الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيأتيه من شرار الناس الذين يدعون على من ينكر العلم بأن سبقه غيره فإن السارق بل يدعون على من خصه الله بفضل أنه سرقه من غيره مع أنه لم يظهر هذا الفصل من غيره أصلا- حكى عن ابن ميادة- أعني الرماح بن أبرد بن ثريان، الشاعر المنسوب إلى أمه ميادة، وهي أمة سوداء- أنه أنشد لنفسه:
مفيد ومتلاف إذا ما أتيته
…
تهلّل واهتزّ اهتزاز المهنّد (1)
فقيل: ابن يذهب بك هذا للخطيئة فقال: الآن علمت أني شاعر إذ وافقته على قوله، ولم أسمعه، وتوارد الخاطرين أكثر من أن يحصى في المعاني يحكم به وجدان كل أحد، وإن كان توارد الشعر بعينه أو بأكثر ألفاظه قليلا، ولا يخفى أن هذا الاحتياط فيما إذا لم يكن خارقا للعادة، أما من نسب قصيدة أو أبياتا متعددة سبقه غيره فيها إلى نفسه فلا يتأمل في الحكم لسبق غيره عليه.
(فإذا لم يعلم قيل قال فلان كذا وقد سبقه إليه فلان فقال كذا) ليغتنم بذلك فضيلة الصدق، وسلم من دعوى العلم بالغيب، ومن نسبة الغير إلى النقص.
[أما الاقتباس فهو أن يضمن الكلام]
(ومما يتصل بهذا) أي بالسرقات الشعرية كما يقتضيه قوله: خاتمة في السرقات الشعرية، وما يتصل بها إلا أن ذلك يقتضي أن يقال: ومما يتصل بهذا الفن، فجعل ما سبق بتأويل الفن، والأنسب ما ذكره الشارح حيث قال: أي بالقول في السرقات الشعرية، لأنه يذكره قوله (القول في الاقتباس والتضمين والعقد والحل والتلميح) وستعرف وجه التسمية لكل في موقعه.
وفي قوله (ومما يتصل) إشارة إلى أن المتصل به لا ينحصر فيما ذكر، بل لك أن تلحق به ما توقف على استخراجه، ووجه الاتصال في غاية الوضوح، ولم يسم الكل سرقات، ولم يقسم إلى الشعرية وغيرها، لأن هذه الصنائع منزهة عن السرقة، وانتحال ما للغير كما لا يخفى.
(أما الاقتباس) هو أخذ النار أو استفادة العلم، ومناسبة كلا المعنيين بصنعة الاقتباس ظاهرة، لأن المتكلم أخذ من القرآن أو الحديث في كلامه ما هو
(1) انظر البيت في الإيضاح: (358) لابن ميادة. مفيد: أي للناس بكرمه. متلاف: مبدد للمال بكرمه أيضا. تهلّل: تلألأ وجهه من السرور. المهند: السيف المشحوذ، أو السيف المصنوع من حديد الهند.
بمنزلة جذوة نار تضيء في كلامه، أو استفاد علم البيان من أحدهما (فهو أن يضمن الكلام) نثرا كان أو نظما (شيء من القرآن أو الحديث) والمراد من القرآن أو الحديث أعم منه، ومن التغير تغيرا يسيرا بقرينة قوله ولا يضره التغيير اليسير، فلا يرد أن (إنا إلى الله راجعون) ليس قرآنا وليس حديثا، مع أنه تضمين (لا على طريقة أنه) أي ذلك الشيء (منه) أي من القرآن أو الحديث يعني على وجه لا يكون فيه إشعار بأنه يخلو عن النقل والرواية، فلا يقال: قال الله أو النبي كذا أو في القرآن أو الحديث كذا، وهو إما من القرآن أو الحديث وكل منهما إما في النثر أو النظم، فالأول (كقول الحريري:[فلم يكن إلا كلمح البصر أو هو أقرب، حتّى أنشد فأغرب](1)، والثاني (كقول الآخر:[إن كنت أزمعت) أي عزمت (على هجرنا من غير ما جرم فصبر جميل]
وإن تبدّلت بنا غيرنا
…
فحسبنا الله ونعم الوكيل) (2)
والثالث (مثل قول الحريري: قلنا: شاهت الوجوه، وقبح اللّكع ومن يرجوه)(3)
فإن قوله: شاهت الوجوه لفظ الحديث على ما روي «أنه لما اشتدت الحرب يوم حنين أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفا من الحصاء فرمى به وجوه المشركين وقال شاهت الوجوه» (4) أي قبحت بالضم من القبح نقيض الحسن وقول الحريري: وقبح اللكع على صيغة المجهول، من قبحه الله أي أبعده عن الخير، واللكع كصرد اللئيم، والعبد الأحمق.
(و) الرابع مثل (قول ابن عباد قال) أي الحبيب (قال لي إنّ رقيبي طيّب الخلق فداره) من المداراة وهي المجاملة والملاطفة وضمير المفعول للرقيب (قلت:
دعني وجهك الجنّة حفّت بالمكاره) أي دعني ولا تفضحني فإني أعلم أنه لا بد من
(1) انظر الإيضاح: 359.
