الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدها: أنه لا دلالة في قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (1) لولا معرفة الروي لجواز أن يكون آخر الكلام وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ أبدا إلى غير ذلك.
وكذا البيت؛ لجواز أن يكون آخر البيت «إلى أن تستطيعا» .
وثانيها: أنه لا دلالة في قوله تعالى: وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً (2) الآية على العجز مع معرفة الروي أيضا؛ لجواز أن لا يكون يختلفون، ويكون مختلفون، بل هو أولى؛ لأنه أقرب طباقا مع الماضي السابق إلا أن يقال المراد بالدلالة على العجز الدلالة على صيغته، وصيغة مختلفون ويختلفون واحدة، وفيه تكلف.
وثالثها: وهو أن معرفة الروى لا تجري في الفقرة؛ لأنه لا روي فيها؛ ولذا يقول في تعريف لزوم ما لا يلزم، وهو أن يجيء قبل حرف الروي أو ما في معناه من الفاصلة إلخ إلا أن يتكلف، ويقال: أراد بالروى ما يعم ما في معناه.
ورابعها: أنه مع معرفة الروي أيضا لا يعرف أن العجز في قوله: وليس الذي حرمته بحرام؛ لأن الروي في بمحرم، وبحرام واحد، فيجب أن يقول إذا لم يعرف القافية.
[المشاكلة]
(ومنه) أي: من المعنوي (المشاكلة) وهي في اللغة الموافقة والمناسبة ظاهرة (وهو) في الاصطلاح (ذكر الشيء بلفظ غيره) وذلك يشمل كل مجاز وكناية، فقيده بقوله (لوقوعه في صحبته) فاللام للوقت، أي: وقت وقوعه في صحبته، وأما ذكر الشيء بلفظ غيره، لا في هذا الوقت، فلا يسمى مشاكلة، وليس اللام للتعليل؛ لأن إطلاق لفظ الغير على الشيء معلل بالعلاقة، والوقوع في صحبة الغير ليس من العلاقات المصححة، والعلاقة قد تكون خفية فلم تظهر في بعض الأمثلة لخفائها على الفحول فأشكل عليهم وجه إطلاق الطبخ على الخياطة مثلا، فتارة قالوا بأن القول بالمشاكلة أثبت قسما آخر سوى المجاز والكناية، وتارة بأنهم قالوا أثبت كون الوقوع في صحبة الغير علاقة المجاز.
(1) العنكبوت: 40.
(2)
يونس: 19.
ونحن نبين لك علاقات أمثلة الشارح على وجه تتخلص من هذه الورطة، وتمكن في تخريج العلاقة بحيث لا يلتبس عليك، ولا يشكل مشاكلة.
(تحقيقا) أي: وقوعا محققا (أو تقديرا) أي: مقدرا، فالأول كقوله (1):
[(قالوا اقترح) أي علينا (شيئا) أي: سل من غير تفكر وتأمل، يقال:
اقترحت عليه شيئا أي: سألته بلا تفكر، وهذا إنما يكون بين الأصدقاء.
وأما ما قال الشارح: إنه من اقترحت عليه شيئا إذا سألته إياه من غير روية وطلبته على سبيل التكليف، والتحكم عن خلط المعنيين، فإن الاقتراح يجيء بمعنى السؤال من غير روية على ما في الصحاح.
ويجيء بمعنى التحكم أيضا على ما في القاموس، على أن إجادة الطبخ لا ينبغي أن تتوقف على التكليف والتحكم، بل ينبغي أن يتحقق بمجرد الإشارة.
وقد يجيء بمعنى الابتداع، ويحتمله البيت أي: ابتدع سؤالا، وسل ما لا يعتاد سؤال مثله (نجد لك طبخه) ولا يخفى أنه أبلغ في الانقياد لأمره من الانقياد لما تعتاد سؤال مثله.
