الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي احذر ([من بطشي]) أي أخذي الشديد [وفتكي](1) أي قتلي بغتة، والقول بملء الفم القول الصريح الظاهر، أي تقول بموت المرثي، ذلك لأن موته يدل صريحا على أنه لا نجاة من بطشها، أو تقول بعد موت المرثي لأنه كان حاجزا لمفاسد الدنيا مصلحا لها.
[ثانيها: التخلص]
(وثانيها) أي ثاني المواضع الثلاثة التي ينبغي للمتكلم أن يتأنق فيها (التخلص) أي: وجدان الخلاص، يقال خلّصه تخليصا أعطاه الخلاص، ووضعوا لهذا العمل التخلص المبني على التكلف؛ لأنه يحتاج إلى مزيد تكلف ومقاساة تعب في تحصيله.
(مما شبب الكلام به) أي أوقد الكلام به إيقادا شديدا، حتى التهب، يقال شب النار توقدت، وشبت شببا: أوقدت، لازم ومتعد مما قبل المقصود من الشعر بمنزلة وقود يوقد به نار البيان ليقع المقصود في التهابه، أو أخذ هذا اللفظ من الشباب بالفتح بمعنى أول الشيء أي ابتدىء وافتتح به، أو من شب الشعر زاد في لونه وأظهر حسنه وجماله، فمعنى شبب الكلام به زين أو أظهر جماله به، فلا حاجة في حمل التشبيب على الافتتاح، إلى ما نقل الشارح عن الإمام الواحدي من أن التشبيب ذكر أيام الشباب واللهو والغزل، وذلك يكون في ابتداء قصائد الشعر، فسمي ابتداء كل أمر تشبيبا وإن لم يكن في ذكر الشباب.
(من نسيب) أي وصف للجمال (أو غيره) كالأدب والافتخار وغير ذلك (إلى المقصود) متعلق بالتخلص (مع رعاية الملائمة بينهما) أي بين ما شبب الكلام به، وبين المقصود واحترز به عن الاقتضاب وهو ارتجال المقصود من غير تمهيد مقدمة من المتكلم، وتوقع من المخاطب. في «الصحاح»: الاقتضاب:
الاقتطاع، واقتضاب الكلام ارتجاله.
واعلم أن التخلص في العرف تخصيص بالانتقال ما شبب به الكلام إلى المقصود مع رعاية الملائمة بينهما، على ما صرح به في الإيضاح، فالأولى أن يقال:
وثانيها التخلص أي الانتقال مما شبب إلخ، ليعلم الناشئ الاصطلاح، ولا يظن
(1) البيت في الإيضاح: 371 لأبي الفرج الساوي. هي: ضمير الشأن أي الحال والقصة. تقول بملء فيها:
تقول مجاهرة رافعة صوتها وطريقة الكناية حيث الدنيا لا تقول.
العارف الإطالة، لكن ما ذكره الشارح من أنه لا معنى لقوله: مما شبب به الكلام من نسيب؛ لأن التشبيب يعنيه هو التشبيب، وهو أن يصف الشاعر حال المرأة وحاله معها في العشق، يقال هو تشبب بفلان أي نسب بها فتشبب الكلام بالنسيب أو نحوه، مما لا يظهره معناه في اللغة، اللهم إلا أن يقال: لما كان أكثر ما يفتتح به القصائد والمدائح نسيبا وتشبيبا ذكر التشبيب، وأراد مجرد الابتداء والافتتاح فقد اندفع بما حقق على أنه مما يعجب؛ لأنه لا مجال له بعد ذكر كلام الإمام الواحدي، ثم إن التخلص قليل في كلام المتقدمين، كما سيشير إليه، من أن مذهب العرب هو الاقتضاب، وأما المتأخرون فقد لهجوا به لما فيه من الحسن وبراعة الشاعر، ولعل حسن الاقتضاب، وأما المتأخرون فقد لهجوا به لما فيه من الحسن وبراعة الشاعر، ولعل حسن الاقتضاب دعوى أن المقصود من كمال الحسن بلغ غاية مراتب القبول، بحيث يتمكن في جبره أينما وقع، ثم وجوب التأنق في التخلص ليس مبنيا على عدم صحة الاقتضاب، وليس دائرا على مذهب المتأخرين، كما يكاد يتقرر في الوهم القاصر؛ بل مع حسن الاقتضاب إذا عدل عنه إلى التخلص ينبغي أن يتأنق فيه.
