المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[وأما كونها كالمتصلة بها] - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ٢

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌(الفصل و‌‌الوصل)

- ‌الوصل)

- ‌[والفصل]

- ‌[فشرط كونه مقبولا بالواو]

- ‌[فى بيان «كمال الانقطاع»]

- ‌[وأما كمال الاتصال]

- ‌[وأما كونها كالمنقطعة عنها]

- ‌[وأما كونها كالمتصلة بها]

- ‌ الجامع بين الشيئين)

- ‌[محسنات الوصل]

- ‌[والإيجاز ضربان]

- ‌[إيجاز القصر]

- ‌[وإيجاز حذف]

- ‌[وأدلة الحذف]

- ‌[الإطناب]

- ‌[ومنه باب نعم]

- ‌[ومنه التوشيع]

- ‌[وإما بذكر الخاص بعد العام]

- ‌[وإما بالتكرير]

- ‌[وإما بالإيغال]

- ‌[وإما بالتذييل]

- ‌[وإما لتأكيد مفهوم]

- ‌[أو بالتكميل]

- ‌[أو بالتتميم]

- ‌[أو بالاعتراض]

- ‌[وإما بغير ذلك]

- ‌[الفن الثاني علم البيان]

- ‌[انحصار علم البيان فى الثلاثة: التشبيه والمجاز والكناية]

- ‌ التشبيه

- ‌[أركانه]

- ‌ وأقسامه

- ‌[إما حسيان أو عقليان إو مختلفان]

- ‌[والمراد بالحسي]

- ‌[والعقلي]

- ‌[وما يدرك بالوجدان]

- ‌[وجه التشبيه]

- ‌[إما حسية كالكيفيات الجسمانية]

- ‌[أو عقلية كالنفسية]

- ‌[وإما إضافية]

- ‌[وأيضا إما واحد]

- ‌[أو متعدد]

- ‌[والعقلي أعم]

- ‌[والمركب الحسي فيما طرفاه مفردان]

- ‌[أو مركبان]

- ‌[أو مختلفان]

- ‌[ويجوز التشبيه أيضا]

- ‌[إما تشبيه مفرد بمفرد]

- ‌[وإما تشبيه مركب بمركب]

- ‌[وإما تشبيه مركب بمفرد]

- ‌(وباعتبار وجهه)

- ‌(إما تمثيل أو غير تمثيل)

- ‌[إما مجمل او مفصل]

- ‌[إما قريب مبتذل أو بعيد غريب]

- ‌[وإما لكثرة التفصيل أو لقلة تكريره]

- ‌[وباعتبار أداته]

- ‌[وباعتبار الغرض]

- ‌(خاتمة)

- ‌[وأعلى مراتب التشبيه]

- ‌(الحقيقة والمجاز)

- ‌[والوضع تعيين اللفظ]

- ‌[والمجاز مفرد ومركب]

- ‌[والمجاز المرسل]

- ‌[الاستعارة واقسامها]

- ‌ وقرينتها

- ‌[وهي باعتبار الطرفين قسمان]

- ‌[وباعتبار الجامع قسمان]

- ‌[فالجامع إما حسي وإما عقلي واما مختلف]

- ‌[وباعتبار اللفظ قسمان]

- ‌[وباعتبار آخر ثلاثة أقسام]

- ‌(فصل) الأقوال في الاستعارة بالكناية ثلاثة:

- ‌[فصل قد يضمر التشبيه في النفس]

- ‌[فصل: عرف السكاكي الحقيقة]

- ‌[وعرف المجاز اللغوي]

- ‌[وقسم المجاز الى الاستعارة وغيرها]

- ‌(وفسر التحقيقية

- ‌[وفسر التخيلية]

- ‌[فصل: حسن كل من التحقيقية والتمثيل]

- ‌[فصل: قد يطلق المجاز على كلمة تغير حكم إعرابها]

- ‌وذكر الشارح المحقق له وجهين:

- ‌(الكناية)

- ‌[وهي ثلاثة أقسام]

- ‌[فصل: أطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة]

- ‌([الفن الثالث] علم البديع)

- ‌(وهي ضربان) أي الوجوه المحسنة نوعان:

- ‌[من المحسنات المعنوية]

- ‌[ومنه مراعاة النظير]

- ‌[ومنه الإرصاد]

- ‌[المشاكلة]

- ‌[(ومنه: المزاوجة)]

- ‌[التورية]

- ‌[الاستخدام]

- ‌[اللف والنشر]

- ‌[ومنه التجريد]

- ‌[ومنه المبالغة المقبولة]

- ‌[ومنه المذهب الكلامي]

- ‌[ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم]

- ‌[ومنه تأكيد الذم بما يشبه المدح]

- ‌[ومنه الاستتباع]

- ‌[ومنه الإدماج]

- ‌[ومنه التوجيه]

- ‌[ومنه متشابهات القرآن]

- ‌[ومنه الهزل وتجاهل العارف]

- ‌[ومنه القول بالموجب]

- ‌[وأما اللفظي فمنه الجناس بين اللفظين]

- ‌[فإن كانا من نوع واحد كاسمين سمي تماثلا]

- ‌[وإن كانا من نوعين سمي مستوفي]

- ‌[وإن اتفقا في الخط خاص باسم المتشابه]