(2)
البيتان لأبي القاسم بن الحسن الكاتب. أزمعت: عزمت. والاقتباس في البيت الأول من الآية رقم 18 من سورة يوسف، أو الآية 83 من سورة يوسف أيضا، وفي البيت الثاني من الآية 173 من سورة آل عمران.
(3)
انظر الإيضاح: 360.
(4)
صحيح، أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع، والحاكم عن ابن عباس.
تحمل مكاره الرقيب، فإن وجهك الجنة حفت بالمكاره، ولا بد لطالب الجنة من مشاق التكاليف، أو دعني ولا تمنعني من العنف بالرقيب، فإن وجهك الجنة، فلا بد له من ملاقاة المكاره.
فقوله: الجنة حفت بالمكاره اقتباس من قوله عليه السلام «حفت الجنة بالمكاره» (1) يقال: حففته بكذا أي جعلته محفوفا محاطا.
ومما ينبغي أن يلحق بالاقتباس تضمين الكلام شيئا من كلام عظماء الدين ممن يتبرك بهم، وبكلامهم سيما الصحابة الكرام والتابعين العظام، ومن ينخرط في سلك هذا النظام، وليكن هذا مما لوح به قوله: ومما يتصل به كما نبهنا عليه.
(وهو) أي الاقتباس (ضربان ما لم ينقل فيه المقتبس من معناه الأصلي) بل استعمل في مفهومه الأصلي وأن يغير ما استعمل فيه هذا المفهوم بغير تبدل فرد بفرد (كما تقدم) من الأمثلة الأربعة فإن قوله:
(فصبر جميل) استعمل في مفهومه، أما إذا أريد فصبر جميل أجمل فظاهر، وأما إذا أريد فأمري صبر جميل، فلأن مفهوم أمري صبر جميل واحد، وإن اختلف ما صدق عليه أمري، فإن الأمر في القرآن أمر يعقوب- عليه السلام وفي الشعر أمر الشاعر، وفيه نظر، لأن اتحاد المفهوم في ضمير المتكلم لا يتم إلا أن يكتفى ببقاء أكثر الألفاظ على مفهومه، وهكذا حفت بالمكاره، فإن المكاره على مفهومه، ولكن تغير الفرد وحفت بمعناه، لكن الضمير إلى وجه الحبيب لجعله بمنزلة الجنة.
(وخلافه) أي ما لم ينقل فيه المقتبس من معناه الأصلي (كقوله) أي قول ابن الرومي:
لئن أخطأت في مدحك
…
فما أخطأت في منعي
لقد أنزلت حاجاتي
…
بواد غير ذي زرع (2)
أي: بجناب لا يقع، هو اقتباس من قوله تعالى، حكاية عن إبراهيم عليه السلام: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ
(1) صحيح، أخرجه مسلم عن أنس وأبي هريرة.
(2)
انظر البيت في الإيضاح: (361). والاقتباس من الآية (37) من سورة إبراهيم.
الْمُحَرَّمِ (1) والمراد به: واد لا نبات فيه، ولا ماء.
ومن لطيف هذا النوع قول بعضهم في صبيح الوجه: دخل الحمام فحلق رأسه
تجرّد للحمّام عن قشر لؤلؤ
…
وألبس من ثوب الملاحة ملبوسا
وقد جرّد الموسى لتزيين رأسه
…
فقلت: لقد أوتيت سؤلك يا موسى
(ولا بأس بتغيير يسير في اللفظ للوزن أو غيره) كالتنبيه لأنه إيراد القرآن أو الحديث لا على أنه منه، نعم لو أورده على أنه منه لا يصح التغيير.
وأما التغيير الكثير فيخرجه عن كونه اقتباسا، والتغيير اليسير كوضع المظهر موضع المضمر كقوله: أي قول بعض المغاربة: قد كان ما حفت أن يكونا إنا إلى الله راجعونا، فإن القرآن وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أو تبديل اللفظ بلفظ يساوي مفهومه مفهومه، كتبديل ما خلق له بما هو مخلوق له، كقول القاضي منصور الهروي الأزدي:
ولو كانت الأخلاق تحوي وراثة
…
ولو كانت الآراء لا تتشعّب
لأصبح كلّ الناس قد ضمّهم هوى
…
كما أنّ كلّ النّاس قد ضمّهم أب
ولكنّها الأقدار كلّ ميسّر
…
لما هو مخلوق له ومقرّب (2)
فإنه مقتبس من قوله عليه السلام: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» (3).
أو وضع ضمير راجع إلى ما يساوي مفهومه مفهوم، لفظ في المقتبس موضعه، كقول عمر الخيام:
سبقت العالمين إلى المعالي
…
بصائب فكرة وعلوّ همّه
ولاح بحكمتي نور الهدى
…
في ليال للضّلالة مدلهمّه
يريد الجاهلون ليطفئوه
…
ويأبى الله إلا أن يتمّه
فإن أصله يتم نوره أي نور الله، فوضعه موضع الضمير الراجع إلى نور الهدى، وهو يساوي نور الله.
