الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أحدهما: أنه نهب الأعمار دون الأموال)(1) وذلك مفهوم من تخصيص الأعمار بالذكر، والإعراض عن الأموال، مع أن النهب بها أليق، وهذا ينبئ عن علو الهمة أو عن كمال الغناء، بحيث لا حاجة له إلى المال.
(والثاني: أنه لم يكن ظالما في قتلهم) وإلا لم يكن لأهل الدنيا سرور بخلوده، لأن وجود الظالم سبب لحزن كل أحد، للخوف من ظلمه، فلا يتصور تهنئتهم بخلوده، وتهنئة الدنيا تهنئة أهلها، وأيضا لو كان ظالما في قتلهم لكان لمصلحة نفسه، وهو إما المال أو البقاء، فعدم جمع الأعمار يدل على أنه ليس طالبا للبقاء، وعدم نهب الأموال دل على أنه لم يكن طالبا للمال، وفيه وجه ثالث، وهو أنه لم يجمع الأعمار، والناس تجمع المال الذي دون العمر فكم بينه وبين الناس.
[ومنه الإدماج]
(ومنه: الإدماج وهو) في اللغة لف شيء في الثوب وفي العرف (أن يضمن كلام سيق لمعنى مدحا كان أو غيره معنى آخر) مفعول ثان ليضمن المسند إلى المفعول الأول، فبذكر التضمين احترز عن التصريح بمعنى مع سيق الكلام لأجله، كما في قوله، في تهنئة بعض الوزراء لما اتخذ وزيرا: -
أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا
…
وأسعفنا فيمن نحبّ ونكرم
فقلت له نعماك فيهم أتمّها
…
ودع أمرنا إنّ المهمّ المقدّم (2)
فإنه رد المقصود على من قال إن هذا الشعر فيه إدماج في الشكوى عن الدهر في التهنئة، وقال اخط إذ الشكوى مصرح بها، بل فيه إدماج التهنئة في الشكوى عن الزمان، هذا وفيه نظر، لأن البيت سيق للتهنئة فكيف تكون التهنئة إدماجا والشكوى أصلا؛ على أن في كون الشكاية من الزمان مصرحا بها نظرا، فإن إباء الدهر في واحد من أمرين طلبا منه لتقديم المهم ليس محلا للشكوى، وكيف يحمل على الشكوى وآخر كلامه مصرح بالشكر.
(1) لتخصيصه الأعمار بالذكر دون الأموال مع أن النهب بها أليق، والبلغاء يعتبرون مفهوم اللقب في مثل هذا من المحاورات والخطابيات.
(2)
البيتان لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر، المتوفي سنة 300 هـ يهنىء سليمان بن وهب حينما استوزره الخليفة المعتضد العباسي، ويعرض له باختلال حاله.
انظر البيتين في الإيضاح: 328.
(فهو أعم من الاستتباع) ولا يخفى أن حق البيان حينئذ أن لا يذكر في مقابلة الاستتباع بل يذكر الإدماج من المحسنات، وينبه على دخول الاستتباع فيه، كما فعل في الطباق والمقابلة، وقد أشار بقوله (فهو أعم من الاستتباع) أن ما مثل به الاستتباع مثال له وإنما أشار بقوله (كقوله) إلى مثال له يفترق به عن الاستتباع، فليس الغرض منه التمثيل ليلغو بل بيان الافتراق والضمير إلى أبي الطيب في الواقع [(أقلّب فيه) أي في ذلك الليل (أجفاني) جمع جفن كفقر، وهو غطاء العين من أعلى وأسفل (كأنّي أعدّ بها) أي بالأجفان، والتقدير بتقليبها، ولو قال به ليرجع إلى التقليب لكان أظهر، ولك أن تجعله راجعا إلى التقليبات المستفادة من أقلب (على الدّهر الذّنوبا)](1) ومعنى تقليب الأجفان للعد أن امتداد السهر لكثرة ذنوب الدهر وطول عده وكمال الرغبة فيه، فإن الاشتغال بالمرغوب يمنع النوم ويسهل السهر (فإنه ضمن وصف الليل بالطول الشكاية من الدهر) الظاهر أن سوق البيت لوصف نفسه بالسهر فيه، والحزن لا لوصف الليل بالطول لأن تقليب الأجفان ظاهر في السهر لا في طوله، قال الشارح المحقق: وقوله معنى آخر أراد به الجنس أعم من أن يكون واحدا، كما في بيت أبي الطيب، أو أكثر كما في قول ابن نباته- بالموحدتين من فوق ومن تحت بالضم أو الفتح، فإن كلتيهما مما سمى بها العرب:
[ولا بدّ لي من جهلة في وصاله
…
فمن لي بخلّ- أي خليل- أودع الحلم عنده] (2)
قال المص: إنه ضمن الغزل يعني حديث المحبوبة الفخر بكونه حليما، حيث استفهم عن وجود خليل صالح للإيداع، وضمن الفخر بذلك الشكوى من الزمان بتغييره الإخوان، أو إعدامه حتى لم يبق من يصلح لهذا الشأن، فإن الاستفهام إنكاري، وضمن ذلك أنه لم يعزم على مفارقة حلمه أبدا وإنما يريده وقت إرادة
(1) البيت في ديوانه: 1/ 140، والإشارات: 285، والإيضاح: 327، تقليب الأجفان: كناية عن السهاد والأرق وعد ذنوب الدهر كناية عن الشكوى منه.
(2)
جهلة: مرة من الجهل بمعنى الخفه والطيش، وفي وصاله: لأجل وصاله، أو فى نيل وصاله يعني بسبب نيله، وخل: صديق، والاستفهام إنكاري.
انظر البيت في الإيضاح: 327.