الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وإما غير تمثيل، وهو بخلافه) وهو ما لا يكون منتزعا عن متعدد عند غير السكاكي، ويعلم منه غير التمثيل على مذهب السكاكي، وهو ما لم ينتزع من متعدد أو كان وصفا حقيقيا، والمراد بالوصف الحقيقي وجود ما يكون ما انتزع عنه أوصاف حقيقته، وإلا فالهيئة الانتزاعية أمر اعتباري، لا وجود له.
وهذا أولى من جعله وهو بخلافه بيانا لغير التمثيل على المذهبين، كما يفيده عبارة الشارح؛ لأنه يحوج إلى تكلفات بعيدة من جعل ضمير بخلافه إلى ما يطلق عليه التمثيل، وكذا جعل غير تمثيل بمعنى ما يطلق عليه غير تمثيل، بل جعل قوله: إما تمثيل أيضا، ثم اعتبار التوزيع بجعل كل مما يستفاد من قوله، وهو بخلافه لأحد معنى غير تمثيل. ولما فرغ من التقسيم الأول شرع في التقسيم الثاني بقوله:
[إما مجمل او مفصل]
(وأيضا) التشبيه (إما مجمل، وهو ما لم يذكر وجهه).
ولا ما ستتبعه، ولما كان للمجمل تقسيمان عقبه بهما، وفصل بينه وبين قسميه، والأنسب بمقام التعليم تقديم المفصل؛ لأنه وجودي، ولأنه يندفع به طول الفصل بين القسمين بتقديمه، وكأنه نظر إلى أن المجمل أجمل.
(فمنه) أي: فمن المجمل (ما هو ظاهر يفهمه) أي: يفهم وجهه (كل أحد نحو: زيد كالأسد، ومنه خفي لا يدركه) أي: لا يدرك وجهه (إلا الخاصة) سواء أدركه بالبديهة أو بالتأمل.
فالتقسيم للتشبيه، وتسميته بالظاهر والخفي تسمية له بحال الوجه، وجوز الشارح كونه تفصيلا للوجه بإرجاع الضمير إلى الوجه، ويأباه كون قوله: وأيضا منه تقسيما للتشبيه قطعا، وأن يلايمه أن ما ذكر عقيب القسم الثاني من قوله: وقد يتسامح بذكر ما يستتبعه مكانه تفصيل للوجه وكلام فيه.
(كقول بعضهم): هي الأنمارية فاطمة بنت الخرشب حين مدحت بنيها الكملة وهم: ربيع الكامل، وعمارة الوهاب، وقيس الحفاظ وأنس الفوارس، قالهم حين قاله حين سئلت أيهم أفضل؟ فإنها قالت: عمارة، لا بل فلان، لا بل فلان، ثم قالت: ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل (هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها) كذا ذكره الشيخ جار الله، وقال الشيخ عبد القاهر: إنه قال
من وصف بني المهلب للحجاج؛ لما سأل عنهم أيهم الخدي (1) أسجع؟ ولا تنافي بينهما، بل هما يجتمعان على الصدق توارد أو بطريق أخذ المتأخر عن المتقدم، ولا يخفى أن المراد بالخفي الخفي في حد ذاته، فلا يخرجه عن الخفاء عروض ما يوجب ظهوره، كما في هذا الكلام؛ فإن وصف الحلقة أظهر وجه الشبه، فلا اختصاص لهذا التقسيم بالمجمل، بل يجري في المفصل أيضا، وكأنه خصه به للتنبيه على أنه مع خفاء التشبيه بحذف الوجه، والمراد بطرفاها طرفها الأعلى والأسفل الملايمان للأفضل والأدنى، وإذا لم يعلم الأدنى والأعلى لم يعلم الوسط.
(وأيضا) جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه تقديره آض تقسيم المجمل أيضا عاد عودا، وفائدته التنبيه على أنه استئناف تقسيم للمجمل، وليس تقسيما للخفي، إذ ذكر الوصف المشعر بوجه الشبه أنسب بالخفي، ومنه يعلم أن المعترضة قد تدخل بين العاطف والمعطوف وأما ما قاله الشارح: إن اختار منه، ومنه دون إما، وإما للإشعار بأنه من تقسيمات المجمل دون مطلق التشبيه فليس مما يعتد به؛ لأنه لا مجال لتوهم أنه تقسيم مطلق التشبيه؛ إذ لا معنى لتوسط تقسيم بين قسمي تقسيم، بل الوجه أن لا حصر فيما ذكره؛ إذ يحتمل قسم آخر هو ما ذكر فيه وصف المشبه فقط فلذا لم يأت بأداة الحصر، ولم يجعل التقسيم رباعيا لعدم الظفر به في كلامهم، ولا يخفى جريان هذا التقسيم في المفصل، وكأنه لم يتعرض له؛ لأنه لم يوجد؛ إذ لا معنى لإيراد ما يشعر بوجه الشبه مع ذكره، أو لأن ذكره في المجمل لدفع توهم أنه ليس التقسيم مجملا مع ما يشعر بالوجه، ولا داعي لذكره في المفصل.
(منه) أي: من المجمل (ما لم يذكر فيه وصف أحد الطرفين) أي:
وصف يذكر له من حيث إنه طرف، وهو وصف يشعر بوجه الشبه فخرج منه زيد الفاضل أسد؛ لأن زيدا لا يثبت له الفضل من حيث إنه مشبه بالأسد، وبما ذكرنا حققنا أن نقول هكذا ينبغي أن يفهم لا بمجرد ما ذكر الشارح أن المراد بالوصف وصف يشعر بالوجه، ثم قال: هكذا ينبغي أن يفهم، وإنما قدم العدمي، وهو ما لم يذكر اسم على ما هو وجودي في الجملة، وقدم ما هو
(1) كذا بالأصل.
