الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصل المراد مما على أنه قد صرح كثير من النحاة بأن مثل هذا الشرط أعني الشرط الواقع حالا لا يحتاج إلى الجزاء، هذا ولا يخفى عليك أن ذكر المستثنى منه إذا لم يكن لفائدة يكون حشوا وأنه يشكل كون البيت مثالا للمساواة باعتبار حذف متعلق الخبر الظرف أيضا، وليس لك أن تجيب بأنه رعاية لأمر لفظي ولا حذف عن التحقيق؛ لأنه ينافيه ما قد سبق منهم من أن النكتة في جعل الخبر جملة ظرفية اختصارا لفعلية، فإنه يشعر بأنهم جعلوه إيجازا إلا أن يقال: التحقيق أنه لا حذف والتقدير لأمر لفظي كما يقتضيه التمثيل بالبيت، وما سبق كلام ظاهري حتى إن ذكر متعلق الخبر الظرف يكون حشوا مفسدا لوجوب حذفه إذ الإفساد أعم من أن يكون إفسادا لقاعدة اللفظ والمعنى، فما ذكره الشارح من أنه لو ذكر لكان تطويلا لا وثوق عليه.
[والإيجاز ضربان]
(والإيجاز ضربان:
[إيجاز القصر]
(1)، وهو ما ليس بحذف) أي: بمحل حذف أو بسلب حذف (نحو وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (2) قال صاحب «المفتاح» : هو علم في إيجاز، ووجهه أنه رجح على ما هو أوجز كلام فيما بين البلغاء على ما بينه المصنف، (فإن معناه كثير ولفظه يسير) أوضح المصنف كثرة معناه بقوله في «الإيضاح»: لأن المراد به أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل كان ذلك داعيا له قويا إلا أن لا تقدم على القتل، فارتفع بالقتل الذي هو قصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض، فكان ارتفاع القتل حياة لهم.
وفيه بحث؛ لأن ما ذكره دليل على دعوى أن في القصاص حياة، والدليل لا يراد بلفظ الدعوى، حتى يقال معناه كثير باعتباره، ولو كان الدليل موجبا لكثرة معنى الدعوى لكان كل دعويّ نظرىّ إيجازا.
(ولا حذف فيه)(3) أورد عليه أن ما ذكره المصنف في بيان كثرة معناه
(1) بكسر القاف وفتح الصاد وإن كان المشهور فتح القاف وسكون الصاد، وكثرة المعاني مع قصد الألفاظ تأتي من كون اللفظ لا يقتصر على دلالة واحدة، بل تتنوع دلالته ويدل بالتضمن والالتزام على أكثر مما يدل عليه بالمطابقة.
(2)
البقرة: 179.
(3)
أي لم يحذف فيه شيء مما يؤدي به من أصل المراد، أما متعلق الجار والمجرور بتقديره لرعاية الإعراب فقط.
يفيد أن الحياة في شرع القصاص أو العلم به ففيه حذف، ويدفعه أن معنى النظم أن القصاص منشأ الحياة، وغياته أن منشأيته مبنية بأن العلم به أو شرعه يوجب الحياة، والمراد بنفي الحذف نفي حذف الكلمة؛ إذ هو المعتبر في إيجاز الحذف، فلا يرد حذف كلمة في (وفضله) أي: رجحان قوله: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (على ما كان عندهم) أي: في اعتقادهم أوجز كلام في هذا المعنى وهو القتل أنفى للقتل، أي: في معنى في القصاص حياة، ونبه بلفظ «عندهم» على أنه ليس كذلك في الواقع، كما أفاده ببيانه، ومن قصور نظره أنهم لم ينتبهوا أن قولنا: القتل أنفى له، أخصر منه (بقلة حروف ما بناظره) أي: اللفظ الذي يناظر قولهم: القتل أنفي بالقتل (منه) أي: من قوله: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ وما يناظره منه ما سوى لكم؛ لكونه زائدا على معنى القتل أنفى للقتل، فالحروف اللازمة وقفا ووصلا في النظم عشرة فقط، وفي قولهم أربعة عشر (والنص على المطلوب) الذي هو الحياة إذ انتفاء القتل ليس مطلوبا لذاته، بل يطلب للحياة والنص على المطلوب أعون على القبول (وما يفيده تنكير حياة من التعظيم) ولا يخفى ما في التعظيم أو النوعية في مقام المنة على العباد شرع القصاص من إعانته على القبول، وبين وجه تعظيمه بقوله:(لمنعه عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحد) فالمعنى: ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة ولك أن تريد بتعظيم الحياة ومع سلامة الأعضاء إذ القصاص يعم العضو والنفس (أو النوعية، وهي الحياة الحاصلة للقاتل والمقتول بالارتداع) لا وجه لتخصيص النوعية بهذا الوجه، والتعظيم بالوجه الأول، بل كل من الوجهين يصلح أن يكونا وجها لكل منهما، وفيه كون التعظيم أو النوعية خارجا عن المطلوب نظر؛ إذ المطلوب الحياة العظيمة أو نوع من الحياة، فإفادة التعظيم أو النوعية داخلة في النص على المطلوب.
