الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أن يراد بقوله (سواه) سوى سره (بخزّان)(1) صيغة مبالغة من الخزانة ولا يخفى أن المقام يقتضي المبالغة في النفي لا نفي المبالغة في الخزانة، فيجب جعل مبالغة الخزان للنفي كما فعل في قوله تعالى: وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (2)(وقوله) أي أبي العلاء:
لو اختصرتم من الإحسان زرتكم
…
والعذب يهجر للإفراط في الخصر (3)
بالمعجمة والمهملة والتحريك: البرودة وبكسر العين: البارد، وفي البيت حسن التعليل (وقوله:[فدع الوعيد فما وعيدك ضائري]) الضير: الضرر [(أطنين صوت أجنحة الذّباب، يضير](4) وقوله): أي أبي تمام في مرثية محمد بن نهشل حين استشهد: [(وقد كانت البيض القواضب في الوغى]) بالمعجمة الحرب (بواتر) قواطع [فهي الآن من بعده بتر](5) جمع أبتر بمعنى مقطوع الفائدة، يعني لم يبق بعده من يستعملها استعماله، أو استعمال من يستعمله في متابعته، وقد بقى من المصنف ثلاثة أمثلة من شبه الاشتقاق، وقد أسلفنا واحدا منها، فالأول من الباقين مثل قول الحريري:[ولاح يلحى على جري العنان] أي ملهى [فسحقا له من لائح لاح] فالأول ماضي يلوح والثاني اسم فاعل من لحاه بمعنى شتمه والثاني مثل قول الآخر: [لعمري لقد كان الثّريا مكانه] أي منزلة من غاية الرفعة فكأنه خبر كان، والأبلغ جعله ظرفا أي كان الثريا في مكانه، وكأن منزل الثريا منزلة يسكن فيه الثريا لخدمته، ثراء بالفتح أي غناء [فأضحى الآن مثواه في الثّرى] في الممدود وادي من الثروة والمقصور يائي.
[ومنه السجع]
(ومنه السجع) في القاموس هو الكلام المقفى أو موالاة الكلام على روى، جمعه أسجاع، وكذا الأسجوعة بالضم، وجمعه الأساجيع، وقد يطلق على نفس الكلمة الأخيرة. كما هو ظاهر الكلام الذي نقله من السكاكي.
(1) البيت لامرىء القيس في ديوانه: 90، والإيضاح: 340، والإشارات:297.
(2)
ق: 29.
(3)
انظر البيت في سر الفصاحة: 267، والمصباح: 114، والإيضاح:340.
(4)
البيت لابن أبي عيينة، أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات: 297، والقزويني في الإيضاح:340.
(5)
البيت في ديوانه: 4/ 83، والإشارات: 298، والإيضاح: 340، بواتر: قاطعات، بتر: جمع أبتر:
إذ لم يبق من بعده من يستعملها استعماله.
(قيل: هو تواطؤ الفاصلتين) من النثر، قرآنا كان أو غيره، على حرف واحد، فقوله قيل هنا عديل لقوله (وقيل لا يقال في القرآن إسجاع إلخ) ولقوله (وقيل غير مختص بالنثر) وكلام الشارح المحقق في هذا المقام يدل على أن الفاصلة يخص النثر فح لا يحتاج إلى قوله من النثر لكن ذكر الفاصلة في تعريف الموازنة، مع شمولها النثر والنظم يوجب التقييد.
