الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحساس قط، ولأن أنياب الأغوال ورءوس الشياطين ليست من المعاني الجزئية، بل هي صورة؛ لأنها ليست مما لا يمكن أن يدرك بالحواس الظاهرة على تقدير وجودها، وليست أيضا مما له تحقق كصداقة زيد وعداوة عمرو، بل المراد بالخيالي والوهمي ما اخترعته القوة المتخيلة، أعني: القوة التي من شأنها تركيب الأشياء وتعريفها واختراع أشياء لا حقيقة لها، إما من الأمور المحسوسة الموجودة كما في الخيالي، وإما لا عن شيء، بل هو اختراع صرف على نحو المحسوس، كما في الوهمى، ونحن نقول: لم يسموا ما اخترعته الأمور المتخيلة من الأمور العقلية الصرفة وهميا، بل أدخلوه تحت العقلي مطلقا؛ لأنه لا يلتفت إليه، ولا يعتبر في مقام التشبيه، ولا يمكن للواهمة أن يخدع العقل في توجهه إليه، ويجعله متوجها إليه ملتفتا نحوه؛ لأن المعقولات الصرفة تحت سلطان العقل لا يقبل منها إلا الحق أو التشبيه به، ويعرض عن المخترع الصرف في أول نظره، ويتجه وما ذكره الشارح في نفي كون الوهمي من مدركات الوهم من أنه ليس له تحقق ليس بقوي؛ لأن من أفراد مدركات الوهم ما يجوز أن لا يكون له تحقق، بل يكون بحيث لو أدرك بعد وجوده لأدرك بالوهم.
[وما يدرك بالوجدان]
(وما يدرك بالوجدان) فسروا الوجداني بما يدرك بالقوى الباطنة، ومدركاتها لا يخرج من الصور والمعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوس، فإن المدرك من القوى الباطنة إما الحس المشترك وهو لا يدرك إلا الصور، وإما الواهمة وهي لا تدرك إلا المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوس، فليس ما يدرك بالوجدان بعد الخيالي والوهمي السابقين إلا المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوس، لكن في كون كل ما يدرك بالقوى الباطنة وجدانيا خفاء؛ إذ المشهور في الوجدان ما يجده كل أحد من نفسه عقليا صرفا كان، كأحوال نفسه أو مدركا بواسطة قوة باطنية فتخصيص الداخل بالوجداني من بين سائر مدركات القوى الباطنة تخصيص بلا مخصص (كاللذة والألم).
قال الشارح: الحسيين فإنه المفهوم من إطلاقهما بخلاف اللذة والألم العقليين فإنهما ليسا من الوجدانيات، بل من العقليات الصرفة، كالعلم والحياة.
وتحقيق ذلك أن اللذة إدراك ونيل لما هو عند المدرك كمال وخير، من حيث
هو كذلك، والألم كمال ونيل لما هو عند المدرك آفة وشر، من حيث هو كذلك.
وكل منهما حسي وعقلي، أما الحسي فكإدراك القوة الغضبية أو الشهوية ما هو خير عندها وكمال كتكيف الذائقة بالحلو، واللامسة باللين، والباصرة بالملاحة، والسامعة بصوت حسن، والشامة برائحة طيبة، والمتوهمة بصورة شيء ترجوه، وكذلك البواقي.
فهذه مستندة إلى الحس. أما العقلي فلا شك أن للقوة العاقلة كمالا وهو إدراكاتها المجردة اليقينية، وإنما يدرك هذا الكمال ويلتذ به، وهو اللذة العقلية وقس على هذا الألم فاللذة العقلية ليست من الوجدانيات المدركة بالحواس الباطنة، وكذا الألم وهو ظاهر، وأما اللذة والألم الحسيان فلما كان عبارتين عن الإدراكين المذكورين، والإدراك ليس مما يدرك بالحواس الظاهرة دخلا بالضرورة فيما عدا المدرك بإحدى الحواس الظاهرة، وليس من العقليات الصرفة؛ لكونهما من الجزئيات المستندة إلى الحواس، بل من الوجدانيات المدركة بالقوى الباطنة، كالشبع والجوع والفرح والوهم والغضب، وما شاكل ذلك.