وجودي في الجملة على الوجودي الصرف مع أن حق التعليم يقتضي العكس، حفظا للأقسام عن وقوع فاصلة بينها، ولو بالمثال.
(ومنه ما ذكر فيه وصف المشبه به وحده) لم يذكر مثاله؛ لأنه ذكر آنفا ما هو مثاله (ومنه ما ذكر فيه وصفهما) أي: وصف المشبه والمشبه به كليهما (كقوله) أي: قول أبي تمام في الحسن بن سهل:
ستصبح العيس لي واللّيل عند فتى
…
كثير ذكر الرّضى في ساعة الغضب
العيس بالكسر: الإبل البيض، يخالط بياضها شفرة وهو أعيس وهي عيسا أي: سيدخلني الإبل والسير في الليل صباحا عند فتى.
[(صدفت عنه) أي: أعرضت عنه.
(ولم تصدف) من حد ضرب (مواهبه عنّى وعاوده ظنّي) فلم يخب كالغيث (وهو المطر أو الذي عرضه يريد) إن جئته وافاك ريقه، أي: أوله وأفضله، والموافاة الإتيان (وإن ترحّلت عنه لجّ) اللجاج: الخصومة (في الطّلب) ووصف الفتى بكثرة المواهب أعرضت عنه أو لم تعرض، والغيث بأنه يصيبك حسه أو ترحلت عنه وهذان الوصفان مشعران بوجه الشبه، أي: الإفاضة في حالتي الطلب وعدمه، وحالتي الإقبال والإعراض.
(وإما مفصل) عديل إما مجمل (وهو ما ذكر وجهه) لما كان في هذا التعريف تسامح بجعل ما ذكر مما يستتبع وجهه مكان الوجه داخلا فيما ذكر وجهه، وكان ذلك التسامح مبنيا على تسامح آخر نبه على هذا التسامح وعلى منشأة إخراجا للتعريف عن الإبهام الذي هو غاية تبعيده عن الإتقان والإحكام، فقال:(وقد يتسامح بذكر ما يستتبعه) أي: وجه الشبه (مكانه) والشارح جعل هذا إشارة إلى التقسيم بعد التعريف، يعني المفصل: قسمان ما ذكر فيه وجه الشبه حقيقة، وما ذكر فيه وجه الشبه تسامحا (كقولهم للكلام الفصيح) أي: الفصيح وكلام المفتاح فيه كالصريح أو البليغ، والثاني هو الأشبه؛ لأنه أحق بالتشبيه بالعسل.
(هو كالعسل في الحلاوة) وشاع هذا التسامح إلى أن صارت الحقيقة مهجورة، حتى لو قيل: الكلام الفصيح كالعسل لا يفهم القصد إلى أنه مثل العسل، وفي ميل الطبع إليه ولا يجعل المقدر ذلك، بل لو سئل عن وجه الشبه
لا يجاب إلا بالحلاوة.
(فإن الجامع فيها لازمها، وهو ميل الطبع) أي: محبة وروده، كذا فسره السيد السند في شرح المفتاح، وإنما جعل الجامع ميل الطبع؛ لأنه المشترك بين العسل والكلام، لا الحلاوة التي هي من خواص المطعومات، ولا يبعد أن يجعل وجه الشبه نفس الحلاوة، ويجعل ثبوته في المشبه على سبيل التخييل كما في تشبيه السنة بالنجم، والبدعة بالظلمة.
قال السكاكي: وهذا التسامح لا يكون إلا حيث يكون التشبيه في وصف اعتباري، كميل الطبع وإزالة الحجاب، ويشبه أن يكون تركهم التحقيق في وجه الشبه. حيث قسموه إلى حسي وعقلي، مع أنه في التحقيق لا يكون إلا عقليا كما مر من تسامحهم.
هذا، ويحتمل أن يكون قصده أن تسامحهم ناشئ من تسامح البلغاء من وضع المستتبع مكان وجه الشبه، فيقولون: الكلام البليغ كالعسل في الحلاوة، وزيد كالغراب في سواده، أي: سواد الغراب أو سواد زيد.
وقد يقال زيد كالغراب في سوادهما، فلما وضع البلغاء الحسي الملزوم بوجه الشبه الكلي مكانه نزل علم البيان الكلي الذي هو وجه الشبه منزلة جزئياته، فقسموه إلى حسي وعقلي.
ويحتمل أن يكون قصده إلى أن تسامحهم الأول من قبيل هذا التسامح من تنزيل غير وجه الشبه منزلته، فإنهم نزلوا الجزئي منزلة وجه الشبه الكلي، فقسموه إلى الحسي والعقلي.
والشارح العلامة جرى على الأول، لكن لم يسلك في الحقيقة مسلك السداد، والشارح اعتمد على الثاني، لكن لم يأت في بيانه بما عليه الاعتماد، ومن الله الاهتداء والرشاد.
ولا يخفى عليك أنه نشأ من هذا التسامح أيضا التسامح في عد هذا التشبيه مفصلا، والتسامح في التعريف على ما عرفت.
بقى هاهنا بحث، وهو أن ذكر الحلاوة في مقام ميل الطبع من قبيل ذكر الملزوم، وإرادة اللازم وسلوك طريق المجاز ليس تسامحا (وأيضا) تقسيم ثالث