- ‌[وإن اختلفا في هيئات الحروف فقط سمي محرزا]

- ‌[وإن اختلفا في أعدادها يسمى ناقصا]

- ‌[وإن اختلفا في أنواعها فيشترط ألا يقع]

- ‌[وإن اختلفا في ترتيبها يسمى تجنيس القلب]

- ‌[ومنه السجع]

- ‌[ومن السجع ما يسمى التشطير]

- ‌[ومنه الموازنة]

- ‌[ومنه القلب]

- ‌[والتشريع]

- ‌[ومنه لزوم ما لا يلزم]

- ‌(خاتمة)

- ‌(في السرقات)

- ‌ الظاهر

- ‌[السرقة والأخذ نوعان]

- ‌[وأما غير الظاهر]

- ‌[أما الاقتباس فهو أن يضمن الكلام]

- ‌[فصل ينبغي للمتكلم أن يتأنق في ثلاثة مواضع]

- ‌[أحدها: الابتداء]

- ‌[ثانيها: التخلص]

- ‌[ثالثها: الانتهاء]

الفصل: ‌[وأما كونها كالمتصلة بها]

براءة ذمته عن مظنون سلمى، يعني فصل أراها عن قوله تظن سلمى مع اتفاقهما خبرا واتحاد المسند فيهما وتناسب المسند إليه لهما؛ لأن الأول محبوب، والثاني محب، فبينهما تضايف أو تقارن في الخيال؛ لأن العطف يوهم خلاف المقصود، وهو عطف أراها على أبغي وهو أقرب ولكونه كالمفرد العطف عليه كعطف المفرد على المفرد لا يقال لا مناسبة بين مسند أبغي وأراها، وكفى ذلك في نفي التوهم؛ لأنا نقول: كفى بالمناسبة كونه متعلق الظن، وفيه أن اختيار الفصل على العطف لذلك إنما يتمشى لو لم يكن في الفصل أيضا إيهام خلاف المقصود، ولا خفاء في احتمال كون أراها حالا عن فاعل أبغي وخبرا بعد خبر لأن إلا أن يقال الأصل في الجملة أن لا تخرج عن الاستقلال، والأصل هو الفصل، فإذا منع المانع عن العارض الذي هو العطف يختار الأصل بمرجح الأصالة وإن لم يخل عن مانع كان مع العطف فليتأمل.

في المفتاح: ولا يصح جعل الفصل لرعاية الوزن؛ لأنه ليس هناك أي ليس في مرتبة الداعي المعنوي فمع وجوده لا يستند صنع البليغ إلى الأمر اللفظي، ويعلم منه أن من نكات الفصل رعاية الوزن (ويحتمل الاستيناف) كأنه قيل: كيف يراها في هذا الظن فقال: أراها متحير في أودية الضلال

[وأما كونها كالمتصلة بها]

(وأما كونها) أي:

الثانية (كالمتصلة بها) بالأولى (فلكونها) أي: الثانية (جوابا لسؤال اقتضته الأولى، فتنزل) الأولى (منزلته) أي: منزلة السؤال؛ لأنه كلفظ السؤال في إفادة معناه (فتفصل) الثانية (عنها، كما يفصل الجواب عن السؤال) لما بينهما من الاتصال، كذا في الشرح، فقوله: كالمتصلة معناه كالمتصلة الكاملة، وإلا فبالتنزيل يحصل الاتصال؛ ولهذا قيد الاتصال سابقا بالكمال أو كمال الاتصال عبارة عن الاتصال الحقيقي.

ولم يقتصر على الاتصال وأدرج لفظ الكمال لحسن مقابلة الاتصال بشبه الاتصال؛ لأن الاتصال التنزيلي اتصال ناقص، وهذا يشعر بأن من موجبات كمال الاتصال كون الجملتين سؤالا وجوابا، وإنما لم يعد ذلك في تفصيل كمال الاتصال؛ لأن الجواب والسؤال لا يحتاج الفصل فيهما إلى اعتباره؛ لأنهما يكونان في كلام متكلمين فالجواب أبدا ابتداء كلام غير مسبوق بما يعطف عليه،

ص: 25

فلم يحتج إلى اعتبار اتصاله بالسؤال، فعلى هذا يمكن أن يكون وجه قوله فيفصل عنها، كما يفصل الجواب عن السؤال أنه يفصل عنها لكونها ابتداء كلام، ولكن لا يلايم ذلك جعل هذا القسم كالمتصلة، بل ينبغي تسميتها كالمبتدأ، والأمر فيه بيّن هيّن، ولك أن تقول اتصال الجواب والسؤال داخل في قولهم: أو بيانا لها؛ لأن الجواب بيان مبهم السؤال، ويمكن أن يجعل وجه فصل الثانية عن المنزّل منزلة السؤال أنه كالبيان له؛ لأنه يتبين به لأنه تضمنت السؤال.

ومنهم من جعل هذا القسم كالمنقطعة وادعى أن فصل الجواب عن السؤال لكمال الانقطاع بينهما لاختلافهما خبرا وإنشاء؛ ولهذا لم يعد الجواب والسؤال عن مواقع الفصل لاندراجهما تحت كمال الانقطاع، وليس بشيء لانتقاضه بقولك:

اضرب زيدا في جواب من أضرب؟ ؛ لأن الفصل فيه ليس باختلافهما خبرا وإنشاءا.

