الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دعوى أنه أسد، كما ذكره.
ويمكن دفعه بأن في قوله: «تنبيه» تنبيها على ظهور الدعوى، فتنبه.
وثانيها: ما ذهب إليه السكاكي صريحا وإن كثيرا في كلامه ما يقتضي أنه جرى على ما تقدم من قول القدماء أنها لفظ المشبه المستعمل في المشبه به ادعاء بقرينة استعارة لفظ، ما هو من لوازم المشبه به لصورة متوهمة متخيلة شبيهة به أثبت للمشبه، ولا غبار عليه، بل في حكمه بأنه مجاز، وجعله قسما للاستعارة الداخلة في المجاز.
وأما القول بأن حكمه بأن لفظ لازم المشبه به مستعار لصورة وهمية شبيهة به تعسف، لا حاجة إليه، بل إبقاء اللازم على معناه وإثباته للمشبه مجازا أعون للدلالة على المقصود، وأقوى قرينة عليه، فيدفعه أن إثبات الحكم للاستعارة التخييلية حينئذ يرجع إلى المشبه به، لا إليها.
فقولنا: نشبت أظفار المنية، لو أريد بالأظفار حقيقتها يفيد تعلق أظفار السبع، لا تعلق الموت، فلولا قصد أمر ثابت للمنية لفات المقصود، وفسد البيان كيف لا ومال نشبت أظفار المنية لو كانت الأظفار على حقيقتها نشبت أظفار السبع الذي اتحدت معه المنية لكمال الشبه بينهما؟ ! ولا شبهة في أنه يفيد تعلق الأظفار.
وثالثها: ما ذهب إليه المصنف. قال الشارح: هو شيء لا مستند له في كلام السلف ولا هو يبتني على مناسبة لغوية، إذ تسميتها بالكناية، وإن كانت في موقعها، لكن تسميتها استعارة خالية عن المناسبة، وكأنه استنباط منه.
ونحن نقول: أقوى ما يدل على ضعف مذهبه أنه في قولنا: أظفار المنية يجعل كون المنية سبعا مسلم الثبوت، فلا يكون هناك قصد إلى تشبيه، فلا يصح قوله: وقد يضمر التشبيه في النفس فلا يصرح بشيء من أركانه سوى المشبه، ولا قوله: ويدل عليه بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به.
[فصل قد يضمر التشبيه في النفس]
هذا فقوله: (وقد يضمر التشبيه في النفس، فلا يصرح بشيء من أركانه سوى المشبه) يشمل زيدا في جواب من تشبيه الأسد، فأخرجه بقوله: (ويدل
عليه (1) بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به) من غير أن يكون هناك أمر محقق حسا أو عقلا يجري عليه اسم ذلك الأمر، (فيسمى) التشبيه (استعارة بالكناية) أو استعارة (مكنيا عنها).
أما الكناية والمكني عنها فلأنه لم يصرح به، بل إنما أشير إليه بذكر لازم المشبه به.
وأما الاستعارة وإن قيل: إنها مجرد تسمية خالية عن المناسبة كما مر؛ فلأنها استعيرت للدلالة عليه ذكر لازم المشبه به؛ لأن ما هو حقه تلك الدلالة أداة التشبيه.
(و) يسمى (إثبات ذلك الأمر) المختص بالمشبه به (للمشبه استعارة تخييلية)(2) لاستلزامه استعارة لازم المشبه به للمشبه، وتخييل أن المشبه من جنس المشبه به، وهذا القول منه في الاستعارة التخييلية موافق لكلام السلف، ومصرح به في كلام الشيخ عبد القاهر.
وقد سمعت فيها قول السكاكي؛ ففيها قولان لا ثلاث لهما، ولا يذهب عليك أن تعريف الاستعارة بالكناية لا يشمل ما جعل القرينة فيه استعارة لفظ لازم المشبه به، للزوم المشبه، فإن مجرد التعبير عن لازم المشبه بلفظ لازم المشبه به يدل على التشبيه، فإنه لولا التشبيه لم يستعر المشبه به للمشبه.