(1) إبراهيم: (37).
(2)
انظر الأبيات في الإيضاح: 362.
(3)
أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب القدر.
واعلم أن قوله في الأمثلة السابقة: حفت بالمكاره، من قبيل تغيير الظاهر المقتبس، فإنه وضع فيه ضمير الجنة موضعها في المقتبس.
(وأما التضمين فهو أن يضمن الشعر) يقول: ضمنت الإناء الماء أي جعلت الماء فيه، والتضمين في العرف بمعنيين: أحدهما: تضمين الشعر بيتا، وثانيهما:
جعل البيت بحيث لا يتم معناه إلا بما يليه، ويخص الأول باسم تضمين الشعر، والثاني باسم تضمين البيت كذا يستفاد من القاموس، لكن المصنف سيصرح بتضمين ما دون البيت وما فوقه، وتضمين المصراع وما دونه، فلذا قال:(شيئا من شعر الغير) يعني بيتا كان أو فوقه أو دونه من المصراع وما دونه، والشارح المحقق جوز تضمين الشاعر شعره شيئا من شعر آخر له، حتى قال: فالأولى أن يقول شيئا من شعر آخر، لكنه لم يلتفت إليه لندرته.
هذا ويتجه على التعريف أنه إن أريد بقوله: من شعر الغير البيان حتى يكون المعنى شيئا هو شعر الغير لا يتناول تضمين ما دون المصراع، وإن أريد معنى البعض لا يتناول تضمين تمام شعر الغير.
(مع التنبيه عليه) أي على شعر الغير، وفيه مسامحة نبه عليه الشارح، حيث فسر الضمير بأنه شعر الغير، ولك أن تجعله للتضمين المستفاد من تضمين أي مع التنبيه على التضمين (إن لم يكن) ذلك الشعر (مشهورا) عند البلغاء، وإن اشتهر فيتم التضمين بدون التنبيه، فقوله: إن لم يكن مشهورا تقييد لوجوب التنبيه لا أصل التنبيه، كما يتبادر، ولولا التنبيه إلى الشهرة لكان سرقة لا تضمينا، هكذا حقق الشارح.
والظاهر: أنه لو كان الخطاب بالشعر لم يعرف أن المضمن شعر الغير يتم التضمين بدون التنبيه والشهرة، ولا يخفى أن قيد التنبيه أو الشهرة ليتميز عن السرقة والتوارد لا لمجرد التمييز عن السرقة، أما تضمين البيت مع التنبيه على أنه من شعر الغير، فكقول عبد القاهر بن الطاهر التميمي:
إذا ضاق صدري وخفت العدى
…
تمثّلت بيتا بحالي يليق
فو الله أبلغ ما أرتجي
…
وتالله أدفع ما لا أطيق (1)
(1) انظر البيتين في الإيضاح: (262). ضاق صدري: كثرت همومي، والهموم بنات الصدر تمثلت .... -
العدي بالضم والكسر اسم جمع بمعنى الأعداء وتمثلت أنشدت بيتا.
وأما تضمين بيت بدون التنبيه فكقول بعضهم:
كانت بلهنية الشّبيبة سكّرة
…
فصحوت واستبدلت سيرة مجمل
وقعدت أنتظر المنايا كراكب
…
عرف المحلّ وبات دون المنزل (1)
البلهنية من العيش سعته من فوقهم، وهو في شباب إبله يراد غفلة صاحبها، والبيت الثاني لمسلم بن الوليد الأنصاري، واجتماع التنبيه والشهرة في قول ابن العميد
كأنّه كان مطويّا على إحن
…
ولم يكن في قديم الدهر أنشدني
وفي الإيضاح: ولم يكن في ضروب الشعر أنشدني:
أنّ الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا
…
من كان يألفهم في المنزل الخشن (2)
البيت الثاني لأبي تمام، الإحنة: كالبدعة الحقد، والجمع إحن كعنب، وأسهلوا ساروا في السهل ضد الحزن.
وأما تضمين المصراع مع التنبيه (كقوله) أي الحريري:
على أنّي سأنشد عند بيعي
…
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا
المصراع الأول، لغلام عرضه أبو زيد على البيع، والثاني للعرجي، الشاعر عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، والنسبة إلى العرج على وزن الفرس، وهو منزل بطريق مكة، وقيل: لأمية بن أبي الصلت وتمامه:
ليوم كريهة وسداد ثغر
…
.... (3)
فقوله: ليوم متعلق بأضاعوني، واللام للوقت، والكريهة شدة الحرب،
- بيتا: اتخذته مثلا أفيد منه.
(1)
البيتان في الإيضاح: (362) لابن التلميذ الطبيب النصراني.