واعلم أن تنزيل الأولى منزلة السؤال من تصرفات المصنف، وأما غيره فاكتفى بمجرد تضمنها السؤال، ولا يخفى أن ما اعتبره بجعل الدواعي إلى الفصل أقوى، فقول الشارح بأنه لا حاجة إلى ذلك التنزيل تزييف لما هو الأحرى، ورفض لما اعتباره في نظير البليغ أولى، ولا يذهب عليك أن ما ذكره السكاكي من نكات التنزيل منزلة الواقع من نكات التنزيل منزلة السؤال.

ولا يبعد أن يكون قصد المصنف من نقله الإشارة إلى نكات ذلك التنزيل أيضا (قال السكاكي: فينزل ذلك) السؤال المدلول عليه (منزلة السؤال الواقع لنكتة كإغناء السائل عن أن يسأل أو) لأن (لا يسمع عنه شيء) كراهة سماع كلامه أو أن لا ينقطع كلامة بكلامه، ولا ينفك عن اتصاله ونظامه أو القصد إلى إفادة كثير بلفظ قليل إلى غير ذلك، والمقصود من نقل كلام السكاكي بيان أنه جعل الفصل بجعل المقدر كالمذكور، ففصل الجواب عنده عن السؤال المقدر لا عن الجملة الأولى بخلاف ما اعتبره المصنف حيث نزّل الجملة السابقة منزلة السؤال فإن الفصل عنها، وهذا أنسب بعبارة كالمتصلة بها وجعل وجه الفصل شبه كمال الاتصال بينهما (ويسمى الفصل لذلك استينافا).

وهذه التسمية تشعر بما ذكرنا من أن الفصل لكونه ابتداء كلام غير مسبوق بما

ص: 26

يعطف عليه لا لاتصاله بالسابق.

(وكذا) الجملة (الثانية) فالاستيناف لفظ مشترك، والمختص بالثانية المستأنفة (وهو) أي: الاستيناف بالمعنى الأول؛ لأن الكلام في الفصل والوصل ظاهر أو إن كان مرجع البحث إلى اللفظ فافهم.

(على ثلاثة أضرب) اختاره على ضروب؛ لأن المختار في تمييز العدد جمع القلة إذا وجد ليطابق اللفظ والمعنى، والضرب: النوع وتنوع الاستيناف لتنوع السؤال المقدر (لأن السؤال إما عن سبب الحكم مطلقا) لا عن خصوص سبب فيجاب بأي سبب كان، سواء كان سببا بحسب التصور كالتأديب للضرب أو سببا بحسب الخارج (نحو:

قال لي كيف أنت قلت عليل

سهر دائم وحزن طويل (1)

أي: ما سبب علتك أو ما بالك؟ ) أي: ما شأنك؟ (عليلا) أي:

مع أي سبب أنت فإنه ينشأ من صدر البيت السؤال عن سبب العلة فإن العادة التفحص عن سبب علة العليل.

ولك أن تجعل السؤال عن حاله لتستدل به عن سبب علته فيكون من القسم الثالث، والأظهر أن قوله: سهر دائم خبر بعد خبر، ووصف لنفسه بالمرض والسهر الدائم والحزن الطويل، وتنبيه على أن مرضه مما لا يرجى فيه الصحة.

ولا يخفى أن هذا القسم يقتضي عدم التأكيد لما مر من أن الكلام الابتدائي لا يؤكد، ولا وجه لإهماله هنا، وبيانه في القسم الثاني (وإما عن سبب خاص) للحكم (نحو: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ (2) كأنه قيل:

هل النفس أمارة بالسوء)؟ فقيل: نعم، إن النفس لأمارة بالسوء.

(وهذا الضرب يقتضي تأكيد الحكم كما مر) في الإيضاح في باب أحوال الإسناد الخبري في الشرح من أن المخاطب إذا كان مترددا في الحكم طالبا له حسن

(1) البيت بلا نسبة في التبيان للطيبي 1/ 146، دلائل الإعجاز: 238، معاهد التنصيص 1/ 100، الإشارات والتنبيهات: 34، المفتاح: 266 بتحقيقي (ط) دار الكتب العلمية (بيروت)، وشرح المرشدي على عقود الجمان 1/ 52، والإيضاح: 38، 156.

(2)

يوسف: 53.

ص: 27

تقويته بمؤكد؛ فعلم أن المراد بالاقتضاء هنا الاستحسان لا الوجوب.

هذا والنكتة في التعبير بالاقتضاء أن المستحسن في باب البلاغة كالواجب، ولا يتأتى للبليغ تركه.

ونحن نقول معنى قوله كما مر أنه إن كان سؤال السائل مع الشك حسن المؤكد، وإن كان مع الإنكار وجب التوكيد بحسنه إلا أن يجري الكلام على خلاف مقتضى الظاهر، والظاهر أن المثال للمنكر إنكارين حيث أكد الكلام باللام وإن، وكأن أحد الإنكارين إنكار أمر بعض النفوس بالسوء، والآخر كون البعض كثير الأمر به.