وقد جعل العلامة في «الكشاف» قوله تعالى: يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ (3) من هذا القبيل؛ حيث قال: شاع استعمال النقض في إبطال العهد، من حيث تسميتهم العهد بالحبل، على سبيل الاستعارة؛ لما فيه من ثبات الوصلة بين المتعاهدين، إلا أنه لما زعم المصنف أن الاتفاق على أن قرينة المكنية لا تكون إلا التخييلية كما سيجيء، لم يحفظ تعريفها عن خروج مثلها عنه.
قال المصنف في الإيضاح: ثم ذلك الأمر المختص بالمشبه به المثبت للمشبه، منه ما لا يكمل وجه الشبه في المشبه به بدونه، ومنه ما به يكون قوام وجه الشبه
(1) أي: على ذلك التشبيه المضمر في النفس، ويمتاز هذا التشبيه على التشبيه الاصطلاحي بما تمتاز به الاستعارة من المبالغة في التشبيه.
(2)
على هذا يكون الاستعارتان عنده أمرين معنويين غير داخلين في تعريف المجاز.
(3)
البقرة: 27.
في المشبه به، وكأنه أشار بقوله: ومنه دون أن يقول على ضربين إلى أنه لا حصر فيهما؛ إذ يكفي للقرينة إثبات الأمر المختص بالمشبه به للمشبه، سواء كان له دخل في وجه الشبه أو لا.
ألا ترى أن قوله: [صحا القلب عن سلمى](1) إذ جعل فيه تشبيه القلب بالسكران مضمرا في النفس يدل عليه إثبات الصحو المخصوص بالسكران، مع أنه لا دخل له في وجه الشبه الذي هو التحير وزوال العقل، فعدول الشارح عن بيانه إلى قوله: ثم ذلك الأمر المختص على ضربين خال عن المصلحة، وأشار إلى الأول بقوله (كما في قول) أبي ذؤيب (الهذلي) مع أنه الأحق بالتقديم، هو القسم الثاني لمزيد الاهتمام به؛ إذ فيه تنبيه على خطأ السكاكي، حيث جعل قول أبي ذؤيب من القسم الثاني، وقال: إن قوام اغتيال السبع للنفوس بالأظفار.
فإن قلت: قد ذكره المصنف في الفصل الثاني على وفق ما ذكره السكاكي فقد ناقض نفسه. قلت: ذكره على سبيل النقل، ولم يقدح هو ولا الشارح فيه اعتمادا على تحقيق الأمر هنا.
[(وإذا المنيّة) من أعلام الموت (أنشبت) أي: أعلقت (أظفارها)](2) شبه في نفسه (المنية بالسبع في اغتيال النفوس بالقهر والغلبة) تفسير للقهر (من غير تفرقة بين نفّاع وضرّار فأثبت لها) أي: للمنية (الأظفار التي لا يكمل ذلك فيه بدونها) وأن يتقوم بدونها: لأن من أسباب اغتيال السبع الأنياب، وأشار إلى الثاني بقوله: (وكما في قول الآخر:
ولئن نطقت بشكر برّك مفصحا
…
فلسان حالي بالشّكاية أنطق) (3)
(1) البيت لزهير بن أبي سلمي في ديوانه: (124)، والطراز:(1/ 233)، والمصباح:(132)، ولسان العرب (رحل)، وبلا نسبة في كتاب العين (3/ 268)، وتاج العروس (صحا). وعجز البيت:
…
وعرى أفراس الصبا ورواحله
(2)
البيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين: (8)، وتهذيب اللغة (11/ 380، 14، 260) وسمط الآلي: (888)، وأمالي القالي (2/ 255)، وكتاب الصناعتين:(284)، وللهذلي في لسان العرب (تمم)، وبلا نسبة في (نشب)، وتاج العروس (نشب)، (تمم) وتمام البيت:
ألفيت كلّ تميمة لا تنفع
(3)
البيت لمحمد بن عبد الله العتبي، وقيل: لأبي النضر بن عبد الجبار، وأورده القزويني في الإيضاح:(278)، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات:(228).