والشارح المحقق ذهل عنه، فقال: ليس من اقترح الشيء ابتدعه، فإنه غير مناسب على ما لا يخفى، وقوله نجد، مجزوم جواب الأمر من الإجادة يعني التحسين، وهو مقتضى الرواية والدراية، وإن كان لنجد من وجد وجه صحة (قلت اطبخوا لي جبّة وقميصا)] (2) عبر عن الخياطة بالطبخ تشبيها له في كونه مما ينبغي أن يكون مرغوبا لهم؛ لأنهم كما قالوا نجد لك طبخه علم أنهم رغبوا في الطبخ له فرغبهم في الخياطة بتصويره بصورة الطبخ.
ومن هذا ظهر أيضا تأثير المشاكلة في المعنى واضمحل ما يوسوس في صدور القاصرين أنه لا يتجاوز تحسين المشاكلة الألفاظ، فحقه أن يعد في المحسنات اللفظية.
ولا يخفى أن هذا التعبير يلائم كل الملائمة كون الاقتراح بمعنى الابتداع، فإنه
(1) قوله «اقترح» امر من «اقترح عليه شيئا» إذا سأله من غير روية وطلبه على سبيل التكليف، وقوله «نجد» بمعنى نحسن.
(2)
البيت لأبي الرّقعمق الأنطاكيّ، توفي سنة (399)، وهو في الإيضاح:(308)، والمصباح:(196).
سؤال مبتدع لم يسمع قط من طبخ الجبة والقميص، وأشار بقوله (ونحوه تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) (1) أي: في ذلك إلى تفاوت بين الشاهدين، فالأول وقع فيه الطبخ، والثاني وقع في الصحة، باعتبار وقوعهما في كلام صادر من شخص واحد، يقال: لا يجوز إطلاق النفس على الله تعالى، وإن أريد به الذات بدون المشاكلة، ولعل ذلك لكون إطلاق الألفاظ عليه تعالى توقيفيا. ولم يوجد إطلاق النفس في غير صورة المشاكلة، وأما إطلاق النفس على ذاته فبعلاقة أنه كما تقوم أمور الشخص بنفسه تقوم أموره تعالى بذاته، فنفسه نفس ذاته، كما أن سمعه وبصره كذلك.
(والثاني) وهو ما يكون وقوعه في صحبته تقديرا (نحو قوله) تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ إلى قوله: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (2) فإنه لم يقع المعنى المراد أعني: التطهير في صحبة الصبغ تحقيقا؛ إذ ليس في الكلام صبغ (وهو مصدر مؤكد لآمنا بالله) أي: من قبيل له على ألف درهم اعترافا، ويجب حذف عامله لذلك ولحذف عامله جهة أخرى، وهو أن المصدر أضيف إلى فاعل الفعل، لا لبيان النوع، وكان الأصل صبغ الله صبغة، فلما حذف الفعل تحول فاعله إلى مصدره فأضيف إليه، وكلما كان كذلك يجب حذف عامله صرح به الرضي، وأشار إلى وجه كونه من قبيل اعترافا بقوله (لأن الإيمان يطهر النفوس) فنبه به على أنه لا يحتمل غير التطهير، وإلا لقال يحتمل تطهير النفوس، ثم أشار إلى بيان وقوعه في صحبة الصبغة تقديرا بقوله: والأصل فيه أي: ما يبنى عليه الأمر في وقوعه في صحبته تقديرا، وهذا أولى من شرح الشارح؛ حيث قال: ثم أشار إلى بيان المشاكلة، ووقوع تطهير الله في صحبته تقديرا (الأصل فيه) أي ذكر التطهير بلفظ الصبغ فتأمل.
(إن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه معمورية ويقولون إنه) أي: الصبغ بهذا الماء الأصفر، والغمس في هذا الماء (تطهير لهم) قال في القاموس ويجعلونه بمنزلة الختان، فقال الله تعالى للمسلمين قولوا آمنا بالله
(1) المائدة: 116.
(2)
البقرة: 138.