الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو ظاهر بيان المتن حيث لم يشترط فيما له محل من الإعراب عدم الاختلاف، وقد وقع في التنزيل وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (1) وصرح العلامة الزمخشري على جوازه في سورة نوح (أو معنى) أي:(فقط) وأما الاختلاف لفظ.
فقط فليس من موجبات الفصل كما ستعرفه (نحو: مات فلان رحمه الله (2) أي: ليرحمه الله، ففصل رحمه الله عما قبله لاختلافهما خبرا وإنشاء معنى، ويحتمل أن يكون الفصل للتنبيه على الاختلاف، وهذا موجب سانح فاحفظه (أو لأنه) عطف على قوله: لاختلافهما (لا جامع بينهما كما سيأتي)(3) من أن المعتبر الجامع باعتبار المسند إليه والمسند جميعا وأن الجامع أي شيء هو.
[وأما كمال الاتصال]
(وأما كمال الاتصال) فبتنزيل الجملة الثانية منزلة تابع من التوابع سوى العطف، لكنهم لم يتعرضوا لكون الثانية بمنزلة النعت للأولى، وبنى الشارح ذلك على أن النعت دال على بعض أحوال المتبوع، وهذا المعنى مما لا تحقق له في الجمل.
وشيد السيد السند بنيانه بأنه يستلزم كون الجملة من حيث هي جملة محكوما عليها.
ولك أن تقول: ومحكوما به، والجملة من حيث هي لا تصلح لشيء منهما، ونحن نقول: ليس التنزيل إلا مقتضيا لنوع مناسبة، ولا يقتضي رعاية خصوص صاحب المنزلة في المنزل، وإلا يصلح التنزيل منزلة البدل؛ لأن البدل مقصود بالنسبة والجملة من حيث هي جملة لا تصلح لذلك، على أن الجملة ربما تدل على حال جملته كأن تقول: زيد قائم علمت، فبفصل علمت عن زيد قائم؛ لأنه يدل على أنه معلوم فيكون بمنزلة النعت.
(1) آل عمران: 173.
(2)
فإذا اختلفنا لفظا لا معنى، ولم يكن عندهم من كمال الانقطاع كما سيأتي في أحوال الوصل.
(3)
انتفاء الجامع بين الجملتين قد يكون بسبب انتفائه عن المسند إليه فيهما كقولك: «زيد طويل، عمرو قصير» إذا لم يكن بينهما جامع من صداقة ونحوها، وقد يكون بسبب انتفائه عن المسند فيهما، كقولك:
«زيد طويل، عمرو نائم» في حال وجود صداقة بينهما، وهذا ما يريده القوم بكمال الانقطاع في هذا الضرب، فلا يريدون به إلا انتفاء الجامع الخاص الآتي، ولا يعنون به أن يتفكك الكلام بحيث لا يكون فيه ارتباط ما يجمع بين أجزائه.
(فلكون الثانية مؤكدة للأولى) موافقة اللفظ والمعنى نحو: زيد قائم زيد قائم وقعد زيد قعد زيد، وكأنه لظهوره لم يتعرضوا له أو مخالفة اللفظ متقاربة المعنى جدّا، فهو بمنزلة التأكيد بالتكرير أو مخالفة المعنى مقررة للأولى فهو بمنزلة التأكيد المعنوي كما سنفصلها، وكلاهما (لدفع توهم تجوز أو غلط) كالتأكيد (نحو) لا رَيْبَ فِيهِ (1) بالنسبة إلى ذلك الكتاب على تقدير كونهما جملتين لا محل لهما من الإعراب، وهو المختار كما بين في محله (فإنه لما بولغ في وصفه ببلوغه) متعلق بوصفه (الدرجة القصوى في الكمال بجعل) متعلق ببولغ (المبتدأ ذلك) المشعر بكمال العناية تمييزه وبعد درجته لعظمته عن الإفهام (وتعريف الخبر باللام) الدال على حصر الكتاب فيه، وهو يقتضي جعل غيره من الكتب لنقصانه بالنسبة إليه كأنه ليس كتابا. والشيخ لم يجعل ذلك مبتدأ، بل جعله في تقدير هو ذلك الكتاب وجعله تعالى: لا ريب فيه بمنزلة هو ذلك الكتاب هو ذلك الكتاب على ما في دلائل الإعجاز، وكأنه تحاشى عن تنزيل كتب الله منزلة العدم؛ لما فيه من سوء الأدب وجعل لا رَيْبَ فِيهِ بمنزلة التأكيد اللفظي؛ لأن دعوى عدم الريب في كمال الهداية بمنزلة دعوى الهداية يقينا.