(واطراده) لجريان الحكم في كل قصاص بخلاف حكم القتل، فإنه لا يجرى في القتل الذي هو ليس بقصاص لأنه أدعى للقتل، وفي أن مقصودهم بالقتل القتل في مقابلة القتل فيكون مطردا، ويمكن دفعه بأن القتل في المقابلة يجوز أن يكون قتل جماعة بواحد، نعم لو أريد قتل واحد لواحد لكان مطردا، لكنه ليس
مقصودهم، ويرد أن الكلام في الفضل بحسب البلاغة وعدم الاطراد ينافي الصدق، ولا ينافي البلاغة، فالأولى وبالنص على المقصود؛ لأن مرادهم القتل في مقابلة القتل، ولفظ القتل ليس نصا فيه بخلاف القصاص، فإنه نص فيما قصد به (أو خلوه عن التكرار) بخلاف قولهم: فإنه يشتمل على تكرار القتل، والخلو من التكرار فضيلة، وأورد عليه أن فيه رد العجز على الصدر، وهو يوجب حسنا، ودفعه الشارح أن التكرار من حيث هو تكرار منقصة، وفضيلة من حيث إنه رد العجز على الصدر وليس بشيء، لأنه يعارض خلوه عن التكرار ما يلزم التكرار من رد العجز على الصدر، فلا يصير سببا للترجيح لوجود المعارض نعم في كونه رد العجز على الصدر بحث، وهو أنه في النثر أن يكون أحد اللفظين في أول الفقرة والآخر في آخرها، وفي كون قولهم فقرة بحث (أو استغنائه عن تقديم محذوف) بخلاف قولهم: فإنه يحتاج إلى تقدير المفضل عليه.
قال المصنف: أي: القتل أنفى من تركه؛ ولا يخفى أن الترك لا ينفى القتل، حتى يصلح لأن يكون مفضلا عليه، فالمراد أنفى من كل زاجر، ويتجه عليه احتياج في القصاص إلى متعلق فلا يستغنى عن الحذف.
والجواب ما عرفته (والمطابقة) أي وباشتماله على صنعة المطابقة، وهي الجمع بين المتضادين عن القصاص والحيوة، وفيه أن القتل ونفيه أيضا متضادان، ومنهم من زاد في وجوه الترجيح ما فيه من الغرابة من جعل القصاص الذي ينافي الحياة منشأ لها، ولم يلتفت إليه المصنف، ولقد أحسن وإن ذكره في الإيضاح، لأنه مشترك لأن في قولهم أيضا جعل القتل سببا لانتفائه، ورجّح أيضا بما فيه من السلاسة لسلامته عن توالي الأسباب الخفيفة لتوالي متحركين فيه كثيرا، بخلاف قولهم فإنه لم يتوال المتحركان فيه إلا مرة، ورجّح أيضا بتقديم المسند للاختصاص مبالغة، ورده الشارح بأن التقديم على المبتدأ المنكر لا يفيده ويرد نصهم على التخصيص في قوله تعالى: لا فِيها غَوْلٌ (1) إلا أن يقال: أراد المنكر الصرف وبعد فيه أنه لا تزاحم في النكات، فليكن تقديم الخبر الصحيح المبتدأ
(1) الصافات: 37.