الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صبغة الله أي: غمسنا الله في الإيمان الذي كالماء الطهور صبغة من صبغ يده بالماء غمسها فيه، أو تلوين الله من صبغه كمنعه نصره وضربه لونه، لا كصبغكم بأحد المعنيين.
هذا إذا كان الخطاب للمؤمنين أو قولوا آمنا بالله صبغة الله بأحد المعنيين، لا كصبغنا بأحدهما إذا كان الخطاب للنصارى.
ومما يتعجب منه ما وقع للشارح المحقق في شرحه للتلخيص وشرحه للمفتاح أنه إذا كان الخطاب للكفار فالمعنى أنه أمر الله المسلمين أن يقولوا لهم قولوا آمنا بالله وصبغنا الله بالإيمان صبغة لا كصبغتنا، ولا يخفى أن الخطاب يقولوا للنصارى لا يفيد الآمر النصارى بهذا القول، لا أمر المسلمين بأن يقولوا لهم قولوا فعبر عن الإيمان بالله بصبغة الله للمشاكلة بعلاقة أنه كما لا تطهير إلا بالصبغ في اعتقادهم لا تطهير إلا بالإيمان في الواقع.
قال المصنف: هذا كما يقال لمن يغرس الأشجار: اغرس كما يغرس فلان، يريد رجلا يصطفى إلى الكرام ويحسن إليهم، ونحن نقول: اغرس كما يغرس فلان يحتمل أن يكون لما ورد في الحديث أن أرض الجنة بيضاء وإنما غرسها العمل الصالح.
[(ومنه: المزاوجة)]
وهي في اللغة الازدواج، وفي الاصطلاح (أن يزاوج) اختلف في تصحيح نسخ المفتاح، ففي بعضها صيغة الخطاب، وفي بعضها صيغة الغائب المجهول، فالتركيب من قبيل حيل بين الغير والنزوان، وبيانه في العلم الذي ملكته (بين معنيين في الشرط والجزاء) وهذا التركيب مبهم لا يحصل منه مفهوم جامع مانع للمزاوجة من غير تكلف، فالشارح قال ما استفيد به من كلام السلف أن يوقع الازدواج بين معنيين واقعين في الشرط والجزاء في أن يترتب عليهما معنى واحد.
ولا يخفى أن هذا لا يستفاد من العبارة على أن المتبادر منه الواحد من كل وجه مع أن الواجب أن يحمل على ترتيب معنى واحد بحسب الجنس، فإن لجاج البحر، ولجاج الهوى ليسا متحدين إلا في جنس اللجاج؛ فلا بد من الاستعانة بالأمثلة في فهم المقصود.
ومنهم من قال أن يزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء بأن يقارن أحدهما بالشرط ثم يقارن الآخر بهذا المعنى في الجزاء، بواسطة أن المقارن للجزاء المقارن للشرط مقارن لما قارن الشرط.
ومنهم من قال أن يقارن بين معنيين في الجزاء بأن يقارن بمعنى هو الشرط معنى، ومعنى هو الجزاء معنى.
قال الشارح المحقق في شرح المفتاح: الثاني أردى من الأول.
وقال في الشرح والمختصر: وهو فاسد، ولا قائل بالمزاوجة في قولنا: إن جاء زيد، فسلم على أجلسته فأنعمت عليه.
هذا وفي كون الثاني أردئ من الأول بحث؛ إذ ما أورده في المختصر مشترك بينهما، والعبارة أوفق بالثاني، بل أوفق من توجيه ما استفاده من السلف.
ويمكن دفع النقض بتقييد المعنيين اللذين وقع الازدواج بينهما، وبين الشرط والجزاء بكونهما متحدين في الجنس، كما يقيد الازدواج على توجيه الشارح بكونه في ترتب معنى مخصوص عليهما بقرينة الأمثلة.
هذا، وينبغي أن لا تخص المزاوجة بين الشرط والجزاء، ويجعل منه نحو التي نهاني الناهي عن حبها فلج بي الهوى أصاخت إلى الواشي فلج بها الحجر، فإنه يشارك المركب من الشرط والجزاء المزدوجين في هذا التحسين البديعي، فإما أن يأول الشرط والجزاء بما يشمل هذا التركيب فتفطن، أو يجعل هذا ملحقا بالمزاوجة.
