الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وضرب أخرج مخرج المثل) بأن تكون الجملة الثانية حكما كليا منفصلا عما قبلها جاريا مجرى الأمثال في الاستقلال وفشو الاستعمال، نحو: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ أي اضمحل الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (1) في الإيضاح، وقد اجتمع الضربان في قوله تعالى: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (2) فقوله: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ تذييل من الضرب الأول، وقوله: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، من الضرب الثاني، فكل منهما تذييل على ما قبله، وفي تقريره إشعار بأن تذييل يطلق على الجملة الثانية أيضا، ولا يبعد أن يكون التذييلان بجملة واحدة، (وهو أيضا) أي: عاد التقسيم عودا، ففيه تصريح بأن التقسيم لمطلق التذييل لا بقسمة الثاني كما توهمه بعض من المثالين المذكورين؛ إذ تقسيم القسم ليس عود القسمة إلا بتأويل بعيد من جعل تقسيم قسم الشيء تقسيما له (إما لتأكيد منطوق كهذه الآية) فإن زهوق الباطل منطوق
[وإما لتأكيد مفهوم]
(وإما لتأكيد مفهوم كقوله) أي:
النابغة الذبياني:
[(ولست بمستبق أخا لا تلمّه) أي: لا تصلحه حال من أخا لعمومه بالنفي، وليس حالا عن ضمير المخاطب في لست أو مستبق؛ لأن ما يصلح حالا عن الفاعل والمفعول فهو حال عما يتصل به إلا بقرينة، وليس صفة لأخا؛ لأن المعنى على أنك لست بمستبق أخا أن لا يصلح تفرق حاله وذميم خصاله، والحال أقرب من معنى الشرط من الصفة؛ لأنه قيد للعامل دون الصفة (على شعث) أي: تفرق حال، وذميم خصال (أيّ الرّجال المهذّب)](3) أي: المنقح الفعال المرضي الخصال.
[أو بالتكميل]
(وإما بالتكميل ويسمى الاحتراس أيضا) وهو التحفظ سمي به؛ لأن فيه تحفظ الكلام عن نقصان الإبهام فناسب التسمية بالتكميل (وهو أن يؤتى في
(1) الإسراء: 81.
(2)
الأنبياء: 34، 35.
(3)
البيت في ديوانه: 66، أورده القزويني في الإيضاح: 194، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات 160، وهو من قصيدة يعتذر فيها للنعمان بن المنذر ويمدحه، ومطلعها:
أتاني- أبيت اللعن- أنك لمتني
…
وتلك التي أهتم منها وأنصب
كلام) إن أريد بكلمة في الجزئية يشكل بتكميل لا يكون جزء الكلام، ويكون جملة مستقلة وإن أريد الظرفية لا يشمل ما أخر الكلام فتأمل.
(يوهم خلاف المقصود بما يدفعه) أتى بمثالين: أحدهما للواقع في الوسط، والآخر للواقع في الآخر، هذا على طبق ما في الإيضاح، ونحن نقول: أحد المثالين لدفع الوهم قبل حدوثه، والآخر لدفعه بعده.
(كقوله) أي: قول طرفة كسودة
[(فسقى ديارك غير مفسدها) مفعول به أو مطلق، أي: سقيا غير مفسد الديار، وجعله الشارح حالا مما بعده (صوب الرّبيع) أي نزول المطر في الربيع (وديمة) أي: مطر في الربيع (تهمي)](1).
أي: تسيل قيد السقي لغير المفسد؛ لأن نزول المطر سيما السيل قد يكون مفسدا وسببا لخراب الديار، كذا في الشرح.
ولك أن تقول: صوب الربيع مصلح في أوله مفسد في آخره؛ لأنه يضر المحصولات فاحترز عنه بقوله: غير مفسدها، ويحتمل أن يراد بالديار أهلها، ويجعل غير مفسدها بمعنى إلا مفسدها فيكون الاستناء من الأهل فيكون من أصل الكلام، لا للتكميل.
(ونحو) قوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ (2) فإنه لو اقتصر على وصفهم بالذلة على المؤمنين؛ لتوهم أن ذلك لضعفهم فأتى على سبيل التكميل بقوله: أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ، دفعا لهذا الوهم وإشعارا بأن ذلك تواضع منهم للمؤمنين؛ ولذلك عدى بعلى لتضمين معنى العطف، ويجوز أن يكون من قبيل تضمين الشرف والعلو، أي: أذلة لهم مع فضلهم عليهم، كذا في الإيضاح والشرح.
ونحن نقول: الآية لتنفيرهم عن الرجوع عن الإيمان، والمقصود أنكم لو ترجعون عن الإيمان سيأتي الله بقوم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، فينقلب حالكم من كون هذا القوم متواضعا لكم إلى كونكم أذلة لهم، ولا بد في إفادة
(1) البيت في ديوانه: 146، والإيضاح: 195، والمصباح:210.
(2)
المائدة: 54.