الموضوع موضع المضمر في حكمه فلا تفاوت بين جاء زيد وهو يسرع أو وزيد يسرع.

أقول: لو لم يكن الحكم مختصّا بالضمير لم يكن لتخصيص الحكم بالضمير معنى فالحكم على خصوص الضمير من الشيخ ينبيء عن تخصيصه به.

وأما تشبيه الضمير في استيناف الحكم بالظاهر فلأن الاستئناف فيه أظهر؛ لأنه جعل السابق مقطوع النظر حيث لم يذكر مقتضاه من الضمير، وأيضا استئناف الحكم في: جاء زيد وعمرو يسرع أظهر من وهو يسرع؛ فلذا جعل مشبها به له في استيناف القصد إلى الإثبات، لكنه أبعد مما جعل فيه المبتدأ اسما ظاهرا عن التأويل بالمفردة؛ إذ عند عدم القصد إلى الاستيناف لا وجه لذكر الضمير في نحو: جاء زيد وهو يسرع، دون الاكتفاء بقوله: يسرع، ولذكر الظاهر وجه، ولو كان في موضع الضمير؛ لأن إليه داعيا لا محالة فلا مجال لعدم قصد الاستيناف في المبتدأ الضمير فلا بد من الواو وللربط بخلاف المبتدأ الظاهر.

ص: 60

فإنه يحتمل الإيراد لداع مع عدم قصد الاستيناف فلا حاجة إلى الواو ولتنزيله منزلة المفردة، وبهذا يتبين أنه ليس الظاهر الموضوع موضع الضمير مثل الضمير كما زعم السيد السند، ويعلم منه أن الجملة الحالية مما يقصد به استيناف الإثبات، وأن الجملة التي في محل الإعراب لا يجب تأويلها بالمفرد، وترتبط بغيرها مع أنها جملة كما زعم الرضي، على خلاف ما عليه ابن الحاجب من وجوب التأويل بالمفرد.

ومما يستفاد من الكشاف أن الجملة المعطوفة على الحال يجب فيها ترك الواو وكراهة اجتماع حرفي عطف؛ لأن واو الحال واو عطف في الأصل.

ثم قال الشيخ: مقوله كل ما ذكر إلى آخر التذنيب.

(وإن جعل نحو: وعلى كتفه سيف، حالا كثير فيها تركها) نحو قول بشار:

إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها

ونحو:

خرجت مع البازي عليّ سواد (1)

ثم قال الشيخ: الوجه في مثل هذا أن يكون الاسم فاعلا للظرف لاعتماده على ذي الحال لا مبتدأ أو ينبغي أن يقدر هاهنا خصوصا أن الظرف في تقدير اسم الفاعل دون الفعل، اللهم إلا أن يقدر فعلا ماضيا مع قد.

وقال المصنف لعله إنما اختار تقديره باسم الفاعل لرجوعه إلى أصل الحال وهي المفردة؛ ولهذا كثر فيها ترك الواو، وإنما جوز التقدير بالفعل الماضي لمجيئها بالواو قليلا، وإنما لم يجوز التقدير بالمضارع، لأنه لو قدر بالمضارع لامتنع الواو.

قال الشارح المحقق: وفيه نظر؛ لأنه كما أن أصل الحال الإفراد، فكذا الخبر والنعت، فالواجب أن يذكر مناسبة يقتضي اختيار الإفراد في الحال على الخصوص دون الخبر والنعت ولأن الأهم أن جواز التقدير بالمضارع يوجب امتناع

(1) البيت أورده القزويني في الإيضاح: 170، ومحمد بن على الجرجاني في الإشارات:136.

أنكرتني: لم تعرف قدري، نكرتها: كرهتها.

ص: 61

الواو، وكيف لا وجواز التقدير بالمفرد لا يوجب امتناعها؛ إذ يكفي لجوازها إمكان تقدير الماضي، وجعل الجملة الاسمية، والحق جواز تقدير الجملة الاسمية وفعلية ماضوية ومضارعية، فكثرة ترك الواو للاسمية والإفراد والمضارعية، ومجيء الواو لاحتمال الاسمية والماضوية.