(كقوله) أي: قول البحتري: [(إذا ما نهى النّاهي) ومنعنى عن هواها (فلجّ) أي: لزم (بي الهوى أصخت إلى الواشي) أي: استمعت إلى النمام الذي يشي حديثه ويزينه، وصدقته فيما افترى علي، وكأنه افتراد أنه قبل نهى الناهي؛ إذ حينئذ بحسن اتصال الإصاخة بنهي الناهي (فلجّ بها الهجر)](1). ومثله قوله أيضا [(إذا احتربت) أي: تحاربت الفرسان المذكورة في البيت السابق (يوما ففاضت) أي: سالت (دماؤها) أي: دماء المقتولين منها (تذكّرت القربى)
(1) البيت في ديوانه: (844)، والإيضاح:(310)، والتبيان للطيبي (2/ 400).
البقية من الفرسان (ففاضت دموعها)] (1) ومن قال دماء الفرسان بمعنى دماء سفوكها فقد تكلف بلا حاجة.
(ومنه) المسمى باسمي (العكس والتبديل، وهو أن يقدم جزء من الكلام على جزء ثم يؤخر) عن ذلك الجزء أو ما يفيد معناه، فيشمل هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ (2) وقد مثل به المصنف، ويشمل نحو عادات السادات لتسود العادات وسيادة العادات بجعل السيادة مصدرا بمعنى السادة نحو عادات السادات سيدة العادات، وسيادات العادات على ظاهر عبارة التعريف بأنه يصدق على رد العجز على الصدر في النظم والنثر.
قال الشارح: العبارة الصحيحة ما ذكره بعضهم حيث قال: هو أن يقدم جزءا ثم يعكس، فيقدم ما أخر ويؤخر ما قدم.
هذا، ولا يخفى عليك أنه لو قال البعض هو أن يقدم في الكلام ما أخر، ويؤخر ما قدم لكفى، والذي يشكل ويصعب دفعه أنه ما الفرق بين رد العجز على الصدر والعكس، حتى صار الأول من المحسنات اللفظية والثاني من المحسنات المعنوية.
ويمكن أن يقال فيما نحن فيه الحسن باعتبار أنه يجعل المعنى الواحد مرة مستحق التقديم لفظه، وتارة مستحقا لتأخيره، بخلاف رد العجز على الصدر فإن الحسن فيه باعتبار جعل لفظ صدرا وعجزا، من غير تصرف في معناه في هذا التقديم والتأخير.
ثم ظاهر التعريف يصدق على القلب نحو.
مودّته تدوم لكلّ هول
…
وهل كلّ مودّته تدوم (3)
فإنه قدم فيه أجزاء هي حروف على أجزاء هي حروف، ثم عكس إلا أن يقال: المتبادر من الجزء الكلمات دون الحرف.
(ويقع) أي: التقديم والتأخير أو العكس (على وجوه منها أن يقع بين
(1) البيت للبحتري أيضا، وهو في الإيضاح:(310).
(2)
البقرة: جزء من الآية: 187.
(3)
البيت للقاضي الأرجاني في الإيضاح: 344.
أحد طرفي جملة، وما أضيف إليه) أي: إلى ذلك الطرف (نحو: عادات السادات سادات العادات) وكلام الملوك ملوك الكلام، فإن العكس قد وقع بين إحدى طرفي الكلام، وهو العادات في سادات العادات، وما أضيف إلى العادات من السادات.
وفسر الشارح ما أضيف إليه بما أضيف الطرف إليه، فإنه وقع العكس بين العادات، وما أضيف العادات إليه وهو السادات، وما ذكرنا أقرب بالعبارة، ويخرج من بيانه نحو من عادات سادات العادات، فإنه لم يقع العكس بين إحدى طرفي الكلام، سواء كان بمعنى طرفي النسبة أو جانبي الكلام دون بياننا.