(2)
البيتان ينسبان في معاهد التنصيص للصاحب ابن عباد، وابن خلكان، والبيت الأخير لإبراهيم الصولي.
وهما في الإيضاح: (363). الأول لابن العميد، والثاني لأبي تمام.
(3)
البيت أجراه الحريري على لسان غلام أبي زيد السروجي بطل مقاماته عند ما عرضه للبيع.
الكريهة: الحرب. الثغر: موطن الضعف من الحدود. وسداده: سده بما يحتاج من عدة وعدد. انظر الإيضاح: (363).
وسداد الثغر بالكسر لا غير سده بالخيل، والرجال والثغر موضع المخافة، من فروج البلدان، والمعنى أضاعوني في وقت الحرب، وزمان سد الثغر، ولم يراعوا حقي أحوج ما كانوا إلىّ، وأي فتى: أي كاملا من الفتيان أضاعوا، وفيه تقديم وبدون التنبيه، فكقول الآخر:
قد قلت لمّا أطلعت وجناته
…
حول الشّقيق الغضّ روضة آس
أعذاره السّاري العجول توقّفا
…
ما في وقوفك ساعة من باس (1)
المصراع الأخير لأبي تمام.
وأما تضمين ما دون المصراع كقوله:
كنّا مع الدّهر في بؤس نكابده
…
والعين والقلب منّا في قذى وأذى
والآن أقبلت الدّنيا عليك بما
…
تهوى فلا تنسني أنّ الكرام إذا (2)
ولا بد هنا من تقديرنا في البيت، لأن المعنى لا يتم بدونه بخلاف قول الحريري فإنه لا يحتاج إلى تقديره، فتضمين ما دون البيت قسمان: تضمين بعضه مع تقدير الباقي، أو ما لا بد منه، وتضمينه بلا تقدير، ولا يخفى أن حسن التضمين بأن يكون المتضمن مما تميل إليه الطباع، وتألفه وتتأنس به، إما لشهرته أو اشتماله على مزايا بديعة، وكون صاحبه ممن يعتد بكلامه، ويشتهي سماع مقاله.
(وأحسنه) ما يتصرف فيه لكن لا في لفظة، لأنه إن كثر لا يبقى مضمنا بل ينقلب سرقة، فالأولى الحفظ عن يسيره أيضا ليكون أبعد عن السرقة، بل في معناه بإيداع نكتة في لفظ المضمن كما يشير إليه قوله:
(ما زاد على الأصل بنكتة) ولطيفة (كالتورية) وقد عرفتها (والتشبيه في قوله) أي قول صاحب التحفة:
[إذا الوهم أبدى] أي أظهر [لي لماها] أي شربة سواد اللون وشفتها أو سمرتها،
(1) البيتان لأبي خاكان أبي العباس أحمد بن إبراهيم. وجناته: خدوده. الشقيق: ورد أحمر، استعارة لموطن الحمرة في خده. الآس: الريحان. وروضة الآس: استعارة للشعر الثابت في جانبي وجهه.
العذار: الشعر النابت في جانب الوجه مما يلي الأذن. انظر الإيضاح: (363).
(2)
انظر الإيضاح: (363).
وفي القاموس: اللمي مثلثة اللام سمرة الشفة أو شربة سوداء فيها، وهذا لأنخ عن وصمة فلذا أسند إبدائها إلى الوهم الذي شأنه الكذب ([وثغرها تذكّرت ما بين العذيب]) تصغير عذب، والعذب: المستساغ من الطعام والشراب، أو أعذب تصغير ترخيم، والأعذبان البريق والخمر [وبارق] أي الثغر الشبيهة بالبرق، يعني ما أبدى لي وهم شفتها وثغرها، وأدرج في إبداءها شائبة يقص في شفتها تذكرت ما بين ريق فمها وثغرها، من لسانها الذي تلذذت به، وبمصها، ودفعت ما في إلقاء الوهم من التردد في كمال حبها.