هذا ونحن نقول: يمكن إتمام ما ذكره المصنف بضميمة أن المبتدأ والمنعوت أدعى للخبر والنعت من ذي الحال للحال؛ ولذا كان احتياج الجملة الحالية إلى الربط أشد فأصالة الإفراد فيها آكد، ومع ذلك يحتاج في تقديرها اسمية إلى خلاف أصل هو تقديم الخبر، فتقدير الظرف فيها جملة يحتاج إلى مزيد مؤنة، فالوجه تقديره مفردا ولولا مجيئه قليلا بالواو لم يقدر جملة فتقدير الفعل مع أنه خلاف الأصل لتصحيح الواو وتقدير الماضي مع «قد» مرجح على جعل الجملة اسمية؛ لأنه يجوز في ترك الواو من غير ترجيح الذكر، ومن غير ارتكاب تقديم الخبر.

(ويحسن الترك) ولقد أعجب حيث ختم بحث التذنيب بمحسن الترك كما ختم بحث الأصل بمحسن الوصل أي: يحسن ترك الواو في الجملة الاسمية (تارة لدخول حرف) من نواسخ المبتدأ (على المبتدأ كقوله) أي: الفرزدق:

(فقلت عسى أن تبصريني

كأنّما بني حواليّ الأسود الحوارد) (1)

أي: الغواضب من حرد إذا غضب فقوله بني الأسود جملة اسمية وقعت حالا من مفعول تبصريني، ولولا دخول كأن عليها لم يحسن ترك الواو، وحوالي بمعنى في أكنافي حال من بني لما في حرف التشبيه من معنى الفعل، وإنما حسن ترك الواو؛ لأنه جعل الجملة في معنى مشبها بني بالأسود الحوارد.

(وتارة لوقوع الجملة) الاسمية الحالية (تعقب مفرد) الأولى مفردة؛ ليخص الحال ولا يشكل بجاءني زيد وأبوه قائم، وينبغي أن يقيد الوقوع بأن يكون لا بطريق العطف؛ لأن ترك الواو فيه واجب كما نص عليه الكشاف.

(كقوله) أي: قول ابن الرومي:

(1) انظر البيت في الإيضاح: 171. الحوارد: من حرد إذا غضب، والبيت لهمام بن غالب، المعروف بالفرزدق يخاطب امرأة عذلته في اعتنائه ببنيه، وقيل: إنه يقول ذلك لامرأته حين قالت له: ليس لك ولد، وإن مت ورثك قومك.

ص: 62

(والله يبقيك لنا سالما

برداك تبجيل وتعظيم) (1)

الشاهد غير منصوص به لاحتمال أن يكون برداك فاعلا سالما، ويكون تبجيل بدلا من برداك، إذ وصف البدل النكرة من المعرفة لا يجب، بل يحسن وإذا سلم تبجيل الرجل وتعظيمه فقد سلم الرجل؛ لأن سلامة التبجيل فرع السلامة فتأمل.

وأيضا إنما تكون الحال الجملة عقيب حال مفردة لو لم تكن الحال الجملة معمولا سالما؛ لأنه حينئذ لم تتعدد الحال حتى تكون الجملة عقيب مفردة، فما ذكره الشارح من أنه يجوز أن يكونا حالين مترادفين، وأن يكونا متداخلتين فلعل غرضه التنبيه على ما ذكرنا من عدم كونه منصوصا، وإلا لكان مختلا فتأمل.

