الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحيوانية، لا في الحيوان كما هو دأب أرباب اللسان، وكون الشيء حيوانا ليس جنسا، فكأنه أريد بالوجه الداخل على ما يؤخذ بالنظر إلى الداخل، وأن قوله غير خارج يشمل نفس الحقيقة؛ ولذا اختاره على الداخل، وإنما قدمه على القسم الثاني مع كونه سلبيا له وغير عريق في لطايف الشبيه، بل لا يجري فيه إلحاق الناقص بالكلام الذي هو العمدة في باب التشبيه؛ إذ هو مبنى الاستعارة، وكيف وقد تقرر أنه لا تفاوت الأشياء في الذاتيات، وهي في الأمور المشاركة فيه سواء، لعدم تقسيمه وتقسيم الثاني وتذييله بتفصل، فلو قدم لا قضى بفصل قسيم عن آخر بفصل طويل، ولا يذهب عليك أن دخول بعض المفهومات الكلية في الأشخاص وخروج بعضها من تدقيقات الفلسفة، وتحصيل التمييز عنهما بالتحليل، وهم مع طول باعهم فيه معترفون بالعجز عن تمييز الحقيقة عن غيرها؛ لتعسر تمييز الجنس عن العرض العام وتعسر تمييز الفصل عن الخاصة، وهم مخصون فيه، بل يتعسر تمييز الحقيقة عن أجزائها أو يحتمل أن يكون تمام حقيقة الإنسان الناطق الحيوان أو يكون الناطق خاصة غير شاملة، ويتعسر تمييز الجنس عن فصل الجنس أو يحتمل أن يكون جنس الإنسان مجرد الحساس.
أما أهل العرف واللسان فلا يعقلون من الداخل في الطرف إلا الأجزاء الخارجية، فالداخل في الإنسان عندهم الرأس واليد والرجل وهم برآء عن التشبيه في مفهوم داخل في الحقيقة، وليس المشبه به عندهم إلا المعاني القائمة بالطرفين، وليس الجنس والنوع عندهم إلا الأخص والأعم فالماشي نوع المتحرك عندهم والمتحرك جنسه، فأمثال هذا التقسيم من تفلسف السكاكي والبهتان العظيم.
(صفة): هي الخارج لا بد أن يكون معنى قائما بالطرفين، والخارج الذى ليس كذلك غير صالح لكونه وجه شبه (إما حقيقية) أي: موجودة في الطرفين لا بالقياس إلى شيء.
[إما حسية كالكيفيات الجسمانية]
(وإما حسية)(1) أي: مدركة بالحس الظاهر (كالكيفيات الجسمية) أي: المنسوبة إلى الجسم باختصاصها به والكيفية نسبة إلى كيف كالماهية إلى ما
(1) ذكره القزويني في معرض حديثه عن التشبيه، وعرفه بالتشبيه الحسي وأضاف: والمراد بالحس المدرك هو أو مادته بإحدى الحواس الخمس الظاهرة.
والكمية إلى كم وضعت لما يجاب به عن السؤال بكيف.
وخصها المتكلمون ببعض الأحوال فكيفية فتكيف من مصنوعاتهم صرح به أهل اللغة، وليس المقدار والحركة منها عندهم كما يعلمه من فنهم، فتارة يقال أراد بالكيفيات مطلق الصفات، وتارة يقال: أراد بالمقدار وضعه من الطول والقصر والتوسط بينهما، وبالحركة السرعة والبطء والتوسط بينهما ويزيف الثاني بأن في كون هذه الأمور صفات حقيقة نظرا إذ رب طول يصير قصيرا بالنسبة إلى طول، ورب بطء يصير سرعة بالنسبة إلى آخر.
ونحن نقول لو جعل قوله كالكيفيات الجسمية مثالا للصفات الحسية وقوله مما يدرك بيانا لها وإشارة إلى نفسها لم يرد شيء.
(مما يدرك بالبصر) هو في اللغة حاسة العين ونفسها، وفي عرف الحكمة قوة مرتبة في العصبتين المجوفتين اللتين يتلاقيان فيفترقان إلى العينين، وفيه نظر؛ لأنه لا يصدق على بصر بعض الحول، فإن الحول قد يكون بتقاطع العصبتين إلى العينين، وقد يكون بعدم تلاقيهما فلا يصدق التعريف على بصر من لم يتلاق عصبتاه، بل على بصر الأحوال أصلا، لما قيل: إن قوله يتلاقيان فيفترقان ينبئ عن عدم التقاطع فتفطن. ولا يخفى أنه يدرك بالبصر غايته أنه لا يدرك مطابقا إذا لم يكن حوله نظريا، بل يكون عارضا ويرى الواحد اثنين، ويصدق على قوى أخرى مودعة فيهما.
