الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالتباعد فيه تباعد في أحدهما (السكاكي
الجامع بين الشيئين)
(1) ذكر السكاكي الجامع بين الجملتين، وعدل عنه المصنف إلى الجامع بين الشيئين؛ لأن الجامع يجب في المفردات أيضا، فنبه على أن ما ذكره لا يخص الجملتين (إما عقلي (2) بأن يكون بينهما اتحاد في التصور) (3) عدل عن عبارة السكاكي في التصور؛ لأن المتبادر منه كفاية الاتحاد في متصور واحد، فعدل إلى المعرف ليفيد أن الجامع الاتحاد في جنس المتصور فلا يفيد كفاية متصور واحد، ولا ينافي ما سبق من اشتراط الاتحاد في المسند والمسند إليه، إلا أنه لا يجرى في المفردين المعطوفين الاتحاد في التصور؛ إذ لا يعطف المتحدان والتماثل والتضايف والتضاد في المفردات باعتبار أنفسها، وفي الجمل باعتبار المسند والمسند إليه، ولنفصّل لك.
أولا: الجامع العقلي والوهمي والخيالي، فإنها من مزالق السالكين، ولنكتف ببيان الحق المبين، ولنعرض عن بيان ضلال المتباعدين عن مرتبة التمكين فإنه طول بلا طول ليس إلا مجرد قول فاعلم أن:
العقل: قوة للنفس الناطقة بها يدرك المفهومات الكلية، والخيال قوة لها خزانة تصور المحسوسات.
والوهم: قوة يدرك بها معان جزئية منتزعة عن المحسوسات.
وللنفس قوة أخرى تتصرف في مدركاتها تركيبا وتفكيكا تسمى مفكرة عند إعمال العقل إياها، ومتخيلة عند إعمال مجرد الوهم إياها، وهو المدار للفصل والوصل.
[الجامع بين الشيئين]
فالمراد بالجامع العقلي ما هو سبب لاقتضاء العقل اجتماع الجملتين عند المفكرة، وبالوهمي ما لا يكون سببا إلا باختيال الوهم وإبرازه له في نظر العقل في صورة ما هو سبب لاقتضاء العقل وبالخيالي ما يكون سببا بسبب تقارن أمور في
(1) انظر المفتاح. ص 127.
(2)
ضابطه أن يكون الجمع بين الشيئين فيه حقيقيا، بأن يكون في الواقع ونفس الأمر.
(3)
بأن يكون شيئا واحدا حقيقة بالشخص والنوع، كقول الشاعر:
سافر تجد عوضا عمن تفارقه
…
وانصب فإنّ لذيذ العيش في النّصب
الخيال، حتى لو خلى العقل ونفسه غافلا عن هذا التقارن لم يستحسن جمع الجملتين بقي الجمع بين أمرين سببه التقارن في الحافظة التي هي خزانة الوهم والتقارن في خزانة العقل، وهي المبدأ الفياض على ما زعموا لإلف وعادة، فإن الإلف والعادة كما يكون سببا للجمع في الخياليات تكون سببا للجمع بين الصور العقلية والوهمية، فاختل السيد السند بحمل الخيال على مطلق الخزانة، وقال:
ولما كان الخيال أصلا في الاجتماع؛ إذ يجتمع فيه الصور التي منها ينتزع المعاني الجزئية والكليات أطلق الخيال على الخزانة مطلقا، والأقرب أن يجعل التقارن في غير الخيال ملحقا متروكا بالمقايسة؛ إذ جلّ ما يستعمله البلغاء مبنيا على التقارن هو الخيالي، فاقتصر على بيانه.
وإن أردت القصر فالجامع إما التقارن في الخزانة مطلقا فهو الخيالي والملحق به، والثاني إما أن يكون بسبب أمر يناسب الجمع ويقتضيه بحسب نفس الأمر فهو العقلي، وإلا فهو الوهمي.
(أو تماثل)(1) وهو في الاصطلاح الكلامي: الاتحاد في النوع، والتجانس:
الاتحاد في الجنس، والتشابه: الاتحاد في العرضي.
وأشار إلى أن التماثل راجع إلى الاتحاد في التصور بقوله: (فإن العقل بتجريده المثلين عن الشخص في الخارج ترفع التعدد بينهما)، وهذا إنما يفي ببيان الجامع بين قولنا: زيد قائم، وعمرو قاعد أما في بيان الجامع بين قولنا:
الرومي أبيض، والحبشي أسود فلا؛ فإن العقل لا يطلب اتحاد الرومي والحبشي بالتجريد عن التشخص، بل عن وصف الرومية والحبشية اللتين هما كلّيان، والجواب أنه كلام على وجه التمثيل، وتصوير للمقصود فيما هو أكثر تداولا بين البلغاء.