إلهي محامدك أجل من الإحراز، وغاية الإطناب فيها نهاية الإيجاز، تذييل كل حامد محاد غيره بمحامد غيرها خال عن التكميل والتتميم وكائنات الأزل إلى الأبد في جنب قدرتك تخصيص بعد التعميم، اجتهاد المجتهدين في عبادتك لا يأمن الاعتراض بالتقصير، ولذة الذاكرين لأسمائك الحسنى تزيد بالتكرير بعد التكرير، فكيف نوفي حق حمدك بالأفعال وغاية المني فيه الاجتناب عن الإهمال

(الإيجاز والإطناب والمساواة)(قال السكاكي)(2) في أول باب الإيجاز والإطناب: (أما الإيجاز والإطناب فلكونهما نسبيين)(3) أي: من الأمور النسبية التي يكون تعقلها بالقياس إلى تعقل شيء آخر، فإن الموجز إنما يكون موجزا بالنسبة إلى كلام أزيد منه، وكذا المطنب إنما يكون مطنبا بالقياس إلى كلام أنقص منه (لا تيسير الكلام فيها إلا بترك التحقيق) والتعيين يعني لا يمكن أن يقال على التعيين إلا الإتيان بهذا المقدار إيجاز، وبذلك المقدار إطناب؛ إذ رب موجز هو مطنب بالنسبة إلى كلامين.

(1) ابن الرومي: علي بن العباس بن جريح، الشاعر العباسي. انظر في البيت الإيضاح:171.

(2)

انظر المفتاح ص 150.

(3)

إنما كانا نسبيين؛ لأن إيجاز الكلام إنما هو بالنسبة إلى كلام أزيد منه، وإطنابه إنما هو بالنسبة إلى كلام أنقص منه، وكذلك المساواة نسبية أيضا.

ص: 63

(والبناء على أمر عرفي)(1) أن يتعارف بين أهل العرف في أداء المقاصد من غير رعاية بلاغة ومزية (وهو متعارف الأوساط) الذين يكتفون بأداء أصل المعاني على ما ينبغي (أي: كلامهم في مجرى عرفهم في تأدية المعاني) وربما يشتمل متعارفهم على الحذف، ومع ذلك لا يسمى اختصارا وإيجازا؛ لأنه متعارفهم، فإن عرفهم في طلب الإقبال:«يا زيد» وهو مشتمل على الحذف وفي التحذير «إياك والأسد» وامرأ ونفسه وحمدا وسقيا.

(وهو لا يحمد في باب البلاغة) من الأوساط كذا ظاهر عبارة «المفتاح» ، ولا يحمد أيضا من البليغ معه، لأنه لا يقصد معهم بكلامه مزية سوى التجريد عن المزايا، وبذلك يرتقي عن أصوات الحيوانات.

(ولا يذم) أيضا لا منهم، ولا من البليغ معهم.

وأما المتكلم بمتعارفهم إذا عرى عن المزية فلا يحمد من البليغ معهم، ويذم منه مع البليغ، وإذا اشتمل على المزايا التي هم غافلون عنها كما في إياك والأسد فمعهم لا يحمد من البليغ ولا يذم، ومن البليغ يحمد؛ لأن البليغ قصد به مزايا يتعلق بالإيجازات التي فيها.

(فالإيجاز أداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف) الأولى من المتعارف لأنّ المتعارف هو العبارة (والإطناب أداؤه بأكثر منها).

ثم قال في آخر الباب: الاختصار لكونه نسبيا يرجع فيه أي: المرجع في معرفته (تارة إلى ما سبق) أي: كونه أقل من عبارة المتعارف، وهذا التفسير أنسب من تفسير الشارح؛ حيث قال: أي إلى كون عبارة المتعارف أكثر منه، لأن المطابق لما سبق ما ذكرناه إلا أن الشارح راعى المناسبة بقوله (وأخرى إلى كون المقام أي: ظاهر المقام خليقا بأبسط مما ذكر) أي: مما ذكر في المقام فللاختصار معنيان كونه أقل من عبارة المتعارف، وكونه أقل مما يقتضيه ظاهر المقام هل الإيجاز كذلك؟ لم يعلم من كلام المفتاح صريحا، نعم يفهم من قوله في ذكر أمثلة الإيجاز، ومن أمثلة الاختصار أنه لا يفرق بينهما، بل المتبادر من قوله

(1) أي وإلا بالبناء على شيء عرفي وهو ما يعرفه أهل العرف في الجملة، لأن هذا أقرب شيء يرجع إليه فيه في مثل ذلك.