وجعل الشارح العذيب بمعنى الشفة، وما بين العذيب وبارق بمعنى البريق، ولعل ما ذكرنا أعذب ([ويدكّرني]) الوهم من الإدكار [من قدّها ومدامعي] بيان لما بعده قدم عليه [مجرّ] مفعول يذكرني [عوالينا] جمع عالية وهي أعلى القناة أو رأسها أو نصفه الذي يلي السنان [ومجرى السّوابق](1) أي جريان سوابق الخيل يعني يذكرني الوهم قدها ومدامعي الجارية كسوابق الخيل الذين جروا الرماح، ففيه تشبيه تمثيل، لصورة قدها الساكنة في العين المضمة بالمدامع الجارية للعوال، فنعما تضمين هذا التشبيه بمجاوزة خيال القد في المد، مع فقد زاد الشاعر في البيت الأول على الأصل بالتورية، ونعم التورية إذ لا تورية أروج مما هي في بيان حال المهوية، سيما حال ذكرناها، وفي الثاني تشبيه النبية الذي ظهر بالتوجيه الوجيه الذي له فضل عند ذويه، إذ الأصل بيت أبي الطيب في مطلع قصيدة له أعني:
تذكّرت ما بين العذيب وبارق
…
مجرّ عوالينا ومجرى السّوابق
والمعنى: أنهم كانوا نزولا بين هذين الموضعين المعروفين وكانوا يجرون الرماح عند مطاردة الفرسان، ويسابقون على الخيل فيما بينهم، مفعول تذكرت أبدل منه مجر عوالينا أو ظرف تذكرت أو ظرف مجرو، وقد جوز تقديم الظرف على المصدر، والمفعول مجر، وعرف بهذا أن التضمين نوعان: ما بقي فيه المضمن
(1) لما هو: سمرة باطن شفتيها. ثغرها: مقدمة أسنانها. العذيب. وبارق: موضعان في الأصل، والأول تصغير عذب، وهو الريق والعذوبة من أوصافه مرادا به الشفة وهي محله، والثاني وصف بمعنى لامع، وما بينهما كناية عن الريق، وهو الذي يتذكره بعد الوهم. قدّها: قامتها. وفي البيت الثاني تشبيه ضمني.
وانظر الإيضاح: (364).
على معناه الأصلي، وما انتقل فيه عن معناه الأصلي إلى معنى آخر، ولا يبعد أن يشترط فيما إذا نقل من معناه الأصلي إلى معنى آخر أن يكون المعنى الثاني أبلغ من الأول، إذ لو كان دونه لكان مذموما، ولو كان مثله لكان أبعد من الذم، ولا يظهر اختصاص زيادة الحسن لزيادة على الأصل بالتضمين لجريانها معنى في الاقتباس، وكأنهم لم يلتفتوا إليه، إذ لا يتصور فيه زيادة على الأصل، ولا يليق التفوه بالزيادة فيه، إذ أصله القرآن والحديث.
(ولا يضر) في التضمين (التغيير اليسير) لما قصد تضمينه قال المصنف في الإيضاح: ليدخل في معنى الكلام ولا يبعد أن يدفع ضرر التغيير داعي التقفية أيضا، وكلاهما في قول بعضهم في يهودي به داء الثعلب:
أقول لمعشر غلطوا وغصّوا
…
من الشّيخ الرّشيد وأنكروه
هو ابن جلا وطلّاع الثنايا
…
متى يضع العمامة تعرفوه (1)
والبيت لسحيم بن وثيل بالمثلثة على فعيل، وأصله مشهور فغير من التكلم إلى الغيبة ليدخل في المقصود، ولينتظم التقفية، والمعنى: غلطوا في حقه ونقصوا ووضعوا من قدره، يقال: غص منه نقص ووضع من قدره، وفيه تهكم قد زيف باستعمال الرشيد، وفي التضمين نكتة وهي التعريض بداء الثعلب فيه، وأنه غطى بعمامته داء الثعلب، فإذا وضع العمامة يظهر ما خفي تحت العمامة.
(وربما سمى) وفي استعمال ربما إشارة إلى قلة استعمال الاسم (تضمين البيت فما زاد استعانة وتضمين المصراع فما دونه إيداعا) لأن الشاعر الثاني قد أودع شعره شيئا من شعر الغير هو بالنسبة إلى شعره قليل مغلوب، وهذا وإن كان لا يظهر في تضمين بيت واحد، مصرفا فالكنه وجه التسمية ولا مشاحة فيه، (ورفوا) لأنه جعل شعر الغير مطمئنا في صحبة شعره، والرفو: جعل الغير مطمئنا.
وقال الشارح: لأنه رفى خرق شعر الغير بشعره، ونحن نقول: لأنه لما أخذه فقد خرق شعر الغير فرفاه بما ضمه إليه.
(وأما العقد فهو أن ينظم نثر) وإن كان قرآنا أو حديثا لكن (لا على طريق
(1) غضوا عنه: أغفلوه وأعرضوا عنه، وأصله أغمضوا عيونهم عنه تفذذا. انظر: الإيضاح: 364.
