الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاشتمال أو الصيانة، فتدبر وتذكر التحقيق بمعونة التوفيق، ومنهم من قال في الوجه الثاني مسامحة؛ لأن اللباس يصون صاحبه عن البرد، لا عن فضيحة الفاحشة ككل من الرجل والمرأة، وقد ظهر فساده ويمكن أن يكون وجه الشبه أن كلا منهما يجعل صاحبه موقرا معززا في أعين الناس، كاللباس؛ ففيه إشارة إلى أنه كلما كان الزوج أطهر وأزكى، ويكون أدخل في التوقير كاللباس، وإنما قدم غير مقيدين مع أنه عدمي والمقيدان وجوديان؛ لأنه أقوى في الإفراد الكلام الذي فيه.
(أو مقيدان كقولهم لمن لا يحصل من سعيه على طائل: هو كالراقم على الماء) فإن المشبه هو الساعي المقيد بأن لا يحصل من سعيه على طائل، والمشبه به هو الراقم المقيد بكون رقمه على الماء؛ لأن وجه الشبه فيه التسوية بين الفعل وعدمه، وهو موقوف على اعتبار هذين القيدين.
وقد نبه بهذا المثال على أن القيد يشمل الصلة والمفعول، ولا يخص بالإضافة والوصف كما هو المشهور، ومن القيود الحال. (أو مختلفان) في التقييد وعدمه (كقوله:[والشّمس كالمرآة في كفّ الأشلّ] يقال: الواو حالية، والجملة حال عن المصراع السابق، ومضمون البيت أن الصياد اصطاد، والشمس كذلك فالشمس المطلقة ليست كالمرآة المذكورة، بل هي مقيدة بزمان مخصوص وهو الصباح أو العصر، إلا أن يقال: لا يكفي في تقييد طرف التشبيه بزمان مخصوص مثلا، بل لا بد من اعتباره في نظم الكلام، حتى يكون الطرف مقيدا.
(وعكسه): عطف على قوله كقوله أي: كعكس قوله: وهو المرآة في كف الأشل كالشمس.
[وإما تشبيه مركب بمركب]
(وأما تشبيه مركب بمركب كما) أي: تشبيه (في بيت بشار) الإضافة عهدية يشار بها إلى ما سبق من قوله: [كأنّ مثار النّقع] البيت وتشبيه المركب بالمركب قد تكون بحيث يمكن فيه تشبيهات متعددة بلا تكلف، كما في قوله:
وكأنّ أجرام النّجوم لوامعا
…
درر نثرن على بساط أزرق (1)
(1) البيت لأبي طالب الرقي، وهو من شعراء اليتيمة وانظر البيت في الإيضاح:214.
فإنه كما يشبه الهيئة المنتزعة من أجرام النجوم اللوامع في أديم السماء الصافية الزرقاء هيئة درر نثرن على بساط أزرق.
كذلك يشبه أجرام النجوم اللوامع بالدرر، وأديم السماء بالبساط الأزرق شبها واضحا عاريا عن التكلف، لكنه أين هو عن التشبيه الذي يريك الهيئة التي تملأ القلوب سرورا وعجبا من طلوع النجوم مؤتلفة متفرقة في أديم السماء، وهي زرقاء زرقتها الصافية، وقد يكون بحيث لا يمكن فيه تشبيهات إلا بتكلف، كما تكلف من لم يذق حلاوة التشبيه المركب في قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً
…
(1) الآية فقال شبه المنافق بالمستوقد نارا وإظهاره الإيمان بالإضاءة، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار.
وقد يكون بحيث لا يمكن فيه تشبيهات متعددة، ومثلوا لذلك بقوله:
كأنّما المرّيخ والمشترى
…
قدّامه في شامخ الرّفعه
منصرف باللّيل عن دعوة
…
قد أسرجت قدّامه شمعه (2)
فإنه لا يصح تشبيه المريخ بالمنصرف بالليل عن دعوة.
أقول: وأن لا يحسن تشبيه المريخ بالمنصرف عن دعوة مع الاقتصار عليه، لكن يصح تشبيهه بالمنصرف عن دعوة، وتشبيه المشتري قدامه بشمعة أسرجت، فإن التشبيه ربما لا يحسن وحده، ويحسن إذا جمع مع تشبيه آخر، فبهذا عرف عن التشبيه المتعدد ما يقرب التشبيه الواحد المركب في التضام والتلاصق. وعرف أنه كم بين التشبيه المتعدد والتشبيه المركب، وأنه ليس التشبيهات المركبة في مرتبة فإن ما ساغ فيه التشبيهات المتعددة أيضا بلا تكلف له فضل على ما ساغت فيه بتكلف، وما ساغت فيه بتكلف له فضل على ما لم تسغ فيه أصلا، بل ما ساغت فيه، ولا بد من اجتماعها لهذا المساغ أعلى من الكل؛ لأن وجه تعدده يشبه وجه وحدته في التضام والتلاصق.
ولا يبعد أن يقصد تشبيه المركب بالمركب والأجزاء بالأجزاء في إطلاق
(1) البقرة: 17.
(2)
البيتان للقاضي التنوخي، علي بن داود أبي فهم، الشاعر الكاتب الناقد، صديق الوزير المهلبي. وهما في الإيضاح:228.