ص: 64

ثم الاختصار لكونه من الأمور النسبية في مقام تحقيق الإيجاز أنه لا يفرق بين العبارتين.

(وفيه نظر) قد يقصر نظر المصنف، وفات عنه أمران ظاهران:

أحدهما: أنهم جعلوا نحو: نعم الرجل زيد من الإطناب، ولا عبارة للأوساط غيره.

وثانيهما: أنه لم يحفظ تعريف الإيجاز عن دخول الإخلال.

وتعريف الإطناب عن الحشو والتطويل؛ (لأن كون الشيء أمرا نسبيا لا يقتضي تعسر تحقيق معناه) لأن كثيرا من النسبيات يعرف تعريفات جامعة مانعة، وقد عرفت أن مراد السكاكي بتعسر التحقيق تعسر تحقيق مقدار الإيجاز والإطناب لا تعسر تعيين مفهوميهما.

قال الشارح: كيف وقد تبين مفهوماهما في كلام السكاكي، وفيه أنه تبين بالبناء على أمر عرفي على طبق دعواه أنه لا يتيسر إلا بالبناء عليه، (ثم البناء على المتعارف والبسط الموصوف رد إلى الجهالة).

وأجاب عنه الشارح بأن عرف الأوساط معلوم للبليغ وغيره، فتعيين الإيجاز والإطناب به نافع للكل، وأما البناء على البسط الموصوف فإنما ينفع البليغ؛ لأنهم يعرفون أن كل مقام يقتضي أي مقدار من البسط وفيه بحث؛ لأنّ متعارف أوساط العرب لا يتيسر للعجم، فالتعريف لا ينفع إلا بمتتبع لغة العرب، والتضيف عام لكل محصل فهو رد إلى الجهالة لكثير من المخاطبين، وأن البليغ لا يحتاج إلى علم المعاني، فتعريفات الفن لطالبي البلاغة، لا للبلغاء فالتعريف لما يخص معرفته بالبلغاء رد إلى الجهالة، نعم إنما ينفع التعريف؛ لأن معرفة ما سبق في الأبواب السابقة يكفل من معرفة المقامات ما يكفي في معرفة البسط اللائق بالمقام.

(والأقرب) إلى الصواب وإلى الفهم (أن يقال: المقبول من طرق التعبير عن المراد)(1) احتراز عن غير المقبول من الإخلال والتطويل والحشو تأدية أصله،

(1) إضافة أصل إلى المراد بيانية، وأصل المراد هو المعنى الأول الذي يقصد المتكلم به إفادته للمخاطب ولا يتغير بتغير العبارات، واعتبار الخصوصيات. بغية الإيضاح ص 112.

ص: 65

الأولى تأديته؛ لأن المراد بالمراد أصله، بل الأولى المقبول من طرق التعبير عن أصل المراد تأديته، (بلفظ مساو له)(1)

أي: لأصل المراد (أو) بلفظ (ناقص عنه واف أو) بلفظ (زايد عليه لفائدة) واعتمد في معرفة أن الأول مساواة، والثاني إيجاز، والثالث إطناب بإشعار المفهومات بذلك، كما لا يخفى.

وهاهنا أبحاث:

الأول: أنه أراد بالمقبول المقبول مطلقا، سواء كان من البليغ أو من الأوساط، فالزائد والناقص غير مقبولين من الأوساط؛ لأنهما خروج عن طريقهم لا لداع، وإن أراد المقبول من البليغ فليس المساوي والناقص الوافي مقبولين مطلقا، بل إذا كانا لداع.

والثاني: أن قولنا: جاءني إنسان، وقولنا: جاءني حيوان ناطق، كلاهما تأدية أصل المراد بلفظ مساو له، فينبغي أن لا يكون أحدهما إطنابا، والآخر إيجازا وبالجملة لا يشمل تعريف الإيجاز إيجاز القصر.