(جار) جواب لما (أن يتوهم السامع قبل التأمل) في كمالات الكتاب (أنه مما يرمي به) أي: مما يتفوه به (جزافا) هي مثلثة بمعنى ما يقال بلا تأمل، ولا يخفى أنه كناية عن كونه غلطا؛ لأن القول بلا تأمل في عرضة الغلط دون التجوز، وجعله بمنزلة جاءني زيد نفسه يستدعي أن لا يدفع به الغلط على ما ذهب إليه الشارح المحقق والسيد السند، لكن خالفناهما وشيدنا صحة دفع الغلط به في بحث التأكيد، وأيضا الكلام المؤكد به مجاز عن الكمال حقيقة في نفي غيره من الكتاب، والتأكيد المعنوي يدفع التجوز؛ فلا يصح اتباعه المجاز؛ لئلا يوجب كونه حقيقة على خلاف المقصود، ودفع الجزاف إنما يتحقق لو أريد بلا ريب فيه نفي الريب في الكمال، أما لو أريد نفي الريب في كونه من عند الله كما هو المشهور المتبادر فلا يندفع به الجزاف؛ لأن غيره من الكتب يشاركه في ذلك النفي (فأتبعه) أي: ذلك الكتاب (إياه) أي: لا ريب فيه (نفيا لذلك) التوهم
(1) البقرة: 2.
(فوازنه) أي: عديله من وازنه بمعنى عادله، يقال: هو وزنه وزنته ووزانه كذا في القاموس، فعلم أن (وزان نفسه في: جاء زيد نفسه) يريد فيه لفظ الوزان؛ إذ يقال: هو وزانه، لا وزانه وزانه على ما عرفت، ولا يصلحه قول الشارح في المختصر: أي وزان: لا ريب فيه مع ذلك الكتاب وزان نفسه مع زيد، فلا يكون الوزان زائدا كما توهم؛ إذ لا يوازن لا ريب فيه بمتبوعه، بل بما يعرف به حاله من نظيره الواضح الحال.
(ونحو هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)«1» عطف على قوله نحو لا ريب فيه وإشارة إلى جملة مؤكدة متقاربة المعنى لسابقتها منزلة منزلة التكرير (فإن معناه أنه) أي:
الكتاب (في الهداية) متعلق بما بعده (بالغ درجة لا يدرك كنهها) أي: نهايتها (حتى كأنه هداية محضة) الأولى حتى إنه هداية محضة إذ في حمل الشيء على الشيء في مقام المبالغة دعوى الاتحاد من غير شائبة تردد، والأولى هداية عظيمة محضة؛ لأن تنوين هدى للتعظيم، فالمبالغة في جعل الهدى المنون خبرا له، وليس معنى البلوغ تلك الدرجة معنى التنوين، وكونه الهداية المحضة معنى التعبير، كما يستفاد من الشرح؛ لأن التنوين لا يفيد تعظيم الهادي، بل الهداية فالبلوغ المبالغ فيه بتمامه مستند إلى حمل الهدى المنون عليه وجعله عين الهدى المعظم (وهذا معنى ذلِكَ الْكِتابُ «2» لأن معناه كما مر الكتاب الكامل والمراد بكماله كماله في الهداية لأن الكتب السماوية بحسبها) أي: بقدرها أو بسببها (يتفاوت في درجات الكمال) لا بحسب غيرها فتقدم الجار والمجرور للحصر مبالغة في الاعتماد بشأن هذا التفاوت فلا يرد منع الحصر بسند أنه قد يتفاوت بجزالة النظم وبلاغته كالقرآن فإنه فاق الكتب بإعجازه.
والشارح دفع المنع بأن هذا التفاوت أيضا داخل في الهداية؛ لأنه إرشاد إلى التصديق، ودليل عليه وإنما يندفع به لو كان السند مساويا، ولك أن تجعل:
هدى للمتقين في تقدير: فيه هدى للمتقين مريدا به حصر الهداية بكونها فيه فيكون كذلك الكتاب في حصر الهداية وتكون المماثلة أتم، وبالتأكيد اللفظي أقرب (فوازنه وزان زيد الثاني في: جاءني زيد زيد) الأولى فوزانه وزان زيد
(1 و 2) البقرة: 3.