ومن هذا القبيل تقييد التشخص بالخارجي لا؛ لما قال الشارح والسيد السند: إن ذلك لأن تجريد العقل والحاصل فيه عن التشخص العقلي غير ممكن؛ لأن معنى التجريد عدم ملاحظة التشخص، ونسبته إلى الذهني كنسبته إلى
(1) بأن يتفقا في الحقيقة ويختلفا بالشخص ما اشتراكهما في وصف له نوع اختصاص بهما من صداقة أو نحوها، كما سبق في نحو:«زيد شاعر، وعمرو كاتب» .
الخارجي.
بقي أن التجانس عن التشابه أيضا يصير جامعا عقليا أو يصح الإنسان كذا والحمار كذا في مقام بيان أحكام أنواع الحيوان.
ويصح زيد الكريم كذا، وعمرو الكريم كذا في مقام بيان أفراد الكريم.
قال الشارح المحقق: المراد بالتماثل اشتراكهما في وصف له نوع اختصاص بهما، وسيتضح ذلك في باب التشبيه.
وكأنه أراد كونه أقوى أو أعرف إلى غير ذلك مما يتفاوت اعتباره بالنظر إلى الغرض من التشبيه.
قلت: ضابط الاختصاص هنا أن يكون نظر المقام على ذلك الوصف، ولا يخفى عليك أنّ جعل الأمرين المعتبرين في مقام العطف واحدا بهذا الاعتبار تصوير من الوهم للاثنين في صورة الواحد، وإبراز له في معرضه، ويليق بأن يجعل من الوهمي.
قال الشارح: إنما يكفي التجريد عن التشخص في ارتفاع التعدد مع أن الأوصاف الكلية كالتفاوت بالحمرة والسواد أيضا موجبة للتعدد؛ لأن العقل يجوّز الشركة في الوصف الكلي، والتمايز بالوصف الكلي في الواقع، لا في تجويز العقل، وفيه نظر؛ لأنه لو كفى تجويز العقل الاشتراك والتوحيد في مشترك لكان بين جميع الجزئيات الخارجية اتحاد في النوع لتجويز العقل دخول الكلي تحت نوع الإنسان مثلا، فالوجه أن العقل قد يرفع التعدد بالتجريد عن التشخص، وذلك إذا كان التعدد عنده من قبل التشخص فتأمل.
(أو تضايف) وهو كون الشيئين بحيث لا يمكن شيء منهما بدون الآخر تحققا وتعقلا، ولا يخفى أنه سبب لجمع الأمرين في المفكرة، ولا يخفى أن استلزام تعقل أحدهما الآخر يكفي في سببية الجمع في المفكرة، فلا نحتاج إلى اشتراط التضايف.
فإن قلت: كما أن التضايف يكون في التصور يكون في التصديق فيصح أن يجعل التضايف بين نفس الجملتين جامعا بينهما، من غير أن يتوصل إلى
التضايف بين مسنديهما والمسند إليه لهما، بل هو جامع أقوى، وقد فات القوم.
قلت: كأنهم لم يلتفتوا إليه؛ لأن الجملتين المتضايفتين كذلك تغني إحداهما عن ذكر الأخرى، فلا يجمع بينهما البليغ فضلا عن أن يعتبر الوصل بينهما (كما) أي: كتضايف (بين العلة) وهو ما يتوقف عليه الشيء (والمعلول) وهو ما يتوقف على الشيء.
وفي «المفتاح» والسبب والمسبب وهما يرادفان العلة والمعلول؛ فلذا أسقطهما لئلا يحتاج إلى تخصيص العلة والمعلول بالفاعل والمفعول، والسبب والمسبب، والغاية والمغيا أو حمل السبب على الأخص من العلة، وهو ما يفضي إلى الشيء في الجملة على ما هو عند الأصوليين، والأولى كالعلية والمعلولية (والأقل والأكثر) ليكون أحدهما من التضايف الحقيقي، والآخر من المشهور.
والأقل: عدد يغني قبل الآخر عند عدهما بشيء واحد، بأن يسقط ذلك الشيء منهما حتى يفنيا.
والأكثر: ما يقابله، وكون الأول مثالا لما يخص بالمعقول، والثاني لما يعم المحسوس والمعقول وهم من العلّامة؛ فإن ماديهما معقولتان لا غير وأنفسهما شاملتان بلا تفاوت.