والثالث: أن قولنا: حمدا لك، ونظائره مساواة بتعريف السكاكي إيجاز بتعريفه، فنزاعه مع السكاكي في نقل اصطلاح القوم، ومثله لا يسمع منه بدون سند قوي، ولو قيل: المراد المساوي بحسب عرف الأوساط (فتعريفه يئول إلى ما ذكره السكاكي) ويرد عليه ما أورد عليه.

الرابع: أن الإيجاز والإطناب والمساواة، مختصة بالكلام البليغ، كما علم من تقسيم، الفن إلى الأبواب الثمانية، فلا يتم تعريف الإيجاز والإطناب ما لم يقيّد بالبلاغة، لجواز أن يكون الناقص الوافي غير فصيح، وكذا الزائد لفائدة.

(واحترز بواف عن الإخلال) وهو أن يكون اللفظ ناقصا عن أصل المراد غير واف ببيانه، وإنما احترز عنه ليتم التعريف المشار إليه للإيجاز أو لئلا يكذب

(1) على هذا تكون المساواة داخلة في المقبول من طرق التعبير عن المعنى، وقد قيل: إن هذا يخالف ما سبق عن السكاكي من أنها تحمد ولا تذم، والحق أنه لا خلاف بين السكاكي والخطيب في ذلك؛ لأن ما ذكره السكاكي هو أنها لا تحمد من باب البلاغة، وهذا لا ينافي قبولها من أوساط الناس، ولهذا حكم فيما سبق بأنه لا بد من الاعتراف بكلام هؤلاء الأوساط، والخطيب يعني بالمقبول من طريق التعبير ما يشمل قبول هذا من الأوساط، ولا يريد ما يقبل في البلاغة فقط.

ص: 66

وصفه بالقبول، وهكذا الاحتراز لقوله لفائدة (فقوله) أي: الحارث بن حلذة اليشكري- واليشكر قبيلتان من العرب على ما في القاموس بنو يشكر بن علي بن بكر بن وائل وهو يشكر بن مبشر بن صعب:

[(والعيش خير في ظلال النّوك) بالضم والفتح أحمق (ممّن عاش كدّا)](1)

قال الشارح: أي: من عيش من عاش مكدودا متعوبا، والأعذب أن يراد بالعيش ذو العيش كأنه صار في ظلال الجهل عين العيش، وحينئذ يستفاد نعومة عيشه من جعله عين العيش، ولا يكون إخلالا (أي: الناعم في ظلال النوك) ففيه إخلال حيث فات وصف النعومة (خير من الشاق في ظلال العقل) ففيه إخلال لفوت التقييد بظلال العقل، ولا يخفى أنه يلايم تقييد العيش الشاق بكونه في ظلال العقل، وينبغي أن يقول في شدة إحراق إشرافات العقل، وكأنه أوقعه في التعبير بظلال العقل المشاكلة.

وقال الشارح: لا إخلال إذ قد اشتهر أن عيش الجاهل لا يكون إلا ناعما فاستغنى به عن تقييد العيش في ظلال النوك بالناعم مع أن لفظ الظلال لا يخلو عن إشعار به، وأطلق العيش الشاق ادعاء أن العيش لا يكون إلا للعاقل، حتى أنه لو قيدا لكان التقييد تكرارا (ولفائدة) أي: وبقوله ولفائدة (عن التطويل) وهو كون اللفظ زائدا غير متعين فيه الزيادة (نحو) قول عدي بن الأبرش يذكر غدر زباء- كفراء- ملكة الحيرة لجذيمة الأبرش- بالجيم والذال ككريمة- حيث انتظم سلطنتها حيث كتبت إليه أن ملك النساء ضعيف لا يحسن في نظر الرعايا ولا أثق سلطنتي، فرأيت مصلحتى أن أنكحك ويكون ملكي أيضا لك، وكانت تهاب من الجذيمة فأرادت أن تأخذه بهذا الغدر وتدفعه فذهب إليها من غير عدة مغرورا بوعدها، فأخذته، وأمرت بقطع راهشيه وترك دمه يذهب إلى أن مات وجذيمة الأبرش كان أبرص فهابت العرب وصفه بالأبرص، فبدلوه بالأبرش- والبرشة بالضم في شعر الفرس نكت صغار يخالف سائر لونه والفرس أبرش-

(1) البيت أورده القزويني في الإيضاح: 174، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات: 143، والنّوك:

الحمق، والكد: مصدر «كدّ» إذا اشتد في العمل.