قائم الثاني في زيد قائم زيد قائم إلا أنه أراد رعاية المناسبة بين وزاني قسمي الجملة المؤكدة، قال السيد السند: إذا كان كل ما مر «لا ريب فيه» و «هدى للمتقين» تأكيدا لذلك الكتاب فلا يظهر وجه لفصل هدى للمتقين من لا ريب فيه؛ إذ الممتنع عطف المؤكد على المؤكد، لا عطف تأكيد على تأكيد بل العطف فيه أنسب.
وكأنه لهذا لم يلتفت الزمخشري إلى هذا الاحتمال الذي اختاره «المفتاح» والمصنف، وجعل «لا ريب فيه» تأكيد ذلك الكتاب، و «هدى للمتقين» تأكيد «لا ريب فيه» ، وحينئذ فصل الجملة متّجه بلا إشكال.
هذا ونقول والله المستعان: ويا للكبوة من أشجع الفرسان فيما هو المستوى عن الميدان، ولولا فضل الله فالإنسان هو الإنسان إنما عدل «المفتاح» عن توجيه الزمخشري؛ لأنه لا يوجد لتأكيد التأكيد نظير في المفردات عند الجمهور؛ فإنهم نصوا على أن التأكيدات المجتمعة كلها للمؤكد كالصفات المتتالية بموصوف، نعم ابن برهان على أن التأكيد بعد التأكيد تأكيد للتأكيد، وهي المقيس عليه للجمل وكأن الزمخشري تبع مذهب ابن برهان، وكما لا يعطف المؤكد على المؤكد لا يعطف تأكيد على تأكيد، فلا يقال: جاءني قوم كلهم، وأجمعون على أنه يكفي في فصل التأكيد عن التأكيد إيهام العطف على المؤكد هذا، ولكن زيد في أسباب الفصل ما غفلوا عنه، وهو كون الجملتين المتواليتين تأكيدين لشيء فاحفظه وانظمه مع ما ذكروا (أو بدلا منه) عطف على قوله: مؤكدة للأولى، أي:
القسم الثاني من كمال الاتصال بأن تكون الجملة الثانية بدلا من الأولى أبدلت من الأولى؛ (لأنها غير وافية بتمام المراد)، إن وفت ببعض منه بخلاف الثانية فإنها وافية به (أو) لكون الثانية (كغير الوافية) بتمام المراد؛ لكونه مجملا أو خفيّ الدلالة، (بخلاف الثانية) فإنها وافية، لا تشبه غير الوافية، لكونها مفصلة أو واضحة الدلالة. هكذا ينبغي أن يفهم المراد، لا كما ذكره الشارح من أن البدل مطلقا يجب أن يكون وافيا لا يشبه غير الوافي؛ إذ واف يشبه غير الوافي يصلح لجعله بدلا مما لا نفي.
(والمقام يقتضي اعتناء بشأنه) أي: بشأن تمام المراد وجعل الضمير راجعا
إلى المراد يوجب فوت تمام المراد.
قال الشارح: لأن الغرض من الإبدال أن يكون الكلام وافيا بتمام المراد، وهذا إنما يكون فيما يعتني بشأنه.
أقول: لا بد في كل كلام أن يكون وافيا بتمام المراد والبلاغة ينافي فوت بعض المراد، فكون المقام مقتضيا للاعتناء بشأنه لم يعتبر لإيراد ما نفي بتمام المراد، بل لإيراد ما لا يفي به من المبدل منه، فإنه مع وجود البدل يشبه أن يكون المبدل منه لاغيا مهروبا عنه للبليغ، فأشار إلى وجه إيراده بأن المقام يقتضي اعتناء بشأن تمام المراد فيذكر أولا غير الوافي لتصير النفس طالبا لتمامه متشوقا إليه؛ فيتمكن في نفس المخاطب حين ذكره في فصل تمكن.
(لنكتة) النكتة: هي المقام والعبارة تشعر بأنها غيره، فالأولى وهو أي:
المقام كونه إلى آخره وكأنه أراد بالمقام غير ما يتعارف من الحال، بل ما كان التكلم (ككونه مطلوبا في نفسه) الأولى ترك قوله في نفسه فإنه يكفي كونه مطلوبا سواء أكان مطلوبا في نفسه أو ذريعة إلى غيره، (أو فظيعا) هايلا لو ذكر أول مرة من غير سبق المبدل، ربما لا يحيط به الذهن ويذهل عن ضبطه لفظاعته، (أو عجيبا) يمنع التعجب منه حرزه في أول السماع من غير تقدمة وتوطئة (أو لطيفا) لا يتمكن في البصيرة للطافته بدون المكث في طلبه وتعقله زمانا فينزل الثانية من الأولى منزلة بدل البعض أو الاشتمال، ويسمى في هذا الفن بدلا، وبيان المصنف ناظر إلى أنه لم يعتبر بدل الكل، وكلام «المفتاح» ساكت عنه.