وهذا كله على طبق ما تقرر فيما بينهم أن المقدر هل النفس أمارة بالسوء، والحق أن الناشيء من السابق ليس إلا أنه ما سبب عدم تبريئك إما أن السبب أنها أمارة أو أنها منقادة لمن يأمر بالسوء وأنك تخاف من المخالفين تكذيبك ما لا يخطر بالبال، فتقدير هل النفس أمارة بالسوء تكلف، والأظهر تقدير ما سبب عدم تبريئك، إلا أنه أكد الجواب؛ لأنه في معرض الإنكار على ما بين، فالكلام مع خالي الذهن المنزل منزلة المنكر إنكارين، وفي الشرح فإن قلت: اعبد ربك إن العبادة حق له، فهو جواب للسؤال عن سبب خاص، أي: هل العبادة حق له؟ ، وإذا قلت: فالعبادة حق له فهو بيان ظاهر لمطلق السبب، ووصل ظاهر لحرف موضوع للوصل.

وإذا قلت: العبادة حق له، فهو وصل خفيّ تقديري والاستيناف جواب لسؤال عن مطلق السبب، أي: لم يأمرنا بالعبادة له؟ وهذا أبلغ الوصفين وأقواهما فتتفاوت هذه الثلاثة بحسب تفاوت المقامات، وكأن مراده بوصل ظاهر بحرف موضوع للوصل ربط ظاهر لا الوصل الذي نحن فيه؛ لأن الفاء في قوله فالعبادة حق له للتعليل لا عاطفة، ولا يخفى أن الأول أيضا وصل خفي تقديري لا تفاوت بينه وبين الثالث في ذلك.

(وأما عن غيرهما) إما مطلقا فلا يقتضي تأكيدا، وإما عن غير خاص فيقتضي التأكيد على ما مر، وكأنه اكتفى بانسياق الذهن من تقسيم السبب إليه، ومع ذلك أشار إلى القسمين بالمثالين، إلا أنه أورد من الخاص مثالا لا

ص: 28

يقتضي التأكيد، وكان ينبغي أن يأتي بمثال يقتضي التأكيد، وستعرف حقيقة الحال في المثال الثاني (نحو قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ (1) أي: فإذا قال إبراهيم) فأجاب بأنه حياهم بتحية أحسن من تحيتهم عارية عن الثبات والدوام لفعليتها وتحيته دالة عليه لاسميتها.

(وقوله: [زعم) أكثر استعماله في الاعتقاد الباطل، وقد يستعمل في الحق على ما في القاموس (العواذل) أي: الجماعات العواذل، أما الرجال كما هو ظاهر صدقوا أو الرجال والنساء فصدقوا تغليب (أنّني في غمرة) أي: شدة (صدقوا) فالزعم استعمل في الاعتقاد الحق. قال الشارح: ولما كان هذا مظنة أن يتوهم أن غمرته مما ستتكشف كما هو شأن أكثر الغمرات والشدايد استدركه بقوله: (ولكن غمرتي لا تنجلى)] (2).

ففصل قوله: صدقوا عما قبله لكونه استينافا جوابا للسؤال عن غير السبب، كأنه قيل: أصدقوا في هذا الزعم أم كذبوا؟ فقيل: صدقوا.

هذا وهكذا في «المفتاح» «فح» وجه عدم التأكيد أن السؤال عن التصور، والتصور لا يطلب التأكيد.

ونازع السيد السند في كون الهمزة وأم سؤالا عن التصور، فكان مقتضى الظاهر التأكيد، وقد حققنا أنه طالب التصور فتذكر، لكن نقول: إذا دار الكلام بين النفي والإثبات لا معنى للسؤال بالهمزة وأم؛ إذ لا معنى لإظهار حصول التصديق بأحدهما؛ لأنه مفروغ عنه يعرفه كل أحد، ألا ترى أنه لا يقال: أزيد قام أم لم يقم؟ والمتعارف في مثله السؤال عن جانب يهتم به، فيقال: أصدقوا؟ وحينئذ يجب التأكيد للمتردد فيه، ويكون ترك التأكيد؛ لأن ظهور حاله يدفع التردد والشك.

والأوجه أن المراد زعم العواذل أنني في غمرة ينكشف؛ لأن العزل يدفع الغمرة فلولا زعم الانكشاف لم يتحقق، فالزعم حينئذ في معناه المشهور، ولما كان

(1) هود: 69.

(2)

البيت أورده القزويني في الإيضاح، محمد بن علي الجرجاني في الإشارات: 125 بلا عزو، والطيبي في التبيان: 142، شرح المرشدي على عقود الجمان: 182، وهو غير منسوب. الغمرة: الشدة.

ص: 29

زعمهم مركبا سأل أنهم هل صدقوا؟ فأجاب بأنهم صدقوا في البعض، وكذبوا في البعض؛ فقوله: صدقوا إشارة إلى صدقهم في كونه في الغمرة. وقوله: [ولكن غمرتي لا تنجلي]، إشارة إلى كذبهم في اعتقاد الانجلاء.

هكذا ينبغي أن تحقق المقام وهذا شأن من ليس في ربقة التقليد في غاية الاستحكام.