(وهو معنى قول السكاكي وهو في النثر كالقافية في الشعر يعني كون السجع مختصة بالنثر) معنى قول السكاكي هذا وبهذا اندفع أن كلام السكاكي يدل على كون السجع نفس الكلمة الأخيرة من الفقرة دون تواطؤ الفاصلتين كما ذكره الشارح، ولا يحتاج إلى ما ذكره من التكلف من أنه أراد أنه معنى قول السكاكي، ومضمونه لا صريحة فإنه إذا علم أن السجع لا بالمعنى المصدري بمنزلة القافية علم أن السجع بالمعنى المصدري كالتقفية، القافية على ما في القاموس آخر كلمة في البيت أو آخر حرف فيه إلى أول ساكن يليه، مع الحركة التي قبل الساكن، أو الحرف التي يبنى عليه القصيدة، هذا كلامه، وجعل الشارح من المذاهب آخر حرف إلى أول ساكن يليه، مع متحرك قبله، جعل السكاكي الترصيع من جهات الحسن كالسجع، والمصنف جعله من أقسامه حيث قال (وهو ثلاثة أضرب:
مطرف) على صيغة المفعول من التفعيل وهو الحديث من المال، سمي به لأن الوزن في الفاصلة الثانية حدثت، وليس الوزن الذي كان في الفاصلة الأولى (إن اختلفتا) أي الفاصلتان (في الوزن) العروضي لا التصريفي ألا ترى أن: الكوثر، وقوله: وانحر، مخالفتان في الوزن التصريفي مع أنهما جعلا مما لم يختلفا في الوزن ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (1) فالوقار والأطوار مختلفان، والوقار بالفتح بمعنى التوقير كالكلام بمعنى التكليم أن ما لكم لا تأملون توقير الله من عبده، فلا تعبدونه لهذا الرجاء، أو لا تنقادون من عبده. والأطوار جمع طور كثرر بمعنى المرة، أي وقد خلقكم مرات إذ جعلكم أولا عناصر، ثم مركبات لتغذي الإنسان، ثم أخلاطا، ثم نطفا، ثم علقا، ثم عظاما، ولحوما، ثم أنشأكم خلقا آخر. (وإلا) أي وإن لم يختلف الفاصلتان في الوزن (فإن كان ما
(1) نوح: 13، 14.
في أحد الفقرتين) من ألفاظ سوى الفاصلة، فإن اشتراط المماثلة فيها مذكور قبل، فلا معنى لدرجة في هذا الاشتراط فاحفظه فإنه سينفعك.
(أو كان أكثره مثل ما يقابله) أي يقابل ما في إحدى الفقرتين أو أكثره، ولا يصح رجوع الضمير إلى ما في إحدى الفقرتين كما في الشرح فاعرفه. (من الفقرة الأخرى في الوزن والتقفية) مجاز عن التوافق في الحرف الآخر (فترصيع) نقلا من التحلية أو النشاط والمناسبة ظاهرة (نحو يطبع) أي يعمل يقال طبع السيف والدرهم والجرة من الطين عملها (الأسجاع) المراد به الكلمات المقفيات (بجواهر) جمع جوهر وهو كل حجر يستخرج منه شيء ينتفع به وإضافته (إلى لفظه) إضافة المشبه به إلى المشبه وإفراد اللفظ في موضع إرادة المتعدد كونه في الأصل مصدرا. (ويقرع) يدق (الأسماع) جمع سمع وهو إن كان مصدرا يصح إفراده مع إرادة المتعدد، قال الله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ (1) إلا أنه أوجب الأسجاع جمعه (بزواجر وعظه) أفراده لكونه مصدرا، ونعم المثال في الترصيع مجميع ما في الفقرة الأولى مما له مقابل في الثانية يوافق مقابلة في الوزن والتقفية وإما فهو مما لا يقابله شيء من الثانية ولو بدّل الأسماع بالسمع أو الزواجر بالزاجر لكان مثالا لموافقة الأكثر، فلسهولة تحصيل المثال للأكثر لم يذكر له مثالا.
(وإلا فمتواز) أي إن لم يكن جميع ما في إحدى الفقرتين مثل ما يقابله من الأخرى أو أكثره مثل ما يقابله من الأخرى، وذلك أقسام: أحدها أن لا يكون لما في إحدى الفقرتين مقابل لما في الأخرى لعدم كون ذكر الكلمات فيهما على نمط واحد، كموصوف وصفة في قوله تعالى: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وفعل وفاعل ومعطوف في حصل الناطق والصامت، على ما يشاهد من الأمثلة، من إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) وثانيها: أن يكون لكن يكون جميعه أو أكثره مخالفا لما يقابله من الأخرى في الوزن والتقفية جميعا، وجعل الشارح المحقق قوله فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (3) مثاله، ويتجه عليه أن
(1) البقرة: 7.