ومن أمثلة «المفتاح» للبدل قوله تعالى: بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (1) قال: فصل قالُوا أَإِذا مِتْنا (عن) قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ؛ لقصد البدل. ومنها قوله تعالى اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (2) قال: لم يعطف اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ للبدل.
وجزم الشارح المحقق والسيد السند في شرح «المفتاح» أن المثال الثاني بدل
(1) المؤمنون: 81، 82.
(2)
يس: 20، 21.
الكل، مع أن المصنف صرح بأنه من بدل الاشتمال، وجعل السيد المثال الأول أيضا منه، لكنه قال الشارح في الشرح اقتداء بالإيضاح: ولم يعتبر بدل الكل؛ لأنه لا يتميز عن التأكيد إلا بأن لفظه غير لفظ متبوعه، وأنه المقصود بالنسبة دونه بخلاف التأكيد، وهذا المعنى مما لا تحقق له في الجملة التي لا محل لها من الإعراب، وأيده السيد السند بأن الجملة التي تعتبر مؤكدة وإن ناسبت التأكيد لفوت القصد بالنسبة مع أن استيناف القصد الذي في الجمل بمنزلة القصد بالنسبة يتحقق فيها ناسبت بدل الكل أيضا بالمغايرة في اللفظ والاتحاد في المعنى لم يجعل بدل الكل؛ لأن العمدة في البدل هو الكون مقصودا بالنسبة وقد فاتت.
أقول: فيما ذكره الشارح نظر من وجوه: أحدها: أنه لا ينحصر الامتياز عن التأكيد فيما ذكره، بل منه الامتياز بأن البدل في حكم تكرير العامل نعم إنه أيضا منتف في جمل لا محل لها من الإعراب.
وثانيها: أنه لا يتميز عن مطلق التأكيد بأن لفظهما يغاير الجملة الأولى؛ إذ من التأكيد ما يغاير لفظه لفظ المؤكد، وهو التأكيد المعنوي، وربما ينزل الجملة منزلة التأكيد المعنوي كما عرفت.
وثالثها: أن ما ذكره جاز في البيان؛ إذ البيان لا يتميز عن التأكيد إلا بأن لفظه غير لفظ الأول؛ فينبغي أن لا يعتبر، ولا يخفى أن إسقاط بدل الكل عن الاعتبار لإغناء البيان عنه أولى بالاعتبار؛ إذ التباس البيان بالبدل مشتهر. وقد تصدى النحاة بنصب علامة للتمييز بينهما دون البدل والتأكيد، فالتمسك في عدم اعتباره بعدم تمييزه عن التأكيد دون البيان ينبيء عن الغفلة (نحو:
أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (1) مثال للمنزل منزلة بدل البعض كما نبه عليه (فإن المراد التنبيه على نعم الله تعالى، والثاني أوفى بتأديته)؛ لأن الأولى وإن كانت أشمل، لكن الثانية أوفى في ذلك البعض؛ (لدلالته عليها بالتفصيل من غير إحالة على علم المخاطبين المعاندين).
الأولى ترك المعاندين؛ لأن الأظهر أن التنبيه ليس مخصوصا بهم، بل يشمل المعترفين ليزيدوا في الشكر ويتمكنوا من الاعتراف (فوزانه وزان وجهه في:
(1) الشعراء: 132.
أعجبني زيد وجهه؛ لدخول الثاني في الأول) كما لا يخفى لأن الأول يشمل على ما لا يحصى.
وللآية احتمال آخر في غاية الدقة والحسن، وهو أن (ما) في قوله (ما تعلمون) مصدرية، أي: أمدكم بعلمكم وتمييزكم من بين الحيوانات الشهوية بأنكم من ذوي العلم، أمدكم بأنعام. الآية، نبّه على الإمداد في العالم الروحاني، وعلى الإمداد في العالم الجسماني.
ولما كان بين الإمدادين من التباين والتفاوت فصل الجملتين تنزيلا للتباين منزلة عدم التناسب، ولو جعل ما موصولة فالأشبه أنه من ذكر الخاص بعد العام؛ لصرفه في نظر المخاطبين المعاندين لكمال شغفهم بها.