(وأيضا) نبه به على أنه تقسيم مستأنف، وليس من دواخل التقسيم السابق، ونبه بقوله (منه) على أنه لم يتصد فيه لحصر الأقسام؛ إذ منه ما يأتي بصفته التي لا يترتب عليه الحكم، ومنه ما يأتي باسمه مع الوصف الذي يترتب عليه الحكم لا تقول الأول داخل فيما يبنى على صفته، والثاني فيما يأتي بإعادة الاسم؛ لأن المراد بالوصف ما يترتب عليه الحكم، وبالاسم مجرد الاسم بقرينة قوله: وهذا أبلغ منه، ولم يستوف الأقسام؛ لأن بعض ما بقي ملحق بالأول والبعض ملحق بالثاني في الأحكام إلحاقا بينا لا يخفى على ذوي الأفهام.

(ما يأتي بإعادة اسم) المراد بالاسم ما يقابل الصفة، أي: لفظ دال على ذات في غاية الإبهام باعتبار معنى هو المقصود (ما استؤنف) أي: ابتدأ (عنه) وكأن «عن» بمعنى «من» ، والمراد بمفعوله الذي بلا واسطة هنا الكلام حذف على ما قاله الشارح لظهور المرام، والمفعول بواسطة نائب عن الفاعل، وليس التقدير أوقع الاستيناف عنه فيكون من قبيل حبل بين العير والنزوان كما يوهمه كلام الشارح؛ لأنه لا داعي إليه، بل نقول مفعوله الأول ضمير مستتر راجع إلى ما رجع إليه ضمير منه، أي: ما استؤنف الاستيناف منه، إذ مفعوله الأول يكون الحديث، والاستيناف حديث (نحو: أحسنت) على صيغة الخطاب على ما ذكره الشارح المحقق.

ومع ذلك جعل السؤال المقدر لماذا أحسن إليه إما على صيغة المتكلم أو الماضي المجهول فيكون المخاطب سائلا عن سبب إحسانه مع أنه أعلم بسبب ما فعله فيحتاج توجيه سؤاله إلى أن يجعل مبنيا على النسيان أو امتحان المخبر هل يعرف السبب أو لا؟ ، وهو بعيد وليس لك أن تقدر السؤال من قبيل السامع دون المخاطب لأنه يأباه قوله: صديقك، وكان الواجب حينئذ صديقه القديم؛

ص: 30

فلذا قال السيد السند: فالواجب أن يكون السؤال المقدر هل هو حقيق بالإحسان؟ ؛ لأنه إذا أخبر بإحسانه اتجه السؤال عن أنه هل وقع موقعه أو لا؟ ، وحينئذ يجب التأكيد فقيل: صديقك القديم حقيق بالإحسان مؤكد بتعليل الحكم بالصفة، هذا لكنه لا يجرى في زيد حقيق بالإحسان فلا بد فيه من تنزيل السائل منزلة غيره لما يقتضيه المقام.

ويرد عليه أيضا أنه أعلم بأنه صديقه القديم فيكون أعلم بأنه حقيق فلا بد من البناء على النسيان أو الامتحان، ولك أن تجعل أحسنت على صيغة التكلم فيكون السؤال من المخاطب الغير المحسن فيتجه بلا خفاء (إلى زيد، زيد حقيق بالإحسان، ومنه ما يبنى على صفته) عدل عن عبارة الكشاف، ومنه ما يأتي بإعادة صفته؛ لأن المراد بالإعادة في عبارته ذكر صفته عبر عنه بالإعادة بطريق المشاكلة لوقوعه في صحته إعادة اسمية فاحترز عن خفاء البيان، لكنه جعل البيان قاصرا؛ لأن البناء لا يشمل تأخير المسند إليه بظاهره فيخرج عنه: أحسنت إلى زيد يستحق صديقك القديم الإحسان (نحو: أحسنت إلى زيد صديقك القديم هل لذلك، وهذا) أي: الاستيناف المبني على الصفة (أبلغ) لاشتماله على بيان سبب الحكم الذي في الجواب، وفرق بين بيان سبب الحكم الذي في الجواب، وبيان سبب الحكم المتضمن للسؤال، فإن قولنا: زيد حقيق بالإحسان بيان لسبب الإحسان إلى زيد مع أنه لا يشتمل على سبب استحقاقه للإحسان، وبهذا ظهر ضعف ما قال الشارح أنه إن كان السؤال في الاستيناف عن السبب فالجواب لا محالة يشتمل على بيانه فلا يترجح جواب على جواب بالاشتمال عليه إذ الكل يشتمل عليه، وإن كان عن غيره فلا معنى لاشتماله على بيان السبب، وقد أجاب بأنه إذا أثبت لشيء حكم، ثم قدّر سؤال عن سببه، وأريد أن يجاب بأن سبب ذلك أنه مستحق لهذا الحكم وأهل له، فهذا الجواب يكون تارة بإعادة اسم ذلك الشيء فيفيد أن سبب الحكم كونه حقيقيا به، وتارة بإعادة صفته فيفيد أن سبب استحقاقه لهذا الحكم هو هذا الوصف، وليس يجري هذا في سائر صور الاستيناف فليتأمل.

هذا كلامه ولا يخفى أن جوابه يخص القسمين بالسؤال عن السبب مع أنهما

ص: 31

يجريان في الجميع، ولولا ذلك ينبغي أن يذكرا قبل السؤال عن غيرهما ويخصهما بما يكون الجواب لاستحقاق مع أنه يجري في غيره كما يقال: أحسنت إلى زيد زيد يدفع أعدائي أو كامل الشجاعة يدفع أعدائي.