الاقتباس) خرج به اقتباس القرآن والحديث، وبقي عقدهما، وهو النظم مع تغيير كثيرا، ومع التنبيه على أنه من أحدهما، أما عقد القرآن فكقول الشاعر:
أنلني بالذي استقرضت خطّا
…
وأشهد معشرا قد شاهدوه
فإنّ الله خلّاق البرايا
…
عنت لجلال هيبته الوجوه
يقول إذا تداينتم بدين
…
إلى أجل مسمّى فاكتبوه (1)
وأما عقد الحديث فكقول الإمام الشافعي المطلبي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه
عمدة الخبر عندنا كلمات
…
أربع قالهنّ خير البريّه
اتّق المشتبهات وازهد ودع
…
ما ليس يعنيك واعملنّ بنيّه (2)
عقد قوله- عليه السلام (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات)(3) وقوله (وازهد في الدنيا يحبك الله)(4) وقوله عليه السلام (من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه)(5) وقوله (إنما الأعمال بالنيات)(6) وأراد بقوله: عندنا، أئمة الحديث أو عند أهل العلم وأكد الأمر بالعمل بالنية من بين الأمور الأربعة تنبيها على أنه من بينها للوجوب، وتأكيدا للرد على من يخالفه في وجوب النية في بعض الأعمال، وأتى بالأمر مع أنه ليس لفظ الأمر إلا في الزهد لأن سوق الأحاديث يفيد الأمر والطلب استحسانا أو وجوبا، وأحسن العقد أن يزيد بيانا على أصله، ويجعله أوضح كما يشاهد في هذا العقد، ولو قال:
بالاقتباس لكان أحسن، لأن ظاهر قوله: لا على طريق الاقتباس يخرج عقد غير القرآن والحديث من غير تنبيه، فإنه على طريق الاقتباس لكنه ليس باقتباس (كقوله) أي قول أبي العتاهية:
(1) أنلني: أعطني. البرايا: الخلائق. الأبيات للحسين بن الحسين الواساني الدمشقي. والعقد في البيت من بعض الآية (282) من سورة البقرة انظر الإيضاح: (364).
(2)
البيتان ينسبان للإمام الشافعي، ولطاهر بن معود الأشبيلي. انظر الإيضاح:(365).
(3)
صحيح أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير.
(4)
صحيح أخرجه ابن ماجه والطبراني عن سهل بن سعد.
(5)
أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطاب.
(6)
صحيح أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة. وانظر صحيح الجامع (5911).
ما بال من أوّله نطفة
…
وآخره جيفة يفخر (1)
أي: ما سبب افتخاره وقوله يفخر، حال (عقد قول علي رضى الله عنه (ما لابن آدم والفخر وإنما أوله نطفة وآخره جيفة) وقوله: والفخر مجرور مفعول معه، وما بالك والغضب، فإن قلت: هل ليس لابن آدم إلا أوله نطفة وآخره جيفة؟ قلت: نعم لمن يفتخر فتأمل.
ومما عقد من المثل قول الشاعر:
البس جديديك إنّى لابس خلقي
…
ولا جديد لمن لا يلبس الخلقا (2)
عقد المثل لا جديد لمن لا خلق له، أصله ما قالته عائشة رضي الله عنها وقد وهبت مالا كثيرا، ثم أمرت بثوب لها أن يرقع بضرب في الحث على استصلاح المال.
واعلم أن عائشة رضي الله عنها أمرت بترقيع ثوبها لتلبسه وتنفق مالها في سبيله تعالى، وأراد بقوله: لا جديد لمن لا خلق له أنه لا جديد من حلل الجنة لمن لا خلق له في الدنيا، ولم يعرف الناس معنى كلامها، فاشتهر في غير مرامها، وصار مثلا، والله تعالى أعلم.
(وأما الحل) وهو في اللغة الفتح ضد العقد، وفي النظم ارتباط كل جزء بآخر بحيث لا يمكن أن يتأخر أو يتقدم، فكأنه عقد كل ما لآخر بحبل بخلاف النثر؛ فإنه لا اتصال بهذه المثابة، فنثر النظم حل عقد الارتباط.
(فهو أن ينثر نظم) قال المصنف: وشرط كونه منقولا؛ لا أن يكون سبكه مختارا، لا يتقاصر عن سبك النظم، وأن يكون حسن الموقع مستقرا في محله، غير قلق، أي: غير مضطرب هذا ولا وجه لتخصيص هذا الاشتراط بالحل دون العقد.
(كقول بعض المغاربة: [فإنه لما قبحت فعلاته وحنظلت نخلاته] (3)
أي: صارت ثمرات نخلاته كالحنظل في المرارة ([لم يزل سوء الظّنّ يعتاده]
(1) البيت في الإيضاح: (365).
(2)
البيت في الإيضاح: (336) بلا نسبة. الخلق البالي الرث من الثياب.
(3)
انظر الإيضاح: (366). حنظلت نخلاته: أثمرت ثمرا رديئا مرّا، والمراد: ساءت أعماله وآذت.
أي يعوده إلى تخيلات فاسدة، وتوهمات باطلة [ويصدق توهّمه الذي يعتاده]) أي جعله من عاداته يقال: اعتاده أي جعله من عادته، فيعمل على مقتضى توهمه. (حل قول أبي الطيب:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
…
وصدّق ما يعتاده من توهّم) (1)
يشكو سيف الدولة واستماعه لقول أعدائه أي إذا قبح فعل الإنسان قبحت ظنونه، فيسئ ظنه بأوليائه وصدق ما يخطر بقلبه من التوهم على أصاغره، وكونه موضحا لما في النظم، مفسرا له، يزيده حسنا.