والشايع فيه عطف الخاص على العام، ولما أعاد العامل استغنى به عن العاطف فهذه من جهات الفصل جريت بأن يجعلها نصب العين، وإن أهملوه من البين وما ينزل منزلة بدل الاشتمال ما أشار بقوله (نحو:
أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا: وإلا)
أي: وإن لم ترحل.
(فكن في السّرّ والجهر مسلما)(1)
أي: منقادا، والإسلام الانقياد. وفي الشرح أي: كن كالمسلم في استواء حالته في الدين، على خلاف المنافق المتدين في الملاء غير المتدين في الخلاء (فإن المراد) أي: المقصود (به) والغرض من استعماله فالمراد بمعنى الغرض لا ما استعمل فيه اللفظ (كمال إظهار الكراهة) أي: كمال إظهار كمال الكراهة (لإقامته) أي: إقامة المخاطب (وقوله: لا تقيمن عندنا أوفى بتأديته) أي:
تأدية الغرض من الاستعمال؛ (لدلالته عليه) أي: على الكراهة وتذكير الضمير لعدم الاعتداد بتأنيث المصدر، وبما قررنا لم يلزم كون إظهار الكراهة ما استعمل فيه اللفظ مع ظهور بطلانه، كما لزم على من جعل ضمير عليه لكمال إظهار الكراهة (بالمطابقة) أي: بالدلالة الواضحة التي صارت في الوضوح
(1) البيت بلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 207، 8/ 463، مجالس ثعلب: 96، معاهد التنصيص 1/ 278، مغني اللبيب 2/ 426، شرح المرشدي على عقود الجمان: 1/ 178، الإيضاح:154.
كالمطابقة، وإلا فمعنى:«لا يقيمن» ، النهي عن الإقامة، وهو ليس عين الكراهة.
ومما يوضح الكراهة قوله: «عندنا» ، فإنه يدل على أنه لا يرضى بالمقارنة والمصاحبة ويستهجن رؤيته.
وقال الشارح: تعارف هذا اللفظ في الكراهة الشديدة للكراهة من غير طلب الكفّ عن الإقامة مع التأكيد (مع التأكيد) الظاهر جدّا في الكراهة الشديدة (فوزانه وزان حسنها في: أعجبنا الدار حسنها؛ لأن عدم الإقامة مغاير للارتحال) فلا يكون تأكيدا ولا بيانا (وغير داخل فيه مع ما بينهما من الملابسة) والملازمة، ووجه كونه مثالا لجمل لا محل لها من الإعراب قد عرف.
(أو بيانا) أي: القسم الثالث من كمال الاتصال بأن تكون الجملة الثانية بيانا (لها) للأولى فينزل منزلة عطف البيان من متبوعه في إفادة الإيضاح فلا يعطف عليها، كما لا يعطف موضع الشيء عليه فإما أن يذكر في كلمة بعد كلمة أي أو بدونها وبعد أن جعل المفتاح، أي المفسرة من الحروف العاطفة لا يصح منه جعل كون الثانية بيانا للأولى من موجبات الفصل (لخفائها) يعني يتوقف البيان على كون الأولى خفيا، وفيه بحث لأنه ربما يطلب به مزيد الإيضاح دون إزالة الخفاء (نحو: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (1) وتشبه أن يكون الآية من بدل البعض؛ لأن وسوسة الشيطان كان أكثر مما ذكر، فما ذكره بعض مما قبله (فإن وزانه وزان عمر في:
أقسم بالله أبو حفص عمر) (2) الملايم لما سبق، فوزانه وكون الجملة الثانية بيانا للأولى أعم من أن يكون بتمامها بيانا لتمام الأولى، أو تكون بتمامها بيانا لجزء الأولى أو تكون جزءا منها بيانا لجزء الأولى، فإن قوله (قال يا آدم) بيان (لوسوس إليه) ولا خفاء في الشيطان ولا مدخل لتقييد الوسوسة به في البيان، وما قال الشارح المحقق من أنه لو لم يقيد قوله: قال بالشيطان لم يصلح تفسيرا لقوله:
(1) طه: 120.
(2)
انظر البيت في الإيضاح: 154، وشرح المرشدي على عقود الجمان 1/ 179، والبيت غير منسوب لأعرابي مجهول، وبعده:
ما مسها من نقب ولا دبر
…
اغفر له اللهم إذ كان فجر