الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان أو أقل من جملة أو أكثر.
قال الشارح المحقق: فيه اختلال، لأنه إما أن يشترط في الاعتراض عند هؤلاء أن لا يكون له محل من الإعراب أو لا يشترط.
فإن اشترط ذلك لم يصح تجويز كونه غير جملة؛ لأن المفرد لا بد له في الكلام من الإعراب ولم يشمل شيئا من التتميم؛ لأنه إنما يكون بفضلة، ولا بد له من الإعراب.
وإن لم يشترط فلا وجه لتقييد التكميل بما لا محل له من الإعراب هذا، ويمكن اختيار الاشتراط قوله: المفرد لا بد له في الكلام من الإعراب فيه أن المفرد يجوز أن يكون حرف تنبيه وحرف خطاب وصوتا من الأصوات، ولا يكون له محل من الإعراب.
قوله: لا يشمل التتميم أصلا فيه أنه مبني على تفسيره الفضلة بما فسر به، وقد فسره البعض بما يزيد على أصل المراد، ولعل متمسكه في تفسير ما ذكره المصنف هنا.
[وإما بغير ذلك]
(وإما بغير ذلك) عطف على قوله: إما بالإيضاح بعد الإبهام (كقوله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ (1) فإنه لو اختصر لم يذكر وَيُؤْمِنُونَ بِهِ؛ لأن إيمانهم لا ينكره من يثبتهم) فلا حاجة إلى الإخبار به؛ لكونه معلوما (وحسّن ذكره) أي: سبب حسن ذكره، ولك أن تجعله ماضيا من التحسين وفاعله (إظهار شرف الإيمان) أو من الحسن وينصب إظهار شرف الإيمان على أنه مفعول له على مذهب من لا يشترط لنصبه اتحاد فاعله وفاعل عامله، (ترغيبا فيه) أي: في الإيمان لا يقال كما لا مجال لإنكار إيمانهم لإنكار تسبيحهم وحمدهم، فهو أيضا إطناب لإظهار شرف التسبيح والحمد؛ لأنا نقول: يجوز أن لا يكون عبادتهم التسبيح والحمد، ولا بد من التأمل في مقام بيان غير ما ذكر لئلا يوقع في التباس ما سبق لغير ما ذكر، كما وقع للمصنف في الإيضاح، فأورد أمثلة هي من التكميل والتتميم لما هو
(1) غافر: 7.
بغير ذلك.
(واعلم) أن الأكثر وصف الكلام بالإيجاز والإطناب بمعنى عرفت (وأنه قد يوصف الكلام بالإيجاز والإطناب باعتبار كثرة حروفه عليها بالنسبة إلى كلام آخر مساو له) أي: لذلك في الكلام (في أصل المعنى) وإنما قيد المعنى بالأصل لعدم إمكان المساواة في تمام المراد، فإن للإيجاز مقاما ليس للإطناب، وبالعكس ولا يوصف بالمساواة بهذا الاعتبار؛ إذ ليس المساواة بهذا الاعتبار مما يدعو إليه المقام بخلاف الإيجاز والإطناب (كقوله) أي: قول أبي تمام [(نصدّ عن الدّنيا) أي: نعرض عنها (إذا عنّ سؤدد)](1) تمامه [ولو برزت في زيّ عذراء ناهد] الزي: الهيئة، والعذراء: البكر، والناهد: المرأة التي ارتفع ثديها، ولا يخفى أن السيادة أيضا من الدنيا، فالمراد من الدنيا غير السؤدد إلا أن يراد سيادة الآخرة، والأول أظهر.
(وكقول الشاعر الأحمر:
ولست بنظّار إلى جانب الغنى
…
إذا كانت العلياء في جانب الفقر (2))
والعلياء كالحمراء الفعلة العالية على ما في القاموس.
قال الشارح المحقق: أراد بالغنى مسببه أعني: الراحة، وبالفقر أعني المحنة، يعني السيادة مع التعب مرجح عندي من الراحة مع عدم السيادة، ولا ضرورة إلى العدول عن الظاهر، فصراع أبي تمام إيجاز بالنسبة إلى البيت لمساواته له في أصل المعنى مع قلة حروفه، والمساواة إنما يتحقق إذا حمل النفي على المبالغة في نفي النظر، لا على نفي المبالغة في النظر كما يفيده أول النظر، وهذا الإيجاز قد يكون إيجازا بالتفسير السابق، وقد يكون إطنابا وقد يكون مساواة، وكذا هذا الإطناب (ويقرب منه) أي: من المصراع، والبيت مع التفاوت في كونهما نظمين، وكون ذلك نظما ونثرا قوله تعالى: (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ
(1) البيت في ديوانه: 112، وشرح عقود الجمان: 218، والإيضاح:201.
(2)
البيت لأبي سعيد المخزومي، وينسب أيضا للمعذل بن غيلان، وهو في شرح عقود الجمان منسوب لأبي علي الحسن: 1/ 218.
يُسْئَلُونَ (1) وقول الحماسي:
وننكر إن شئنا على النّاس قولهم
…
ولا ينكرون القول حين نقول) (2)
أي: نغير ما شئنا من قول غيرنا ولا يجسر واحد على تغيير ما نقول.
وقال الشارح المحقق: إنما قال: ويقرب لاختصاص البيت بالقول وعموم الآية كل فعل، ولك أن تقول: الشعر مختص بالناس، والآية تشتمل كل فاعل، ولا يخفى ما في ختم المعاني بهذا البيت من الغرابة والابتداع؛ حيث اعترض المصنف على السكاكي وغيره، والحمد لله الذي أنعم علينا نعمة البيان، فوفقنا لتوفية المعاني للحاضرين والغائبين من الإخوان، إلهي هب لنا معرفة واحد لا تعدد فيه بطرق مختلفة واضحة الدلالة، متباعدة عن التشبيه والتمويه، ونجنا بظهور الحقيقة عن الاطمئنان بالمجاز، ونجّنا بإيضاح كنايات البيان وتلخيصها عما يحول بيننا وبين المغاز، واجعل وجوداتنا المستعارة قرابين البقاء في الزلفى، ووفقنا للتيمن بسم الله الرحمن الرحيم من الأسماء الحسنى.
***
(1) الأنبياء: 23.
(2)
البيت للسموءل اليهودي من قصيدة مطلعها:
إذ المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
…
فكل رداء يرتديه جميل
والبيت أورده القزويني في الإيضاح: 201، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات:260.