(وأما التلميح) لمح إليه كمنع اختلس النظر كألمح البرق والنجم لمعا، والمراة من وجهها أمكنت من أن تلمح، تفعل ذلك الحسناء ترى محاسنها ثم تخفيها، كذا في القاموس، فأخذ أرباب الصناعة التلميح بمعنى النسبة إلى اللمح بأحد المعاني، لأن الكلام المملح محل اختلاس النظر إلى المعنى المشار إليه، ومحل لمع المعنى المشار إليه كلمع البرق الخاطف، ومحل دلالة المعنى المشار إليه. وقد جعل الشارح العلامة التلميح أيضا اسما له، وهو في اللغة الإتيان بشيء مليح، وهو غير مشهور، بل لم يعثر الشارح عليه، حتى أنكره وخطأ العلامة، والاحتياط التوقف، فإن العلامة يبعد أن يسوي بينهما من غير أن رآه في كتاب أو سمعه من ثقة.
(فهو أن يشار) في فحوى الكلام (إلى قصة أو شعر) وزاد الشارح: أو مثل سائل، ولا يخفى أن منه الإشارة إلى حديث أو آية، كما يقال في وصف الأصحاب رضي الله عنهم: والصلاة على أصحابه، الذين هم نجوم الاقتداء والاهتداء، فإن فيه تلميحا إلى قوله صلى الله عليه وسلم (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وكقول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما
…
عندك راض والرأي مختلف
فإن فيه تلميحا إلى قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (2).
(من غير ذكره) راجع إلى المشار إليه، المدلول عليه، بقوله فهو أن يشار إلى
(1) البيت أورده القزويني في الإيضاح: (366).
(2)
الكافرون: 6.
قصة أو شعر أو إلى واحد من المذكور المستفاد من كلمة [أو] وأقسام التلميح على ما ذكره الشارح ستة، وعلى ما ذكرنا ثمانية، ثالثها ما في النظم من الإشارة إلى القصة (كقوله) أي قول أبي تمام:
لحقنا بأخراهم وقد حوّم الهوى
…
قلوبا عهدنا طيرها وهي وقّع
فردت علينا الشّمس واللّيل راغم
…
بشمس لهم من جانب الخدر تطلع
نضا ضوؤها صبغ الدّجنّة وانطوى
…
لبهجتها ثوب السماء المجزّع
(فو الله ما أدري أأحلام نائم
…
ألمّت بنا أم كان في الرّكب يوشع) (1)
فوضع الضمير في أخراهم للأحبة المرتحلين أي: لحقنا بمن تأخر منهم وحوم الهوى أي أطار الهوى قلوبا عهدنا أي عرفنا طيرها، وهي وقع جمع واقع، أي ساكنة غير طائرة يعني وجدناهم حين لحقنا بهم تدور قلوبهم حول الهوى، ولا تسكن على خلاف ما عهدناهم، فردت علينا الشمس حال كون الليل راغما مظلما، كأنه من ظلمته مختلط بالرغام والغبار، أو حين كونه دليلا مشرفا ما على الزوال من ظهور الشمس، والباء في قوله: بشمس لهم للتجريد أي ردت الشمس بشمس لهم أي شمسهم بحيث يجرد فيه منه شمس ردت علينا من جانب الخدر أي من وراء الستر تطلع، والخدر كالستر، ستر يحد في ناحية البيت للجارية، وكل ما واراك من بيت ونحوه، نضا أي أذهب ضوءها صبغ الدجنة أي الظلمة، من وجه السماء وأزالها يقال: نضا الخضاب ذهب لونه، وكأنه بالباء وجعل صبغ الدجنة منصوبا بنزع الخافض، والمجزع والمتجزع اسمي مفعول من الإفعال والتفعيل، كل ما فيه سواد وبياض يريد سواد الظلمة وبياض الكوكب، وصف نجومه بالأحبة المرتحلين وطلوع شمسه بوجه الحبيب من جانب الخدر، في ظلمة الليل، ثم استعظم ذلك واستغرب وتجاهل تحيرا وتدلها وقال: أهذا حلم أراه في النوم الأول أم كان في الركب يوشع النبي عليه السلام؟ !
(أشار إلى قصة يوشع) بن نون فتى موسى عليه السلام (واستبقاؤه
(1) حوّم الهوى قلوبا: جعلها تحوم وتدور حول الحبيبة. طير القلوب: خواطرها وما يخالجها، مجازا. وقع:
سواكن ثوابت، واحدها: واقع. وإذا سكنت خواطر القلوب سكنت القلوب وثبتت. والأبيات في الإيضاح: (367) لأبي تمام.
الشمس) أي طلبه وقوف الشمس فإنه روى أنه قاتل الجبارين يوم الجمعة فلما أدبرت الشمس خاف أن تغيب قبل أن يفرغ منهم ويدخل السبت، فلا يحل له قتالهم فيه، فدعى الله فرد له الشمس حتى فرغ من قتالهم، ولا يبعد أن يجعل قوله: أم كان في الركب يوشع من قبيل رب حائم أي من رد بدعائه الشمس، وأحسن ما يشار به إلى القصة أن يكون فيما أنت نظائر خصوصيات القصة، كأن نقول في رد الشمس من جانب الحذر، واستيفائه مصلحة المقاتلة مع غلبات الشوق وجنود نكايات الهجر.