(ومنها أن يقع بين متعلقي فعلين في جملتين، نحو يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ (1)) أقول: ومنها أن يقع بين متعلقي فعل وشبهه في جملة واحدة نحو يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ (2)(ومنها أن يقع بين لفظين في طرفي جملتين) أي: جانبيهما، سواء كان اللفظ طرفي النسبة أولا نحو لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ فهن طرف النسبة وهم قيد للطرف وكذا:
وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ (3) لفظه هم فيه طرف النسبة، ولفظة هن قيد للطرف.
ومن جملة هذا القسم أن يقع اللفظان نفس طرفي النسبة في الجملتين، كما أنشد الشارح لنفسه:
طويت بإحراز الفنون ونيلها
…
رداء شبابي والجنون فنون
فحين تعاطيت الفنون وحظّها
…
تبيّن لي أنّ الفنون جنون
ففي جعل الشارح ذلك مما وقع العكس بين طرفي جملة مقابلان لما ذكره المصنف مما وقع بين لفظين في طرفي جملتين، بحيث لا يخفى.
(ومنه الرجوع) سمي به لما يشعر به تعريفه من أنه الرجوع على الكلام السابق بالنقض أو لأنه رجوع عن الحكم السابق.
(وهو العود إلى الكلام السابق بالنقض لنكتة) وإنما قال لنكتة؛ لأن بعض
(1) الروم: 9.
(2)
الأنعام: 95.
(3)
الممتحنة: 10.
الكلام السابق لو لم يكن لنكتة، لكان مفسد الكلام فلا يكون محسنا.
فإن قلت: إذا كان النقض لنكتة كان من دواخل البلاغة، فلا يكون تابعا.
قلت: كما أن التحسين قسمان، كذلك النكتة (كقوله) أي: زهير:
[(قف بالدّيار الّتي لم يعفها) أي: لم يمحها (القدم) أي: تقادم العهد (بلى) أي: بلى محاها القدم (وغيّرها الأرواح) جمع ريح كالرياح، والأرياح في الصحاح، وقد يجمع على أرواح؛ لأن أصله الواو قلب في الرياح ياء لكسر ما قبلها، وزال الكسر في أرواح كان وهذا من أبقى الياء قصد دفع الالتباس بالأرواح جمع روح، وقوله وغيرها الأرواح عطف على المحذوف بعد بل، كما أشرنا إليه فلا داعي إلى جعل الواو فيه زائدة، وجعله في قوة بل غيرها كما في الصحاح (والدّيم)](1) جمع ديمة بالكسر، وهي مطر يدوم بلا رعد وبرق أو يدوم خمسة أو ستة أو سبعة أو يوما أو ليلة أو أقله ثلث النهار أو الليل أو أكثر ما بلغ دل الكلام السابق على أن تقادم العهد لم يمح الديار وآثارها فلما بدا له أنه كذب أراد الخبر بأنه محاها القدم وغيرها الأرواح والديم، فأتى بقوله بلى نقضا له؛ إذ لو قال: لم يعفها القدم محاها القدم كان كلاما واهيا موهما؛ لأن قائله يتفوه بما لا يشعر به، فلما قال: بلى، علم أنه نقض الكلام السابق، فجاء الإخبار يمحوها القدم وتغيرها الأرواح والديم مقبولا لطيفا.
وكذلك قوله [فأفّ لهذا الدّهر لا بل لأهله](2) فإن نقض السابق بقوله لا يحسن الإضراب، والنكتة في ذكر لا التنبيه على أن ما بعده إضراب لا ترق، والنكتة في الإخبار أولا بما هو غير واقع إظهار حدوث الكآبة والحزن والدهش والحيرة بالوقوف على الديار، على ما نقله المصنف، وإظهار أنه يمكن رسوم الديار في بصره، ويمكن خيالها في نفسه؛ بحيث لم يقف أولا أنه محا لقدم آثارها على ما نقول، وهذه النكتة مما هي من دواخل البلاغة، كما لا يخفى.
(1) البيت في ديوانه: 78، وهو مطلع قصيدة قالها في مدح هرم بن سنان، وانظر البيت في الإيضاح:
311، الإشارات:271.
(2)
لا يعرف قائله. قوله: «أف» اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر، والشاهد في أنه جعل التضجر من الدهر ثم رجع عنه وجعله من أهله، والنكتة هنا إظهار التحير، وقوله:«لا بل لأهله» على تقدير: لا أف للدهر بل أف لأهله.