(أو وهمي (1) بأن يكون بين تصوريهما) الصواب بأن يكون بينهما (شبه تماثل) بأن يكون أحدهما شبيها بفرد من نوع الآخر (كلوني بياض وصفرة، فإن الوهم يبرزهما في معرض المثلين)(2) تعليل للتمثيل أو توجيه لكون هذا القسم وهميا وعلى كل لضمير يبرزهما مرجع آخر فعليك بإبرازهما إن كنت من المبارزين؛ (ولذلك) أي: للجامع الوهمي أو للإبراز المذكور (حسن) من الحسن وفاعله الجمع أو من التحسين وفاعله ضمير الوهم.
(الجمع بين الثلاثة التي في قوله:
(1) ضابطه أن يكون الجمع بين الشيئين فيه اعتباريا غير محسوس بإحدى الحواس الظاهرة.
(2)
أما العقل فيدرك أنهما نوعان متباينان داخلان في جنس اللون كالبياض والسواد.
ثلاثة تشرق الدّنيا ببهجتها
…
شمس الضّحى وأبو إسحق والقمر) (1)
قال الشارح: فإن الوهم يبرزهما في معرض الأمثال، ويتوهم أن هذه الثلاثة من نوع واحد، وإنما اختلفت بالعوارض والمشخصات بخلاف العقل فإنه يعرف أن كلا منهما من نوع على حدة، وإنما اشتركت في عارض هو إشراق الدنيا ببهجتها على أن ذلك في أبي إسحق مجاز، هذا وفيه نظر؛ لأنه قد حقق أن المراد بالتماثل الاشتراك في وصف له نوع اختصاص بهما، لا الاشتراك في الحقيقة النوعية، وهذا الوصف هنا الإضاءة، وهي مشتركة بين الشمس والقمر فهما متماثلان حقيقة، بل نقول: المراد بالإشراق حسن حال الدنيا بالنور الحسي، وبالعدل الذي هو النور المعنوي. عبر عن الكل بالإشراق تغليبا فبين الثلاثة تماثل؛ لكونها تحت المصلح فتأمل.
ولك أن تجعل القدر المشترك بينهما البهجة (أو تضاد)(2) وهو كون الأمرين الوجوديين بحيث لا يتوقف تعقل كل منهما على تعقل الآخر، ولا يمكن تواردهما على محل واحد، وحينئذ لا يصح تمثيله بما يتصف بالسواد والبياض، فالمراد بالتضاد ما يحتوي على هذا المعنى ما يتصف بالضد الحقيقي بطريق عموم المجاز.
ولك أن لا تتكلف في التضاد وتفسر قوله: بينهما بما يعم بين نفسيهما أو جزئيهما.
قال الشارح: التضاد هو التقابل بين أمرين وجوديين يتعاقبان على محل واحد بينهما غاية الخلاف.
هذا والتعاقب أن يلزم الضدان أن المحل كالصحة والمرض، وقد ذكر الأصفهاني أنه معتبر في التضاد الحقيقي كأن يكون بينهما غاية الخلاف، وغيره لم
(1) البيت لمحمد بن وهيب في مدح المعتصم، انظر البيت في الأغاني في ترجمة محمد بن وهيب وفيه اختلاف يسير:«ببهجتهم» بدل «ببهجتها» ، وهو في شرح عقود الجمان: 187 منسوب لأبي تمام، وقد سبق الكلام على تقديم المسند في الجز الأول، والبيت في عطف المفردات وقد سبق أنه ليس من الوصل في رأي الجمهور، وإنما هو من مراعاة النظير، والثلاثة بينهما تماثل في الإشراق، انظر الإيضاح: 107، 162، 314 بتحقيقنا.
(2)
المراد به ما يشمل تقابل الضدين كالسواد والبياض، وتقابل الإيجاب والسلب، وتقابل العدم والملكة، والجمع بين ذلك باعتبار الوهم أيضا، أما العقل فيدرك كل متقابلين فيه من غير الآخر.
يذكر اعتباره واقتصر بغاية الخلاف، ولا يخفى أن تعريف التقابل على ما ذكره يبطل التمثيل بالسواد والبياض، فعليك بحمله على المشهور كما ذكرنا أو بعدم اعتبار هذا القيد في تعريف الحقيقي (كالسواد والبياض، والإيمان والكفر) قال الشارح: الحق أن بينهما تقابل العدم والملكة، لا تقابل التضاد؛ لأن الإيمان:
هو التصديق للنبي- عليه الصلاة والسلام في جميع ما علم مجيئه به بالضرورة، أعني قبول النفس لذلك والإذعان له من غير جحود وإباء مع الإقرار باللسان، والكفر: عدم الإيمان عمن من شأنه أن يكون مؤمنا، هذا يريد أن الأولى جعله في شبه التضاد (وما يتصف بها) أي: بالمذكورات كالأسود والأبيض، والمؤمن والكافر (أو شبه تضاد (1) كالسماء والأرض) فإنهما يشبهان الأسود والأبيض في الاتصاف المعقول عند تعقلهما بالمتضادين، وهو غاية الارتفاع وغاية الانحطاط، وإنما افترقا بدخول الوصف في الأسود والأبيض، وخروجه عنهما فالأولى أن يقول: وما يشتق منه، مكان قوله: وما يتصف بها.