ورابعها: التلميح إلى الشعر (كقوله: [لعمرو مع الرّمضاء]) أي الأرض الحارة ترمض فيها القدم أي تحترق [والنّار] عطف على الرمضاء [تلتظى] حال من النار [أرقّ] خبر لقوله لعمرو، وعامل في قوله مع الرمضاء يقال: رق له إذا رحمه [وأخفى] من حفى عليه، كرضى بالغ في إكرامه وأظهر السرور والفرح وأكثر السؤال عن حاله [منك في ساعة الكرب](1) على وزن الضرب كالكربة هو الغم الذي يأخذ النفس، هكذا بين إعرابه الشارح، وفيه أن معمول اسم التفصيل لا يتقدمه إلا في مثل هذا بشرا؟ أطيب منه رطبا، فالأوجه أن قوله مع الرمضاء حال من المبتدأ، وتلتظى صفة النار مثل [أمرّ على اللئيم يسبّني] والمعنى لعمرو مع ابتلائه بالرمضاء والنار المتلظية أرق وأحفى منك، من أن المبتلى لا يرق لغيره. (أشار إلى البيت المشهور:
المستجير بعمرو عند كربته
…
كالمستجير من الرّمضاء بالنّار) (2)
يريد بعمرو جساس بن مرة روى أن بسوس زارت أختها أهيلة أم جساس بجار لها من جرم بن ريان بطن من قضاعة فدخلت ناقة الجرمي حي كليب فرماها واختل ضرعها فولت حتى بركت بفناء صاحبها، فصاحت بسوس واذلاه، واغربتاه، فقال جساس: أيتها الحرة اهدئي فو الله لأعقرن فحلا هو أعز على أهله منها، فلما تباعد كليب عن الحي خرج جساس وتبعه فرمى صلبه، ثم وقف عليه
(1) انظر البيت في الإيضاح: (368)، والأول لأبي تمام، والثاني لكليب. عمرو: هو عمرو بن الحارث، استجار به كليب ليسقيه بعد أن ضربه جساس بن مرة، فنزل وأجهز عليه. الرمضاء: شدة الحر أو الأرض الحامية من شدة حر الشمس. تلتظى: تتوقد، وتستعر.
(2)
البيت أورده القزويني في الإيضاح: (368).
فقال: يا عمرو أغثني بشربة ماء، فأسرع قتله فقيل: المستجير بعمرو
…
البيت، فاشتد الشر بين تغلب وبكر أربعين سنة كلها لتغلب على بكر.
قال الشارح: ولهذا قيل: أشأم من البسوس، ويحتمل أن يكون أصل المثل من بسوس امرأة مشئومة من بني إسرائيل أعطى زوجها ثلاث دعوات مستجابات فقالت: اجعل لي واحدة. قال: فلك فماذا تريدين؟ قال: ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل ففعل فرغبت عنه فأرادت شيئا فدعا الله عليها أن يجعلها كلبة نباحة، فجاء بنوها فقالوا: ليس لنا على هذا إقرار تعيرنا بها الناس ادع الله أن يردها إلى حالها ففعل فذهبت الدعوات بشؤمها.
وخامسها: التلميح إلى المثل كقول عمرو بن كلثوم: [ومن دون ذلك خرط القتاد] أشار إلى المثل السائر: دون عليان القتادة والخرط، قاله كليب إذ سمع قول جساس لأعقرن فحلا، فظن أنه يعرض بفحل له يسمى عليان هو ودونه خرط القتادة يضرب للأمر الشاق، والخرط: أن تمر يدك على القتادة من أعلاها إلى أسفلها حتى ينثر شوكها.
وسادسها وسابعها: التلميح إلى الشعر في النثر كقول الحريري: [فبتّ بليلة نابغية وأحزان يعقوبية](1) أشار إلى قول النابغة:
فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة من
…
الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع (2)
من قصيدة يعتذر فيها إلى النعمان، يريد أني بتّ من سخطك على ألم كأني يراثبني حية دقيقة، فيها نقط سود، فيما بين أنيابها السم مجتمع، وخص الضيلة لأنها أخبث الحيات المساورة المواثبة، والضيلة الحية الدقيقة، والرقش جمع رقشاء كحمر جمع حمراء، وهي الحية فيها نقطة سواد وبياض، والأنياب جمع ناب، والناقع المجتمع من السم.
وثامنها: التلميح إلى المثل، كقول العتبي:[فيالها من هرّة تعقّ أولادها] أشار إلى المثل: «أعقّ من الهرّة تأكل أولادها» ، والعقوق ضد البر.
(1) انظر الإيضاح: (368).
(2)
البيت في الإيضاح للنابغة الذبياني: (368). ساورتني: واثبتني أو وثبت عليّ. ضئيلة: حية دقيقة وأضر الحيات أضألها. ناقع: شديد.