ص: 67

[وقدّدت الأديم لراهشيه] التقديد: التقطيع، والأديم: الجلد، والراهشان: عرقان في باطن الذراعين، والضمير في راهشيه وألفي لجذيمة، وفي قددت وقولها للزباء [(وألفى قولها كذبا ومينا)](1) الكذب يرادف المين، ولا فائدة في الجمع بينهما ولا يبعد أن يجعل ذلك حشوا مفسدا، لأن عطف المين يفيد المغايرة، وهي باطلة (وعن الحشو المفسد كالندى في قوله) أبي الطيب:

[(ولا فضل فيها) أي: في الدنيا (للشّجاعة والنّدى][وصبر الفتى لولا لقاء شعوب)](2).

شعوب بالفتح علم المنية، سمى لها لأنها تفرق الاجتماع غير منصرف للعلمية والتأنيث، كسرت للضرورة، وهل انصرفت كما قال الشارح فيه تردد؛ لأن الجر بالكسر يحصل لجميع باب ما لا ينصرف باللام والإضافة، مع أن البعض غير منصرف بالاتفاق، فمجرد الكسر بلا تنوين لا يدل على الانصراف، فالمعنى أنه لا فضيلة في الدنيا للشجاعة والعطاء والصبر على الشدايد على تقدير عدم الموت، وهذا يصح في الشجاعة والصبر دون العطاء؛ فإن الخلود يزيد الحاجة إلى المال فزيد فضل العطاء مع الخلود، وقيل: المراد بالندى بذل النفس فلا يكون حشوا مفسدا، ورده الشارح بأنه لا يفهم من لفظ الندى وبأنه لا معنى لبذل النفس على تقدير عدم الموت إلا أن يؤول بعدم التحرز عن الهلاك، وهذا بعينه معنى الشجاعة ورد الشارح إنما يتم لو كان مراد القائل تصحيح الشعر كما يشعر به عبارة المصنف في الإيضاح.

أما لو كان المناقشة في كونه حشوا مفسدا فلا؛ لأنه على مقتضى رده الأول يكون إيجازا مخلا، وعلى مقتضى رده الثاني يكون تطويلا، إلا أن يقال: يتعين

(1) البيت لعدي بن الأبرش وقيل لعدي بن زيد العبادي من قوله:

وفاجأها وقد جمعت جموعا

على أبواب حصن مصلتينا

وقددت الأديم لراهشيه

وألفى قولها كذبا ومينا

وانظر البيت في الإيضاح: 174، والإشارات والتنبيهات:143.

(2)

البيت أورده القزويني في الإيضاح: 174، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات:143. شعوب:

المنية، ومعنى البيت أن الفضل فيما نعده في فضائل الحياة الدنيا إنما يعود إلى تيقن الإنسان أنه فان غير مخلد.

ص: 68

الثاني للزيادة لإيهامه ومفسد لإيهامه خلاف المقصود، فإن قلت: الحشو المفسد ما يكون زائدا غير محتاج إليه في أداء المقصود، ويكون مفسدا ولا شبهة في أن الشاعر قصد ترتب عدم الفضل للندى على انتفاء لقاء شعوب، ولا بد منه في أداء هذا المقصود، نعم إنه كاذب، وفرق بين الكاذب والحشو المفسد.

قلت: هذا إشكال قوي وغاية ما يمكن أن يقال في دفعه: إن مراده أنه لا فضل لمجموع هذه الثلاثة لولا الموت؛ لأنه مع فضل الندى لا فضل للآخرين، فيصح أنه لا فضل للثلاثة، والمال نفي الفضل عن الشجاعة والصبر، فذكر الندى زائد موهم لخلاف المقصود فيكون حشوا مفسدا ويمكن أن يقال: ذكره استطراد لما جرى ذكر اثنين مما اشتهر بالفضل على لسانه جرى الثالث الذي يذكر معهما في مقام بيان الفضائل.