(2)
الكوثر: 1، 2.
(3)
الغاشية: 13، 14.
هناك ليس الأكثر ولا الجميع مخالفا، بل المخالف والموافق متساويان، إذ كلمة فيها ككلمة فهو في مثال الترصيع، وقد انكشف لك الجواب عنه بما وعدنا لك نفعه، فاعرف موضع النفع، فهو مثال لما خالف فيه جميع ما في إحدى القرينتين ما يقابله من الأخرى، نعم هناك قسم آخر لم يتعرضوه، وهو أن يكون المخالف والموافق متساويين، وثالثها بل رابعها المختلفان في الوزن فقط، نحو وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (1) وخامسها المختلفان في التقفية فقط نحو حصل الناطق أي المال الظاهر، والصامت أي المال المخفي، وهلك الحاسد والشامت، قال ابن الأثير: من شرائط حسن الاستعارة أن يكون كل واحد من الفقرتين دالة على معنى، وإلا لكان تطويلا كقول الصابئ: الحمد لله الذي لا تدركه الأعين بلحاظها، ولا تحدّه الألسن بألفاظها، ولا تخلقه العصور بمرورها، ولا تهرمه الدّهور بكرورها، والصّلاة على من لا يرى للكفر أثر إلا طمسه ومحاه، ولا رسما إلا أزاله وعفّاه، إذ لا فرق بين عدم إخلاق مرور العصور وعدم إهرام كرور الدهور، ولا بين محو الأثر وعفو الرسم، هذا في الملازمة المستفادة من قوله:
وإلا لكان تطويلا، بحيث يجوز أن يكون داع إلى التكرار، فيكون إطنابا، وكأنه لذلك لم يلتفت إليه المصنف.
(قيل أحسن السجع ما تساوت قرائنه) في كون السجع المطرف أو المتوازي المتساوي القرائن أحسن من الترصيع غير المتساوي القرائن نظر، وكأنه أريد أن أحسن السجع باعتبار تساوي القرائن وتفاوتها ما تساوت قرائنه.
(نحو فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) أي لا شوك له أو مثنى أغصانه من كثرة حمله وَطَلْحٍ: هو شجر موز مَنْضُودٍ نضد، حمله من أسفله إلى أعلاه وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (2) منبسط لا يتقلص، ولا يتفاوت، وبعد فيه نظر، لأن من موجبات حسن السجع قصر قرائنه، حتى قال ابن الأثير: وأحسن السجع ما كان قصيرا، وهو ما يكون من لفظين إلى عشرة، وما زاد فطويل وغايته من خمسة عشر لفظا، ومن الطويل ما يقرب من القصير بأن يكون تأليفه من إحدى عشرة إلى اثنتى عشر، وأحسن القصر ما كان على لفظين، فلا يصح ترجيح
(1) المرسلات: 1، 2.
(2)
الواقعة: 28 - 30.
المتساوي القرائن على متفاوتها مطلقا؛ لجواز أن يكون المتساوي من السجع الطويل، والمتفاوت من القصير، والتحقيق أن كلا من الترصيع والقصر والتساوي من موجبات الحسن، فكل ما اجتمع فيه جهات الحسن أو كثرت فيه فهو أحسن، وكل ما انفرد فيه جهة حسن فهو أحسن من آخر من وجه.
(ثم ما طالت قرينته الثانية) نبه بكلمة ثم على كثرة رجحان التساوي على التفاوت والمراد بالطول الطول اللغوي بالنسبة إلى الفقرة الأخرى، كما لا يخفى، والمراد طول لا يخرجه عن الاعتدال، صرح به ابن الأثير.
(نحو وَالنَّجْمِ إِذا هَوى أي: سقط ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ أي: الرسول وَما غَوى (1) وقرينته الثالثة) بشرط أن لا يزيد على الثانية، والأولى معا كثيرا، فإن الأوليين يحسبان في عدة واحدة، صرح به ابن الأثير.