والشارح المحقق جعل الأظهر أن اسم الإشارة أشير به إلى الصفة من قبيل الثاني؛ لأنه في معنى الصفة وإن كان اسما؛ ولهذا صح الحكم على الثاني بكونه أبلغ من الأول مطلقا، لكن الضمير الراجع إلى الصفة ليس كالصفة لما عرفت من الفرق بين اسم الإشارة في إحضار الموصوف وبين الضمير، ولا حاجة للخبير إلى التذكير.

(وقد يحذف صدر الاستيناف) الأظهر: وقد يحذف بعض الاستيناف؛ لأنه لا يخص الحذف صدره (نحو قوله) تعالى: يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ (1) لأنه في تقدير يسبحه رجال في جواب: من يسبحه فيها؟ ، كما أشار إليه بقوله (كأنه قيل: من يسبحه؟ ) ولا يخفى أن المحذوف ليس الصدر فقط، بل المفعول والظرف أيضا؛ (وعليه) نبه به على التفاوت بين المثالين، وهو كون المحذوف في أحدهما المسند أو في الآخر المسند إليه، وكون الحذف في الأول جائزا وفي الثاني واجبا، وله وجه آخر يكشف عنه قوله على قول (نعم الرجل زيد على قول) أي: قول من يجعله في تقدير هو زيد، لا على قول من يجعله مبتدأ نعم الرجل.

(وقد يحذف كله إما مع قيام شيء مقامه نحو) قول الحماسي يهجو بني أسد:

زعمتم أنّ إخوتكم قريش

المراد الإخوة في الشرف أو النسب (لهم إلف) أي: إيلاف مع القبايل لا يتعرضهم قبيلة في رحلتيهم المعروفتين في التجارة رحلة الشتاء ورحلة الصيف يتجرون آمنين مكرمين (وليس لكم إلاف)] (2).

(1) النور: 36.

(2)

البيت لمساور بن هند بن قيس بن زهير، من شعراء الحماسة يهجو بني أسد، انظر البيت في الإيضاح 158، المفتاح:371.

ص: 32

أي: مؤالفة كالقتال بمعنى المقاتلة والمراد نفي مطلق الإلاف عنهم، فتفسير الشارح بقوله أي: مؤالفة في الرحلتين المعروفتين ليس كما ينبغي وبعده: أولئك أمنوا جوعا وخوفا، وقد جاعت بنو أسد، وخافوا وهو يدل على ما ذكرنا من أن المراد نفي مطلق الإلاف فافهم. كأنهم قالوا: أصدقنا في هذا الزعم؟ فأجيبوا بكذبتم، وأقيم ما يدل على كذبهم مقامه، وجوّز المصنف كونه جوابا لسؤال آخر، كأنه لما أجيبوا بكذبتم سئل عن سبب تكذيبهم، فأجيبوا بقوله: لهم إلف، ففي البيت استئنافان.

فإن قال الشارح: فإن قلت في الوجه الأول أيضا لا بد من جعل له «إلف» جوابا لسؤال عن سبب الكذب، وأجاب بأنه يحتمل أن يكون تأكيدا للكذب أو بيانا فالوجه مبني على أحد الاحتمالين فافترق الوجهان.

وقد عرفت أن ذلك من إقامة العلة مقام الشيء وهو أولى مما ذكره كما لا يخفى ولك أن تجعل الزعم متضمنا لدعوى الكذب، وتجعل المقدر سؤالا عن سبب الكذب فلا يكون استينافا محذوفا، ولو قوبل بالتقدير فتقدير ما علامة كذبنا هو الجدير (أو بدون ذلك) أي: بدون قيام الشيء مقامه (نحو فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (1) أي: نحن على قول) الأولى أي: هم نحن على قول؛ إذ تقدير نحن متفق إنما الاختلاف في تقدير مبتدأ له، والأولى على القول لئلا يتوهم من ينكر قول مخالفته للقول السابق (وأما الوصل لدفع الإيهام فكقولهم: لا وأيدك الله): فقولهم لا إخبار لرد خبر سابق فهو خبر، وأيدك الله جملة إنشائية دعائية، فبينهما كمال الانقطاع، وإنما عطف مع كمال الانقطاع لدفع الإيهام؛ لأن لا وأيدك الله ظاهر في الدعاء على المخاطب يمنع التأييد عنه فنبه بالعطف على أن لا جملة مستقلة فدفع الإيهام علة مشتركة بين الوصل والفصل، لا يقال لا الداخلة على الماضي يلزمه التكرير فلا إيهام مع عدم التكرير؛ لأنا نقول ذلك:

إذا لم يدخل في الدعاء كما تكرر في محله، وقد يعطف للتوسط مع دفع الإيهام كما إذا قيل لك: هل أضرب زيدا؟ فتقول: لا، وأيدك الله، فإن (لا) هنا إنشائية بمنزلة لا تضرب فالعطف للتوسط ولدفع الإيهام، ولا تزاحم، ولك أن

(1) الذاريات: 48.