(كقوله) أي قول أبي تمام في عبد الله بن طاهر: ([يقول في قومس]) بالضم وفتح الميم: صقع كبير بين خراسان وبلاد الجيل أو إقليم بالأندلس والظرف يتعلق بيقول [قومي] فاعل يقول ولا يخفى شدة تناسب قومي وقومس، سيما مع تناسب السين والياء؛ لأن أحدهما ينقلب إلى الآخر كما في سادس وسادي [وقد أخذت منّا] حال من قومي أي نقصت منا القوة وأثرت فينا، يقال أخذ منه إذا أنقصه وأثر فيه [السّرى] اعتبر تأنيث السرى على لغة بني أسد فيها، وفي هدى؛ لأنهما على وزن الجمع دون المصدر الأعلى، استعمال قليل، فتوهموا أنهما جمع سرية وهدية، على وزن غرفة، وليس التأنيث لتغليب خطى على السرى؛ لأن المؤنث لا يغلّب على المذكر، والسّرى: السير عامة الليل [وخطى] جمع خطوة كسبحة وهي ما بين القدمين [المهريّة] المنسوبة إلى مهرة بن حيدان؛ بطن من قضاعة، فيهم نجائب تسبق الخيل، فيقال لإبلهم إبل مهرية [القود](1)
(1) البيتان أوردهما القزويني في الإيضاح: 372 لأبي تمام. قومس: موضع جهة خرسان. السرى: السير ليلا. المهرية: الإبل المنسوبة إلى مهرة. القود: جمع قوادة وهي الذلول المنقادة.
جمع أقود، وهو الشديد العنق، وقال الشارح: وهي الطويلة الظهور والأعناق، أي يقول في قومس قومي، والحال أن مزاولة السّرى ومسايرة المطايا لخطى قد أثرت فينا، ونقصت من قوانا، فقوله: وخطى المهرية عطف على السرى، لا على قوله منا، بمعنى أن السرى أخذت منا ومن خطى الإبل، على ما يتوهم ومفعول يقول قوله:[أمطلع الشّمس] مبتدأ خبره [(تبغي)] أي تطلب [(أن تؤمّ) أي تقصده [بنا] أي معنا يعني هل تسري معنا الليل إلى مطلع الشمس، يحتمل أن يريدوا الشمس الحقيقي، ويحتمل أن يريدوا منزل ممدوحه [فقلت كلّا ولكن مطلع الجود] ردع للقوم وتنبيه، يعني لا أقصد مطلع الشمس مع وجود مطلع الشمس، وتنبهوا أنه لا وجه لقصد مطلع الشمس مع وجود مطلع الجود، أو أنه لا ينبغي أن يسمى منزله منزل الشمس، ولكن مطلع الجود. قال الشارح:
وأحسن التخلص ما وقع في بيت واحد كقول أبي الطيب:
نودّعهم والبين فينا كأنّه
…
قنا ابن أبي الهيجاء في قلب فيلق (1)
البين: الفراق، والفيلق: الجيش.