قال المصنف: وقد اجتمعا أي- طول الثانية والثالثة- في قوله تعالى:
وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (2) هذا فتأمل (نحو: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ)(3) أي أدخلوه (ولا يحسن أن يولي) من الإيلاء (قرينة أخرى) مفعول ثاني للإيلاء، والأول قرينة بانت عن الفاعل (أقصر منهما كثيرا) وفيه رد على ابن الأثير من وجهين حيث جعل قصر الثانية مطلقا عيبا فاحشا، بتقييد القصر بالكثرة، وتعبير العيب الفاحش لا نفي الحسن.
(والأسجاع مبنية على سكون الأعجاز) أي بناء السجع على سكون العجز أي الحرف الآخر من الفاصلة؛ إذ الغرض من السجع وهو الازدواج لا يحصل إلا بالبناء على السكون، وذلك السكون أعم من أن يكون في الفاصلة من أصل وضعها، كما في دعا تثنية أمر، ودعا فعلا ماضيا، أو يحصل بالوقف، ولذا قال مبنية على السكون ولم يقل مبنية على الوقف، ومما لا ينبغي أن يذهب عليك أنه لو لم يوقف على الفاصلتين المختلفتين الإعراب لا يخرج الكلام به عن السجع لصدق تعريف السجع عليه، وهو تواطؤ الفاصلتين على حرف، وإنما يفوت
(1) النجم: 1، 2.
(2)
سور العصر.
(3)
الحاقة: 30، 31.
الغرض منه، فما وقع في عبارة الشارح من أنه لو اعتبر الحركة لفات السجع مسامحة، وواضحة ما في عبارة الإيضاح أنه يفوت غرض السجع.
(كقولهم: ما أبعد ما فات وما أقرب ما هو آت) لأن ما فات وإن كان عن قريب فلا يمكن أن يدرك، وما هو آت يدرك وإن بعد، ولذا قال: خير الثقلين: (أنا والساعة كهاتين، وأشار إلى إصبعيه المباركتين، السبابة، والوسطى)(1) هذه وقد خالف فات وآت في الحركة، لكن يحصل غرض السجع بالوقف، لا يقال يمنع عن السكون التقاء الساكنين على غير حده لأنا نقول هو مغتفر في الوقف كما عرف في موضعه.
(ولا يقال في القرآن أسجاع) أي لا يحكم هذا الحكم أو لا يستعمل في شأن القرآن الأسجاع (بل) يقال (فواصل) فيه بحث، إذ لا يفيد الفواصل فائدة الأسجاع لأنها أعم من الأسجاع، والأعم لا يفيد معنى الأخص إلا أن يتكلف، ويقال: أراد أنه يقال فواصل متوافقة في الأعجاز.
قال الشارح المحقق: وهذا مشعر بأن السجع هو الكلمة الأخيرة من الفقرة، إذ لا يقال الفواصل إلا لها، يريد أن قوله فواصل يدل على أن المراد بالأسجاع في قوله ولا يقال في القرآن أسجاع هو الكلمة الأخيرة، إذ لا يقال الفواصل إلا لها، يعني لا يطلق الفاصلة على المعنى المصدري حتى يحتمل الأسجاع المذكور في مقابلتها معناها المصدري، قيل وجه نفع إطلاق السجع على القرآن أنه في الأصل هدير الحمام، وقيل عدم الإذن الشرعي، ورد الشارح الثاني بأن إطلاق الاسم على القرآن وأجزاءه ليس توقيفيا، إنما التوقيفي أسماء الله تعالى، ويمكن تصحيحه بأنه أراد هذا القائل أن إطلاق اسم موهم لما لا يليق به تعالى لا يصح إلا بإذن الشرع، كإطلاق يد الله وأمثاله.
(وقيل) السجع (غير مختص بالتنزيل) يجري في النظم أيضا (ومثاله من النظم) قول أبي تمام:
تجلّى به رشدي
…
وأثرت به يدي
(1) صحيح: أخرجه البخاري ومسلم عن أنس وسهل بن سعد، بلفظ:«بعثت أنا والساعة كهاتين» .