(من الألوان والأشكال) المدرك بالذات بالبصر هو اللون والضوء، وما عداهما يدرك ثانيا، وبالعرض واللون مع كونه مدركا بالذات إدراكه مشروط بإدراك الضوء اكتفأ، وكأنه لم يذكر الضوء بذكر يدرك بالذات في التنبيه على المدرك بالذات.
واختار اللون بالذكر تنبيها على أنه المدرك بالذات دفعا لما يتوهم من توقف إدراكه على إدراك الضوء أنه مدرك بالعرض، وأكثر ذكر المدرك بالعرض؛ لأنه أبعد من كونه مبصرا كما بالغ في توضيحه.
والأشكال كالشكوال جمع شكل وهو في اللغة الصورة المحسوسة والمتوهمة في عرف الحكمة هيئة إحاطة نهاية واحدة بالجسم أو السطح كالكرة والدائرة أو
نهايتين كشكل نصف الكرة ونصف الدائرة أو أكثر مما لا يليق تفصيله بالمقام.
(والمقادير): هي جمع مقدار، وهو في اللغة مبلغ الشيء وفي عرف الحكمة كم متصل قار الذات والكم عرضي يقبل التجزأ لذاته ونعني بالاتصال أن يكون لأجزائه حد مشترك بتلاقي عنده بمعنى أن كل جزء فرض فيه يكون نهايته متحدة مع مبدأ الآخر بخلاف العدد، فإن الأربعة إذا قسم إلى نصفين مثلا لم يكن نهاية نصف منها مبدأ نصف آخر، وهذا هو الاتصال الذاتي الذي هو فصل للكم المتصل بخلاف الاتصال العرضي كاتصال خط بخط فإنه متصل بالقياس إلى الغير لا في حد ذاته، وبهذا اندفع أنه لا نهاية لسطح الكرة فلا يكون كما متصلا؛ لأن الحدس هو الحد الفرض اللازم بعد فرض القسمة لا النهاية الموجودة.
وذكر قار الذات لإخراج الزمان؛ لأن المراد به أن يكون الأجزاء المفروضة ثابتة، وليس الزمان كذلك.
(والحركات): جمع حركة على وزن عرفة وهي لغة ضد السكون. وفي عرف المتكلمين حصول جسم في مكان بعد حصوله في مكان آخر.
قال الشارح: يعني مجموع الحصولين وهذا مختص بالحركة الأبنية هذا، وفي التعريف أنظار لا يفي به المقام، وعند الحكماء هو الخروج من القوة إلى الفعل على سبيل التدريج عن الخروج دفعة كتبدل الصورة النارية بالهوائية، فإنه يسمى كونا وفسادا لا تقول الحركة من الأعراض النسبية، فكيف جعلها صفة حقيقية؛ لأنا نقول نفس النسبة لا تكون صفة حقيقية، وأما معروض النسبة يكون حقيقية والحركة نسبية بالمعنى الثاني، وقد نبه بإيراد الأمثلة جموعا على تنوع كل منها.
أما الألوان والأشكال فظاهرة، وأما المقادير فلأنها إما أجسام تعليمية، وإما سطوح وإما خطوط وإما الحركات فلانقسامها إلى الوضعية وغيرها أو إلى القسرية والطبيعية والإرادية إلى غير ذلك.
(وما يتصل بها) قال الشارح: أي بالمذكورات كالحسن والقبح المتصف بهما الشخص باعتبار الخلقة التي هي عبارة عن مجموع الشكل واللون، من الضحك والبكاء الحاصلين باعتبار الشكل والحركة وكالاستقامة والانحناء والتحدب والتقعر
الداخلة تحت الشكل، وغير ذلك.
هذا وفيه أنه حمل الحركات على كيفياتها من سرعتها وبطؤها، والحالة المتوسطة بينها حفظ لما هو المصطلح من الكيفيات على ما هو أحد التوجيهين السابقين، فلا يصح حينئذ تمثيل ما يتصل بالمذكورات بالضحك والبكاء الحاصلين باعتبار الشكل والحركة.