(وقد ينتقل منه) أي مما شبب به الكلام (إلى ما لا يلائمه ويسمى) ذلك الانتقال (الاقتضاب وهو مذهب العرب) أي العرب الجاهلية يرشد إليه قوله (ومن المخضرمين) أي الذين مضى بعض عمرهم في الجاهلية وبعضه في الإسلام أو من أدركهما، أو شاعر أدركهما، فالقلة المستفادة من قوله وقد ينتقل بالنسبة إلى من بعد العرب والمخضرمين، فإياك وتوهم القاصر أن التمثيل بشعر أبي تمام للاقتضاب الذي هو مذهب العربية، ومن يليهم سهو (كقوله) أي: قول أبي تمام، وهو من الشعراء الإسلامية في الدولة العباسية:([لو رأى الله]) أي علم الله ([أنّ في الشّيب خيرا جاورته الأبرار في الخلد]) أي في الجنة بقرينة الأبرار [(شيبا)] جمع أشيب حال من الأبرار؛ لأن اللائق أن يجاوره الأبرار على أحسن حال، أو لأن الجنة دار الخير، ولا يخفى أن مقتضى المقام أن يقول ما جاوره أحد من الأبرار شابا، إلا أنه راعى مصلحة الوزن، فجعل المعنى تابعا للفظ، ثم
(1) البيت للمتنبي في ديوانه ص 98 من قصيدة مطلعها:
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقى
…
وللحب ما لم يبق مني وما بقي
انتقل إلى ما يلائمه فقال:
(كلّ يوم تبدي صروف الليالي
…
خلقا من أبي سعيد غريبا) (1)
ويمكن أن يخرج هذا البيت من الاقتضاب إلى التخلص، بأن يقال: رجح بترجيح الشباب على الشيب الخلق الغريب الجديد على الخلق القديم، أو بأن يقال يريد إنه مع ابتلائي بالشيب لا بأس لي بظهور غرائب خلق أبي سعيد، ولا يخفى أنه لا يوافق نفي الخبر عن الشيب، ما جاء في مدح الشيب وفضله في الشرع، فاللائق بحال الشاعر المسلم الاجتناب عن مثله.
(ومنه) أي من الاقتضاب (ما يقرب من التخلص) في أنه يشوبه شيء من الملائمة (كقولك بعد حمد الله: أما بعد) فإني قد فعلت كذا وكذا، وهو اقتضاب من جهة أنه قد انتقل من الحمد إلى كلام آخر من غير رعاية ملائمة بينهما، لكنه يشبه التخلص من جهة أنه لم يؤت بالكلام الآخر فجأة من غير قصد إلى ارتباط وتعليق بما قبله، بل إلى لفظ: أما بعد، أي مهما يكن من شيء بعد حمد لله، فكذا أقصد إلى ربط هذا الكلام بما قبله.
(وقيل: وهو فصل الخطاب) في القاموس: أما بعد أي بعد دعائي لك، وأول من قاله داود عليه السلام أو كعب بن لؤى، هذا ويعلم منه أنه يقال من غير أن يقع بعد حمد أو غيره، ومعناه حينئذ بعد دعائي لك، والأظهر: أن فصل الخطاب الفاصل بين الحق والباطل أو الخطاب المفصول الغير المتشابه، وكل منهما نتيجة العلم بالشيء على وجه الكمال، وإن قال ابن الأثير: والذي أجمع عليه المحققون من علماء البيان أن فصل الخطاب هو: أما بعد؛ لأن المتكلم يفتتح في كل أمر ذي شأن بذكر الله تعالى، وبتحميده، فإذا أراد أن يخرج منه إلى الغرض المسوق له فصل بينه وبين ذكر الله تعالى بقوله: أما بعد، هذا والمفعول المقبول أن المراد من هذا المفعول أن أما بعد من فصل الخطاب.
وكقوله (هذا وإنّ للطّاغين لشرّ مآب)(2) فذكر هذا بقربه إلى التخلص، لأن فيه نوع ارتباط لأن الواو بعده للحال ولفظ: هذا، إما خبر
(1) البيتان في الإيضاح: 373، وهما مثال للاقتصاب مطلقا.
(2)
ص: 55.