ص: 33

تعطف مع عدم الجامع لدفع إيهام الرجوع عن الحكم السابق فتقول فلان يكتب ويقعد فيعطف لئلا يوهم ترك العطف أن يقعد رجوع وإضراب عن يكتب.

قال الشارح: لا ردا للكلام السابق فكأنه قيل: هل الأمر كذلك؟ فقيل:

لا.

قلت: جعل لا رد للسابق لا يستدعي تقدير استفهام، ثم الواو في مثل هذا التركيب هل للعطف حتى يكون فيه الوصل أو زائدة لدفع الوهم كما زيد فيه: ربنا ولك الحمد في رواية على ما في الصحاح، مع أنه لا إيهام؟ . أو واو اعتراضية، والجملة الدعائية معترضة كما في قوله:

إنّ الثّمانين وبلّغتها (1)

لي فيه تردد وفي ثبوت الوصل لدفع الإيهام توقف فتأمل. (وإما للتوسط) أي: إما الوصل للتوسط وجزاءه فإذا اتفقتا وأقسامه عقلا اثنى عشر والمكرر منها أربعة والمحصل ثمانية، ومعرفة معنى الوصل لدفع الإيهام، ومعنى الوصل للتوسط مفروغ عنها هناك.

وإنما ذكرهما للتمثيل فقوله: وإما للتوسط (فإذا اتفقتا) أي: الجملتان (خبرا وإنشاء لفظا ومعنى أو معنى فقط) وهو ستة أقسام ليس لتعيين التوسط، بل لتقسيمه ثلاثة أقسام ليأتي بأمثلة ثلاثة لها فلا يرد أنه تعيين بالأعم؛ إذ يدخل فيه مواقع للفصل من كون الجملتين المذكورتين فيما بينهما كمال الاتصال، أو كمال الانفصال أو شبه أحدهما ولا بد من قيود ليتم التعيين.

فقول الشارح: ولا بد من التقييد بوجود الجامع إلا أنه ترك القيد اعتمادا على ما سبق من أنه مع عدم الجامع بينهما كمال الانقطاع فيه آثار الإهمال، فالاتفاق فيه لفظا ومعنى في الخبرية مع الاختلاف في الفعلية والاسمية (كقوله تعالى: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ (2) ومع الاتفاق فيهما مثل قوله تعالى:

(1) البيت لعوف بن محلم الشيباني، أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات: 163، والقزويني في الإيضاح: 197 وتمام البيت:

قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

(2)

النساء: 142.

ص: 34

(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)(1) في الإنشائية مثل (قوله:

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا (2) وكأنه لم يمثل له من المختلفتين في الاسمية والفعلية لعدم وجدانه، والاتفاق معنى لم يذكر له إلا مثالا محتملا لقسمين من أقسامه الستة، وبين الاحتمالين فكأنه مثّل بمثالين، ونبه على أنه مثال الاتفاق معنى فقط، ومثال محتمل لا صرح بإعادة الجار، فقال (وكقوله) تعالى:

(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)(3) فعطف قولوا على لا تعبدون مع اختلافهما خبرا وإنشاء لفظا لاتفاقهما معنى؛ لأن: لا تعبدون بمعنى لا تعبدوا نهيا عدل إليه للمبالغة في النهي كأنه شرع للامتثال فيخبر عنه، ولا بد لقوله: وبالوالدين من متعلق أشار إليه بقوله: (أي: لا تعبدوا وتحسنون بمعنى أحسنوا) يصح عطفه على تعبدون بمعنى لا تعبدوا فيكون مثالا للمتفقين لفظا ومعنى وبقوله (أو أحسنوا) تقديرا لما هو الظاهر فيكون مثالا للمختلفين لفظا متفقين معنى، ويكون في قوله «وقولوا» تكرار لهذا المثال لو كان معطوفا على لا تعبدون تمثيل للقسم الثالث لو كان معطوفا على أحسنوا ومنه قوله تعالى في سورة الصف وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (4) عطفا على تؤمنون قبله في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ (5) لأنه بمعنى آمنوا على ما في الكشاف، وذلك لأن المتعارف في الدلالة والتعليل الأمر لا الخبر، وكأنه عدل إلى لفظ الخبر للتنبيه على أن المراد استمرار الإيمان، لكن «المفتاح» أشار إلى تزييفه وبينه المصنف في الإيضاح أولا بأن عطف فعل مخاطب على فعل مخاطب آخر غير مرض، والمخاطب بتؤمنون هم المؤمنون خاصة بدليل: بالله وبرسوله، والثاني هو النبي صلى الله عليه وسلم.

وقيده الشارح بأنه إذا لم يصرح بالنداء كما في الآية، فلا يقال: قم واقعد

(1) الانفطار: 13، 14.

(2)

الأعراف: 31.

(3)

البقرة: 83.

(4)

الصف: 13.

(5)

الصف: 10، 11.

ص: 35

بدون يا زيد ويا عمرو.