وأما قوله الداخلة تحت الشكل تقييد للأمور الأربعة لأنها تعرض للخط قطعا مع أنه لا شكل له لأن نهايتي الخط لا يحيطان به، وأما ما يعرض للخط فداخل في قوله غير ذلك فإنها أيضا مما يتصل بالمذكورات؛ لأنها مما يتصل بالمقدار فلا يتجه ما أورده السيد السند عليه من أن هذه الأمور تعرض للخط ولا شكل له.
نعم يتجه أنها لما كانت داخلة تحت الشكل فقد دخلت في قوله والأشكال؛ فلا معنى لجعلها داخلة تحت ما يتصل بها إلا أن يقال تسامح في قوله تحت الشكل، وأراد به تحت ما يتصل بالشكل الأول.
وأورد السيد السند أن الأشكال مما يتصل بالمقادير فلا وجه لضمها مع الألوان وإفرادها عما يتصل بها ويرده أن إفرادها وضمها إلى الألوان؛ لأن حسن الشخص وقبحه مما يتصل بمجموعها.
(أو بالسمع) عطف على قوله بالبصر وهو في اللغة الأذن، وحد الأذن يكون للواحد والجمع. وفي عرف الحكمة قوة رتبت في العصب المفروش على سطح باطن الصماخين يدرك بها الأصوات، وفيه نظر؛ لأنه يصدق على قوة رتبت في إحدى العصبتين. (من الأصوات الضعيفة والقوية والتي بين بين) وإنما وصف الأصوات تنبيها على أن أنواعها أمور اعتبارية لا غير بينها إلا باعتبار أوصاف متفاوتة بالإضافة بخلاف الألوان وأخواتها، والطعوم، والروايح.
وفي كون الأصوات باعتبار القوة والضعف والتوسط من الأصوات الحقيقية نظر؛ لأنها تختلف باختلاف المضاف إليها، ولا يذهب عليك أن للأصوات أيضا أمورا منفصلة، بها تدرك بالسمع كحسنها وقبحها، والكيفيات الحاصلة من الاعتماد على مخارج الحروف وكونها، موزونة ومنشورة، وكذا للطعوم والروايح؛ فتخصيص ما عد من مدركات البصر ومدركات اللمس بقوله: وما يتصل بها آنفا
في لا موجب له.
(أو بالذوق) هو في اللغة مصدر ذاق بمعنى اختيار الطعام.
وفي عرف الحكمة قوة منبثة في العصب المفروش على جرم اللسان، وفيه أنه يخرج عنه القوى المودعة في أبعاض هذا العصب، ويدخل فيه قوى غير مدركة للطعوم مودعة فيه، ويمكن دفع الأول بأدنى تمحل فانظر وادفع النظر.
(من الطعوم) وأصولها تسعة وطرفاها الحلاوة والمرارة، وما بينهما من الحرافة والملوحة والحموضة والدسومة والعفوصة والقبض والتفاهة.
والعفوصة: طعم ينقبض به ظاهر اللسان وباطنه.
والقبض: طعم ينقبض به ظاهر اللسان.
والتفاهة: طعم لا يحصل من ذي الطعم بسهولة لكمال صلابته، والبعض لهم يقبض ظاهر اللسان، وقد يستعمل بمعنى القابل للطعم.
(أو بالشم) وهو في اللغة حس الأنف.
وفي عرف الحكمة قوة مرتبة في زائدتي مقدم الدماغ الشبيهتين بحلمتي الثدي وفيه.
(من الروايح) جمع رايحة. قال الشارح: لا حصر لأنواعها ولا أسماء لها إلا من جهة الموافقة أو المخالفة كرايحة طيبة أو منتنة أو من جهة الإضافة إلى محلها كرايحة المسك أو إلى ما يقارنها كرايحة الحلاوة.
هذا وكان المراد بالأنواع المفهومات المندرجة تحتها، وإلا فالرايحة الطيبة ورايحة المسك ليستا نوعين مختلفى الحقيقة، ولا يبعد أن يكون رايحة الحلاوة من قبيل الإضافة إلى المحل، ويكون المراد رايحة ذي الحلاوة.
(أو باللمس) هو في اللغة المس باليد.
وفي عرف الحكمة قوة سارية في البدن كله تدرك بها الملموسات.
قالوا: لم يختلف في الكبد والرئة والعظم والطحال والكلية، فعلى هذا لا يصدق التعريف على شيء من المحدود، ولا يصلحه ضم الاستثناء أيضا؛ لأنه لا يصدق على لامسة عضو عضو.