وذكر ابن جني في تصحيح البيت: أن في الخلود وتنقّل الأحوال من يسير إلى عسير، ومن شدة إلى رخاء ما يسكن النفوس ويسهل البؤس، فلا يظهر للبدل كثير فضل.

والأقرب أن أجلّ فضائل المال وأعلى ما يقعد به الهمم في حرزه أن ينسب به إلى دفع المهالك وفي ويتوقى به عن الفضاء، فلولا لقاء شعوب لم يكن له هذا الفضل، فللتنبيه على عظم هذا الفضل نفى جنس الفضل كأنه لا فضل له سوى ذلك.

(وغير المفسد وكقوله:

وأعلم علم اليوم والأمس قبله

ولكنّني عن علم ما في غد عمي) (1)

قوله: قبله، صفة الأمس بتقدير الكائن قبله، وهو الوصف للتأكيد، وإنما صار حشوا؛ لأنه لا فائدة للتأكيد فيه بخلاف ما أبصرته بعيني وسمعته بأذني وضربته بيدي؛ فإنه يدفع التجوز بالأبصار والسماع عن العلم بلا شبهة، وبالضرب عن الأمر به، ولك أن تقول اللام للاستغراق، أي: كل أمس ووصفه بالقبلية من قبيل وصف الجنس بما يعم كل فرد؛ تبيينا لعمومه وتنصيصا عليه، كما ذكر

(1) البيت لزهير بن أبي سلمى، أورده القزويني في الإيضاح:175.

ص: 69

في قوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ (1).

(المساواة) قدمها مع تأخيرها عن الإيجاز والإطناب في مقام التصوير لقلة مباحثها فأراد أن الشغل بمباحث كثيرة لا وجوبها بعد الفراغ عنها.

وأما في مقام التصوير فراعى علو شأنهما في باب البلاغة.

وقال الشارح: قدمها لأنها الأصل والمقيس عليه وفيه أن المقيس عليه للمساواة والإيجاز والإطناب هو المعنى على ما اختاره المصنف.

(نحو قوله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)(2) أي: قول النابغة يخاطب أبا قابوس مغرب كاووس النعمان بن المنذر ملك العرب:

[(فإنّك كاللّيل الّذي هو مدركي وإن خلت أنّ المنتأى [اسم موضع من انتأى عنه، أي: بعد](عنك واسع)] (3)

شبهه بالليل في حال سخطه، وضمن هذا التشبيه أمورا.

أحدها: أنه يدرك لا محالة كما هو شأن الليل، وأنه لا يخص إدراكه به، بل يشمل الجميع وتخصيصه به في الذكر لداع وأنه كان في غاية البعد يصل إليه، ويتجاوزه ولا ينتهي بمكان هو فيه وأن لليلة سخطة نهار لطيف ولا دوام لسخطه.

ومن لطايف البيان أنه ذكره مقدما على نفسه متباعدا عنه، ثم ذكره متأخرا متباعدا عنه تصويرا لوصوله إليه مع بعده، ولتجاوزه عنه وذكر نفسه بصورتين تصويرا وتخييلا؛ لأنه يبدل صورته من هو له.

قال الشارح المحقق: فإن قيل: لا يطابق شيء من المثالين لظهور الإيجاز فيهما، وأما في الآية فلحذف المستثنى منه، وأما في البيت فلحذف الجزاء، ونحن نقول: ولحذف المعطوف عليه للشرط، قلنا: اعتبار ذلك أمر لفظي ورعاية للقوانين النحوية من غير أن يتوقف عليه تأدية أصل المراد حتى لو صرح بذلك لكان إطنابا، بل ربما كان تطويلا، وبالجملة كون اللفظ البيت والآية ناقصا عن

(1) الأنعام: 38.

(2)

فاطر: 43.

(3)

البيت أورده القزويني في الإيضاح: 177، ومحمد بن على الجرجاني في الإشارات:166.

ص: 70