وقال السيد السند: قيل: لأنه قبيح، وقيل: غير جائز، وثانيا بأن:

تؤمنون بيان لما قبله بطريق الاستيناف كأنهم قالوا كيف نفعل؟ فقيل:

تُؤْمِنُونَ أي: آمنوا، فلا يصح عطف بَشِّرِ عليه؛ لأنه لا مدخل له في البيان، وفيه بحث لا نأمن أن المخاطب بالأول المؤمنون خاصة بل النبي والأمة، وللنبي أيضا يجب الإيمان برسالة نفسه على أنه يجوز أن يكون المراد برسوله كل من رسله؛ فتكون التجارة العامة الإيمان، والخاصة بالرسول التبشير، وأن النداء لا يصلح العطف مع تعدد المخاطب إلا برفع الالتباس، والالتباس في الآية مرتفع بتعين الرسول للتبشير فكأنه قيل: بشّر يا محمد، وكفى شاهدا على جوازه عدم تحاشي العلامة عنه ونعم مؤيدا أنهم لم يجعلوا من جهات الفصل امتياز كل فعل عن الآخر بمخاطب مع انتفاء النداء وجعل «المفتاح» بشّر عطفا على: قل محذوفا قبل: يا أيها الذين آمنوا، وحذف القيل سيما في القرآن في غاية الكثرة، وجعل المصنف تقديرا «بشّر» أقرب مما اعتبره، ولما لم يكن رجحان ما ذكره على ما اعتبره السكاكي سوى الشارح بينهما.

(والجامع بينهما يجب أن يكون باعتبار المسند إليهما) في الجملتين (والمسندين) كذلك (جميعا (1) نحو: يشعر) كينصر (زيد ويكتب) للمناسبة الظاهرة بين الشعر والكتابة وتقارنهما في خيال أصحابهما (ويعطي ويمنع) لتضاد الإعطاء والمنع وإنما اعتبر الجامع بين الجملتين باعتبارهما دون الجامع بين المسندين والمسند إليهما؛ لأنه ربما يتحدان: المسندان أو المسند إليهما، وفي اعتبار الجامع بينهما مزيد تكلف وفيه رد وتخطئة لما يفهم من كلام السكاكي؛ حين قال: الجامع العقلي بين الجملتين أن يكون بينهما اتحاد في تصور مثل الاتحاد في المخبر عنه أو الخبر أو في قيد من قيودهما فإنه يفهم منه كفاية الجامع من متصور واحد، فرده المصنف لما فهم من غير هذا الموضع من كلامه أنه لا يكفي الاتحاد في المسند حيث لم يجوز خفى ضيق وخاتمي ضيق مع اتحاد المسند، والجامع يتفاوت بحسب

(1) ظاهر هذا أنه لا يجب أن يكون باعتبار متعلقاتها، وقيل: إنه يعتبر ذلك فيهما أيضا. والحق أنه لا يعتبر فيهما إلا إذا كانت المتعلقات مقصودة بالذات من الجملتين.

ص: 36

المقامات فرب جامع في مقام لا يصلح جامعا في مقام آخر فإذا كنت في دعوى أن الموجودات متفاوتة تقبل منك قولك: الشجر طويل، والنملة قصيرة، والسماء متعالية، وماء البحر راكدة.

ومجرد الشيئية يكفي جامعا للمسند إليهما ومجرد الكون مفيد للتفاوت في المسندين، فليكن هذا ذخرا لك فإن لها منافع جليلة، ومؤنة ضبط قليلة. وبه يندفع ما أورده السيد السند على المصنف أن التعويل على ما ذكره السكاكي من كفاية الاتحاد في متصور، فإن الجامع ما يكون جامعا ولو في موضع ولا يدفع كونه جامعا أنه يمنع عن الالتفات إليه ومقام وخفى ضيق وخاتمي ضيق مقبول في مقام تعداد الأشياء الضيقة المتعلقة بالمتكلم لا يليق في مقام تعداد ضيقات العالم.

ووجه الدفع أن المسند إليه في الجملتين متناسبان في هذا المقام؛ لأن النظر في التعلق بالمتكلم (وزيد شاعر، وعمرو كاتب، وزيد طويل، وعمرو قصير لمناسبة) أي وقت مناسبة (بينهما) معتبرة في المقام كما عرفت فربما كانت أخوة أو صداقة أو مجرد إنسانية أو حيوانية أو جسمية أو شيئية فتفسيرهما بمجرد الأخوة أو الصداقة، وإن وافق الإيضاح تضييق للمسلك الرحيب، ولا يليق بمن له في معرفة الأساليب، عظم النصيب.

(بخلاف زيد شاعر، وعمرو كاتب بدونهما) أي: بدون تلك المناسبة (و) بخلاف (زيد شاعر، وعمرو طويل مطلقا) سواء كانت بين المسند إليهما مناسبة معتبرة أو لا لفوت المناسبة بين الشعر والطول، وقد عرفت أن فوت المناسبة بين الشعر والطول بعيد عن حيز القبول، نعم في أغلب الاستعمالات كذلك، ولا يخفى أن رعاية المناسبة بين الفصلات أيضا مما لا بد منها، وكما تستبعد الفعل جمع جملتين متباعدتين في المسند والمسند إليه يستبعد جمعهما في تباعد قيد من قيودهما، وإن كان تفاوت بين الفصلة وبينهما في الركنية؛ إذ لا يرى النظر البليغ فرق بينهما في جعل الجملتين متباعدتين ولا يبعد أن يقال: ما سوى المسند والمسند إليه من لواحقهما.

***

ص: 37