(والأول والثاني) الأول هو السابق على الغير وغير المسبوق به، والثاني هو المسبوق بواحد فقط، والفرق بينهما، وبين الأسود والأبيض بأن السلب جزء مفهومي وصفيهما دون الأسود والأبيض، فإن عدم المسبوقية جزء مفهوم الأول، وعدم المسبوقية بغير الواحد جزء مفهوم الثاني، وفرّق الشارح بوجه آخر أيضا وهو أن المتضادين يجب أن يكون بينهما غاية الخلاف وليس ذلك بين الأول والثاني، فإن خلاف الثالث معه أكثر منه.
وقال السيد السند: إن هذا القيد لم يعتبره من اعتبره إلا في التضا:
الحقيقي، دون التضاد المشهور، وبهذا الاعتبار انحصر التقابل في الأقسام الأربعة وكأنه اعتبره الشارح في تعريف التضاد ليتمكن من هذا الفرق، والأولى تركه والاكتفاء بالفرق الآخر.
(1) معطوف على «تضاد» والمراد بشبه التضاد تقابل الشيئين اللذين لا يتنافيان في ذاتهما، ولكن يستلزم كل منهما معنى ينافي ما يستلزمه الآخر، ومن الوصل للجامع الوهمي قوله تعالى آية 82 سورة التوبة:
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً وقوله تعالى آية 13، 14 سورة الانفطار إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ وقول الشاعر:
إن كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
…
ولا تك بالترداد للرأي مفسدا
هذا وأقول: إنما اعتبره الشارح قيد غاية الخلاف ليخرج لوني بياض وصفرة عن حد التضاد، ويصح جعلهما من شبه التماثل دون التضاد كما جعله المصنف إلا أن يقال: قد يكون للضدين شبه تماثل، فلونا بياض وصفرة من الوهمي من جهتين (فإن الوهم ينزلهما منزلة التضايف) قال الشارح المحقق: فإنه لا ينحصر أحد الشبيهين أو التضادين إلا وينحصر الآخر.
هذا وفيه أنه إذا كان الأمر كذلك كان التضاد وشبهه جامعا من غير حاجة إلى تنزيل الوهم إياه منزلة المتضايفين (ولذلك تجد الضد أقرب خطورا بالبال مع الضد منه) من غير الضد، فخطور السواد مع البياض أقرب من حضوره مع الحلاوة.
وهاهنا نظر، وهو أنه إذا علل تنزيل الوهم إياه منزلة التضايف بأنه يخطر بالبال الضد مع الضد كالمضايف مع المضايف لا يصح تعليل كونه أقرب خطورا بالبال مع الضد بتنزيل الوهم إياه منزلة التضايف، وكأن الوجه في خطور الضد مع الضد أن العقل يتوجه حين تصور الضد إلى تمييزه وتعيينه، وأول ما يتميز عنه هو الضد الآخر؛ لأن التمييز عنه أكمل.
اعلم أن التضايف مشتمل على تقابل فلو جمعهما المتخيلة باعتبار التقابل؛ فالجامع وهمي ولو جمعهما باعتبار التضايف فالجامع عقلي.
(أو خيالي)(1) عطف على عقلي أو وهمي (بأن يكون بين تصوريهما) الصواب بينهما (تقارن في الخيال سابق)(2) على العطف؛ إذ لا يكفي مطلق التقارن، وإلا فالعطف لا ينفك عن التقارن، والمراد خيال المخاطب وليس التقارن بأن يكونا ثابتين في الخيال؛ إذ الصور المتقارنة والمتباعدة كلها ثابتة في الخيال معا، والخيال خزانتها. بل المراد تقارنهما عند التذكر والإحضار.
(وأسبابه مختلفة) متكثرة جدّا؛ (ولذلك اختلفت الصور الثابتة في الخيالات ترتبا) بمعنى أنه يترتب صورة على صورة بسرعة أو ببطء، الأولى اجتماعا ليشمل الصورتين الحاضرتين معا لكمال تقارنهما من غير ترتب (ووضوحا)
(1) ضابطه أن يكون الجمع بين الشيئين فيه اعتباريا مسندا إلى إحدى الحواس الظاهرة.
(2)
أي على الوصل، فيأتي الوصل باعتباره.