الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(منه) أي: من المجاز (ما يبتني على التشبيه) قال الشارح: وهو الاستعارة التي كان أصلها التشبيه، فذكر المشبه به وأريد المشبه فصار استعارة، فجعل معنى الابتناء على التشبيه أن حقيقته التشبيه، ولك أن تجعل معناه أن علاقته التشبيه، وبالجملة يتجه أن أصل القسم الآخر من المجاز أيضا أربعة وعشرون نوعا، فلو كان بيان المجاز معينا للتعرض بالأصل على حدة لوجب مقصد آخر للتعرض لأصل المجاز المرسل، إلا أن يتكلف، ويقال: يريد أن منه ما يبتني على التشبيه الذي هو مباحث كثيرة، يستحق أن يجعل بابا على حدة، ولا يسعه باب ما يبتني عليه.
ولا يذهب عليك أن التشبيه كما يبتني عليه شيء من المجاز يبتني عليه الاستعارة بالكناية فجعله أصلا من أصول الفن ليس بمجرد مصلحة المجاز.
(فتعين التعرض له)(1) على حدة بخلاف ما يبتني عليه المجاز المرسل، فإنه لقلته أورده في بحث المجاز المرسل كما هو حق مقدمة الشيء، وقد فرّع «المفتاح» على التشبيه ابتناء بعض المجاز على الاستعارة، جعله باب على حدة وتقديمه على المجاز والكناية؛ ولذا تكلف الشارح في عبارة المصنف فحمله على التعرض قبل التعرض للمجاز، ووجه تقديمه لذلك على الاستعارة ظاهر.
[انحصار علم البيان فى الثلاثة: التشبيه والمجاز والكناية]
وأما على المجاز المرسل فلأن اتصال المجاز المرسل بالاستعارة جعلهما بابا واحدا، ووجه تقديمه على الكناية؛ لأن المجاز متقدم عليها (فانحصر) أي: علم البيان المحمول على الفن الثاني من الكتاب، وهو محمول على المقصود من علم البيان؛ لأن الفن المشتمل على أمور سوى تلك الثلاثة من تعريف العلم، وبيان ما يبحث عنه فيه، وضبط أبوابه إلى غير ذلك؛ فلذا قال في الإيضاح: فانحصر المقصود في التشبيه والمجاز والكناية، ولك أن تجعل الضمير إلى علم البيان المعرف، فيظهر المقصود بدون اعتبار المقصود (في الثلاثة) المذكورة وكأنه سمى الأقسام الثلاثة بأسامي ما يبحث منه فيها، كما سمى أبواب المعاني باسم الأحوال
(1) هذا ظاهر في أن التشبيه لا يدخل في البيان إلا تبعا للاستعارة، على أن ابن الأثير قد ذكر أن الجمهور على أن التشبيه مجاز؛ لأن المتشابهين كما ذكر ابن رشيق إنما يتشابهان بالمقاربة وعلى المسامحة، وقد نازعه بعضهم في صحة هذا النقل عن الجمهور.
على ما هو ظاهر الأحوال من سوق المقام، ويرد على الحصر الاستعارة بالكناية على مذهب المصنف؛ لأنه ليس مما يدخل في المراد بالتشبيه هاهنا لا مجازا ولا كناية. واعترض السيد السند بأن ما ذكر من ابتناء الاستعارة على التشبيه، لا يوجب جعله من المقاصد البيانية، بل يوجب كونه مقدمة لبحث الاستعارة، وينافي كونه مقصدا من المقاصد البيانية، وكثرة مباحثه لا توجب ذلك، بل توجب جعله مقصدا على حدة بعد ثبوت كونه مقصدا.
قلت: ما يتوقف عليه المقصود الأصلي من العلوم بجعل منها، منه جعل مباحث القضايا من المنطق لابتناء القياس عليه، ومباحث الكليات منه لابتناء المعرف عليها.
قال السيد السند: الحق أن التشبيه أصل برأسه من أصول هذا الفن، وفيه من النكت واللطائف البيانية ما لا يحصى، وله مراتب مختلفة في الوضوح والخفاء مع أن دلالته مطابقية، ويضمحل ما ذهب إليه من أن الإيراد المذكور لا يتأتى بالوضعية، ولو تتبعت ما ذكره المصنف في «الإيضاح» من شرف التشبيه ولطائفه نقلا وتحقيقا، لم يبق لك شبهة فيما ذكره وتعجب أنه مع ذلك كيف لم يتنبه أن الطرق المختلفة جارية في الدلالة المطابقية، وأن ليس التشبيه متطفلا للاستعارة، لكن يتجه أن هذه اللطايف هل هي بيانية أم داخلة في المعاني لا بد لكونها من البيان من بيان.
ونقل السيد السند عن بعض الأفاضل فائدة، وهي أنك إذا قلت: وجهه كالبدر، لم ترد به ما هو مفهومه وضعا، بل أردت أنه في غاية الحسن، ونهاية اللطائف، لكن إرادة هذا المعنى لا ينافي إرادة المفهوم الوضعي، كما في الكناية وحينئذ ينبغي أن ينحصر مقاصد علم البيان في أربعة: التشبيه، والاستعارة، والكناية، والمجاز المرسل.
والوجه في الضبط أن يقال: إذا أريد باللفظ خلاف ما وضع له، فإما أن ينافي إرادة ما وضع له أو لا، وعلى كل تقدير فإما أن يبتني إرادته منه على تشبيه أو لا، فنسبة التشبيه إلى الاستعارة كنسبة الكناية إلى المجاز المرسل، إلا أن التشبيه مع كونه أصلا مقصودا مقدمة لمباحث الاستعارة، فاستحق التقديم عليها