هذا كلامه، وتتمة تحقيق المقام أن المراد بالإدراك العلم، وبالنيل تحقق الكمال لمن يلتذ؛ فإن التكيف بالشيء لا يوجب الألم واللذة من غير إدراك؛ فلا ألم ولا لذة للجماد بما يناله من الكمال والآفة، وإدراك الشيء من غير النيل لا يؤلم ولا يوجب لذة، كتصور الحلاوة والمرارة، وإنما قال: من حيث هو كذلك؛ لأن الشيء قد يكون مؤلما وموجبا للذة، والفرق بالحيثية، وإنما قال كمال؛ لأنه يستلزم البراءة من القوة وكمال الشيء خروجه من القوة إلى الفعل، وإنما قال خير باعتبار أنه مؤثر، واللذة باعتبار الحصول والتأثير، كذا ذكره المحقق الطوسي في شرحه للإشارات.
وفيما ذكره الشارح أبحاث:
أحدها: أن المتبادر من اللذة والألم ما هو جسماني، لا روحاني، سواء كان الإدراك بالحس أو بالعقل مثلا نيل الذائقة لحلاوة إذا أدرك لذة الجسمانية، سواء أدرك هذا النيل بوجه جزئي، فيكون الإدراك بالحس أو أدرك بوجه كلي فيكون عقليا صرفا.
وثانيها: أن إدراك القوة الغضبية إن أريد به العلم فلا إدراك للقوة الغضبية، وإن أريد النيل، فلا بد من الشعور به، حتى يكون لذة والشعور به ليس حسيا، كيف ونيل القوة الغضبية ليس معنى جزئيا متعلقا بمحسوس حتى يكون إدراكه بالواهمة أو ليست القوة الغضبية من المحسوسات.
وثالثها: أن تكيف الواهمة بصورة شيء يرجوه مما لا يعقل؛ لأنه إنما يدرك معنى جزئيا متعلقا بمحسوس والمرجو غير موجود، حتى يمكن تعقله على وجه جزئي، بل تعقله قبل الوجود إنما بوجه كلي فهو من مدركات العقل.
ورابعها: أن كمال القوة العاقلة لا ينحصر في الإدراكات النفسية، ولا في إدراك المجردات، بل إدراك المحسوسات أيضا كمال لها كالظنون مثلا. ومن كمالاتها الملكات الفاضلة كالشجاعة والسخاوة إلى غير ذلك. نعم أجل كمالاتها تلك الإدراكات.
وخامسها: أن الإدراك بالقوة الباطنة ليس من الصور المحسوسة، ولا من المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوس؛ لأن القوى غير محسوسة، بل عند التحقيق ذلك الإدراك صفة للنفس المجردة، فلا يكون لذة حسية بمعنى كون إدراكه بالحس.
واعلم أن نيل ما هو خير لا يخص نيل المدرك ما هو خير، بل نيل ما يحبه المدرك أيضا من قبيل اللذة فإدراك الشخص حس أنّبه، فإنه لذة مع أنه نيل أنبه ما هو كمال وخير له، وأن اللذة قد يكون بمجرد إدراك ما هو خير من غير نيل سوى الإدراك كإدراك الصور الحسنة، فإنه لذة ولا نيل سوى إدراكه. ودعوى أن اللذة بإدراك هذا الإدراك ليست ظاهرة، وحينئذ نقول: اللذة العقلية مجرد إدراك النفس الأمور المطابقة إدراكا ثانيا من غير أن يدرك إدراكها كما ذكره الشارح، فليكن سادس الأبحاث، ولتكن الجهات ستة، يكون كل منها لذة.
قال السيد السند: إنه لا يخفى أن إيراد أمثال هذه التحقيقات في أمثال هذه المقامات مما لا يجرى للمتعلم نفعا، بل ربما زاده خبرة في تفاصيل هذه المعاني ودقائق العبارات، فالأولى بحال هذه العلوم أن يقتصر فيها على الأمور العرفية، وما يقرب منها، ولعل ذاك افتخار منه باطلاعه على العلوم العقلية، وما ذكر فيه