يعني: ضرك أكثر من برّك، ويحتمل شكاية لسان الحال عن الناطق بشكر البر، حيث يعجز عن أداء حقه، ففيه التوجيه، فافهم؛ فإنه البديع التنبيه، ولا يذهب عليك أن البيت إنما يكون من باب الاستعارة بالكناية، لو لم يكن لسان حالي من قبيل لجين الماء، وأن الظاهر أنه لا فرق بينه وبين قول الهذلي، فإنه شبه فيه الحال بالإنسان في الدلالة على المقصود، وليس قوام دلالة الإنسان باللسان، بل له أسباب أخر من الإشارة والكناية، إلا أن كمالها به إلا أن المصنف تكلف وقال:(شبه الحال بإنسان متكلم في الدلالة على المقصود، فأثبت لها اللسان الذي به قوامها فيه)(1) وما به قوام دلالة الإنسان المتكلم هو اللسان، ولا يخفى أنه لو اعتبر تشبيه المنية بسبع مغتال بالأظفار كان قوام وجه الشبه بالأظفار، إلا أنه تكلف.
ومن غرائب السوانح وعجائب اللوائح: أن الاستعارة بالكناية فيما بين الاستعارات استعارة مقلوبة، مبنية على التشبيه المقلوب، لكمال المبالغة في التشبيه، فهي أبلغ من المصرحة، فكما قولنا: أن السبع كالمنية، تشبيه مقلوب يعود الغرض منه إلى المشبه به، كذلك أنشبت المنية أظفارها استعارة مقلوبة استعير بعد تشبيه السبع بالمنية المنية للسبع الادعائي، وأريد بالمنية معناها بعد جعلها سبعا تنبيها، على أن المنية بلغت في الاغتيال مرتبة ينبغي أن يستعير السبع عنها اسمها دون العكس. فالمنية وضعت موضع السبع، لكن هذا على ما جرى عليه السكاكي.
(وكذا قول زهير) حيث أثبت فيه للمشبه ما به قوام وجه الشبه، فذا إشارة إلى قول الآخر: [(صحا) أي: ذهب سكر هوى (القلب) معرضا (عن سلمى) ففيه استعارة بالكناية، وتخييل؛ حيث شبه القلب بسكران، وأثبت له الصحو أو ترك القلب الصّبى، والميل إلى الجهل معرضا عنها.
في القاموس: صحا: ذهب السكر وترك الصّبى.
وفي الشرح أي: سلا مجازا عن الصحو، والسلو: الخروج من الحب (وأقصر باطله) أي: انتهى باطله من لوازم حب سلمى، يقال: اقصر وقصر
(1) يجوز أن يكون قوله- لسان حالي- من إضافة المشبه به إلى المشبه فيكون تشبيها لا استعارة.
وتقاصر. انتهى.
وحينئذ لا حذف في الكلام، المعنى ظاهر، ويقال: أقصر عنه أي: عجر فالتقدير: أقصر عنه باطله، فحينئذ لا محالة في كلام قلب؛ لأن العاجز هو القلب لا الباطل؛ إذ لا ينسب العجز إلا إلى ما من شأنه الاختيار.
وفي كلام المتن حيث قال: إنه ترك ما كان يرتكبه، إشعار بذلك، ومن لا يتفطن بهذا يكاد يقول قوله: إنه ترك ما كان يرتكب في تقدير تركه ما كان يرتكبه، «وما كان يرتكبه» فاعل «ترك» ومفعوله العائد إلى القلب محذوفا.
وقال الشارح: يقال: أقصر عن الشيء إذا أقلع عنه أي: تركه وامتنع عنه.
قيل: هو على القلب، أي قصر القلب عن باطله، ولا حاجة إليه لصحة أن يقال: امتنع عنه باطله وتركه بحاله؛ هذا كلامه.
ولا يخفى عليك أن الترك لا ينسب إلى ما يرتكبه المرتكب بالنسبة إليه، بل إلى المرتكب بالنسبة إلى ما يرتكب، فلا تتجاوز عن تحقيق من له القلب (وعرّى أفراس الصّبا ورواحله)] (1) من عرّيته تعرية جعلته عريانا، هذا هو المقصود بالتمثيل.
ومثال ثالث للاستعارة بالكناية والتخييل دائر بينها وبين الاستعارة التحقيقية، وهذا في كلام السكاكي قسم ثالث من الاستعارة، فإنه جعل الاستعارة تحقيقية وتخييلية ومحتملة لهما، والمصنف لم يتلفت إلى هذا القسم في مقام التقسيم؛ لأن المحتمل لهما لا يخرج عنهما، وأشار إليه في تحقيق مثال الاستعارة بالكناية، وفي هذه الاستعارة فائدة جليلة، رزقناها ولله الحمد الأعلى على منه، وهي:
أنه لا يعاب على البليغ عدم التنصيص على مقصوده فيما زاد على أصل المقصود بعد وضوحه، ولا ضنّة معه في تجويز إيراد كلامه محتملا لطرق متعددة ليسلك المخاطب أيها شاء، بل إيراده كذلك مما يزيد في قدره، ويدل على طول باعه، وانشراح صدره، ويزيد في نشاط المخاطب؛ حيث نزّله ذلك المتكلم منزلة نفسه في معرفة طرق البيان، والتنبيه للمقصود بوجوه لمجرد إشارة البيان، ولم يأت به في أمثلة التحقيقية؛ لأن تحقيقه هذا يتوقف على معرفة الاستعارة التخييلية
(1) سبق تخريجه.
فأشار أولا إلى بيان التخييلية التي هو فيه بقوله:
(أراد) زهير (أن يبين أنه ترك ما كان يرتكبه زمن مرادف) الزمان (المحبة من الجهل أو العي وأعرض عن معاودته) لأدلة في الكلام على تركه ما كان يرتكبه من المحبة مطلقا على ما يقتضيه السّوق، فتنبه.
وإنما يدل على تركه ما كان يرتكبه في حب سلمى إلا أن يراد بسلمى جنس المحبوبة، كما قد يراد بحاتم السخي، ثم لا دلالة فيه على الإعراض عن معاودته إلا أن يؤخذ ذلك من أبيات أخر لهذا الشعر والله أعلم.
(فبطلت آلاته) أي: آلات القلب، وكذا عود الضمير في معاودته.
وقال الشارح: الضمير إن «إلى ما يرتكبه» وكأنه حفظ البيت عن أن يكون فيه قلب.
وهاهنا بحث، وهو أنه لم يقصد على مذهب المتن إلا حقيقة الأفراس والرواحل، فكيف يدل على أنه بطلت آلاته، إنما يلائم ذلك لو أراد بأفراس آلات ما يلزمه، فيجعل الاستعارة التحقيقية قرينة للمكنية، كما سمعه في قوله تعالى: يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ وتوهم له آلات كما هو شأن السكاكي، ولو سلم فلا دلالة على تعرية أفراس الصبا والرواحل على بطلانها، بل على إهمالها إلى وقت الحاجة، كما هو شأن السائر مسيرة إذا فرغ عن سلوكها.
(فشبه) زهير في نفسه الصّبى (بجهة من جهات السير كالحج والتجارة قضى منها) أي: من تلك الجهة (الوطر) كالسفر هو الحاجة (فأهملت الآلات) ووجه الشبه الاشتغال التام، وركوب المسالك الصعبة فيه، غير مبال بمهلكة، ولا محترز عن معركة مع إهمال الآلات، وليس وجه الشبه تاما بدون ضميمة إهمال الآلات، وليس وجه شبه كما يدل عليه كلام الشرح، فهذا التشبيه المضمر في النفس هو الاستعارة بالكناية والتخييلية التي قرينتها ما أشار إليه بقوله:
(فأثبت له) أي: للصبى (الأفراس والرواحل)(1) التي تخص جهة المسير والسفر، (فالصبى) على هذا (من الصبوة) أي من جنس الصبوة، لا بمعنى
(1) إثبات ذلك له استعارة تخييلية.